تواصل السلطات الصينية اتباع سياسة “صفر كوفيد” للحد من انتشار كوفيد، التي تقضي بفرض إجراءات إغلاق وفحوص جماعية بينما تكافح فيه أكبر انتشار للوباء منذ أيامه الأولى.
وقد أغلقت أحياء بأكملها في العاصمة بسبب عدد قليل من الإصابات.
وأعلنت بكين تسجيل خمسين إصابة محلية بالفيروس الخميس غداة تأكيدها أن سكان تشاويانغ الحي الأكثر اكتظاظا في بكين ويضم 3,5 ملايين نسمة، يجب أن يعملوا من منازلهم.
وطلب من العاملين المضطرين للتوجه إلى مكاتبهم قيادة سياراتهم بأنفسهم وتجنب التجمعات.
كما شجعت السلطات سكان حي آخر في بكين وهو تونغتشو على العمل في منازلهم بينما بقيت عشرات من محطات المترو في جميع أنحاء المدينة مغلقة.
وشوهد بعض الموظفين وهم يعودون إلى مبانيهم في تشاويانغ ويقومون بعرض وثائقهم الصحية التي تسمح بدخول الأماكن.
وتتخذ بكين إجراءاتها بحذر بعد الإغلاق الطويل الذي شهدته شنغهاي أكبر مدينة في الصين وأدى إلى نقص الغذاء وحالة من الغضب العام.
وسجلت شنغهاي – بؤرة الانتشار الأخير للوباء – أكثر من 4600 إصابة معظمها بدون أعراض الخميس.
وجاءت هذه الإجراءات بعد عطلة هادئة على غير العادة بمناسبة عيد العمال. فقد منعت سلطات العاصمة تناول الطعام في المطاعم وأغلقت الصالات الرياضية.
وتراجعت عائدات السياحة المحلية على مدى خمسة أيام أكثر من 40 بالمئة عن معدلها العام الماضي، حسب أرقام رسمية.
وأغلقت بكين عشرات من محطات المترو في إطار محاربة كوفيد-19، وقيدت حركة السكان وذلك على الرغم من تسجيل بضع عشرات من الاصابات اليومية في العاصمة الصينية التي يبلغ عدد سكانها 21 مليون نسمة.
ومنذ بضعة أسابيع، تواجه الصين التي بقيت بمنأى عن الجائحة إلى حد كبير لمدة عامين، أسوأ تفش للوباء منذ ربيع عام 2020، مما قوض استراتيجيتها الخاصة بصفر كوفيد.
ويخشى سكان بكين، حيث تم الإبلاغ عن 51 إصابة جديدة، أن يتم إغلاق مدينتهم، مثلما حديث في شنغهاي التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة، حيث تم تسجيل معظم الاصابات.
أعلن مترو بكين إغلاق حوالي 60 محطة، أي حوالي 18 بالمئة من الشبكة، وكثير منها يقع بالقرب من مناطق فُرض عليها الاغلاق، وفقًا لما اوردته صفحته على تطبيق WeChat.
جاء في المنشور “سيتم إغلاق مداخل ومخارج المحطات .. لكن يمكن إجراء تبديل (الخط) بين المحطات”.
سجلت مدينة شنغهاي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث عُزل السكان لأكثر من شهر، ما يقرب من 5 آلاف إصابة جديدة الأربعاء، ما شكل انخفاضاً رغم تخفيف المدينة لبعض الإجراءات. لكن ما زال يتم إرسال أي شخص ثبتت اصابته إلى مركز عزل تتباين فيه وسائل الراحة وغالباً ما تكون شروط النظافة فيه متواضعة.
في أماكن أخرى في الصين، كثفت مدينة تشنغتشو في وسط البلاد الرقابة لمكافحة كوفيد، واوعز إلى السكان في وسط المدينة بالبقاء في مجمعاتهم السكنية.
صفر كوفيد رغم تململ الرأي العام
حضّ مسؤولون صحيّون صينيون الجمعة السلطات على المضي قدما في استراتيجية صفر كوفيد رغم تزايد تكاليفها الاقتصادية والمؤشرات على تململ سكان مدينة شنغهاي الخاضعة لإغلاق.
وقال نائب مدير لجنة الصحة الوطنية لي بن للصحافيين الجمعة إن سياسة الصين في ما يتعلق بالفيروس هي “سلاح سحري للوقاية من الوباء والسيطرة عليه”.
وحذّر من أنه “إذا استرخينا… وتركنا الفيروس ينتشر، فسيصاب عدد كبير من الناس”.
لكن الاستراتيجية سببت معاناة اقتصادية واضطرابات طالت خصوصا سلاسل الإمداد المتعثرة، وتواجه شنغهاي صعوبة في توفير الطعام الطازج للمحجورين في المنازل، وأبلغ مرضى عن مشاكل في الحصول على رعاية صحيّة إذا لم تكن مصابا بكوفيد.
ظهرت مؤشرات جديدة على الغضب العام والإحباط من القيود في هذه المدينة الكبيرة.
وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لسكان يقرعون الأواني في منازلهم، في استجابة على ما يبدو لدعوات للاحتجاج على الإغلاق.
وقالت إحدى السكان طالبة عدم الكشف عن هويتها، إنها انضمت إلى احتجاج تضمن قرع الأواني بعد سماع مثل هذه الأصوات في حيّها.
وصرّحت لفرانس برس “أرى الكثير من مقاطع الفيديو المماثلة لأشخاص يعيشون في مختلف الأحياء”.
لكن يبدو أن المحتوى المتعلق بهذه الاحتجاجات خضع للرقابة اعتبارا من الجمعة وتعذّر العثور عليه في منصات التواصل الاجتماعي الصينية مثل دوين وويبو الشبيه بتويتر.
وأعلن ويبو أنه “يتعامل” يوميا مع مئات الحسابات التي تنتهك قواعد المحتوى المتعلقة بتفشي الفيروس في شنغهاي.
وأوضح أنه “تحقق وأزال” الخميس أكثر من 8000 منشور، وفق ما أوردت صفحة الإشراف الرسمية على ويبو.
وتأتي مقاطع الفيديو الأخيرة في أعقاب انتشار لقطات مماثلة في وقت سابق من هذا الشهر تظهر سكانا يتشاجرون مع عناصر شرطة يرتدون ملابس واقية، وآخرون يقتحمون حواجز طالبين الطعام.
وشعر سكان العالم بأسره بالتداعيات الاقتصادية الناجمة عن السياسات الصارمة المتبعة في الصين – ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وحذرت شركة آبل العملاقة من أن عمليات الإغلاق على خلفية كوفيد في الصين من بين العوامل التي ستؤثر على النتائج الفصلية في حزيران/يونيو بمقدار يراوح من 4 إلى 8 مليارات دولار.
من جانبه، شدد رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين يورغ ووتكي في تصريح لصحيفة “ذي ماركت إن زي زي” على أن الأولوية واضحة للمسؤولين.
وقال في مقابلة “رؤساء البلديات والساسة الإقليميون لديهم مقياس واحد فقط في الوقت الحالي: صفر كوفيد”.
وأضاف “إنهم لا يهتمون بالاقتصاد على الأمد القصير”.
وتواجه الصين منذ آذار/مارس فورة وبائية تطال بدرجات متفاوتة أقاليم مختلفة. وتعتمد الصين استراتيجية “صفر كوفيد” وترفقها بعمليات حجر وفحوصات واسعة النطاق.
وأقامت سلطات مدينة شنغهاي التي تكافح تفشي كوفيد-19 أسيجة خارج المباني السكنية مما أثار غضبا عاما جديدا بشأن إجراءات الإغلاق التي أجبرت الكثير من سكان المدينة البالغ عددهم 25 مليونا على البقاء في منازلهم.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأفراد يرتدون الملابس البيضاء الخاصة بالحماية من العدوى ويغلقون شوارع بأكملها بأسيجة خضراء بارتفاع مترين تقريبا مما أثار تساؤلات وشكاوى من السكان.
وعن هذه الإجراءات، قال أحد المستخدمين لمنصة التواصل الاجتماعي ويبو “هذا عدم احترام لحقوق الناس في هذه المناطق باستخدام حواجز معدنية لتطويقهم مثل الحيوانات الأليفة”.
وظهر في مقطع مصور سكان يصرخون من الشرفات في وجوه عمال يحاولون تركيب أسيجة مما جعل العمال يتراجعون ويأخذون الأسيجة بعيدا. وظهر في مقاطع مصورة أخرى سكان يحاولون نزع الأسيجة.
ويبدو أن معظم الحواجز أقيمت حول المباني التي تم تصنيفها على أنها “مناطق مغلقة” وهي المباني التي اكتُشفت فيها إصابة شخص واحد على الأقل بكوفيد-19 وبالتالي فإنه ممنوع على سكانها المغادرة.
وأدى الإغلاق المستمر إلى ظهور مشاعر الإحباط بسبب صعوبات الحصول على الطعام والرعاية الطبية بالإضافة إلى فقدان الأجور والانفصال الأسري والظروف في مراكز الحجر الصحي.
مغادرة المغتربين
وأفادت أكثر من 80 في المئة من الشركات التي استطلعت غرفة التجارة الأميركية آراءها الشهر الماضي بأن سياسات الصين في التعامل مع الفيروس أثّرت على قدرتها في جذب الموظفين الأجانب أو المحافظة عليهم.
وذكرت غرفة التجارة البريطانية بأن الخطر على الأعمال التجارية عند “أعلى مستوى له منذ 2020” عندما كان الفيروس يتفشى سريعا في الصين في بدايات انتشار الوباء.
وأفادت أكثر من ثلث الشركات التي استطلعت غرفة التجارة الأميركية آراءها في آذار/مارس بأن أعداد موظفيها الأجانب انخفضت بعشرة في المئة على الأقل بسبب قيود كوفيد منذ بدء الوباء.
وتتباهى المدينة، التي تعد مركزا اقتصاديا عالميا، باستضافتها جالية أجنبية كبيرة تعد حوالى 164 ألف نسمة، بحسب بيانات إحصائية نشرت العام الماضي. ويعمل هؤلاء في مختلف القطاعات من التكنولوجيا والمال وصولا إلى التعليم في المدارس الدولية.
وكشف بريطاني يقيم في شنغهاي منذ وقت طويل لفرانس برس أنه يخطط للمغادرة جراء المخاوف من أن الإغلاق الأخير يمثّل بداية “اتّجاه مجنون حقا” في سياسات احتواء الفيروس.
وقال الرجل الذي طلب عدم الكشف عن هويته نظرا إلى أنه لم يبلغ مكان عمله بخطته “صفر كوفيد بات أشبه بمعتقد الآن، معتقد راسخ حقا”.
وتابع أنه بالنسبة للسلطات الصينية “لا يهم حقا إن كان كوفيد لم يعد بهذه الخطورة (الآن).. علينا الوصول إلى صفر” إصابات بأي ثمن.
بدوره، حذّر ينس هيلدبرانت من فرع غرفة التجارة الألمانية في شمال الصين من أن تدابير الإغلاق “ستترك أثرا على الأمد الطويل”.
وبالفعل، أدت القيود المشددة على الدخول إلى البلاد إلى مواجهة الشركات متعددة الجنسيات صعوبات على مدى أشهر في جلب خبراء جدد بعد مغادرة الموجودين.
ويفاقم ذلك أيضا مشاكل سلاسل الإمداد.
وفي رسالة وجّهتها مؤخرا إلى مجلس الدولة الصيني واطلعت عليها فرانس برس، حذّرت غرفة التجارة الأوروبية من أن أوميكرون تمثّل تحديات يبدو تجاوزها غير ممكن باستخدام “الأدوات القديمة المتمثّلة بالفحوص الواسعة والعزل”.
وذكرت الرسالة أن “التكاليف الاجتماعية والاقتصادية.. لتحقيق ذلك تزداد سريعا.. يؤثر ذلك أيضا بشكل مؤسف على صورة الصين أمام باقي العالم”.
ويفيد الحزب الشيوعي بأن استجابته للوباء ساعدت في تجنب أزمة صحية عامة كما حصل في دول أخرى.
لكنها في المقابل أنهكت كثيرين.
نظام كارثي
ورأى المستشار التعليمي البريطاني روري غرايمز (40 عاما) الذي يقيم في الصين منذ تسع سنوات أن إغلاق شنغهاي كان “كارثة تامة”.
ينام غرايمز على سرير مؤقت منذ ثبتت إصابته بالفيروس قبل أيام. ويقيم حاليا في صف في مدرسة تم تحويله إلى منشأة للحجر الجماعي.
وقال لفرانس برس “لا تشعر بأنك في مكان لتخضع إلى العلاج.. لا توجد منشآت طبية هنا.. بات الأمر مرتبطا بتحقيق أهداف أكثر من ارتباطه بالمنطق”.
وراج مصطلح “إغلاق عام مشدّد” على شبكات التواصل الاجتماعي الصينية بعدما انتشرت صور من شنغهاي يظهر فيها مسؤولون يغلقون مداخل مبانٍ بألواح معدنية.
وأثيرت شكوك حول فعالية اللقاحات المصنعة في الصين، نظرا لأن بكين لم تستورد أي لقاحات مصنعة في الخارج.
فقد جرى تطعيم أكثر من 1,2 مليار شخص بجرعتين على الأقل من اللقاحات بحلول منتصف شهر آذار/مارس، أي حوالي 90 بالمئة من السكان. في حين تناول نصف الصينيين فقط حتى الآن الجرعة المعززة.
لكن الصعوبة الأخرى تكمن في حماية المسنين، إذ من بين الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاما، تلقى النصف فقط جرعتين فيما تزيد النسبة قليلا عن 50 بالمئة لدى أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما وتم تطعيمهم بجرعة معززة. وينظر إلى الوضع بقلق لأنه في هونغ كونغ، المنطقة المتمتعة بحكم شبه ذاتي في جنوب الصين، أودى تفشي حديث للوباء بحياة العديد من المرضى المسنين غير المحصنين.
أما في البر الرئيسي، لا يُسمح حتى الآن سوى بإعطاء اللقاحات الصينية. إلا أن السلطات وافقت “بشروط” على عقار “باكسلوفيد” الذي تصنعه شركة فايزر الأمريكية لعلاج كوفيد-19.
وتفيد دراسات عدة أن اللقاحات الصينية أقل فعالية من العديد من اللقاحات الأجنبية، حتى لو كانت توفر حماية موثوقة ضد الأشكال الشديدة من كوفيد-19.
من جهة أخرى، فإن النظام الصحي في الصين تحسن بكثير عما كان عليه قبل بضعة عقود، إلا أنه يفتقر إلى عدد كاف من العاملين، خاصة أمام تقدم عمر السكان. ويوجد في الصين 2,9 طبيب عام فقط لكل 10 آلاف شخص، وفقا لوزارة الصحة. فيما تغطي هذه النسبة، على سبيل المقارنة، ألف شخص في المملكة المتحدة.
ولا تنعم بعض مناطق البلاد بهذا العدد. ففي مقاطعة جيلين (شمال شرق) التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة وشهدت تفشي الوباء مؤخرا، لا يوجد سوى 22880 سريرًا في المستشفيات، بحسب السلطات المحلية. وقد حذر باحثون في جامعة بكين المرموقة من أن الصين يمكن أن تعاني من “تفشي هائل” من شأنه أن يغرق بسرعة نظام الرعاية الصحية إذا خففت القيود كما فعلت أوروبا أو الولايات المتحدة.
نقطة ثالثة تشكل تحديا أمام السلطات، لا يزال هناك تباين ملحوظ بين المدن والريف فيما يتعلق بالنظام الصحي. وتتوفر أحدث المعدات والأطباء المتمرسين وأفضل المؤسسات في المدن الكبرى، حيث يتمتع السكان بخيارات كبيرة بين المستشفيات العامة والعيادات الخاصة.
لكن وفقا لوزارة الصحة، يوجد في الصين 1,6 ممارس صحي فقط و1,5 سرير مستشفى لكل ألف شخص في المناطق الريفية.
وفي إطار استراتيجية “صفر كوفيد” تشدد السلطات الصينية على عزل كل شخص تثبت إصابته بكوفيد في مستشفى، ما أدى إلى اكتظاظ المرافق الصحية بالمرضى حتى وإن لم تكن عوارضهم شديدة.
وتم تخفيف سياسة لم تلق تأييدا متمثلة في فصل الأطفال المصابين عن أهلهم غير المصابين بالفيروس هذا الأسبوع بعدما أثارت غضباً عاماً.
النمو الاقتصادي مهدد
تهدد الكلفة المتزايدة لسياسة “صفر كوفيد” التي تتبناها الصين لمحاربة جائحة كورونا بعرقلة الهدف المحدد من قبل بكين لنمو إجمالي الناتج المحلي، كما يقول محللون، فيما تشهد سلاسل الإمداد أزمة مستمرة وتواجه الموانئ تأخيرات، مع بقاء مدينة شنغهاي مغلقة.
وكان النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتباطأ في النصف الأخير من العام الماضي مع تراجع سوق العقارات والإجراءات التنظيمية، ما دفع المسؤولين إلى تحديد أدنى هدف سنوي لإجمالي الناتج المحلي للعام 2022 منذ عقود.
لكنّ محللّين قالوا لوكالة فرانس برس إنه سيكون من الصعب تحقيق الهدف المتمثل في 5,5 بالمئة مع الطلب من السكان البقاء في المنزل وهو أمر أدى إلى تعليق الإنتاج وتوقف نمو الإنفاق الاستهلاكي في المدن الرئيسية.
وتوقع خبراء من 12 مؤسسة مالية قابلتهم وكالة فرانس برس أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي 5 بالمئة للعام بأكمله. وهم يتوقعون نسبة 4,3 بالمئة للربع الأول، أعلى بقليل من 4 بالمئة المسجلة في الأشهر الثلاثة السابقة.
وقال جين ما رئيس الأبحاث الصينية في معهد “إنستيتيوت أوف إنترناشونال فاينانس” إن “الاقتصاد الصيني شهد بداية جيدة في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير مع قيود أقل على الطاقة وتعافي الطلب المحلي (…) وتحفيز مالي وصادرات مرنة”.
لكنّ ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس في آذار/مارس وإجراءات الإغلاق التي فرضت لكبح انتشاره “عطلت سلاسل الإمداد والنشاطات الصناعية بشكل كبير”، كما أضاف.
وتوقّع المحللون أن يؤدي تفشي فيروس كورونا إلى عكس المكاسب التي تم تحقيقها في وقت سابق من العام.
وحذّرت شركات صناعة السيارات هذا الأسبوع من اضطراب شديد في سلاسل الإمداد وربما حتى وقف الإنتاج تماما إذا استمر الإغلاق في شنغهاي.
وقال رئيس الوزراء لي كه تشيانغ هذا الأسبوع إنه يجب تعزيز الدعم الحكومي واستخدام أدوات بما فيها خفض نسبة متطلبات الاحتياطي للمصارف، من أجل مساعدة القطاعات المتضررة بالفيروس.
ومن المدن الرئيسية الأخرى التي تضررت جراء انتشار الفيروس فيها شينتشين، مركز الصناعات التكنولوجية، التي فرض عليها إغلاق تام لمدة أسبوع تقريبا في آذار/مارس.
وتضم شنغهاي موطنا أهم ميناء للحاويات في العالم. وفيما تستمر عمليات الإنتاج، تؤدي القيود المفروضة على السفر بين المدن ونقص عدد سائقي الشاحنات، إلى عرقلة نقل البضائع.
وقال جوليان إيفنز-بريتشارد كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة “كابيتال إيكونوميكس” المالية في تقرير حديث إن التدفق اليومي لمركبات الشحن على طول الطرق السريعة “ضعف بشكل كبير” منذ بداية نيسان/أبريل.
وواجهت سلطات شنغهاي لانتقادات لسماحها بارتفاع عدد الإصابات بالوباء وعدم تمكّنها من ضمان وصول إمدادات الطعام الطازج إلى جميع السكان.
وأشار تومي تشي المسؤول في مصرف “أو سي بي سي بنك” إلى أن “شنغهاي درس، والحكومات المحلية في أجزاء أخرى من الصين قد تصبح أكثر استجابة للاضطرابات المحلية”.
وأوضح لوكالة فرانس برس “إذا أرادت الإغلاق، فستحاول فرضه مبكرا وليس لاحقا”.
من جانبها، قالت دان وانغ كبيرة الاقتصاديين في مصرف “هانغ سنغ بنك تشاينا” إن الضوابط في المدن الساحلية الأخرى ستبقى مشددة.
وتابعت “ليس مستحيلا أن نرى عشرات أو حتى أكثر من ثلاثين مدينة مغلقة في الوقت نفسه. الكلفة الاقتصادية ستكون مرتفعة جدا”.
اضطراب في الاقتصاد العالمي
ويحدث إغلاق شنغهاي لمواجهة وباء كوفيد-19 اضطرابا في الاقتصاد الصيني ويهدد سلاسل الإمداد العالمية ولا سيما ان إجمالي الناتج الداخلي فيها يعادل ذلك المسجل في بولندا وميناء المدينة هو الأكبر في العالم للحاويات.
عند أبواب الميناء، آلاف من شاحنات النقل الثقيلة متوقفة، فالسائقون الذين يدخلون المدينة يجب عند مغادرتها ان يخضعوا هم أيضا لحجر صحي لمدة أسبوعين على الأقل أينما ذهبوا في الصين لاحقا.
من هنا نقص عدد السائقين الذي يؤثر على حركة الميناء رغم أن السلطات تؤكد انه في الوقت الراهن “هناك عشر” سفن على الأقل يوميا تنتظر في عرض البحر للتمكن من الرسو.
وقالت بيتينا شون-بيهانزين نائبة رئيس غرفة التجارة التابعة للاتحاد الاوروبي في شنغهاي لوكالة فرانس برس “لكن المشكلة هي أنه بسبب القيود المفروضة على سائقي الشاحنات فان (الميناء) لا تعمل بالفعل”.
وأضافت “ما سمعته هو أن الأحجام تنخفض بنسبة 40% أسبوعيا في ميناء شنغهاي. هذا ضخم”.
بدأ التأثير يظهر في كل أنحاء الصين حيث يتزايد تأخير التسليم على منصات التجارة الإلكترونية خصوصا بالنسبة للمنتجات المستوردة. وتضطر بعض المصانع إلى إيجاد موردين جدد.
لكن الأثر يهدد بإثارة اضطراب دولي أيضا لان ميناء شنغهاي يوفر وحده 17% من الحمولة البحرية الصينية. وأي اضطراب يمكن أن يؤدي إلى إبطاء التجارة في أكبر مصدر للبضائع في العالم.
يؤكد صناعيون أن تكرار فرض إغلاق من جهة أو اخرى من البلاد يسيء بشكل خطير الى نشاطهم.
وقال جيسون لي مؤسس شركة كراسي نقالة Megalicht Tech التي توقف العمل في مصنعها في شنغهاي “لا يمكن لكل المهن اعتماد العمل من المنزل”.
