مسلم عباس
انتهى الجدل، وأخذت الموازنة الاتحادية العراقية طريقها نحو قصر رئيس الجمهورية للحصول على التوقيع البروتوكولي من رئيس الجمهورية، لتكتسب صفة أول موازنة ثلاثية في تاريخ عراق ما بعد 2003، كما أنها أكبر موازنة في تاريخ العراق الحديث بقيمة إجمالية قارب 200 ترليون دينار، وهي كذلك أكبر موازنة من حيث العجز المالي الذي وصل إلى أكثر من 60 تريلون دينار.
وهي أكبر موازنة من حيث عدد الوظائف المضافة مقارنة بالسنوات السابقة، سواء بالمعينين على قانون الأمن الغذائي ولم يستلموا رواتبهم لحد الآن، أو بالتعيينات الجديدة التي ستنطلق قريباً.
تحمل الموازنة مشروعات استراتيجية كبرى أبرزها طريق التنمية الذي اعلنت عنه الحكومة قبل عدة أسابيع واستضافت من أجله وزراء النقل من دول الجوار والخليج العربي.
الطموحات كبيرة في الموازنة، وعلى قدر هذه الطموحات تولدت صراعات كبيرة ومتشعبة استطيع تصنيفها إلى الآتي:
أولاً: الصراعات داخل المكون الشيعي
تحاول القوى السياسية الشيعية إخفاء حالة الصراع بين الأجيال، جيل القيادات الكبيرة وأبرزهم نوري المالكي وعمار الحكيم وهادي العامري، ضد النواب الجدد القادمين من الأحياء الشعبية والمعاناة اليومية.
ومن بين النواب الجدد النائب البصري عدي عواد الذي كرر في أكثر من مرة خلال حوار تلفزيوني كلمة “الكهنة لا يقبلون”، في سياق حديثه عن الامور التي لا يستطيعون تمريرها في الموازنة لصالح ناخبيه من البصرة والمحافظات الجنوبية، في إشارة واضحة لا تقبل التأويل بأن جيل عدي عواد بدأ “يناطح” جيل المالكي مهما انكرت القوى السياسية الشيعية هذا الأمر.
يبدو أن الإزاحة الجيلية التي ينفيها كبار القادة السياسيين الشيعة قد بدأت تظهر للعلن، والصراع لم يعد بين حزب الدعوة وتيار الحكمة، أو منظمة بدر وعصائب أهل الحق، بل الصراع الفعلي بين شخصيات تحصل على مكانتها من خلال احتكاكها المباشر مع الشعب، وهؤلاء يمثلون جيل النواب الشباب، ليقارعوا جيل الكبار الذي يحصلون على مكانتهم عبر التحالف مع الأحزاب من المكونات الاخرى.
فما يضمن للشخصيات الكبيرة هو تحالفاتها العبارة للمكونات، مثل عمار الحكيم الذي يكسب وجوده من علاقاته السياسية، أي علاقاته الفوقية، على عكس النواب الجدد الذي يبنون كيانهم من خلال علاقاتهم الشعبية.
ولو استطاع النواب الشيعة الشباب فهم مصدر قوتهم فقد يكسرون حاجز الزعامات العتيقة ويزاحمونها في مواقعها، إلا أن هذا الأمر يحتاج إلى خوض معارك مريرة.
ثانياً: الصراع داخل المكون الكردي
يختلف الصراع الكردي الداخلي عن نظيره الشيعي بعض الشيء، ما يجري هناك خلاف جوهري بين الحزب الديمقراطي الكردستاني المهيمن، ضد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المفكك.
الصراع هناك بين حزبين تقليديين، أحدهما ما يزال قابعاً تحت حكم القيادات المخضرمة ويمثله الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، وحزب فقد قيادته العتيقة بوفاة رئيس الجمهورية الأسبق جلال طالباني، وبروز صراع شبابي قوي على الزعامة بين بافل طالباني وقوباد طالباني ليكون الحزب برأسين.
وفي الموازنة استطاعت السليمانية التي يسيطر عليها الاتحاد كسب معركتها ضد الديمقراطي عبر تثبيت فقرة بالموازنة تعطيها الحق في الحصول على رواتب موظفيها من الحكومة الاتحادية في حال امتناع اربيل عن توفير رواتب الموظفين.
وقد تحدث أكثر من مسؤول في الديمقراطي عن تعرضهم “للخيانة”، ويقصدون خيانة الاتحاد الوطني الكردستاني لهم في مفاوضاتهم بشان الموازنة مع القوى السياسية الاخرى.
وعند النزول درجة أدنى، نجد حراك الجيل الجديد بقيادة شاسوار عبد الواحد واخته سروة الذي يعلن الحرب على الحزبين الحاكمين.
ثالثاً: الصراع داخل المكون السني
الغريب أن الخلافات السنية لا تظهر في مسألة الموازنة وهذه قضية تستحق الانتباه، واكثر ما يفرقهم هو الوصول إلى مراكز صنع القرار، وما أن يصل الحزب أو القيادي إلى مركز قرار معين حتى يضمن الحقوق السنية بسهولة.
لكن ما يبرز هدوء الجانب السني في مسألة إقرارالموازنة أن أكبر الصراعات التي تجري فيها، هو الصراع على حصة المحافظات الجنوبية الممول الفعلي لميزانية الدولة، وإقليم كردستان الذي يأخذ ولا يعطي.
النواب الشيعة يشعرون بالمظلومية لأن اموال نفطهم توزع على جميع أنحاء العراق، بينما تأخذ حكومة كردستان على أموال نفطها لنفسها.
الخلاصة أن الصراعات على الموازنة كشفت عن نوعية الصراعات السياسية في العراق، وإقرارها لمدة ثلاث سنوات يعطي حالة من الهدوء السياسي طوال السنوات الثلاث المقبلة.
هذا فيما يتعلق بالصراع السياسي المنبثقمن الموازنة، إلا أن الملفات الاخرى سوف ينبثق عنها صراع جديد وفق التفصيل الذي ذكرناه، وبأساليب متعددة، لتكون الإزاحة الجيلية المصير المحتوم بالنسبة للقوى السياسية الشيعية، والإزاحة الحزبية مصير الاحزاب الكردية، والتناوب بالقيادة مصير الجماعات السياسية السنية.
.
رابط المصدر: