بعد مرور أكثر من عقدين على خوض حلف شمال الأطلسي الحرب لوقف التطهير العرقي في كوسوفو، عادت منطقة البلقان إلى حافة الحرب مرة أخرى. وأثارت التوترات المتصاعدة بين حكومة كوسوفو والأقلية العرقية الصربية في البلاد احتمال تجدد القتال الذي قد يجتذب صربيا المجاورة ويعرض للخطر قوات حلف شمال الأطلسي البالغ عددها (3700) جندي، والتي لا تزال متمركزة في كوسوفو.
تصاعد الخلافات بين صربيا وكوسوفو
أصدر البرلمان الكوسوفي في 31 أكتوبر 2022، قانوناً يمنع استخدام لوحات أجنبية للسيارات، ويلزم جميع السكان بوضع لوحات سيارات معتمدة من الحكومة في بريشتينا، وأعطى مهلة حتى 21 نوفمبر 2022 لتنفيذ القرار. رفض الصرب القانون، وقاموا بإجراءات تصعيدية، وقدم مسؤولون صرب استقالات جماعية من كل الوظائف العامة، في حين أعلن رجال الشرطة من الصرب العصيان المدني، وقاموا بخلع زيهم الرسمي. وأعقب ذلك احتاجات وإغلاق الطرق الرئيسية.
بعد أربعة عشر عاماً من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا ما زال نحو (50) ألف صربي يعيشون في شمال البلاد ويستخدمون اللوحات المعدنية والوثائق الصربية، رافضين الاعتراف بالمؤسسات التابعة للعاصمة بريشتينا. وتعترف أكثر من مئة دولة ليس من بينها صربيا وروسيا بكوسوفو دولة مستقلة. وقررت الحكومة في كوسوفو أنه اعتباراً من الأول من أغسطس أيضاً يتعين على جميع مواطني صربيا الحصول على وثيقة إضافية على الحدود لمنحهم الإذن بالدخول. ولا تزال التوترات شديدة بين البلدين، وتحافظ بعثة حلف شمال الأطلسي التي يبلغ قوامها (3770) جندياً على الأرض على السلام الهش في كوسوفو. أزمة أوكرانيا ما أهمية ترشيح أوكرانيا لعضوية الإتحاد الأوروبي؟
يكمن أساس التوتر بين البلدين في مزاعم القوميين الصرب المتأثرين بالسياسة الخارجية لبلغراد القائمة على اعتبار كوسوفو موطن الصرب، حيث دمّرت مملكة صربيا في العصور الوسطى في معركة عام 1389 خلال عهد السلطان العثماني مراد الأول. وفي يوغوسلافيا الثانية التي أسسها جوزيف بروز تيتو عام 1946، كانت كوسوفو منطقة حكم ذاتي في ظل صربيا، وفي عام 1989 قام رئيس دولة صربيا الفيدرالية سلوبودان ميلوشيفيتش بإنهاء وضع الحكم الذاتي لكل من كوسوفو وفويفودينا. وبعد سنوات، بدأت مفاوضات الانضمام بين صربيا والاتحاد الأوروبي في عام 2014، ومع ذلك لم تتنازل صربيا عن مطالبها بشأن كوسوفو.
صربيا وكوسوفو.. جبهة جديدة بين روسيا والغرب
دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى “نزع فتيل التوتر” في شمال كوسوفو الذي يشهد توترات على الحدود مع صربيا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ومتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك يوم 28 ديسمبر 2022 : “ندعو الجميع إلى التزام أكبر قدر من ضبط النفس واتخاذ إجراءات فورية من أجل نزع فتيل التوتر من دون شروط”. بالمقابل أعلن الكرملين أن روسيا “تدعم” ما تقوم به صربيا بهدف وضع حد للتوترات في كوسوفو. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين: “لدينا علاقات وثيقة جدا كحليفين، (علاقات) تاريخية وروحية مع صربيا”، موضحاً أن موسكو تتابع “بانتباه شديد ما يحصل (في كوسوفو) وكيفية ضمان حقوق الصرب” في كوسوفو.
هناك من يربطون بين التوترات الراهنة في شمال كوسوفو والحرب الروسية في أوكرانيا، والكثير من التحليلات الغربية تقول إن روسيا ربما لها يد فيما يحدث، وإنها تسعى إلى فتح جبهة ثانية ضد الغرب في خاصرة أوروبا الضعيفة، ضمن منطقة البلقان”. في مقابل ذلك، يرى أخرون عن محاولة أوروبا فتح جبهة جديدة ضد روسيا بين كوسوفو وصربيا مع انحسار الحديث عن “انتصار كييف الحتمي” على موسكو، ففي حال تهديد صربيا عسكرياً، لن يساعدها أحد سوى روسيا. لكن في الظروف الحالية، حيث يشارك الجيش الروسي وقوات البلاد ومواردها الأخرى في العملية الخاصة في أوكرانيا، فإن هذا، وفقاً لجميع الخبراء تقريبا، مستحيل عملياً. ملف أزمة أوكرانياـ تصعيد التسلح والرهان على الدور الأوروبي لوقف الحرب
التداعيات الأمنية على أمن البلقان والاتحاد الأوروبي
تصاعدت الحرب الكلامية بين برشتينا وبلغراد في الأسابيع الماضية ومع تسجيل أعمال عنف استخدمت فيها الأسلحة، مما أثار مخاوف في أوروبا من تدهور الأوضاع. وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في ديسمبر 2022 إن بلاده ستفعل كل ما في وسعها لضمان السلام، ولكنه أكد أن الجيش مستعد لحماية الأقلية الصربية في كوسوفو. في المقابل، اتهم كورتي نظام فوتشيتش بتمويل ما وصفها بالعصابات الإجرامية في شمال كوسوفو والسعي للحرب، وقال إن إرسال صربيا قوات لبلاده سيكون عملاً عدوانياً، ومؤشراً على سعي بلغراد لزعزعة استقرار المنطقة.
يحث الاتحاد الأوروبي صربيا وكوسوفو على الحوار من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين. وقال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في 15 ديسمبر 2022 : “الحوار هو السبيل الوحيد لوجهة النظر الأوروبية لكوسوفو وصربيا”.أزمة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي ـ تحول في السياسات الدفاعية والأمنية
خلق هذا التوتر تصوُّراً لدى الجمهور بأن احتمالية نشوب الحرب كبيرة، وتَسبَّب في حالة من القلق. مع ذلك يمكن القول إن احتمالية اندلاع أي حرب في المنطقة ضئيلة. وجدير بالذكر أن الخسائر السكانية في المنطقة، ونقص التجهيزات اللازمة لتحمل تبعات الحرب، والمشكلات الاقتصادية، والظروف الدولية، لا توفّر بيئة مواتية لنشوب حرب في وسط أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوات حفظ السلام الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) والمعروفة باسم “كفور” موجودة في كوسوفو ويبلغ قوامها (3775) جندياً من (28) دولة.
تقييم
على الرغم من دور الدبلوماسية الدولية، سيظل القادة المحليون هم صناع القرار النهائيين بشأن هذه القضية. ما يعني أن التغيير المحلي من الممكن أن يؤثر على تغيير إقليمي ، مما يدل على أن هذا الوضع الراهن يمكن تخفيفه بالفعل ولكنه يعني أيضاً أن القضية ككل، إلى جانب حياة ألبان كوسوفو والصرب، ستظل رهينة للخطاب القومي.
إن الصراع المجمد بين كوسوفو وصربيا يشكل تهديداً للقارة الأوروبية؛. ولذلك ينبغي أن تعامل على أنها مسألة ذات أهمية استراتيجية. إن الدور الحالي الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي كميسر محايد لا يكفي لمواجهة تحد بهذا الحجم. وبدلاً من ذلك، سيكون من الضروري اتخاذ إجراءات استراتيجية واضحة للتمكين من اختتام سريع وحاسم لعملية الحوار.
يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه البناء على هذه المبادرة واقتراح أجندة طموحة لمستقبل عملية الحوار، والتي ينبغي أن تبدأ باتفاق نهائي حول تطبيع العلاقات. يجب أن تغطي هذه الاتفاقية جميع القضايا العالقة بين صربيا و كوسوفو.
الهوامش
Conditions for peace: The EU’s role in the dialogue process between Kosovo and Serbia
http://bit.ly/3IQSPr0
ما الذي يؤجج الصراع المستمر بين كوسوفو وصربيا؟
http://bit.ly/3ZOV0l9
ما هو سبب التوتر المستجد على حدود كوسوفو وصربيا؟
http://bit.ly/3QCoH4F
بين الأسباب والحلول.. التوتر الكوسوفي الصربي في 3 أسئلة
http://bit.ly/3GKqSyk
التوتر بين كوسوفو وصربيا – روسيا تدعم صربيا والغرب يدعو للتهدئة
http://bit.ly/3H561ax
كوسوفو.. هل تتحول لساحة صراع جديدة بين روسيا والغرب؟
http://bit.ly/3IP2Zbv
ما الذي يجري بين صربيا وكوسوفو: من يشعل فتيل الحرب، وهل تتورط روسيا فيها؟
http://bit.ly/3H5mAmu
هل تشعل التوترات بشمال كوسوفو حربا جديدة في البلقان؟
http://bit.ly/3XyTVvQ
الاتحاد الأوروبي يحث كوسوفو وصربيا على العودة إلى الحوار
http://bit.ly/3WheT10
الأزمة المتصاعدة بين كوسوفو وصربيا.. إلى أين؟
http://bit.ly/3CQIozM
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: