صدمة الرسوم التجارية.. الانقلاب على النظام عالمي وقلب مسار العولمة

أربك إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية اقتصادات العالم، مما دفع الصين إلى فرض رسوم مضادة وأثار مخاوف من حرب تجارية عالمية وركود اقتصادي. ويواجه المستثمرون والقادة السياسيون صعوبة في تحديد ما إذا كانت رسوم ترامب الجمركية ستظل قائمة أم أنها جزء من نظام جديد أم أنها تكتيك تفاوضي لكسب تنازلات…

بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء عن مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية، يستعد البعض بالفعل لما قد يأتي لاحقا في إطار مساعيه لإجبار شركائه التجاريين على تنفيذ مطالبه.

وبصفتها المركز المالي للعالم ومصدر العملة الاحتياطية العالمية، تمتلك الولايات المتحدة عددا من الأدوات التي يمكن لترامب استخدامها للضغط على الدول الأخرى، بدءا من بطاقات الائتمان ووصولا إلى توفير الدولار للبنوك الأجنبية.

لكن استخدام هذه الأسلحة غير التقليدية سيكلف الولايات المتحدة نفسها ثمنا باهظا، وقد يؤدي إلى نتائج عكسية تماما، يقول مراقبون إنه لا ينبغي استبعاد مثل هذه السيناريوهات المرعبة.

وسيكون هذا صحيحا على نحو خاص إذا لم تنجح الرسوم الجمركية في خفض العجز التجاري الأمريكي مع بقية العالم – وهي نتيجة يراها العديد من الاقتصاديين محتملة.

وردت الصين يوم الجمعة على رسوم ترامب، مما أدى إلى انخفاض الأسهم الأمريكية بشكل أكبر، وتعميق الأزمة.

وقال باري إيتشنجرين، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي “يمكنني أن أتخيل بسهولة أن السيد ترامب… يشعر بالإحباط ويحاول تنفيذ أفكار غريبة، حتى لو لم يكن هناك منطق لها”.

تتمثل خطة الإدارة الأمريكية غير السرية في إعادة التوازن التجاري من خلال إضعاف الدولار. ومن بين طرق تحقيق ذلك إشراك البنوك المركزية الأجنبية في جهد منسق لإعادة تقييم عملاتها.

ووفقا لورقة بحثية أعدها ستيفن ميران، مرشح ترامب لرئاسة مجلس مستشاريه الاقتصاديين، قد يحدث هذا في إطار اتفاق في مار الاجو، في إشارة إلى اتفاقية بلازا لعام 1985 التي وضعت سقفا للدولار وإلى منتجع ترامب في فلوريدا.

وأشارت الورقة البحثية الصادرة في نوفمبر تشرين الثاني إلى أن الولايات المتحدة ستستخدم التهديد بالرسوم الجمركية وإغراء الدعم الأمني الأمريكي لإقناع الدول برفع قيم عملاتها مقابل الدولار، من بين تنازلات أخرى.

لكن الاقتصاديين يشككون في أن يحظى اتفاق من هذا القبيل بقبول في أوروبا أو الصين، نظرا لاختلاف الوضع الاقتصادي والسياسي الآن بدرجة كبيرة عما كان عليه قبل أربعة عقود.

قال موريس أوبستفيلد، الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي “أعتقد أن هذا سيناريو مستبعد للغاية”.

أوضح أوبستفيلد أن الرسوم الجمركية قد فُرضت بالفعل، مما يُلغي استخدامها كتهديد، وأن التزام الولايات المتحدة بالأمن العالمي قد ضعف بسبب غموض موقفها بشأن أوكرانيا.

وأضاف أن من غير المرجح أن يستسلم محافظو البنوك المركزية في منطقة اليورو واليابان وبريطانيا لاتفاق سيُجبرهم على رفع أسعار الفائدة والمخاطرة بالركود.

وقالت فريا بيميش، كبيرة الاقتصاديين في تي إس لومبارد، إن تعزيز اليوان سيتعارض أيضا مع حاجة الصين لإنعاش اقتصادها المتعثر.

حتى في اليابان، حيث تدخلت الحكومة مرارا في سوق العملات على مدار السنوات القليلة الماضية لدعم الين، فإن ذكريات 25 عاما من الانكماش الذي انتهى مؤخرا قد تُضعف أي حماس لرفع قيمة الين.

دعم الدولار

في حالة الاخفاق في التوصل لاتفاق، قد تميل إدارة ترامب إلى استخدام أساليب أكثر حدة، مثل استغلال مكانة الدولار كعملة عالمية للتداول والادخار والاستثمار.

وبحسب أوبستفيلد وبعض المشرفين والمحافظين ببنوك مركزية، قد يتخذ هذا شكل التهديد بوقف تدفقات الاحتياطي الاتحادي إلى البنوك المركزية الأجنبية الذي يسمح لها باقتراض الدولار مقابل ضمانات بعملاتها المحلية.

يُعد هذا مصدرا أساسيا للتمويل في أوقات الأزمات، عندما تتعثر أسواق المال ويلجأ المستثمرون إلى الدولار كملاذ آمن.

وسيؤدي سحبه إلى زعزعة سوق الائتمان بالدولار الذي تبلغ قيمته تريليونات الدولارات خارج الولايات المتحدة، وسيؤثر سلبا على البنوك في بريطانيا ومنطقة اليورو واليابان بشكل خاص.

وتقع بالطبع ما يسمى بخطوط المبادلة هذه في يد الاحتياطي الاتحادي، ولم يُشر ترامب قط إلى تلك الأداة.

لكن تحركاته في الآونة الأخيرة لاستبدال موظفين رئيسيين، بما في ذلك في الهيئات التنظيمية، تثير قلق المراقبين.

قال سبيروس أندريوبولوس، مؤسس شركة “ثين آيس ماكرو إيكونوميكس” الاستشارية “لم يعد من المستبعد أن يُشكل هذا تهديدا هائلا في مفاوضات أوسع نطاقا”.

لكنه عبر عن اعتقاده أن مثل هذه الخطوة ستؤدي مع مرور الوقت إلى تراجع مكانة الدولار كعملة عالمية موثوقة.

تخفي الولايات المتحدة ورقة رابحة أخرى في جعبتها، ألا وهي شركات الدفع العملاقة، بما في ذلك شركتا بطاقات الائتمان فيزا وماستركارد.

في حين طورت اليابان والصين، بدرجات متفاوتة، وسائل دفع إلكترونية خاصة بهما، تُعالج الشركتان الأمريكيتان ثلثي مدفوعات البطاقات في منطقة اليورو التي تضم 20 دولة.

وتُشكل مدفوعات تطبيقات الهاتف المحمول، التي تُهيمن عليها شركات أمريكية مثل أبل وجوجل، ما يقرب من عُشر مدفوعات التجزئة.

أدى هذا التحول إلى وضع الأوروبيين في موقف دفاعي في سوق ضخمة، تجاوزت قيمتها 113 تريليون يورو (124.7 تريليون دولار) في الأشهر الستة الأولى من العام الماضي.

وإذا اضطُرت فيزا وماستركارد إلى إيقاف خدماتهما، كما فعلتا في روسيا بعد غزوها لأوكرانيا بفترة وجيزة، فإن الأوروبيين سيضطرون إلى استخدام النقد أو التحويلات المصرفية المرهقة في التسوق.

قالت ماريا ديميرتزيس، كبيرة الاقتصاديين لشؤون أوروبا في مركز أبحاث كونفرنس بورد “إن تحول الولايات المتحدة إلى موقف عدائي يُمثل انتكاسة كبيرة”.

وأوضح البنك المركزي الأوروبي أن هذا يُعرض أوروبا لخطر “الضغط والإكراه الاقتصاديين”، مشيرا إلى أن اليورو الرقمي قد يكون الحل.

لكن خطط إطلاق العملة الرقمية لا تزال قيد البحث، وقد يستغرق طرحها سنوات.

ويدرس المسؤولون الأوروبيون كيفية الرد على تصرفات ترامب، لكنهم يخشون إثارة المزيد من التصعيد. وقد يفرضون رسوما جمركية خاصة بهم أو يلجأون إلى إجراءات أكثر صرامة، مثل تقييد وصول البنوك الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي.

وقد يكون اتخاذ مثل هذه الخطوات الجذرية صعبا نظرا للنفوذ الدولي لوول ستريت، بالإضافة إلى خطر رد فعل عنيف ضد البنوك الأوروبية العاملة في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، قال بعض المسؤولين التنفيذيين في بنوك دولية لرويترز إنهم قلقون من خطر رد الفعل العنيف من أوروبا في الأشهر المقبلة.

دواء اصلاحي

هذا وقد أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكومات الأجنبية يوم الاثنين بأنه سيتعين عليها دفع “مبالغ طائلة” لرفع الرسوم الجمركية الشاملة، واصفا الرسوم بأنها “دواء” ومُثيرا المزيد من الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية.

وسجلت الأسهم الآسيوية خسائر فادحة في التعاملات المبكرة وانخفضت العقود الآجلة لسوق الأسهم الأمريكية بشكل حاد حيث أبدى المستثمرون مخاوفهم من أن تؤدي رسوم ترامب الجمركية إلى ارتفاع الأسعار، وضعف الطلب، وانخفاض الثقة، وربما ركود عالمي.

وفي تصريحات للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، أشار ترامب إلى أنه غير قلق بشأن الخسائر التي أفقدت أسواق الأسهم في أنحاء العالم تريليونات الدولارات من قيمتها.

وقال لدى عودته من عطلة قضاها في فلوريدا “لا أريد أن ينخفض أي شيء. لكن في بعض الأحيان، يتعين عليك تناول الدواء لإصلاح شيء ما”.

وأضاف ترامب أنه تحدث إلى زعماء من أوروبا وآسيا خلال عطلته. ويأمل هؤلاء الزعماء في إقناعه بخفض الرسوم الجمركية بنسبة تصل إلى 50 بالمئة والمقرر أن تدخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع.

وقال ترامب “إنهم يأتون إلى طاولة المفاوضات. يريدون التحدث، لكن لن يكون هناك حديث ما لم يدفعوا لنا مبالغ طائلة سنويا”.

وأربك إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية الأسبوع الماضي اقتصادات العالم، مما دفع الصين إلى فرض رسوم مضادة وأثار مخاوف من حرب تجارية عالمية وركود اقتصادي.

ويواجه المستثمرون والقادة السياسيون صعوبة في تحديد ما إذا كانت رسوم ترامب الجمركية ستظل قائمة أم أنها جزء من نظام جديد دائم أم أنها تكتيك تفاوضي لكسب تنازلات من دول أخرى.

ونفى مدير المجلس الاقتصادي القومي الأمريكي كيفن هاسيت لشبكة (إيه.بي.سي) نيوز أن تكون الرسوم الجمركية جزءا من استراتيجية الرئيس لإحداث هزة في الأسواق المالية مما يؤدي إلى الضغط على مجلس الاحتياطي الاتحادي لخفض أسعار الفائدة، قائلا إنه لن يكون هناك أي “إكراه سياسي” على البنك المركزي.

ونشر ترامب على منصة تروث سوشال يوم الجمعة مقطعا مصورا أشار إلى أن الرسوم تهدف إلى التأثير على سوق الأسهم عمدا في محاولة لخفض أسعار الفائدة.

وأثار هذا المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي جدلا عالميا حول ما إذا كانت رسوم ترامب الجمركية جزءا من نظام رسوم جديد دائم، أم مجرد ورقة تفاوض قد تفضي إلى تخفيف الرسوم الجمركية مقابل تنازلات من دول أخرى.

وأشار وزير التجارة هوارد لوتنيك، في مقابلة مع (سي.بي.إس) نيوز إلى أن الاحتمال الثاني قد يكون هو الصحيح، قائلا إن الرسوم الجمركية ستبقى سارية “لأيام وأسابيع”. وأضاف أن الرسوم المضادة ستطبق كما هو مخطط لها في التاسع من أبريل نيسان.

وخضعت العملية التي استخدمت في تحديد الرسوم الجمركية للتدقيق الأسبوع الماضي بعد تطبيقها على جزر أنتاركتيكا غير المأهولة التي تسكنها البطاريق، بالإضافة إلى أماكن صغيرة نائية أخرى.

وقال لوتنيك إن هناك ضرورة لاتباع نهج شامل حتى لا تتمكن الدول الكبرى من استغلال الدول الصغيرة للتحايل على الرسوم الجمركية.

ونقل لوتنيك عن ترامب قوله “لا يمكنني السماح لأي جزء من العالم بأن يكون مكانا تستطيع الصين أو دول أخرى الشحن من خلاله”.

وقال الملياردير إيلون ماسك، مستشار ترامب، يوم السبت إنه يأمل أن يرى في المستقبل حرية تجارية كاملة بين الولايات المتحدة وأوروبا.

ونفى بيتر نافارو المستشار التجاري لترامب فكرة وجود خلاف بين ماسك وإدارة ترامب بشأن سياسة الرسوم الجمركية، لكنه قال إن الرئيس التنفيذي لشركة تسلا حريص على مصالحه التجارية.

وأضاف نافارو خلال مقابلة مع فوكس نيوز “لا يوجد خلاف”.

ثورة اقتصادية أم مجرد تفاوض؟

وسعى كبار مستشاري ترامب الاقتصاديين إلى تصوير الرسوم الجمركية على أنها إعادة تموضع ذكية للولايات المتحدة في النظام التجاري العالمي.

وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن أكثر من 50 دولة بدأت مفاوضات مع الولايات المتحدة منذ إعلان الأربعاء الماضي. من جهته قال وزير التجارة هوارد لوتنيك في حديث لقناة (سي.بي.إس) إن الرسوم الجمركية ستبقى سارية “لأيام وأسابيع”.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه سيسعى للحصول على إعفاء من رسوم جمركية بنسبة 17 بالمئة على سلع بلاده خلال اجتماع مقرر مع ترامب اليوم الاثنين.

وفي إيطاليا، تعهدت رئيسة الوزراء جورجا ميلوني بحماية الشركات التي تضررت من رسوم جمركية مقررة بنسبة 20 بالمئة على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي.

وقال ترامب مساء الأحد بأنه «منفتح على التحدث» مع قادة العالم بشأن صفقات جديدة، متحلياً بالشجاعة في مواجهة الفوضى التي أحدثتها حروبه التجارية بعد عطلة نهاية أسبوع قضاها في لعب الغولف في فلوريدا.

قال ترامب إنه تحدث إلى «العديد من الدول» وإنه على الرغم من الغضب الدولي إزاء هجماته التجارية في «يوم التحرير» «فإنهم يتحدثون بلطف شديد».

ولكن أثناء عودته إلى واشنطن على متن طائرة الرئاسة، تراجعت الأسهم عند الافتتاح في طوكيو، وأشارت العقود الآجلة الأميركية إلى احتمال تكبد وول ستريت المزيد من الخسائر الفادحة يوم الاثنين.

ومع إغلاق الأسواق خلال عطلة نهاية الأسبوع بعد أيام من الخسائر الفادحة، أتيحت للإدارة فرصة لتقييم الوضع، لكن لا يوجد وضوح بشأن استراتيجيتها مع تزايد حدة المخاطر السياسية.

أرسل كبار المسؤولين إشارات متضاربة حول ما إذا كان ترامب يعتبر الحرب الاقتصادية التي أطلقها الأسبوع الماضي رافعةً لعقد صفقات على المدى القريب، أو ما إذا كان جاداً بشأن محاولة إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي مهما استغرق الأمر.

جاء هذا الارتباك على خلفية تزايد الانزعاج بين بعض المشرعين الجمهوريين إزاء الحرب التجارية، وفي الوقت الذي نظمت فيه حشود ضخمة في جميع أنحاء البلاد احتجاجات مناهضة لترامب في أكبر مظاهر المعارضة في ولايته الثانية.

يبدو أن الرئيس وكبار مساعديه غافلون أيضاً عن القلق السائد في البلاد من احتمال أن تتسبب سياساته في ركود اقتصادي، أو أنهم واثقون جداً بآرائهم لدرجة أنهم لا يكترثون حقاً.

أعلن ترامب ومساعدوه من أصحاب الملايين والمليارات أنهم لا يشاركون مخاوف العائلات الأميركية العادية، بشأن مدخراتها التقاعدية وكيفية تحمل تكاليف البقالة ووقود السيارات عند ارتفاع الأسعار بسبب الرسوم الجمركية، حتى إن الرئيس يُصرّ على أن خططه لتخفيض الضرائب ستُحسّن وضع الجميع.

ولا يُظهر ترامب أية بوادر لتصحيح مسار التعريفات الجمركية، فقد كتب على صفحته على منصة «تروث سوشيال» يوم السبت «هذه ثورة اقتصادية، وسننتصر، اصمدوا»، وفي اليوم التالي عاد إلى ملعب الغولف.

والمبرر الرئيسي لفرض ترامب للرسوم الجمركية على 185 دولة ومنطقة هو أن بقية العالم قضى عقوداً في نهب أميركا، وأن الحرب التجارية ستعيد الوظائف إلى معاقل الصناعات الأميركية المتضررة.

صحيح أن أرباح العولمة لم تُوزّع بالتساوي، لكن الولايات المتحدة هي أغنى وأقوى دولة في التاريخ، وهي المستفيدة الأكبر من نظام التجارة الحرة الذي يسعى ترامب إلى تدميره.

سأل جيك تابر، من شبكة سي إن إن، وزيرة الزراعة بروك رولينز عن المدة التي ستستمر فيها فوضى الرسوم الجمركية وما إذا كانت مجرد تكتيك تفاوضي، وقد كشفت إجابتها عن التناقض الذي يهدد أسواق الأسهم.

قالت رولينز في برنامج «حالة الاتحاد» إن هذه قضية أمن قومي، إذ يتعلق الأمر بإعادة الملايين من الوظائف إلى الوطن، مؤكدةً عزم ترامب على إعادة تنظيم الاقتصاد العالمي جذرياً.

لكن رولينز قالت بعد ذلك إن 50 دولة «تضغط على خطوط الهاتف في البيت الأبيض»، وألمحت إلى أن الرسوم الجمركية كانت تهدف ببساطة إلى «الضغط»، وأضافت «هذا هو صانع الصفقات الحقيقي، رجل الأعمال الذي يرأس حكومتنا».

كان هذا متسقاً مع تصريحات ترامب اللاحقة على متن طائرة الرئاسة الأميركية، والتي أكد فيها استعداده للتحدث مع الصين والاتحاد الأوروبي بشأن خفض العجز التجاري مع الولايات المتحدة.

وأكد ترامب أن بلاده أصبحت “أقوى بكثير” منذ الإعلان عن هذه الإجراءات، معتبرا أن التراجع الذي تشهده الأسواق لم يكن قرارا متعمدا من جانبه. وقال إنه يريد إيجاد حل “للعجز الذي لدينا مع الصين ومع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى”.

وأضاف “لا أريد ترجعا (في أي سوق)، لكن في بعض الأحيان يتعين تناول علاج من أجل التعافي”، في إشارة إلى اعتماد الاقتصاد الأميركي على الواردات، مشددا على أن “الطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة هي الرسوم الجمركية”.

وأكد ترامب أنه تحدث خلال عطلة نهاية الأسبوع “مع كثير من الأوروبيين والآسيويين ومع العالم بأسره. جميعهم يريدون بشدة التوصل إلى اتفاق”.

وردا على سؤال حول إمكان التفاوض على منطقة خالية من الرسوم الجمركية مع أوروبا، مثلما اقترح مستشاره إيلون ماسك، كرر ترامب أن “أوروبا حققت ثروة من ورائنا وعاملتنا بشكل سيئ جدا”.

وأردف الرئيس الأميركي “إنهم يأتون إلى طاولة (المفاوضات). يريدون التحدث، لكن لن يكون هناك نقاش إلى أن يعطونا الكثير من المال على أساس سنوي”.

ولكن بيتر نافارو، كبير مستشاري ترامب التجاريين، قال في برنامج «صنداي مورنينغ فيوتشرز» على قناة فوكس نيوز «هذه ليست مفاوضات»، وحذّر من أن عرض تعريفة جمركية صفرية على الولايات المتحدة لن يكون كافياً، وأشار إلى أن الدول يجب أن تُذعن لمطالب البيت الأبيض في قضايا أخرى، بما في ذلك الحواجز غير الجمركية وحرية حركة العملات.

وعلى عكس رولينز، تمسك وزير التجارة، هوارد لوتنيك، بموقفه، وقال عن الرسوم الجمركية المقرر أن تدخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء «لا مجال للتأجيل»، وأضاف في برنامج «واجه الأمة» على قناة سي بي إس «ستبقى سارية لأيام وأسابيع بالتأكيد»، وأضاف «يحتاج الرئيس إلى إعادة ضبط التجارة العالمية، دول العالم تستغلنا، ويجب أن ينتهي هذا».

نهاية نظام التجارة العالمي المعهود

بدوره اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأحد أن العولمة كما كانت معهودة “انتهت”، مكثفا اتصالاته مع شركائه الأوروبيين في نهاية الأسبوع، مع فرض واشنطن زيادة على الرسوم الجمركية تثير تداعياتها المحتملة على الاقتصاد العالمي، مخاوف واسعة النطاق.

وقال زعيم حزب العمال البريطاني في مقال رأي نشرته صحيفة التلغراف المحافظة إن قرار ترامب فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الأقل على جزء كبير من الواردات الأميركية يعني أنه “لم يعد ممكنا اعتبار الافتراضات القديمة أمرا مسلما به”.

واعتبر أن “العالم كما عرفناه قد انتهى… والعالم الجديد تحكمه بشكل أقل قواعد راسخة، وبشكل أكبر اتفاقات وتحالفات”.

وأثار القرار الأميركي حالة من الذعر في الأسواق المالية خلال الأيام الأخيرة، وما زالت المخاوف قائمة قبل إعادة فتح أسواق الأسهم العالمية الاثنين.

وانخفض سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 60 دولارا الأحد، وذلك للمرة الأولى منذ نيسان/أبريل 2021.

ونحو الساعة 22,50 بتوقيت غرينتش، انخفض خام غرب تكساس الوسيط تسليم أيار/مايو بنسبة 3.31% إلى 59.94 دولارا، بعيد استئناف التداول الساعة 22,00 بتوقيت غرينتش.

وتحدّث ستارمر الأحد مع المستشار الألماني أولاف شولتس والمستشار المقبل فريدريش ميرتس ومع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين.

وقال الزعماء إن أوروبا يجب أن تكون “على مستوى الوضع وتعمل على تقليل التأثير على العمال”، وفق بيان صادر عن داونينغ ستريت.

وأكد ستارمر الذي يحاول تخفيف الحواجز التجارية مع الاتحاد الأوروبي بعد أربع سنوات على خروج بريطانيا من الاتحاد، أن الوضع يجعل “من المهم بالنسبة للمملكة المتحدة أن تعزز علاقاتها التجارية مع دول أخرى”.

والسبت، تحدّث ستارمر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأكدا أن الحرب التجارية “ليست في مصلحة أحد”.

ونقل بيان نشرته المفوضية تأكيد فون دير لايين خلال حديثها مع ستارمر الأحد “التزام الاتحاد الأوروبي خوض مفاوضات مع الولايات المتحدة، مع التوضيح أن الاتحاد الأوروبي مستعد للدفاع عن مصالحه من خلال إجراءات مضادة متناسبة إذا لزم الأمر”.

وأضاف البيان أن فون دير لايين شددت على “تصميمها على العمل مع الشركاء (في الاتحاد الأوروبي) للاستجابة لهذا الواقع الجديد للاقتصاد العالمي”، لافتة إلى أن كلا منهم “سيتصرف وفقا لأولوياته الخاصة”.

وسارعت الصين إلى الرد، ففرضت رسوما جمركية بنسبة 34% على وارداتها من الولايات المتحدة، وهو المستوى نفسه الذي أعلن ترامب فرضه على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، ما يُنذر بحرب تجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.

وتعد لندن من أقل المتضررين نسبيا مقارنة باقتصادات كبرى أخرى إذ فرض ترامب على صادراتها إلى بلاده نسبة الرسوم الأدنى البالغة 10%، وأطلقت حكومة حزب العمال برئاسة ستارمر مشاورات مع أوساط الأعمال بشأن رد محتمل.

وأكد ستارمر الأحد أن “الأولوية المباشرة هي الحفاظ على الهدوء والعمل بجد من أجل التوصل إلى أفضل اتفاق ممكن”، مؤكدا أن “كل الخيارات تبقى مطروحة”.

وأعلنت شركة جاغوار لاند روفر لتصنيع السيارات السبت أنها ستعلق شحناتها إلى الولايات المتحدة في نيسان/أبريل بينما تدرس تأثير الرسوم الجمركية.

وتأمل الحكومة البريطانية في التوصل إلى اتفاق شراكة اقتصادية ثنائية أوسع نطاقا مع واشنطن يمكن أن يزيل كل الرسوم الجمركية أو قسما منها على الأقل، ويتفاوض بشأنه البلدان منذ أسابيع.

وحذر ستارمر “لن أبرم اتفاقا (مع الولايات المتحدة) إلا إذا كان مفيدا للشركات البريطانية وسلامة العمال”.

السوق قالت كلمتها

بدورها قالت الصين يوم السبت إن “السوق قالت كلمتها” برفضها رسوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمركية، ودعت واشنطن إلى “مشاورات متكافئة” بعد هبوط الأسواق العالمية في رد فعل على الرسوم التجارية التي استدعت ردا صينيا.

ونشرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) التي تديرها الدولة أيضا موقف الحكومة الصينية، التي قالت إن الولايات المتحدة يجب أن “تتوقف عن استخدام الرسوم الجمركية سلاحا لإعاقة اقتصاد الصين وتجارتها”.

وقال بول تشان وزير المالية في هونج كونج لهيئة الإذاعة والتلفزيون المحلية (آر.تي.إتش.كيه) إن المدينة لن تفرض تدابير مضادة منفصلة، مشيرا إلى ضرورة بقاء هونج كونج “حرة ومفتوحة”.

وقال قوه جيا كون المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في منشور على فيسبوك يوم السبت “السوق قالت كلمتها”. ونشر صورة تظهر انخفاضات الأسواق الأمريكية يوم الجمعة.

وفرض ترامب رسوما جمركية إضافية بنسبة 34 بالمئة على السلع الصينية كجزء من التعريفات الجمركية الباهظة المفروضة على معظم شركاء الولايات المتحدة التجاريين، ليصل إجمالي الرسوم المفروضة على الصين هذا العام إلى 54 بالمئة.

وأغلق ترامب ثغرة تجارية كانت تسمح بإعفاء الطرود منخفضة القيمة القادمة من الصين من الرسوم الجمركية.

وأدى هذا إلى رد انتقامي واسع النطاق من الصين يوم الجمعة، شمل فرض رسوم إضافية بنسبة 34 بالمئة على جميع السلع الأمريكية وقيودا على تصدير بعض المعادن النادرة مما أدى إلى تصعيد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

وهوت أسواق الأسهم العالمية بقوة عقب رد الصين الانتقامي وتصريحات ترامب يوم الجمعة بأنه لن يغير مساره، مما أدى إلى استمرار الخسائر الحادة التي أعقبت إعلان ترامب الأولي عن الرسوم الجمركية في وقت سابق من الأسبوع الماضي، ما دفع الأسواق لتكبد أكبر خسائرها منذ جائحة كورونا. وسجل المؤشر ستاندرد اند بورز 500 تراجعا أسبوعيا بلغ تسعة بالمئة.

وكتب قوه باللغة الإنجليزية على فيسبوك “الآن هو الوقت المناسب لتتوقف الولايات المتحدة عن فعل الأمور الخاطئة وحل الخلافات مع شركائها التجاريين من خلال مشاورات متكافئة”.

وفي البيان المنفصل الذي نشرته شينخوا، حثت حكومة بكين واشنطن على “التوقف عن استخدام الرسوم الجمركية سلاحا لإعاقة اقتصاد الصين وتجارتها، وعدم تقويض حقوق التنمية المشروعة للشعب الصيني”.

وأضافت الحكومة “اتخذت الصين، وستواصل اتخاذ، إجراءات حازمة لحماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية”.

وأردفت قائلة إن واشنطن “تقوض بشكل خطير النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد… وكذلك استقرار النظام الاقتصادي العالمي”.

وفي وقت سابق يوم السبت، أصدرت العديد من غرف التجارة الصينية في قطاعات متنوعة، من المعادن والمنسوجات إلى الإلكترونيات، بيانات تندد بالرسوم الجمركية.

ودعت غرفة التجارة الصينية، التي تمثل تجار المنتجات الغذائية، “قطاع استيراد وتصدير المنتجات الغذائية والزراعية في الصين إلى الاتحاد وتعزيز التعاون لاستكشاف الأسواق المحلية والأجنبية بشكل مشترك”.

وقال تشان، وزير المالية في هونج كونج، إن المدينة تعارض بشدة تحركات ترامب وستظل “حرة ومفتوحة”.

وأضاف لهيئة الإذاعة والتلفزيون “السماح بتدفق حر لرأس المال والعمل كميناء حر هما ميزتانا، وهذا لن يتغير”.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M