سهام الدريسي
يشهد الاقتصاد الخليجي تغيرات جوهرية في سيرورة تحوله من اقتصاد ريعي قائم على عائدات النفط إلى اقتصاد ما بعد النفط قائم على التنويع، كما يعايش ضغوط التغيرات التكنولوجية والنقدية-المالية إلى جانب تأثيرات الأوضاع الجيوسياسية والدبلوماسية. في وقت تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجيات وبرامج طويلة المدى لإنعاش اقتصاداتها وترسيخ قدراتها التنافسية إقليمياً وعالمياً.
لذلك، وتماهياً مع مقتضيات الانفتاح على الأسواق العالمية، تسعى دول الخليج العربي إلى تطوير استثماراتها الأجنبية من خلال توظيف السيولة المالية الضخمة التي تتركز في صناديقها السيادية؛ والتي بدأت خلال العقد الأخير تضطلع بدور حيوي في تحويل أغلب القطاعات الاستراتيجية الداعمة لنمو وتقدم الاقتصادات الخليجية محلياً ودولياً.
في البداية، مما يجدر بالذكر أن صناديق الثروة السيادية هي كيانات استثمارية تقدر قيمتها المالية بتريليونات الدولارات، مكلفة بإدارة الثروات والاحتياطيات المالية للدول، وتتكون من أصول متنوعة مثل العقارات والأسهم والسندات؛ لذا فهي تمثل الأذرع الاستثمارية للدول ذات الفوائض المالية.
في الواقع، يؤكد هذا التوجه نحو اعتماد آلية اقتصادية مبتكرة وجديدة نسبياً الانخراط الفعال لدول مجلس التعاون الخليجي في السوق العالمية؛ بتطويع الأصول المملوكة للدولة في استثمارات أسواق الأسهم والعقارات والأصول باستراتيجيات وآليات القطاع الخاص، مع الحرص الدائم على خدمة المصلحة العامة.
وبهذا استطاعت دول الخليج العربي تحقيق مراكز متقدمة عالمياً على مستوى القيمة المالية المرتفعة لصناديقها السيادية، حيث تتمركز دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت ضمن الدول العشر الأولى. لذا، ليس من الصعب الاستنتاج أن الصناديق السيادية أصبحت وكالات استثمار عامة ذات دور حيوي في إنعاش الاقتصادات الخليجية بفضل فوائض احتياطاتها النقدية من العملة الأجنبية وإيراداتها النفطية.
إن صمود الاستثمارات الخليجية في الخارج، وانتعاشها فيما بعد جائحة كوفيد-19 بفضل فاعلية صناديقها السيادية يدفعنا إلى محاولة فهم سيرورة تطور هذه الصناديق، وآثارها على الاقتصاد المحلي، وقوة نفوذها في الأسواق العالمية.
إن من شأن هذه الفعالية خلال الأزمة الوبائية-الاقتصادية العالمية أن تجدد التساؤلات الملحة حول ماهية الصناديق السيادية التي تعد من أكثر المؤسسات المالية “الحكومية” تكتماً وسرية على مستوى المعاملات وطرق إدارة الأموال العامة وعائداتها. وتجتمع هنا مقتضيات إعادة التفكير في الأهمية الحيوية للصناديق السيادية في إنعاش الاقتصادات المحلية وحمايتها في وقت الأزمات، إلى جانب الانخراط في الأسواق المالية العالمية؛ فما يُستخلص من فعاليتها خلال الأزمة الوبائية ما بعد 2020 يجدد ضرورة التمعن في نجاعتها التي أظهرتها خلال الأزمة الاقتصادية العالمية 2008.
إن التفكير المعمق في العلاقة الترابطية الثابتة والمتكررة بين الأزمات الاقتصادية العالمية والصناديق السيادية يكشف فعالية تدخل القوة الاستثمارية لدول الخليج العربي، كما يكشف استنجاد أغلب الحكومات “الغنية” باحتياطاتها المالية المُجمعة في صناديق الثروة السيادية لتفادي تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية[1].
بناء على ذلك، فقد حظيت الصناديق السيادية باهتمام متزايد من حكومات الدول الغنية وذات الفوائض والمصادر المالية الكبرى، وقد أثبتت هذه الصناديق قدرتها على أداء الدور القوي في الاقتصاد السياسي العالمي إلى درجة أن تحتل أربعة صناديق خليجية المراكز العشرة الأولى عالمياً.
لذلك، تركز هذه الورقة البحثية على دراسة الأهمية الحيوية ومنجزات صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي في ظل تزايد تأثيراتها في النظام المالي العالمي، واهتمام صناع القرار والإعلام بتتبعها. وتتعرض لاستراتيجيات الاستثمار وسياسات الحوكمة الحديثة المتبعة في أغلب الصناديق السيادية الخليجية لفهم طرق تحقيق التوازن بين المجازفة الاستثمارية والأصول الآمنة والعائدات المالية المرتفعة.
المحور الأول: صناديق الثروة السيادية.. الماهية والنشأة
أولاً: ماهية صناديق الثروة السيادية
تتنوع وتتعدد الصناديق السيادية بحسب أهدافها؛ ومن ثم تتعدد تعريفاتها على الرغم من القواسم المشتركة بينها، وهذا ما يدعونا إلى الحديث عن بداية نشأتها، والتركيز على أهم خصائصها؛ للتفريق بينها وبين الصناديق المشابهة لها.
بدأ ظهور الصناديق السيادية التقليدية في العالم أوائل الخمسينيات، واعتمدت على الأصول السلعية، ثم تبعها ظهور الصناديق السيادية بأشكالها المختلفة، من بينها السلعية وغير السلعية، فأخذت فكرة تأسيس صندوق سيادي تلقى رواجاً لدى كثير من الدول. ولم يرتبط تأسيسها برغبة دول النفط في التحوط من مورد النفط الناضب فقط، فقد أسست الاقتصادات غير النفطية، كالصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتركيا وأستراليا وتشيلي، تلك الصناديق؛ وسجل موضوع الصناديق السيادية تطوراً في العام 1999، من ثلاثة صناديق إلى 22 صندوقاً، ثم إلى ما يقارب 60 صندوقاً عام 2010. ويقدر عدد الصناديق السيادية في العالم بنحو 95 صندوقاً، حسب إحصائيات العام 2019[2].
وبحسب البنك الألماني (Deutsche Bank)، تتماهى صناديق الثروة السيادية مع صناديق الاستثمار الوطنية المملوكة للدولة، حيث تستند إلى إدارة فوائض المال العام والاحتياطات الرسمية للبنوك المركزية وتوظيفها بشكل ربحي في محافظ وأصول متنوعة[3].
في هذا السياق عرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى جانب وزارة الخزانة الأمريكية الصناديق السيادية بأنها أداة الاستثمار الحكومي في الخارج. وحدد صندوق النقد الدولي تعريفاً للصناديق السيادية بوصفها مؤسسة مملوكة للدولة تهتم بالاستثمارات طويلة المدى في الأصول الأجنبية[4]. كما يعرف البنك الدولي الصناديق السيادية بأنها: “مجموعة الأصول المالية المملوكة والمدارة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من طرف الحكومة لتحقيق أهداف وطنية، ويتم تمويلها إما باحتياطات الصرف الأجنبي وإما بصادرات الموارد الطبيعية أو الإيرادات العامة للدول أو أي مداخيل أخرى“[5].
بناء على ذلك، يحدد صندوق النقد الدولي أنواعاً متعددة لصناديق الثروة السيادية؛ إذ تكون بعضها “صناديق استقرار” داعمة لاستقلالية وقوة الاقتصاد المحلي وحمايته من متغيرات السوق العالمية وارتفاع السلع الأساسية؛ وثمة “صناديق الادخار“، التي تتمثل أهدافها الرئيسية في إنتاج عدالة تنموية وإعادة استثمار العائدات المالية العامة في قطاعات ذات مردودية متجددة وداعمة لاستدامة الرفاهة لجميع الأجيال. وتُخصَّص الفوائض المالية للاستثمار في البنية التحتية وتحديث الاقتصاد المحلي من خلال تمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، الحكومية أو الخاصة، ذات الأهداف الوطنية، مثلما يحدث في أغلب دول مجلس التعاون الخليجي من خلال ما يُعرف “بصناديق التنمية”. أما الصنف الرابع فهو “الصناديق الاحتياطية” الخاصة بالمعاشات الحكومية وأخرى متعلقة بعائدات الشركات الاستثمارية الكبرى.
علاوة على ذلك، يمكن الاستئناس بتعريف مركز صناديق الثروة السيادية، وهو معهد دولي للأبحاث وتقييم الأجهزة السيادية حول العالم، إذ يرى أنها: “صناديق استثمارية مملوكة للدولة تتكون من أصول مالية، على غرار الأسهم والسندات والعقارات أو غيرها من المعاملات المالية الممولة من أصول العملات الأجنبية. تتضمن هذه الأصول مجموعة فوائض ميزان المدفوعات والمعاملات الرسمية المتعلقة بالعملات الأجنبية، بالإضافة إلى عائدات الخصخصة والعائدات المالية الناتجة عن الصادرات. تتم الهيكلة المؤسساتية لصناديق الثروة السيادية على هيئة صندوق أو شركة أو تجمع مالي”[6].
بناء عليه، تُعرف صناديق الثروة السيادية غالباً بوصفها “مستثمراً مؤسسياً-حكومياً”، حيث تتسم ضرورة بالخاصيات التالية: أولاً، تكون مملوكة وممولة من طرف الدولة وتابعة لحكومتها. ثانياً، تديرها غالباً هيئات مستقلة ومنفصلة عن البنك المركزي للدولة. ثالثاً، يكون تمويلها من فوائض الإيرادات الوطنية من الصادرات وفوائض الميزانية العامة. رابعاً، تتحمل مسؤولية حماية الاقتصاد الوطني من تقلبات السوق العالمية والأزمات الاقتصادية بجانب دعم الحكومة في تخفيف الآثار السلبية لتضخم فوائض السيولة المالية وتعزز الحفاظ على الأصول المالية للأجيال القادمة وتنويع المداخل الحكومية وتوظيف الفوائض المالية لتدعيم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. خامساً، تكون الجهاز المخول بامتلاك محفظة متنوعة من الأصول والاستثمارات المدارة في الخارج.
وعليه، فصناديق الثروة السيادية هي صناديق استثمار مملوكة للحكومة، وتنظم طرق إدارتها وحوكمتها (بشكل مباشر أو غير مباشر) لأصولها في المدى القصير والطويل وفقاً لمصالح وأهداف الراعي السيادي (الدولة)[7]. وهكذا، يتمركز الجزء الأغنى والأكبر من صناديق الثروة السيادية في الدول المُصدرة للنفط، على غرار دول الخليج العربي وروسيا بالإضافة إلى دول آسيوية (كوريا الجنوبية، ماليزيا، الصين، سنغافورة)؛ لقدرتها على الاحتفاظ باحتياطات النقد الأجنبي نتيجة لصادراتها من المواد البترولية والطاقية.
ثانياً: السيرورة التاريخية لتأسيس وتطور الصناديق السيادية الخليجية
أُسست أغلب الصناديق السيادية الخليجية في بدايات النصف الثاني للقرن العشرين، حيث سرعت الطفرة النفطية في اعتماد كيانات أو مؤسسات حكومية قادرة على الاستثمار وإعادة استخدام العائدات المالية الضخمة لخدمة المصلحة العامة[8]. وقد عَرفت هذه الصناديق نمواً مالياً وتطوراً مؤسسياً وإعادة هيكلة بعد السبعينيات، لتنتعش بشكل أكبر خلال العقدين الأخيرين؛ فقد أصبح بعضها من أكثر الصناديق السيادية نشاطاً واستثماراً في قطاعات استراتيجية واقتصادية هامة على المستوى العالمي.
وقد ساهم الارتفاع السريع وغير المسبوق لأسعار النفط في بدايات القرن الحالي (كان سعر البرميل 147 دولاراً للبرميل ثم تراجع إلى 80 دولاراً في 2008) في تدعيم ميزانيات الصناديق السيادية الخليجية؛ إذ وفر ارتفاع الأسعار لمصدري النفط الخام من دول الخليج العربي عائدات ضخمة إلى درجة التوجس من ارتفاع نسب التضخم بسبب اقتصاداتها الناشئة وعدم قدرة سوقها المحلية على استيعاب الفوائض المالية، ومن ثم مثلت الاستثمارات الحكومية في الخارج بديلاً استراتيجياً لتوظيف العائدات النفطية عوضاً عن مراكمتها فقط في البنوك الدولية أو المحلية، وقد عززت القوة الاستثمارية المتزايدة لبعض الصناديق السيادية الخليجية عالمياً ترسيخ مكانة دولها كجهات استثمارية رئيسية ودائنة لباقي الدول الصناعية على وجه الخصوص[9].
يجدر بالذكر أن ترسخ قوة بعض الدول الخليجية من خلال ضخامة صناديقها السيادية يؤكد تغيراً جوهرياً في النظام المالي الدولي؛ حيث ساهمت الفوائض المالية الخليجية في إنقاذ الدول الصناعية الكبرى من تداعيات الركود والتأزم الاقتصادي الحاد لعام 2008 من جهة، وغيرت مقومات الاستثمار عالمياً الذي لطالما هيمنت عليه شركات القطاع الخاص، من جهة أخرى. لذا، أصبح الاستثمار الحكومي لصناديق الثروة السيادية الخليجية محركاً أساسياً لعدد من القطاعات الاقتصادية والاستراتيجية عالمياً وهو ما خلق ديناميكية جديدة ومغايرة للسائد في النظام المالي الدولي[10]. وبقدر ما ساهمت الصناديق السيادية الخليجية والآسيوية في إنقاذ السوق العالمية وخلقت نوعاً من الاستقرار؛ نتيجة ضخ أموال في البنوك الأمريكية والأوروبية لتجاوز أزمة 2008، بقدر ما عززت التوجسات الغربية من أجنداتها السياسية والضغوط التي يمكن أن يمارسها صناع القرار الخليجيون[11].
يُظهر الجدول التالي سيرورة النمو السريع والمًستدام لمختلف الصناديق الخليجية، وهو ما يؤكد فرضية قدراتها التنافسية –الاستثمارية العالية في أسواق المال العالمية.
سيرورة تطور حجم أصول الصناديق السيادية الخليجية على مدار 4 سنوات الأخيرة
(2018-2021) حجم أصول الصناديق بالمليار الدولار
الصندوق السيادي | تاريخ التأسيس | حجم أصول الصندوق عام 2018 |
حجم أصول الصندوق عام 2019
|
حجم أصول الصندوق عام 2020 | حجم أصول الصندوق عام 2021 | |||
جهاز الاستثمار أبو ظبي | 1976 | 683.0 | 745.0 | 579.6 | 579.0 | |||
الهيئة العامة للاستثمار الكويت | 1953 | 592.0 | 527.0 | 533.7 | 533.0 | |||
جهاز قطر للاستثمار | 2005 | 356.0 | 304.0 | 320.0 | 395.2 | |||
صندوق الاستثمارات العامة السعودي | 1971 | 360.0 | 280.0 | 360.0 | 398.45 | |||
صندوق مؤسسة دبي للاستثمار | 2006 | 233.0 | 239.39 | 301.0 | ||||
صندوق الاحتياطي لمؤسسة النقد السعودي (ساما) | 1952 | 516.0 | 512.0 | 515.0 | 515.0 | |||
صندوق الاحتياطي العام العماني | 1980 | 17.4 | 28.0 | 24.0 | 17.0 | |||
شركة ممتلكات القابضة البحرينية | 2006 | 7.1 | 16.67 |
18.6 |
18.7 |
|||
صندوق “مبادلة” أبو ظبي
|
2002 | 228.0 | 232.0 | 243.0 | 243.0 |
علاوة على ذلك، عرفت صناديق الثروة السيادية الخليجية نقلة نوعية على مستوى قيمة الصفقات الاستثمارية والقطاعات المُستهدفة في أواخر العقد الأول من القرن الحالي؛ تمثلت في الانخراط في الاستثمارات القائمة على المجازفة، مع المحافظة على الاستثمارات الآمنة ذات العوائد المتوسطة، مثل الأوراق المالية والإقراض والأسهم، وقد ارتكزت سياسات المجازفة الاستثمارية على استحواذ بعض الصناديق السيادية الخليجية على حصص كبرى وذات قيمة في سوق الشركات والبنوك العالمية والأسهم والعقارات وصناديق الاحتياط[12]. لكن من المعلوم أن الصناديق السيادية العريقة، مثل هيئة الاستثمار الكويتية وجهاز أبو ظبي للاستثمار وصندوق الاحتياطي العام العماني، ما زالت صفقاتها الاستثمارية تتسم بالتحفظ والحذر مقارنة بالصناديق المُستحدثة ما بعد عام 2000. وهكذا عرفت الاستثمارات الحكومية السيادية انتعاشة نوعية ما بعد 2000؛ بتوجه مزدوج يراوح بين الإبقاء على القطاعات الكلاسيكية (الطاقة والخدمات المالية والمصرفية)، والانفتاح التدريجي على قطاع العقارات والصناعة والطيران والرعاية الصحية والنقل والتكنولوجيات الحديثة[13].
المحور الثاني: الأطر القانونية للصناديق السيادية الخليجية ومنجزاتها
لصناديق الثروة السيادية الخليجية، في الواقع، بعض الخصائص المميزة والمتميزة، وعلى الرغم من تشاركها الالتزام بإحداث نقلة نوعية على مستوى التنمية المحلية والتحديث الاقتصادي فإنها تختلف فيما بينها على مستوى مجالات الاستثمار الأجنبي وطرق إدارة صناديقها السيادية. لذا، من المهم الاطلاع على مختلف الحالات الخليجية، ونشاطاتها، وطرق حوكمتها.
