علي عاطف
لا تنحصر نتائج عملية مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي السابق، أيمن الظواهري، في الجوانب العسكرية الممثلة في إمكانية تصعيد التنظيم وتيرة العنف مرة أخرى، أو حتى فيما يتعلق بمستقبل العلاقة بين حركة “طالبان” والولايات المتحدة الأمريكية في ضوء اتفاق الدوحة لعام 2020 فقط، بل إن العملية قد تكشف لنا خلال الأشهر المقبلة عن توجهات جماعية دولية إزاء حكم “طالبان” لأفغانستان في الوقت الراهن.
أي أن مقتل الظواهري في “قلب العاصمة كابول” على وجه التحديد، يعني الكثير بالنسبة لمحاولات الحركة كسر حالة الجمود السياسي التي تواجهها على المستوى الدولي منذ أغسطس الماضي فيما يخص اعتراف مختلف الدول بها، علاوة على تأثير العملية المستقبلي أيضًا على سعيها لتفكيك العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ أشهر. وعليه، نتوجه فيما يلي لتناول الآثار السياسية لعملية استهداف الظواهري مؤخرًا على حكم “طالبان” لأفغانستان.
خلافات بينية: مَنْ أبلغ عن مكان إقامة الظواهري؟
أعلنت الولايات المتحدة بعد مقتل أيمن الظواهري في 31 يوليو 2022 أن الأخير كان تحت أعين عناصر وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) منذ أوائل العام الجاري. ومع ذلك، فإن هذا الإعلان لا يعطينا معلومة محددة بشأن هوية الجهة أو الفرد الذي أبلغ الاستخبارات الأمريكية بمكان تواجد أيمن الظواهري، إن كان عضوًا أو عميلًا لجهاز الاستخبارات الأمريكي أو طرفًا آخر خارجيًا قد أبلغ من أجل هدف ما قد يكون سياسيًا.
وعلى ذلك، نتطرق هنا لبعض السيناريوهات المحتملة بشأن هذه الهوية:
- تحديد الاستخبارات الأمريكية (CIA) نفسها لموقعه في أفغانستان، عن طريق عناصرها أو عملائها على الأرض، حيث تملك واشنطن، حسب قول الكاتب الأمريكي “ستيف كول”، حوالي 70 ألف “اتصال استخباراتي” مرتبط بـ “السي آي ايه” في أفغانستان.
- إبلاغ إحدى أذرع “طالبان” المتصارعة داخليًا الأمريكيين بشأن موقع الظواهري. حيث تتنافس 3 أذرع داخل الحركة على الفوز بثقة بعض الدول الخارجية؛ من أجل إقامة علاقات معها وأن تقود إحدى هذه التيارات الداخلية الحركة وبالتالي أفغانستان، على أن تحظى بالاعتراف الدولي لاحقًا. وتتمثل هذه التيارات الثلاثة في: (المجموعة القطرية بقيادة الملا عبد الغني برادر، ومجموعة الملا محمد يعقوب وزير دفاع “طالبان”، وشبكة “حقاني” التي يتزعّمها وزير داخلية الحركة سراج الدين حقاني).
- تسليم قيادة “طالبان” الظواهري إلى الولايات المتحدة من أجل الحصول على المساعدات الدولية والمساهمة في حلحلة ملف الاعتراف السياسي الدولي بها حاكمًا لأفغانستان؛ عن طريق إثبات عدم ولائها أو تعاونها مع المجموعات الإرهابية الأخرى. ولكن، إن كان هذا السيناريو صحيحًا، فإن الحركة قد تشهد تفاقمًا كبيرًا لوتيرة الأزمات الداخلية بها أو انشقاقاتٍ بارزة، خاصة من جانب شبكة “حقاني” التي توالي تنظيم “القاعدة” أكثر من أذرع كثيرة أخرى لـ “طالبان”.
وعليه، فقد يكون السيناريوهان الأول والثاني مرجحين بشكل أكبر؛ إذ إن قيادة الحركة قد تكون مدركة أن تسليمها للظواهري سوف يتبعه صراع محتمل أو انشقاقات من جانب شبكة “حقاني” التي توالي “القاعدة”، فضلًا عن أن تسليمها للظواهري سوف يقلق المجموعات الإرهابية الأخرى النشطة في مختلف أنحاء أفغانستان، وقد يعمل على توحيدها ضد “طالبان”، وهو ما لا تستطيع الحركة تحمله.
مستقبل مظلم: مقتل الظواهري والاعتراف الدولي بحركة “طالبان”
نفت حركة “طالبان” الأفغانية في 4 أغسطس 2022، علمها بمكان أو حتى ميعاد وصول الظواهري لمحل إقامته الذي قُتل فيه يوم 31 يوليو الماضي داخل حي “شيربور” في وسط العاصمة، والمطل على أحد أرقى أحياء كابول الذي تتخذ منه كثير من السفارات الأجنبية مقرًا لها.
ولكن، إذا تطرقنا إلى بعض النقاط الممثلة في اتفاق الدوحة المشار إليه بين الحركة وواشنطن في قطر، وتعهد “طالبان” بعدم إيواء الحركات الإرهابية الأخرى أو تحويل أفغانستان إلى بؤرة إرهاب دولية، علاوة على محاولات الحركة الحصول على اعتراف سياسي دولي بحكمها لأفغانستان، والذي لم يحدث حتى الآن، سنجد أن نفيها هذا يحمل من ورائه أهدافًا محددة بعينها.
حيث إنه من غير اليسير تصديق رواية عدم علمها؛ في ظل سيطرتها المطلقة على أفغانستان وإقامة الظواهري قبل مقتله في مركز العاصمة وبالقرب من منطقة السفارات الأجنبية. إذ، لو كان زعيم “القاعدة” السابق مقيمًا حين مقتله في مناطق نائية أو حدودية تقليدية مع باكستان لكان تصديق هذه الرواية ممكنًا، إلا أن الظواهري، الحليف بالأساس للحركة والمقرب للغاية من أذرعها الأخرى، قد قتل بالقرب من القصر الرئاسي في العاصمة.
تحالف “القاعدة” و”طالبان”: مقتل الظواهري في منزل يملكه وزير داخلية الحركة
إلى جانب ما يعنيه وما يكشف عنه الموقع الجغرافي الذي قُتل فيه الظواهري في حي “شيربور” بالقرب من القصر الرئاسي في كابول، فإنه وحسب تقارير دولية، تعود ملكية المنزل الذي قُتل فيه الظواهري إلى وزير داخلية “طالبان” سراج الدين حقاني، زعيم شبكة “حقاني” الإرهابية والموضوع على رأس قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI).
أما حين تنفيذ عملية استهداف الظواهري، فقد كان حقاني موجودًا في منزل بحي “وزير أكبر خان” المجاور لحي “شيربور”، حيث كان يستضيف محادثات غير معلن عنها بين وفد مكوّن من 12 شخصًا من باكستان وقادة تابعين لتنظيم “طالبان-باكستان” الإرهابي أو ما يعرف اختصارًا بـ (TTP).
ويقال إن سراج الدين حقاني، قد توجّه عقب مقتل الظواهري إلى الجنوب من العاصمة كابول حيث قرية “تشرخ لوجر” ومنها إلى قرى أخرى في ولاية “بكتيا”، المقر الرئيس لشبكة “حقاني”، والواقعة شرقي أفغانستان على الحدود مع باكستان، وهي المناطق المعتادة لإقامة قادة مثل هذه المجموعات.
وفي ضوء ذلك، يتبادر إلى الذهن من ناحية أخرى تساؤل مهم يتمحور حول إمكانية عودة وزير داخلية “طالبان” إلى العاصمة كابول من عدمه أو حتى بقاؤه “وزيرًا” في حكومة “طالبان” غير المعترف بها؛ بعد فراره وتوقعه استهدافه لاحقًا بعد الظواهري، خاصة أنه مطلوب لدى الولايات المتحدة وأجهزة مكافحة الإرهاب الدولية، ومتهم بتنفيذ عشرات الهجمات خلال العشرين عامًا الماضية.
وعلى أي حال، فإن التفاصيل الجغرافية والمكانية والاتصالية التي كشفت عنها عملية مقتل الظواهري قد تدفع بالمجتمع الدولي، ومختلف الدول حول العالم، إلى عدم التفكير أو الإقدام على الاعتراف السياسي بحكومة حركة “طالبان” الأفغانية في المستقبل؛ وذلك بعدما ثبت إقامة زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي الظواهري في العاصمة كابول التي تسيطر عليها “طالبان” وفي منزل يملكه وزير داخلية الحركة سراج الدين حقاني، حسب تقارير معلنة.
أو بعبارة أخرى، بعدما أثبتت عملية قتل الظواهري وجود علاقة قائمة بين تنظيم “القاعدة” و”طالبان”، ليس أقلها العلاقة الشخصية ما بين سراج الدين حقاني، الذي يتزعم الذراع العسكرية الأكثر بطشًا داخل “طالبان”، وأيمن الظواهري. بل إن التحالف ما بين “حقاني” و”القاعدة” يمتد إلى روابط استخباراتية وعسكرية ومالية وأيديولوجية.
ويضاف إلى ما سبق، تأكيد الولايات المتحدة بعد الإعلان عن العملية التي قتل فيها الظواهري أن “شخصيات بارزة من شبكة حقاني في طالبان كانت على علم بوجود الظواهري في المنطقة، بل واتخذت خطواتٍ لإخفاء وجوده بعد الضربة الأمريكية، وتقييد الوصول إلى المنزل ونقل عائلته بسرعة، بما في ذلك ابنته وأطفالها”. واستتبع ذلك اتهام واشنطن للحركة الأفغانية بانتهاك اتفاق الدوحة بسبب “إيواء” أيمن الظواهري.
وليس ذلك فحسب، بل إن الحركة قد تواجه فرض المزيد من العقوبات الخارجية ضدها خلال الأيام المقبلة، وسيكون من العسير عليها كذلك الحصول على الأموال المجمدة في الخارج والتي تبلغ حوالي 9 مليارات دولار أمريكي وترغب في السيطرة عليها منذ عام.
هل تعود الولايات المتحدة إلى أفغانستان؟
استنتاجًا مما سبق، قد يقود عدم اعتراف المجتمع الدولي بالحركة إلى المزيد من تشددها وصدامها بالتالي مع الولايات المتحدة أو مصالحها في المنطقة. ويطرح هذا احتمالات أخرى بشأن إمكانية تصعيد “القاعدة” و”طالبان” المشترك ضد واشنطن؛ إذ إن الأولى قد تحاول الرد على مقتل الظواهري، في الوقت الذي قد تتجه فيه الثانية إلى المزيد من التشدد خاصة مع الولايات المتحدة، إذا لم تحصل على اعتراف دولي بها وتم فرض عقوباتٍ جديدة ضدها. هذا بالطبع ما لم تكن عملية استهداف الظواهري قد تمت بمساعدة معلوماتية من داخل الحركة، أو نتيجة للخلاف القائم داخلها بين بعض المجموعات.
أما إذا لجأت القاعدة وطالبان إلى التصعيد وتهديد المصالح الغربية والأمريكية في الخارج، أو تفاقمت وتيرة الإرهاب في أفغانستان والهجمات الخارجية ذات الصلة، فإن الولايات المتحدة قد تضطر إلى تعزيز حضورها داخل أفغانستان، إما عن طريق العودة مرة أخرى إليها أو تكثيف عملياتها العسكرية الجوية من الخارج داخل ذلك البلد؛ من أجل استهداف “طالبان” ومختلف الجماعات الإرهابية الأخرى.
وقد تدفع القدرات العملياتية الفائقة للطائرات المسيرة من دون طيار الولايات المتحدة إلى تبني خيار العمليات الجوية المركزة؛ خاصة في ظل الخطط العسكرية الأمريكية الرامية إلى عدم إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان والشرق الأوسط.
.
رابط المصدر: