صحيح أن مجلس الأمن الدولي صوّت دعما لخطة وقف إطلاق النار التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حول غزة، لكن احتمال التوصل إلى سلام دائم يظل ضئيلا. وهذا ما بدا جليا من نتائج الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
وقد بذلت الولايات المتحدة كل جهدها للحصول على موافقة مجلس الأمن لتعزيز مصداقية خطتها، لممارسة الضغط على كل من إسرائيل و”حماس” لحملهما على الاستجابة لمبادرة إدارة بايدن لوقف دائم لإطلاق النار في غزة.
ويدعو الاقتراح المقدم إلى الأمم المتحدة، والذي أعلنه الرئيس جو بايدن في البداية يوم 31 مايو/أيار، إلى “وقف كامل وشامل لإطلاق النار”، وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم “حماس”، وإعادة رفات الرهائن المتوفين، وتبادل الأسرى الفلسطينيين. وصوت 14 عضوا من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر لصالح مشروع القرار الذي صاغته الولايات المتحدة، فيما امتنعت روسيا عن التصويت.
وكان هدف إدارة بايدن، من وراء تأمين دعم الأمم المتحدة، هو ضخ الزخم في الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي بذلتها واشنطن للخروج من الجمود في غزة، قبل أن يشرع بلينكن في مهمته الدبلوماسية الثامنة إلى المنطقة منذ شنت “حماس” هجومها المدمر ضد إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وكانت تقارير بأن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبلت اقتراح وقف إطلاق النار قد عززت الآمال بأن ينجح بلينكن أخيرا في إنهاء الأعمال العدائية في غزة، التي أدت إلى مقتل أكثر من 37 ألفا من الفلسطينيين.
وكان بايدن واضحا عندما وصف خطته المؤلفة من ثلاث مراحل لأول مرة في شهر مايو/أيار، بأنها اقتراح إسرائيلي لوقف إطلاق النار. ومع موافقة الإسرائيليين، بحسب ما ورد، تحول التركيز الدبلوماسي الأساسي لواشنطن إلى إقناع “حماس” بقبول شروط وقف إطلاق النار.
هدف إدارة بايدن، من وراء تأمين دعم الأمم المتحدة، هو ضخّ الزخم في الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي بذلتها واشنطن للخروج من الجمود في غزة
وعشية التصويت في الأمم المتحدة، أرسل بلينكن رسالة إلى الزعماء الإقليميين، مضمونها: “إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار، فعليكم أن تضغطوا على (حماس) لتقبل به”.
وانعكست ثقة واشنطن بحصولها على دعم إسرائيل لمبادرة وقف إطلاق النار في قرار الأمم المتحدة، الذي ذكر أن إسرائيل قبلت اقتراح وقف إطلاق النار، وحث “حماس” على الموافقة عليه بدورها. ومع ذلك، بينما يضيف دعم الأمم المتحدة لاتفاق وقف إطلاق النار بلا ريب شرعية إلى الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي تبذلها واشنطن، فإن احتمالات تحقيق الاختراق المنشود تظل صعبة، لأسباب عديدة، ليس أقلها أن كلا من الإسرائيليين و”حماس” لا يزالون على ما يبدو على طرفي نقيض حول الشروط التي يمكن أن يوافق كل طرف عليها.
ووفقا للخطوط العريضة لخطة وقف إطلاق النار الأخيرة، فثمة مرحلة أولى، تتضمن تبادل الرهائن والأسرى بالإضافة إلى وقف إطلاق النار على المدى القصير. فإذا ما تم تنفيذ ذلك بنجاح، فسوف تتبعه مرحلة ثانية تتضمن “وقفا دائما للأعمال العدائية” يليه انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة. وبمجرد الانتهاء من ذلك، ستركز المرحلة الثالثة على النظرة المستقبلية للقطاع على المدى الطويل، مع بدء خطة طموحة لإعادة إعمار غزة.
ولكن في حين أن هناك الآن إجماعا واسع النطاق بين زعماء العالم لحل أزمة غزة، فإن الحصول على الموافقة على الصفقة من جانبي الحدود يثبت أنه يمثل مشكلة كبيرة، كما اكتشف بلينكن خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة.
وبينما تصر إدارة بايدن على أن الصفقة تحظى بدعم إسرائيل، برز بالفعل ما يشير إلى أن أعضاء اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو يعارضون تنفيذها بشدة، كما أنهم هددوا بالاستقالة من الحكومة إذا ما مر الاتفاق، ما يعني بالتالي انهيار الحكومة الإسرائيلية وفرض انتخابات مبكرة لاختيار حكومة جديدة.
وكان رد الفعل الإسرائيلي عدائيا على التقارير التي أفادت بأن “حماس” تسعى إلى إدخال تعديلات على الاتفاق، إذ صرح مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى بأن التغييرات التي تقترحها “حماس”، والتي ورد أنها تشمل المطالبة بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، تعني رفضا من قيادة “حماس” لاقتراح وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن.
من جانبهم، يقول ممثلو “حماس” إنهم يدعمون الخطوط العريضة للصفقة، لكنهم يسعون إلى إدخال بعض التعديلات عليها.
وأعرب مسؤولو “حماس” عن قلقهم بشأن ما إذا كانت إسرائيل ستفي بجانبها من الاتفاق، وخاصة البنود الخاصة بإنهاء دائم للقتال وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم الحركة.
وقال جهاد طه المتحدث باسم “حماس” إن الرد شمل “تعديلات تؤكد وقف إطلاق النار والانسحاب وإعادة الإعمار وتبادل (الأسرى)”.
برز ما يشير إلى أن أعضاء اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو يعارضون تنفيذها بشدة، كما أنهم هددوا بالاستقالة من الحكومة إذا ما مر الاتفاق
وستركز الجهود الدبلوماسية الساعية لتحقيق انفراجة في قضية وقف إطلاق النار على قمة “مجموعة السبع” في إيطاليا. فوفقا لجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، يعتزم الرئيس بايدن حث زعماء “مجموعة السبع” على دعم مفاوضات وقف إطلاق النار وتشجيع حركة “حماس” على قبول الاقتراح.
ومع ذلك، تبقى إمكانية أن يساعد دعم زعماء “مجموعة السبع” في كسر الجمود موضع تساؤل، طالما أن العقبة الرئيسة أمام محادثات وقف إطلاق النار لم تُحل بعد. وتتمثل هذه العقبة في إقناع حكومة نتنياهو بإنهاء هجومها العسكري في غزة.
ورغم إعلان إسرائيل دعمها خطة وقف إطلاق النار، يظل الهدف الرئيس لنتنياهو هو تأمين إطلاق سراح حوالي 120 رهينة إسرائيلي ما زالوا محتجزين لدى “حماس”. وفي الوقت ذاته، أشار نتنياهو إلى عدم نيته إنهاء الهجوم العسكري على غزة حتى تدمير “حماس” بالكامل.
وفي الوقت نفسه، تطالب “حماس” إسرائيل بإنهاء عملياتها العسكرية والانسحاب الكامل من غزة كجزء من أي اتفاق لوقف إطلاق النار. وصرح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بأن بعض هذه المطالب “غير قابل للتطبيق”. بينما ردت “حماس” باتهام الولايات المتحدة بالانحياز إلى الجانب الإسرائيلي في مفاوضات وقف إطلاق النار.
لا شك أن تحقيق أي تقدم حقيقي في تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة يتطلب من زعماء العالم إيجاد وسيلة لحل هذه القضية الشائكة المتعلقة بإقناع الإسرائيليين بإنهاء هجومهم العسكري في غزة وسحب قواتهم.
المصدر : https://www.majalla.com/node/319116/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%B5%D8%B9%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9