وأضاف “لا يمكن للعمال دخول المصنع، وبما أن المواد الخام تأتي من مقاطعات أخرى فلم يعد بإمكانها أيضا دخول شنغهاي”.
وقال الخبير الاقتصادي في “نومورا” لو تينغ إن “كلفة استراتيجية صفر كوفيد ستزيد بشكل كبير مع تضاؤل فوائدها خصوصا مع تراجع الصادرات”.
في المقابل، أشاد الرئيس الصيني شي جينبينغ الجمعة باستراتيجية صفر كوفيد.
يحاول أصحاب الشركات التكيف من أجل الاستمرار.
وقال غاو يونغ كانغ مدير عام شركة Qifeng Technology في تشيوان تشو (شرق)، “انخفض حجم أعمالنا الرئيسي بنسبة 50%”.
لم تعد شركته قادرة على تسليم منتجات المنسوجات لزبائنها المعتادين. لذلك تحولت إلى صناعة الملابس الطبية الكاملة وهو قطاع مزدهر.
وتساءل إريك تشينغ رئيس غرفة التجارة الأميركية في شنغهاي، “هل استراتيجية صفر كوفيد لا تزال تعمل في الأجواء الحالية؟”.
وأضاف “هذا هو السؤال الكبير، خصوصا حين يتم قياس كلفتها الاقتصادية”.
وكشفت الصين نتائج تجارية متفاوتة سجلت خلال نيسان/أبريل.
ففي الشهر الماضي نمت صادرات الصين بأبطا وتيرة لها منذ قرابة العامين بنسبة 3,9 %.
وكان محللون استطلعت اراءهم وكالة بلومبرغ توقعوا تباطوءأ أقوى (+2,7 %) بعد ارتفاع بلغ 14,7 بمعدل سنوي في آذار/مارس.
وتكون الصادرات الصينية بذلك، سجلت أسوأ اداء لها منذ حزيران/يونيو 2020 (+0,5%).
أما الواردات الصينية فعرفت في نيسان/أبريل نموا معدوما بمعدل سنوي.
إلا أن هذه الوتيرة أفضل من تلك المسجلة في آذار/مارس (-0,1 %) وأعلى بكثير من توقعات المحللين (-3 %).
قبل عام، قفزت واردات الصين بنسبة 43,1 % على خلفية تعويض اقتصادي بعد شبه شلل تام للنشاط خلال الموجة الوبائية الأولى من كوفيد-19 مطلع العام 2020.
وقال المحلل لدى “كابيتال إيكونوميكس” جوليان إيفانز-بريتشارد “الأمل بانتعاش الصادرات بعد القضاء على الجائحة قد يشهد نكسة”.
ومضى محذرا “على العكس يتوقع تسجيل تراجع جديد في الفصول المقبلة” مشددا على أن الرفع التدريجي للقيود الصحية في الخارج يتسبب بتراجع الطلب على السلع الصينية الضرورية لمواجهة كوفيد.
وكانت الصادرات تشكل حتى الآن أحد أسس الاقتصاد الصيني في حين أن الاستهلاك ضعيف بسبب الفورة الوبائية في البلاد وأزمة قطاع العقارات الذي كان يشكل أحد المحركات الاقتصادية في السابق.
وشدد الخبير الاقتصادي لدى شركة “بينبوينت أسيت منجمنت” جيوي جانغ على أن ضعف الواردات يعكس “انتعاشا بطيئا نسبيا في الانتاج” في الصين بسبب “الاضطرابات” في شحن القطع والمكونات للصناعات.
وحذر خبراء من أن سياسة “صفر كوفيد” في الصين التي تشمل إجراءات إغلاق وحجر واخضاع السكان لفحوصات تشخيص واسعة النطاق ومتكررة، تبدو مكلفة جدا لاقتصاد البلاد.
لكن رغم ذلك بلغ الفائض التجاري الصيني في نيسان/أبريل 51,1 مليار دولار. وكان الفائض الصيني قبل شهر 47,38 مليار دولار.
.
رابط المصدر: