مسلم عباس
تحدثت في مقال سابق عن “المحرر الناسخ وسيطرة الإعلام الحكومي”، تطرقت فيه إلى نقطة جوهرية متمثلة بغياب الرؤية لدى من يديرون المؤسسات الإعلامية العراقية، ما يضطرهم إلى مطالبة العاملين بعدد أكبر من الأخبار وكأنهم في سباق لتحطيم الأرقام القياسية بغض النظر عن نوعية المعلومات وجدارتها للنشر.
وتسببت ظاهرة السباق على زيادة العدد في سطوة الإعلام الحكومي على وسائل الإعلام العراقية من خلال استغلالها ثغرة كسل المحرر من جهة والمطاليب المتكررة من قبل الإدارة بالعدد على حساب النوع ما يضطره إلى حشو أي خبر أمامه، ما دفع الإعلام الحكومي إلى تجهيز البيانات الصحفية على شكل أخبار تتناسب وهذا الوضع المشوش، فتجد جميع البيانات الحكومية طريقها للنشر في وسائل الإعلام بدون زيادة أو نقصان أو تفنيد لما فيها من مغالطات أو دعاية سياسية.
ولا أريد تكرار ما كتبته عن ضرورة خضوع الخبر الصحفي لمعايير النشر، وفي العراق، غالبًا ما تكون فكرة معايير النشر مفقودة، بل ويستغرب منك محرر الأخبار عندما تتحدث معه بهذه اللغة.
إن معايير النشر المعتمدة لدى الغالبية من الصحفيين هي الانتشار بين المجتمع، فالقضية التي يتداولها الناس ويلوكونها مثل العلكة يوميًا يأتي الصحفي ليعيد ما قاله الناس بطريقة بسيطة تخلو من المعالجات الصحفية العميقة.
فلا تكاد تتجاوز مسألة تناول القضايا المجتمعية والسياسية في الإعلام العراقي حدود الشكوى المبتذلة المصحوبة بالبكائيات لاستدرار العطف، مضافًا إليها توجيه تهمة الفساد للحكومة سواء بمناسبة أو بدون مناسبة، بل في بعض الأحيان تلصق هذه التهمة ليست كجزء من المعالجة للموضوع المطروح بقدر ما هي ملء فراغ لقلة عدد الكلمات اللازمة لاستكمال الخبر.
شوائب الأخبار
عندما نطلق مصطلح “شوائب الأخبار” نحن نريد القول أن هناك كمية كبيرة من الأخبار لا تصلح للنشر، وهي تشبه الشوائب في أي مادة أو سلعة، والمعروف أنه كلما قلت الشوائب زادت الجودة وزاد معها الطلب من قبل المستخدمين.
وهذا ما يحدث بالضبط مع الأخبار، إذا زادت جودتها وانخفضت نسبة الشوائب زاد عدد قراء المادة المنشورة عبر وسائل الإعلام، والعكس صحيح، زيادة عدد الشوائب الخبرية تقل المشاهدات.
واستسهال صناعة الأخبار أحد أهم مسببات نشر “الشوائب الخبرية”، لأن الخبر في نظر مروجي الشوائب هو احتوائه على عنوان ومقدمة ومتن، وفيه تصريح أو عدة تصريحات، أما اذا كان تقريرًا فيمكن زيادة عدد الكلمات وعدد التصريحات فيتحول الخبر إلى تقرير، ونفس الخبر يتم تطويره إلى تحقيق عند زيادة الكلمات والتصريحات عن تلك الموجودة في التقرير.
الواقع أن هذا لا يعد عملًا إعلاميًا، ومن يعمل بهذه الطريقة مثل من يبيعون العسل المغشوش، شكله يشبه العسل، والاناء الذي يحتويه والعبارات المكتوبة “عسل طبيعي 100%”، والحقيقة أنه ماء وسكر مطبوخ بطريقة تجعله يشبه العسل، ولا يعطي أي طعم له فلا يشتريه الناس.
ولتوضيح الفكرة أكثر، تشبه “الشوائب الخبرية” ملابس “البالة المستعملة”، شكلها جديد لكنها مستعملة وقديمة وتصاميمها غريبة.
في وسائل الإعلام الإخبارية تجد كل شيء يشبه الإعلام، موقع إلكتروني أو إذاعة أو تلفزيون، محتوى موضوع في قوالب أخبارية مميزة، عنوانات جذابة، مع صورة ونص وتصريحات، وتبويب للموضوعات بشكل يجعلها طبق الأصل.
إلا أن مشكلة هذه الوسائل الإعلامية تحملها كمًا هائلًا من الموضوعات التي لا يريدها الجمهور، والسبب يعيدنا إلى النقطة الأساسية، “عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الوسيلة الإعلامية التي يفترض لو وجدت لجعلتها تعرف ما تريد بالضبط، وإلى أي جمهور تتوجه”، والنتيجة وقوعها في فخ نشر كل شيء، بدون فلترة وإعادة ترتيب المعلومات وفق الرؤية التي تترجم إلى سياسة تحريرية.
نعم قد تعترض صديقي القارئ المتقد الذهن، وتقول كل وسائل الاعلام العراقية لديها سياسة إعلامية واضحة، بدليل اختلافها في تناول القضايا المحورية مثل قضية التظاهرات أو قضية الموقف من الوجود الأميركي في العراق، والوجود التركي أو النفوذ الإيراني؟ وهنا أتفق معك صديقي القارئ، لكن هذا ليس محور حديثي لانني سوف افرد له مقالًا.
أتحدث عن شوائب الأخبار التي تحشر في كل وسيلة إعلامية، ولا تخضع للتحرير وتجدها مكررة في أغلب وسائل الإعلام، وإذا ما حدث خطأ من المصدر، تجده مكررًا لأنه منسوخ من نفس المصدر، مثل أخبار المنوعات، وبيانات أعضاء مجلس النواب، وتصريحات الحكومة وأعضائها، أو تناول القضايا ذات الشعبية الجماهيرية بمعالجة سطحية لا تقدم أي جديد للجمهور.
ولا أريد التنظير وزيادة عدد الأمثلة في المقال، فهذا متروك للقارئ يبحث عنه ويتحقق إن كان كلامي دقيقًا أم لا، لكنني أقول:
• كل خبر مكرر بنفس الطريقة ويعاد بشكل شبه يومي هو شائبة أخبارية.
• كل خبر تغلب عليه اللغة الخطابية على حساب اللغة التبليغية عن حدث ما هو شائبة أخبارية.
• كل خبر فيه خطاب تسويفي من الحكومة والنواب وقادة البلاد، ويتعكز على خطاب التسويف “سوف نعمل، سوف نصلح، سوف… إلخ” فهو شائبة أخبارية.
• كل خبر يتعلق بالنشاط البروتوكولي، هو شائبة أخبارية، خاصة إذا كان النشاط يتعلق بالممولين للوسيلة الإعلامية.
• كل خبر فيه صبغة دعائية واستغلال سياسي هو شائبة أخبارية.
ومن الشوائب الكثر التي نراها يوميًا في وسائل الإعلام التي تحتاج إلى إعادة ضبط، وتركيب لمجموعة من الفلاتر، لنخرج بإعلام أكثر نقاوة وصالح للمشاهدة والقراءة، فالجمهور بدأ يهجر الإعلام بسبب كثرة “الشوائب الأخبارية”.