نرمين سعيد
بعد أزمة الغواصات النووية التي باعتها الولايات المتحدة لأستراليا مختطفة مكتسبات الصفقة الفرنسية لكانيبيرا- كادت أزمة جديدة أن تلوح في الأفق بين البيت الأبيض والإليزيه بعد أن أعلنت واشنطن عن صفقة محتملة لأثينا تضمنت بيع أربع فرقاطات للبلد الذي تعتبره فرنسا حليفًا لها خصوصًا بعد أن تصاعدت حدة التوترات في شرق المتوسط بين اليونان وتركيا إلى الحد الذي دفع وزير الدفاع التركي ” خلوصي آكار” للتأكيد على أن طائرات رافال الفرنسية التي اشترتها اليونان لن تغير ميزان القوى منطقة المتوسط.
ولكن عقب أيام أعلنت أثينا من جانبها أنها أتمت الصفقة مع باريس وهي الصفقة التي كانت قد ظهرت أخبار بشأنها في سبتمبر من هذا العام حيث كانت شركة نافال الفرنسية بصدد بنائها في ميناء لوريان مقابل 3 مليارات يورو ليتم تسليمها إلى البحرية اليونانية في الفترة من 2025- 2026 وهو الاتفاق الذي وصفته أنقرة بأنه يثير التوترات في شرق المتوسط ويهدد تحالف الناتو- ومن هذا المنطلق فإن الإعلان الأمريكي عن صفقة فرقاطات محتملة لليونان يشير إلى أنه للمرة الثانية كانت هناك محاولة من قبل أمريكا لانتزاع الصفقة لصالحها.
التعاون الفرنسي- اليوناني
تشير السجلات إلى أن التعاون العسكري بين اليونان وفرنسا يفوق بكثير حجم الصفقة الحالية كما أنه يفوق حجم التعاون في هذا المجال بين واشنطن وأثينا ومنذ اشتعال التوترات في شرق المتوسط قال رئيس الوزراء اليوناني أن بلاده ستحصل على 18 طائرة رافال وأربع فرقاطات وأربع مروحيات بالإضافة لقيام الجيش الفرنسي بتدريب 15 ألف جندي من قوام الجيش اليوناني.
ورغم أن اجتماع ” السبع الكبار” الذي عقد أخيرًا في روما شهد محادثات أمريكية- فرنسية تفاءل البعض بخصوص أنها ستذيب الجليد في العلاقات بين البلدين وتنفض غبار أزمة الغواصات النووية مع واشنطن؛ إلا أن الإعلان الأمريكي يوم الجمعة الماضي عن صفقة فرقاطات مع اليونان أكد أن التفاؤل كان من نسج الخيال – بالتحديد لأن واشنطن بدت وكأنما تريد الدخول على الخط في تطوير البحرية اليونانية بشكل عام لأن الإعلان الأمريكي تضمن الإشارة لتحديث فرقاطات يونانية من طراز ” ميكو” بتكلفة 2.5 مليار دولار.
ويمكن تلخيص حرص الجانب الفرنسي على تطوير البحرية اليونانية بالحسابات السياسية التي تنعكس في رغبة باريس في الحفاظ على الاستقلالية الأوروبية فيما يتعلق بالجوانب الدفاعية وإعادة الاعتبار لنفسها بعد الإعلان عن تحالف أوكوس وإعادة إحياء تحالف كواد كما أنه من المهم لباريس تعميق الشراكة مع اليونان خصوصًا بعد رحيل ميركل.
دوافع أمريكية
من المنظور الأمريكي فإنها تستهدف ما هو أبعد من إتمام صفقات تسلح إلى الحصول على امتيازات فيما يتعلق بنقل المعدات والجنود الأمريكيين عبر ميناء ألكسندريوس إلى الزوايا الشرقية لحلف الناتو والتي تقترب من الحدود الروسية. كما أن الخارجية أضافت أن بيع الفرقاطات لليونان يدعم الشراكة ضمن حلف الناتو ويعززها ولا شك أن تعزيز التعاون داخل حلف الناتو يصب مباشرة في مصلحة الأمن القومي الأمريكي؛وفي هذا الإطار أوضحت الخارجية الأمريكية أن الصفقة ستحسن من القدرات الدفاعية لليونان وبالتالي ستقلل من التوترات في منطقة شرق المتوسط بما يضمن حالة من التفوق لأثينا كما أنه يضمن أن تضطلع اليونان بدور هم ضمن مهمة الناتو في كوسوفو.
من زاوية أخرى قالت شركة ” لوكهيد مارتن ” الأمريكية والتي كانت ستصنع الفرقاطات لو كانت الصفقة قد تمت أن عملية التصنيع كان يمكن أن تتم في اليونان مما يضمن نقل تكنولوجيا التصنيع وكذلك توفير آلاف الوظائف وتدريبها فنيًا في محاولة لانتزاع موافقة يونانية ذهبت أدراج الرياح بعد أن أعلنت أثينا عن شراء الفرقاطات الفرنسية.
كما تتضمن المساعي الأمريكية تأمين مصالحها في منطقة شرق المتوسط بعد أن غدت هذه المنطقة في الفترة الأخيرة مثارًا للتوتر ومنطقة نفوذ استراتيجي بين عدد من الأطراف بل ومنطقة نفوذ صيني بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق والتي تستهدف ضمن ما تستهدف تطوير شبكات الجيل الخامس والاتصالات والموانئ البحرية في هذه المنطقة حيث قامت بكين باستثمار ما يقرب من 600 مليار دولار في ميناء بيرايوس اليوناني كذلك وهو أكثر ما يثير الحفيظة الأمريكية لأنه سيؤدي إلى فصل الحلفاء في هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة عن واشنطن أما بالنسبة لكبح النفوذ الروسي فإن واشنطن تنظر إلى منطقة شرق المتوسط باعتبارها البوابة التي ستتمكن من خلالها من تحجيم الدور الروسي في سوريا وليبيا والسودان.
علاقات متنامية
عموماً فقد شهد التعاون العسكري بين أمريكا واليونان تناميًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة متضمنًا مؤشرات مثل قرار البحرية الأمريكية في أكتوبر الماضي بخصوص نقل المركبة الأمريكية ” العسكرية” يو إس إس هيرشيل إلى قاعدة في جزيرة ” كريت” اليونانية وهي المرة الأولى التي تتمركز فيها قطعة عملاقة تابعة للأسطول الأعظم في العالم في مثل هذا الموقع منذ ما يزيد عن الأربعة عقود.
ويضاف إلى ما سبق أن واشنطن تقوم بتشغيل ” درونز” خارج خليج ” سودا” اليوناني في منطقة تلعب دورًا حيويًا في إدارة القوات الأمريكية العامة في أوروبا. أما من ناحية القواعد العسكرية فتمتلك واشنطن واحدة بحرية في خليج يوناني منذ عام 1969 وتعتبر بمثابة مركز دعم لوجستي للقوات الأمريكية كما أن نفس هذه القاعدة مكنت دولًا أخرى في حلف الناتو من اختبار وتطوير أنظمة الدفاع الجوي لديها.
ونزيد على ذلك أن الولايات المتحدة واليونان تجريان منذ عام 2018 حوارًا وزاريًا يتضمن قضايا الأمن والدفاع ولطالما أشادت واشنطن بدور أثينا في دعم المهام العسكرية لأمريكا وحلف الناتو في دول مثل ليبيا وأفغانستان.
وإن كانت باريس قد استطاعت اقتناص الفرصة الحالية من واشنطن إلا أن هذا لا يمنع وجود صفقات عسكرية على مستويات أخرى تتضمن تحديث منظومة الطائرات اليونانية من طراز إف 16 الأمريكي وذلك إلى جانب العديد من البنود الأخرى حيث تصل قيمة الصفقات بين الجانبين إلى حوالي 11 مليار دولار.
وفي هذا الإطار يمكننا أن نشير وبناءً على ما تقدم إلى أنه وفي ظل تنامي العلاقات والتعاون العسكري بين الولايات المتحدة واليونان وعلى الجانب الآخر تزايد الخلافات مع الحليف التركي منذ إصرار الأخيرة على إتمام صفقة إس 400 مع روسيا أن تحل اليونان بديلًا للقواعد العسكرية الأمريكية في تركيا.
.
رابط المصدر: