صدام العملاق الصيني مع الجبار الأمريكي يستنزف العالم

على وقع الصدام المتصاعد بين العملاقين في الحرب التجارية حذّرت منظمة التجارة العالمية من أن تواصل تقاذف بكين وواشنطن المسؤولية بشأن التعرفات الجمركية، ما يفاقم انعدام اليقين في الحرب التجارية التي من المتوقع أن تتسبب في تراجع التجارة العالمية هذا العام. سيشهد انخفاضا حادا هذا العام في التبادلات العالمية…

تخوض الولايات المتحدة والصين حربا تجارية متصاعدة منذ فترة طويلة. ومع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة في 20 كانون الثاني/يناير، وفرضه رسوما جمركية على الواردات الصينية، استعادت هذه الحرب زخمها، في ظلّ ردّ بكين عبر القيام بخطوات مشابهة.

وتعدّ الولايات المتحدة والصين من بين أكبر أربع دول في العالم بعد روسيا وكندا، بمساحة تزيد عن تسعة ملايين كيلومتر مربع لكل منهما.

غير أنّ الصين تعدّ ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم بعد الهند، مع 1,4 مليار نسمة في نهاية العام 2024 وفق الإحصاءات الوطنية، ما يعادل أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة.

وتعدّ الولايات المتحدة القوة الاقتصادية الأولى في العالم، مع ناتج محلي إجمالي يتجاوز 29 تريليون دولار في العام 2024، تليها الصين (أكثر من 18 ألف مليار)، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

والعام الماضي، حلّت الصين في المرتبة الأولى للدول المصدّرة للسلع (3,580 مليارات دولار) بينما حلّت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين الدول المستوردة (3,36 تريليونات دولار)، بحسب منظمة التجارة العالمية.

وتعاني الولايات المتحدة عجزا تجاريا كبيرا مع الصين في مجال السلع (355 مليار دولار في العام 2024 وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية). ومنذ عودته إلى السلطة، فرض الرئيس دونالد ترامب رسوما جمركية تراكمية بنسبة 145 في المئة على كثير من الواردات الصينية تضاف إلى رسوم فرضتها الإدارات السابقة. وردّت الصين بفرض رسوم بمعدّل يصل إلى 125 في المئة.

وتُعد الصين أكبر مصدر للغازات المسبّبة للاحتباس الحراري في العالم، تليها الولايات المتحدة.

وكانت الأخيرة تعهّدت خفض انبعاثاتها إلى النصف بحلول العام 2030 مقارنة بالعام 2005. لكن منذ تولي دونالد ترامب سدة الرئاسة الأميركية في 20 كانون الثاني/يناير، أعلنت إدارته أن بلاده ستنسحب من اتفاقية باريس للمرة الثانية، ما يهدّد الجهود العالمية للحد من ظاهرة احترار المناخ.

وفي ولاية ترامب الرئاسية الأولى، انسحبت الولايات المتحدة لفترة وجيزة من هذه الاتفاقية المبرمة برعاية الأمم المتحدة، في خطوة ألغاها خليفته جو بايدن.

كذلك، تعهّدت الصين تثبيت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2030، ثمّ تحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2060.

وشهدت الولايات المتحدة ظهور عمالقة التكنولوجيا الرقمية “غافام” (Gafam)، أي غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت، بينما شهدت الصين ظهور “باتكس” (Batx)، أي محرك البحث بايدو وعلي بابا للتجارة الإلكترونية وتينسنت للشبكات الاجتماعية وألعاب الفيديو وهواتف شاومي الذكية.

ويتجلّى التنافس الصيني-الأميركي أيضا في مجال الذكاء الاصطناعي. ومنذ إطلاق “تشات جي بي تي” (ChatGPT) في الولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر، انتشرت نماذج الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة والصين. وأحدثت شركة “ديبسيك” (DeepSeek) الصينية الناشئة التي أُسست عام 2023، ثورة في عالم الذكاء الاصطناعي في كانون الثاني/يناير من خلال روبوت المحادثة “ار-1” (R1)، ونافست في الأداء الشركات الأميركية بكلفة أقل.

من جهة أخرى، ينص مشروع قانون أقرّه الكونغرس الأميركي في العام 2024، على أن تتنازل شركة “بايت دانس” الصينية عن إدارة شبكة التواصل الاجتماعي تيك توك في الولايات المتحدة، أو تواجه حظرا في البلاد. وتُتهم المنصّة بالسماح للسلطات الصينية بجمع بيانات عن المستخدمين الأميركيين. وأرجأ دونالد ترامب الموعد النهائي لتنفيذ هذا القرار إلى 19 حزيران/يونيو.

وظلّت الولايات المتحدة أكبر دولة منفقة في القطاع العسكري عام 2023. وأنفقت في هذا القطاع 916 مليارا، أي ثلاثة أضعاف ما أنفقته الصين التي حلّت في المرتبة الثانية (296 مليارا)، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

إضافة إلى ما تقدّم، تملك الولايات المتحدة إلى جانب روسيا حوالى 90 في المئة من الأسلحة النووية في العالم (مع أكثر من خمسة آلاف رأس نووي لكلّ منهما بحلول مطلع العام 2024، بما في ذلك تلك التي سُحبت ومن المنتظر أن يتم تفكيكها)، متقدّمة بكثير على الصين التي تملك عددا أقل بعشر مرّات.

واستثمرت الصين التي أرسلت أول رائد فضاء لها إلى الفضاء في عام 2003، مليارات اليورو في برنامجها الفضائي في العقود الأخيرة، لمواكبة الولايات المتحدة وروسيا في هذا المجال.

وفي 2019، هبطت مركبة فضائية تابعة لها على الجانب المحجوب من القمر، في ما يشكّل سابقة على مستوى العالم. وفي العام 2021، هبط روبوت صغير تابع لها على المريخ. وتهدف بحلول العام 2030، إلى إرسال بعثة مأهولة إلى القمر حيث ترغب في بناء قاعدة لها.

وفي الولايات المتحدة، يخطّط برنامج “أرتيميس” (Artemis) التابع لوكالة ناسا إلى إعادة إرسال رواد فضاء أميركيين إلى القمر في 2027 ولمهمات مستقبلية إلى المريخ. ولخفض تكاليف البعثات، اختارت الوكالة الأميركية قبل سنوات تكليف شركات خاصة بإرسال معدّات وتكنولوجيا إلى القمر.

صدام الضغوط القصوى

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان “إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا حل المشكلة من خلال الحوار والتفاوض، فعليها التوقف عن ممارسة الضغوط الشديدة ووقف التهديد والابتزاز والتحدث مع الصين على أساس المساواة والاحترام والمنفعة المتبادلة”.

يأتي ذلك غداة تشديد المتحدّثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت على أن الكرة “أصبحت في ملعب الصين” في ما يتعلق بالمفاوضات.

وأكّدت ليفيت انفتاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إبرام اتفاق مع بكين، لكنّها شدّدت على وجوب أن تبادر الصين لاتّخاذ الخطوة الأولى، معتبرة أن قوة السوق الاستهلاكية الأميركية تشكل ورقة ضغط.

ويخفّف التعليق الموقت للرسوم الجمركية الأميركية الإضافية من انكماش التبادلات التجارية، لكن تراجع التجارة العالمية للسلع يمكن أن تصل نسبته إلى 1,5 بالمئة في العام 2025 بسبب سياسة ترامب الحمائية، وفق توقعات منظمة التجارة العالمية.

واعتبر رئيس الاحتياطي الفدرالي (المصرف المركزي الأميركي) جيروم باول أن “الرسوم الجمركية ستؤدّي من دون أدنى شكّ إلى ارتفاع مؤقّت في التضخّم على الأقلّ” مع احتمال “استمرار الآثار التضخّمية”.

وبعدما كانت بورصة وول ستريت متراجعة، تسارعت خسائرها بعد تصريحات باول مع إغلاق مؤشر ناسداك على تراجع بنسبة 3,07 بالمئة وداو جونز بنسبة 1,73 بالمئة وإس آند بي 500 بنسبة 2,24 بالمئة.

كذلك أعلنت المنصة الإلكترونية الصينية لبيع الأزياء “شي إن” أنها سترفع أسعارها اعتبارا من 25 نيسان/أبريل “بسبب التغييرات التي لحقت مؤخرا بقواعد التجارة العالمية والرسوم الجمركية”.

وبلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني 5,4% في الربع الأول، بحسب المكتب الوطني للإحصاء، وهي نتيجة أعلى بكثير من نسبة 5,1% التي توقعتها مجموعة من الخبراء استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس.

وأمرت الصين شركات الطيران التابعة لها بتعليق استلام كل الطائرات التي طلبت شراءها من شركة بوينغ الأميركية، على خلفية تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وفق ما ذكرت وكالة بلومبرغ.

وعلّق ترامب على منصته الاجتماعية “تروث سوشال” على ذلك قائلا “من اللافت أنهم نكثوا بصفقة كبيرة مع بوينغ، قائلين إنهم لن يتسلموا الطائرات التي التزموا بها بالكامل”.

وبحسب بلومبرغ، طلبت الصين أيضا من شركات الطيران في البلاد “وقف شراء كل المعدات وقطع غيار الطائرات من الشركات الأميركية”، وفق ما نقلت بلومبرغ عن مصادر مطلعة.

وتبدو بكين عازمة أيضا على استهداف الزراعة الأميركية، فقد أكدت رابطة مصدّري اللحوم الأميركية لوكالة فرانس برس أن غالبية تراخيص مصدّري لحوم البقر لم تُجدَّد منذ منتصف آذار/مارس.

من جهته، يواصل الرئيس الصيني شي جينبينغ جولته في جنوب شرق آسيا بزيارة لماليزيا في محاولة لتنظيم استجابة منسقة للرسوم الجمركية الأميركية.

فرض ترامب في بادئ الأمر رسوما جمركية على الواردات الصينية على خلفية اتّهامه بكين بالضلوع في توريد مادة الفنتانيل المخدّرة، ثم زاد نسبة هذه الرسوم بشكل حاد قائلا إنها رد على ممارسات تجارية للصين تعتبرها واشنطن مجحفة.

ومنذ مطلع هذا العام، فرض ترامب رسوما جمركية بنسبة 145 في المئة على كثير من الواردات الصينية، تضاف إلى رسوم فرضتها الإدارات السابقة.

وشمل ذلك 20 في المئة على صلة بعدم مكافحة بكين توريد الفنتانيل وغيرها من المواد المخدّرة، بالإضافة إلى 125 في المئة على صلة بالممارسات التجارية.

وردّت بكين بفرض رسوم بلغت نسبتها حتى الآن 125%.

مع ذلك قرّرت إدارة ترامب إعفاء بعض سلع التكنولوجيا المتطوّرة على غرار الهواتف الذكية والحواسيب من الرسوم الأخيرة.

وعلّقت الرسوم الجمركية المتبادلة التي تزيد عن حد أدنى نسبته 10% لمدة 90 يوما، مع فتح البيت الأبيض الباب أمام التفاوض.

في الأثناء، يعتزم البيت الأبيض الاستمرار في تطبيق التعرفات بحسب القطاعات، بعد نسبة الـ25 بالمئة المفروضة بالفعل على الصلب والألمنيوم وكذلك على السيارات.

ومنذ بداية الأسبوع، بدأت وزارة التجارة تحقيقات على صلة بواردات الأدوية وأشباه الموصلات والمعادن النادرة، وكذلك المنتجات المشتقة منها، مثل الأجهزة الإلكترونية التي تباع للعموم، لتحديد ما إذا كان الاعتماد على السوق العالمية لهذه المنتجات يشكل خطرا على الأمن القومي.

وتعدّ هذه خطوة أولى ضرورية لتمكين الرئيس الأميركي من اتّخاذ تدابير على صلة بهذه القطاعات بموجب مراسيم.

طريق مسدود

وأكدت الصين الأربعاء أنها “لا تخشى” خوض حرب تجارية مع الولايات المتحدة مجددة في نفس الوقت دعوتها للحوار وذلك بعدما اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يتعين على الصين أن تأتي إلى طاولة المفاوضات.

ونشر البيت الأبيض بيانا قال فيه إن الصين تواجه الآن رسوما جمركية تصل إلى 245 بالمئة.

وانتقدت وزارة التجارة الصينية هذه الرسوم باعتبارها غير منطقية، وقالت إن بكين ستتجاهل لعبة أرقام الرسوم “العبثية”.

كما حذرت الوزارة من أن بكين “ستقاتل حتى النهاية” إذا أصرت الولايات المتحدة على إلحاق ضرر جسيم بحقوق الصين ومصالحها.

وقالت هي يونغ تشيان المتحدثة باسم الوزارة في مؤتمر صحفي أسبوعي “الولايات المتحدة هي من بدأت بزيادات الرسوم الجمركية بشكل أحادي الجانب”.

وعلى عكس عدد من الدول التي تفاعلت مع “الرسوم الجمركية المضادة” التي فرضها ترامب بالسعي إلى إبرام اتفاقيات مع واشنطن، ردت بكين بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية ولم تسعَ إلى محادثات.

وتقول بكين إن المحادثات لا يمكن أن تجري إلا على أساس الاحترام المتبادل والمساواة.

وصرحت واشنطن بأن ترامب منفتح على إبرام اتفاقية تجارية مع الصين، لكن على بكين أن تتخذ الخطوة الأولى، وأن “الكرة في ملعب الصين”.

وقالت المتحدثة باسم وزارة التجارة الصينية “نحث الولايات المتحدة على التوقف فورا عن ممارسة الضغوط الشديدة والإكراه والابتزاز، وعلى حل الخلافات مع الصين من خلال الحوار المتكافئ على أساس الاحترام المتبادل”.

وأضافت أن وزارة التجارة تحافظ على التواصل مع السلطات المماثلة في الولايات المتحدة، مؤكدة أن بكين منفتحة على إجراء مفاوضات اقتصادية وتجارية مع واشنطن.

لكنها استشهدت بمثل شعبي صيني مفاده أن من يتسبب في المشكلة عليه حلها.

تصريحات نارية

وعشية دخول الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات الصينية والأوروبية حيز التنفيذ، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى “تجنب التصعيد” خلال محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ.

وقال الاتحاد في بيان إن فون دير لايين دعت خلال الاتصال “الى حل للوضع الراهن عبر التفاوض”.

من جانبه، دعا المسؤول الصيني الى تعزيز العلاقات بين بكين وبروكسل.

وقال لي لفون دير لايين بحسب تقرير للتلفزيون الصيني الرسمي “يتعين على الصين والاتحاد الأوروبي تعزيز التواصل والتنسيق بينهما (…) والدفاع عن تجارة واستثمارات حرة ومفتوحة، من أجل تحقيق مزيد من الاستقرار والقدرة على التنبؤ لهما وللاقتصاد العالمي”.

ولا يزال الاقتصاد العالمي يواجه خطر المزيد من التصعيد في الحرب التجارية، إذ أخذ ترامب على بكين أنها “لم تأخذ بالاعتبار التحذير (الذي وجهه إليها) بعدم الرد” على الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضها عليها، والبالغة نسبتها 34%.

وفي حال نفذ تهديده الأخير، فسوف تصل النسبة إلى مستوى باهظ قدره 104%، ما سيضاعف أسعار المنتجات الصينية عند دخولها الأراضي الأميركية.

ويتوقع المحللون تراجعا حادا في الاقتصاد العالمي في ظل حرب تجارية قد تقود إلى ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة وتراجع النمو.

وندد الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ جون لي برسوم جمركية “غير مسؤولة”.

بدوره، أعرب رئيس وزراء سنغافورة لورانس وونغ عن “خيبة أمل بالغة” من واشنطن، معتبرا أن “الصديق لا يتصرف على هذا النحو” مع شركائه التجاريين.

الى ذلك، تسعى فيتنام الى إرجاء تطبيق الرسوم الأميركية عليها. وأكدت الحكومة في تصريح ليل الاثنين أنها “ستفاوض الجانب الأميركي للوصول الى اتفاق ثنائي يهدف الى تحقيق توازن تجاري مستدام” بين البلدين.

وقرر الرئيس الجمهوري فرض رسوم جمركية بنسبة 10% دخلت حيز التنفيذ السبت على مجمل الواردات الأميركية مع استثناءات نادرة مثل الذهب والطاقة، متهما باقي العالم بـ”نهب” بلاده.

وستشتد الوطأة على التجارة العالمية مع فرض رسوم إضافية على قائمة طويلة من البلدان التي تصدر إلى واشنطن أكثر مما تستورد منها، ولا سيما رسوم بنسبة 34% على الصين و20% على الاتحاد الأوروبي.

ويسعى شركاء واشنطن التجاريون لإقناع ترامب بتخفيف هذه الأعباء، فيما يستمر بإصدار تصريحات نارية تزيد من بلبلة الأسواق.

وفي مسعى من الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل في ظل تباينات بين دوله الأعضاء بشأن السبل المثلى لمواجهة الحرب التجارية الأميركية، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الاثنين أن التكتل عرض على الولايات المتحدة إعفاء كاملا متبادلا من التعرفات الجمركية على السلع الصناعية.

الا أن ترامب ردّ بالتأكيد مساء الاثنين أن ذلك “ليس كافيا”.

القطيعة بين الاقتصادين تستنزف العالم

وعلى وقع هذا الصدام المتصاعد بين العملاقين في الحرب التجارية حذّرت منظمة التجارة العالمية من أن تواصل تقاذف بكين وواشنطن المسؤولية بشأن التعرفات الجمركية، ما يفاقم انعدام اليقين في الحرب التجارية التي من المتوقع أن تتسبب في تراجع التجارة العالمية هذا العام.

وتوقعت نغوزي أوكونجو-إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية انخفاضا حادا هذا العام في التبادلات العالمية عقاب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يُفاقم حالة عدم اليقين التي تُهدد بعواقب سلبية وخيمة.

وقالت أوكونجو-إيويالا في بيان “أشعر بقلق بالغ إزاء حالة عدم اليقين المحيطة بالسياسات التجارية، بما في ذلك المواجهة بين الولايات المتحدة والصين”.

وبعدما رحبت بتعليق الرسوم على الدول، قالت إن “حالة عدم اليقين المستمرة تُهدد بإبطاء النمو العالمي، مع عواقب سلبية وخيمة على الاقتصادات الأكثر ضعفا بشكل خاص”.

مطلع العام، توقعت منظمة التجارة العالمية توسع التجارة العالمية في عامَي 2025 و2026، مع نمو تجارة السلع بما يتماشى مع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونمو تجارة الخدمات بوتيرة أسرع.

ولكن في توقعاتها التي نُشرت الأربعاء، أشارت المنظمة إلى أنه في ظل الوضع الراهن، فإن تجارة السلع العالمية تتجه نحو الانخفاض بنسبة 0,2% هذا العام.

وهذا الرقم الذي احتُسب وفقا لما كانت عليه التعرفات الجمركية في 14 نيسان/أبريل، أقل بنحو ثلاث نقاط مئوية مما كان متوقعا بدون التعريفات التي فرضها ترامب على دول العالم.

وحذّرت منظمة التجارة العالمية من أن “المخاطر السلبية الشديدة” قد تؤدي إلى انكماش التجارة “بشكل أكبر، إلى 1,5% في عام 2025، إذا تدهور الوضع”.

وتوقعت كذلك تأثيرا سلبيا على تجارة الخدمات، وإن لم تكن خاضعة مباشرة للرسوم الجمركية، في حين أن النمو المتوقع حاليا لحجم تجارة الخدمات التجارية انخفض بنحو نقطة مئوية إلى 4% عن المستوى السابق.

وأشارت منظمة التجارة العالمية إلى أنه من المتوقع أن يختلف تأثير الرسوم الجمركية هذا العام اختلافا كبيرا باختلاف المناطق. وأضافت “في ظل المشهد السياسي الحالي، من المتوقع أن تشهد أميركا الشمالية انخفاضا في الصادرات بنسبة 12,6% وانخفاضا في الواردات بنسبة 9,6% في عام 2025”.

وأشارت إلى أن “أداء المنطقة سيخصم 1,7 نقطة مئوية من نمو التجارة العالمية للسلع في عام 2025، ما يجعل الرقم الإجمالي سلبيا”.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تسجل آسيا “نموا متواضعا” حيث من المتوقع أن ترتفع كلٌّ من الصادرات والواردات بنسبة 1,6%.

وتتجه الصادرات الأوروبية نحو تحقيق نمو بنسبة 1%، والواردات بنسبة 1,9%.

وقالت أوكونجو-إيويالا للصحافيين إنها تشعر بقلق على نحو خاص إزاء “الانخفاض الحاد المتوقع في التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين”، والذي يخشى حاليا أن ينخفض بنسبة 81%.

وأوضحت أن “هذا المستوى من الانخفاض في التجارة بين الولايات المتحدة والصين، بالحجم الذي نتحدث عنه، يمكن أن يرقى عمليا إلى حالة من القطيعة بين الاقتصادين”.

وفي حين أن التجارة بين الولايات المتحدة والصين لا تمثل سوى حوالى 3% من تجارة السلع العالمية، نبهت أوكونجو-إيويالا إلى أن انقطاع الأواصر بينهما “قد تكون له عواقب بعيدة المدى… وقد يساهم في تجزئة أوسع للاقتصاد العالمي على أسس جيوسياسية إلى كتلتين معزولتين”.

وفي هذا السيناريو، قالت “تشير تقديراتنا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سينخفض بنحو 7% على المدى الطويل… وهذا أمر لا يُستهان به على الإطلاق”.

انفصال عن السوق الأميركية

يجمع عمال في مصنع لأشجار عيد الميلاد في شرق الصين في يوم ربيعي حار، أكواما من الأغصان، ويطلون إبر الصنوبر البلاستيكية باللون الأبيض، بينما يواجه قطاع التصدير تهديدا بسبب رسوم دونالد ترامب الجمركية.

وكغيره من المصانع والشركات الأخرى في مقاطعة جيجيانغ، مركز التصنيع القوي في البلاد، تعد منتجات المصنع للتصدير.

والثلاثاء، رفع الرئيس الأميركي الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 104%، قبل أن يرفعها إلى 125% في اليوم التالي، ليوضح لاحقا أن الرقم التراكمي هو 145%.

وقالت جيسيكا غو مديرة المصنع لوكالة فرانس برس “في البداية، كان هناك بعض التشاؤم في القطاع”.

وتداركت “لكن في اليومين الماضيين، أصبحنا أكثر اتحادا، أي أننا نشعر بأنه لا يمكن أن نخضع لمثل هذا التنمر. نحن على استعداد لتجاوز هذه المرحلة الصعبة مع البلاد”.

وتبدو الآثار جلية بالفعل في مصنع غو.

ولا طلبات أميركية حاليا على خط الإنتاج – فقد تم تعليق الطلبات أو لا تزال غير مؤكدة.

واشارت غو الى أن مصنعين آخرين لاشجار الميلاد تضررا أيضا، ولكن ليس بقدر الضرر في مقاطعة غوانغدونغ الجنوبية، حيث يمكن لعميل أميركي كبير واحد أن يستحوذ على إنتاج بعض المصانع بالكامل.

وأوضحت أن أصحاب المصانع في المقاطعة يميلون إلى امتلاك قاعدة عملاء أوسع وأكثر تطورا.

وقالت خلال تجولها بين الصناديق المكدسة التي تحمل عناوين في غواتيمالا وتشيلي “في الواقع، على مدار السنوات القليلة الماضية… نادرا ما صادفنا أي عملاء أميركيين”.

وأضافت “لقد انفصلنا تدريجا عن اعتمادنا على السوق الأميركية، وبدأنا بتطوير أسواق أخرى”.

على بعد خمسين دقيقة، في مصنع أصغر متخصص في الأدوات البلاستيكية التي تعمل بالطاقة الشمسية، اوردت البائعة كاسي أن 20% فقط من زبائنها أميركيون، بانخفاض عن 80% قبل الجائحة.

وشهدت بدورها مؤخرا تعليقا أو إلغاء لطلبات، بسبب الرسوم الجمركية.

وقالت “في البداية (..) قال بعض زبائننا الأميركيين إننا نستطيع تحمل (الارتفاع) معا (..) لكن في وقت لاحق، ارتفعت الرسوم بشكل مبالغ فيه ولم يستطع أحد تحمّل ذلك”.

وأضافت “نحن الآن في حالة انتظار وترقب لمعرفة القرارات التي سيتخذها ترامب بعد ذلك”، مشيرة الى أنهم قد يعيدون توجيه بعض المنتجات الأميركية إلى أماكن أخرى في الخارج أو محليا.

وفي هذه الاثناء، يستمر العمل.

يمرر العمال قطعا بلاستيكية متعددة الألوان عبر الآلات، حيث تنفَذ كل عملية بدقة متناهية، في ثوان معدودة، مرارا وتكرارا.

وعرضت كاسي على وكالة فرانس برس صناديق مليئة بتماثيل لترامب وجهتها أوروبا.

وقالت “أعتقد أنه لا ينبغي أن يكون مجنونا إلى هذا الحد. إن فرضه رسوما جمركية علينا لا يعود عليهم بأي فائدة تذكر”.

تعد سوق الجملة في مدينة ييوو في المقاطعة إحدى أكبر أسواق الجملة في العالم.

وتبيع السوق التي تضم عشرات آلاف الأكشاك ملايين المنتجات، من الإلكترونيات إلى زينة الجسم ومسدسات اللعب والعشب الصناعي.

أكد معظم البائعين الذين تواصلت معهم فرانس برس أن لديهم قاعدة عملاء متنوعة، من أميركا الجنوبية الى الشرق الأوسط وصولا الى جنوب شرق آسيا.

وقالت وانغ شوشو وهي تاجرة مخضرمة من كشكها المزين بدمى الكابيبارا وحقائب باربي “إذا تصاعدت الحرب التجارية… علينا أن نتعامل معها بثبات”.

وأضافت أن كثرا سيطورون منتجات جديدة لدول أخرى.

في مكان قريب، يعرض متجر للملابس التنكرية تشكيلة من الأقنعة تضم أشرارا مشهورين بينهم… دونالد ترامب.

واكدت وانغ أن “الشعب الصيني متحد بشكل كبير”.

وأوضحت “نحن أكثر اجتهادا ونقتصد أكثر… لسنا خائفين من خوضه حرب أسعار، لدينا ثقة كبيرة بأنفسنا”.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M