أولاً: هيئة الاستثمار الكويتية
تعد الكويت أول دولة خليجية تؤسس صندوق ثروة سيادياً، وكان ذلك في العام 1953 بعد أن قرر الشيخ عبد الله السالم الصباح، حاكم الكويت من 1950 إلى 1965، إنشاء مجلس الاستثمار الكويتي (KIB) بهدف استثمار فائض عائدات النفط آنذاك، وتوفير عائدات مالية للمستقبل، وتقليل الاعتماد على مورد واحد محدود (النفط). لذا أنشئ مكتب الاستثمار الكويتي في لندن لتحقيق هذه الأهداف، ومن ثم ابتكرت دولة الكويت صندوق الثروة السيادي لإدارة فوائضها المالية العالية حيث تُدعَم ميزانيته سنوياً بـ10 بالمئة من المداخيل العامة للدولة. وقد سبق مجلس الاستثمار الكويتي صندوق الاحتياطي العام (GRF) الذي أنشئ في عام 1960 استعداداً للاستقلال عن المملكة المتحدة، وهدف الصندوق إلى تأمين وامتلاك جميع الأصول والسندات التابعة للدولة ويتلقى جميع الإيرادات (ومن ضمنها جميع عائدات النفط) التي تُدفع منها جميع نفقات ميزانية الدولة[14]. وتبوأت هيئة الاستثمار الكويتية المراكز الأولى عالمياً على مدار عقود، وتحتل حالياً المركز الثالث بقيمة أصول 533.65 مليار دولار بحسب بيانات عام 2021.
تشرف هيئة الاستثمار الكويتية على إدارة الاحتياطات العامة وتوظيفها في صفقات استثمارية تابعة للقطاع العام أو الخاص محلياً أو عالمياً. كذلك تتميز باستثماراتها في مناطق متنوعة، كأمريكا الشمالية والصين وأوروبا[15]. وارتبطت الاستثمارات الحكومية السيادية كذلك بالسوق البريطانية، منذ إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي في العاصمة لندن خلال خمسينيات القرن الماضي؛ وذلك لأن بريطانيا كانت حينها الوجهة المالية الأكثر استقطاباً للفوائض المالية الكويتية، على أساس العلاقات الاقتصادية والسياسية المتجذرة تاريخياً بين الطرفين من جهة أولى، ونتيجة للخصوصية الاستراتيجية للعاصمة البريطانية بوصفها مركزاً عالمياً رائداً في مجال الخدمات المالية والمصرفية، من جهة أخرى[16].
إضافة إلى ذلك، فقد كان لهيئة الاستثمار الكويتية دور حيوي أثناء الغزو العراقي وبعده في بداية التسعينيات، حيث ساهمت في إدارة الأصول الأجنبية وتوفير التمويلات للمغتربين والنازحين الكويتيين في الخارج وفي دول الجوار، إلى جانب تمويل العمليات العسكرية الأجنبية لتحرير الكويت. كذلك، التزم الصندوق بتمويل المشاريع التنموية وإعادة الإعمار ما بعد التحرير، وهو ما تسبب في استنفاد الاحتياطات المالية في الخارج، إذ بلغت تكلفة الغزو العراقي والخسائر التي تكبدها الصندوق السيادي الكويتي 49 مليار دولار خلال 7 أشهر فقط، وقد تطلبت أشغال إعادة الإعمار ما يناهز 66.7 مليار دولار بنهاية السنة المالية 1994-1995؛ لذا انخفضت الاحتياطيات الأجنبية للكويت من أكثر من 100 مليار دولار قبل الغزو إلى 46.7 ملياراً.
كما أظهرت “هيئة الاستثمار الكويتية” مرونة وقدرة على توظيف الأزمة المالية العالمية 2008 في استثماراتها الحكومية؛ إذ باعت حصصها في سيتي قروب محققة أرباحاً كبرى، ودعا العديد من الكويتيين والبرلمان الحكومة إلى إنفاق المزيد من ثروتها في الداخل لتحقيق الاستقرار في اقتصاد البلاد. وضخت الهيئة العامة للاستثمار 418 مليون دولار في بنك الخليج، رابع أكبر بنك متداول في الكويت، بعد أن تكبد خسائر فادحة في تداول الأسهم. واستثمرت كذلك 5.2 مليارات دولار أمريكي كجزء من صندوق حكومي لتحقيق الاستقرار في سوق الأسهم. وعلى الرغم من هذا التقليص في الاستثمارات في الخارج والتركيز على الاقتصاد المحلي، كان مديرو الهيئة العامة للاستثمار على دراية بحقيقة أن الأزمة الاقتصادية العالمية توفر بعض فرص الاستثمار في الخارج، وسعوا للاستفادة من بعض “الصفقات”؛ لكنها اتبعت استراتيجية استثمارية متحفظة، حيث تحرص دوماً على الحفاظ على رأس المال وعدم المخاطرة.
تهتم الهيئة الكويتية السيادية بالاستثمار في البورصة وسوق الأموال، حيث حرصت منذ منتصف القرن الماضي على الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية والأصول البديلة، مثل الأسهم الخاصة والعقارات وصناديق التحوط والسلع. وكذلك انجذبت إلى القطاع المالي والمصرفي الإسلامي، فاشترت حصصاً في المؤسسات المالية الإسلامية والأوراق المالية التي أصدرتها، واستحوذت الهيئة كذلك، منذ أواخر الثمانينيات على 20 في المئة من أسهم شركة بريتيش بتروليوم(BP) ، وأصبحت أكبر المساهمين، حتى إن لجنة الاحتكار والاندماج في المملكة المتحدة أبدت مخاوفها من أن يمارس الصندوق نفوذاً واحتكاراً يضر بالتنافسية الاستثمارية.
وهكذا، فإن استراتيجية الاستثمار الكويتية لا تزال دولية، ولكنها تحولت أيضاً نحو دول آسيا، حيث تعد الصين ودول آسيوية أخرى العملاء الرئيسيين لصادرات الكويت النفطية، وهو ما يعزز روابط الاستثمار ويعكس تكاملاً أوسع للمصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة.
كما تعتمد هيئة الاستثمار الكويتية كثيراً على استراتيجيات حمائية وحذرة عند الاستثمار في الخارج، على عكس نظرائها في دولة الإمارات أو المملكة العربية السعودية، ولذا تكتفي بتوظيف ما يقارب 5 في المئة من رأس المال الإجمالي للشركة الأجنبية المستفيدة بالاستثمار في الخارج.
ثانياً: صندوق الاستثمارات العامة السعودي
أُسس صندوق الاستثمارات العامة السعودي في العام 1971 بموجب مرسوم ملكي، بهدف تقديم الدعم التمويلي وإدارة الاستثمارات العمومية في الخارج في تنمية الاقتصاد السعودي. وخلال العقد الأخير، أصبح صندوق الاستثمارات العامة يستثمر في مجالات الاتصالات والفضاء والتقنيات الخضراء مع التركيز على الطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات.
بعد انهيار أسعار النفط في عام 2014، بدأت عملية المراهنة على الصندوق السيادي السعودي ليمثل بديلاً استراتيجياً لإنعاش مداخيل الميزانية العامة واحتياطات المملكة العربية السعودية من العملة الصعبة في الخارج. وفعلياً، سعى صناع القرار لتحديد الخطط والاستراتيجيات اللازمة لتمويل صندوق الاستثمارات العامة وتحويله إلى أكبر صندوق ثروة سيادي عالمياً بحلول 2030، بقيمة تناهز تريليونَي دولار. في الغالب، يتلقى الصندوق السيادي السعودي تمويلاته الاستثمارية من شركة أرامكو العملاقة للنفط[17]. ويرأسه حالياً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
عرف صندوق الاستثمارات العامة ارتفاعاً في الأصول المالية خلال السنوات الخمس الأخيرة. كذلك شهدت عائدات الصندوق السيادي ارتفاعاً من 3 في المئة في عام 2016 إلى 8 في المائة في عام 2020[18]. ومن المعلوم أن الأهمية الاستراتيجية للصندوق السيادي ازدادت بالتوازي مع إطلاق رؤية 2030 حيث تنص أهدافها على توظيف عائدات النفط في مشاريع التنويع الاقتصادي. وقد تمحورت خطة التنويع الاقتصادي لرؤية 2030 على تحويل الصندوق السيادي بديلاً استراتيجياً لعائدات النفط وداعماً لها بوصفه مصدراً رئيسياً ثانياً لتعبئة الميزانية العامة للدولة السعودية[19].
علاوة على ذلك، ساهمت رؤية 2030 في إنعاش أهداف واستراتيجيات الاستثمار العمومي، التي يتكفل بجزء منها الصندوق السيادي، كما أسهمت في تحويله من مستثمر عمومي “محلي” (التنمية الاقتصادية/ البنية التحتية..) إلى مستثمر سيادي عالمي. يضاف إلى ذلك أن رؤية 2030 اشتغلت على تنويع قطاعات الاستثمار العمومي للصندوق السيادي، حيث لم تعد تقتصر على قطاعات تكرير النفط والبتروكيماويات والكهرباء. ومن المهم الإشارة إلى أن الصندوق السيادي السعودي يمتلك أصولاً وأسهماً في عدد من الشركات الوطنية الكبرى مثل مؤسسة البتروكيماويات (سابك)، والبنك الأهلي التجاري، وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة. لكن، في العموم، لم يتجه الصندوق السيادي لاستثمار إيراداته المالية الضخمة في الخارج إلا بنسبة 10 في المئة ما قبل إطلاق رؤية 2030[20].
وارتكزت خطة التعويل على الصندوق السيادي ليكون بديلاً استراتيجياً ومستثمراً عالمياً على التسويق المكثف لحكومة المملكة العربية السعودية، بجانب عقد صفقات ومؤتمرات متتالية في الأعوام (2016-2017)، وشراء حصص في مؤسسات عملاقة، كما استضاف الصندوق السيادي السعودي منتدى استثمارياً، نظمته مؤسسة مبادرة الاستثمار المستقبلي (Future Investment Initiative) في أكتوبر/تشرين الأول 2017، حضره عدد من الشركات العالمية الكبرى والشخصيات المؤثرة في عالم المال والأعمال-الرؤساء التنفيذون لـ (BlackRock)أو(HSBC) أو (Credit Suisse) [21].
1) الاستثمار في الأندية الأوروبية
يهتم صندوق الاستثمارات العامة بشراء حصص كبرى في الأندية الرياضية الأوروبية؛ تؤكد هذه السياسة للاستثمار العمومي في الخارج توجه صناع القرار السعوديين نحو مجالات استثمارية قائمة على المخاطر والتغيرات. خلال السنوات الأخيرة راهن الصندوق السيادي السعودي على عدد من الفرق الكروية الأوروبية على غرار نيوكاسل يوناتيد الإنكليزي الذي امتلك 80 في المئة منه، بقيمة تناهز 409 ملايين دولار في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021. وناقشت الحكومة السعودية كذلك وتفاوضت، على مدار عام 2021، مع مسؤولي فريق إنترميلان الإيطالي، الذي عرف حالة إفلاس من جراء تداعيات جائحة كوفيد-19، وقد رغبت الشركة الصينية العملاقة في مجال التكنولوجيات (Suning) في بيع حصتها في النادي، المُقدرة بـ 68.5 في المئة، بقيمة مليار دولار، على الرغم من الاختلافات حول السعر وطرق تقييم الديون (400 مليون دولار) وحقوق الملكية[22]. وقد تمت صفقة شراء النادي الإيطالي في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021 من خلال التفويض إلى شركة فرعية تجنباً للإشكاليات القانونية للاتحاد الأوروبي التي تمنع الاستحواذ على فريقين مشاركين في الدوري الأوروبي في الوقت ذاته[23]. بالإضافة إلى ذلك، تشتغل المملكة العربية السعودية على تحويل الرياضة وباقي المجالات ذات الصلة إلى مصدر حيوي لتحقيق الإيرادات المالية وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
تساعد هذه الاستثمارات السعودية في الخارج على تحويل المملكة إلى قوة ذات شعبية ومقبولية كبرى لدى الرأي العام العالمي بجانب توفير مقومات القوة الناعمة[24]. لكن في الآن ذاته، أصبحت الاستثمارات الرياضية نطاقاً آخر للصراع الخليجي الجيوستراتيجي؛ فقد تعرضت صفقة الفريق الإنكليزي “نيوكاسل” لمعارضة شديدة من دولة قطر التي يهيمن صندوقها السيادي على قناة (BEIN) الراعية لبث مباريات الدوري الإنكليزي، خلال الأزمة الدبلوماسية الخليجية، وهكذا أصبحت صفقات الاستثمار العمومي في الرياضة العالمية جزءاً من الصراعات السياسية بين القيادات الخليجية (قطر والسعودية) التي ساهم انجلاؤها في إتمام صفقة نيوكاسل لحساب صندوق الاستثمارات العامة السعودي[25].
في الحقيقة يرى كثير من الملاحظين أن استراتيجيات الاستثمار للصندوق السيادي السعودي تقوم على المجازفة والمخاطرة بالانخراط في مجالات غير كلاسيكية. كذلك، عززت هذه الصفقات الرياضية التنافسية بين الصناديق السيادية الخليجية من جهة، كما رسخت انخراطها في سوق الرياضة الدولية بشروط قانونية مُلزمة لعدم تدخل الدول الخليجية والحياد السياسي في تسيير الأندية الأوروبية (على غرار صفقة نيوكاسل).
2) الاستثمار في مجال التكنولوجيا
يستثمر الصندوق السيادي السعودي في مجال صناعة السيارات الكهربائية، في شركة (Lucid) منذ أواخر عام 2018، بقيمة تجاوزت مليار دولار. ويمتلك صندوق الاستثمارات العامة حصة 62 في المئة بقيمة مالية تناهز 32 مليار دولار حيث مثلت الصفقة نجاحاً لصندوق الاستثمار العام في الخارج. لكن يجدر الذكر أن الاستثمار العمومي السعودي في مجال النقل والمواصلات بدأ منذ 2016، حيث اشترى الصندوق السيادي حصة بقيمة 5 في المئة في شركة (Uber) بقيمة 3.5 مليار دولار، وحصة تقل عن 5 في المئة من شركة تسلا (TESLA)للتكنولوجيات الحديثة في 2019، إلى جانب أصول في شركة (Facebook) و(Disney).
يؤكد هذا التوجه نحو شركات الخدمات الرقمية تغيير صناع القرار السعوديين لاستراتيجيات الاستثمار العمومي بالخارج؛ من خلال التحول من تمويل الشركات المملوكة للدولة إلى حيازة حصص في شركات مثل (Uber Technologies Inc) و(Jio Platforms Ltd).
يضاف إلى ذلك أنه منذ عام 2016، وافق صندوق الاستثمارات العامة على استثمار 45 مليار دولار في صندوق تكنولوجي عملاق بقيادة مجموعة سوفت بنك اليابانية (SoftBank). آنذاك، اُعتبرت الشراكات السعودية مع المؤسسات العالمية العملاقة حدثاً تاريخياً، حيث التزم الصندوق السيادي بضخ 20 مليار دولار في استثمارات متعلقة بالبنية التحتية مع شركة (Blackstone Group)، و40 مليار دولار في مجال التكنولوجيات مع مؤسسة (Softbank). كما تبلورت آنذاك الأهمية الاستراتيجية لتوظيف الصندوق السيادي في عملية التحول الطموحة نحو اقتصاد ما بعد النفط من جهة، وقدرة القيادات السعودية الجديدة على استقطاب الدعم الداخلي تعزيزاً لأهداف رؤية 2030، من جهة أخرى.
3) الاستثمار في مجال الطاقة المستدامة
تتموقع المملكة العربية السعودية إقليمياً ودولياً بوصفها أحد أكبر المستثمرين في الطاقة المستدامة من خلال استخدامها لمداخيل صندوق الاستثمارات العامة، ويركز الاستثمار الحكومي على الارتقاء بالمملكة إلى المراكز الأولى عالمياً في مجال إنتاج وتصدير الهيدروجين، وقد تم الاشتغال على مدار السنوات الأخيرة على استقطاب الاستثمار الأجنبي، حيث خصصت المؤسسة العملاقة (Thyssenkrupp) الألمانية 5.4 مليارات دولار أمريكي لمشروع التحليل الكهربائي للهيدروجين الأخضر والمياه القلوية في المدينة الصناعية الجديدة “مدينة نيوم” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة[26].
وإلى ذلك يعتزم صناع القرار السعوديون شراء حصة في الشركة الألمانية للانخراط بقوة وفعالية أكثر في مجال توليد الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية/طاقة الرياح..). في هذا الإطار، يتدارس صندوق الاستثمارات العامة ويتفاوض مع الشركة الألمانية حول مسألة شراء حصة في أعمال شركة (Nucera) للتكتل الهندسي في أول طرح عام لها. من المعلوم أن هذه الخطوة الاستثمارية تخدم المصلحة العامة من خلال تقليص المخاطر البيئية لصناعة النفط، والتحول السريع إلى ما بعد الاقتصاد النفطي من خلال المراهنة على الطاقات المتجددة المتلائمة مع التنمية المستدامة، والمحافظة على البيئة داخل المملكة العربية السعودية[27]. لذا، فإن الصندوق السيادي السعودي يستثمر بشكل مكثف في مشاريع الطاقات المتجددة لتدعيم بنية تحتية قائمة على إمدادات الطاقة الخضراء في المدن الصناعية الجديدة والفضاءات السياحية.
علاوة على ذلك، بدأ صندوق الاستثمارات العامة تسخير التمويلات اللازمة لانطلاق عملية بناء وتأسيس مصنع الهيدروجين الأخضر داخل مدينة نيوم، وفق خطة شاملة لتصدير الوقود الخالي من الكربون في غضون السنوات الأربع القادمة. فقد استثمرت المملكة العربية السعودية ما يقارب 5 مليارات دولار في مصنع الهيدروجين الأخضر عام 2026، بالتعاون مع الشركة الأمريكية (Air Products & Chemicals) وهو ما يؤكد قدراتها التنافسية عالمياً في سوق الطاقات المتجددة[28].
وهكذا، تتكامل المشاريع الاستثمارية للصندوق السيادي السعودي مع توجهات ولي العهد محمد بن سلمان وأهداف رؤية 2030 القائمة على تنويع الاقتصاد. يجدر بالذكر أن مدينة نيوم ذاتها (سيتم إنشاؤها على الساحل الشمالي الغربي للبحر الأحمر بقيمة إجمالية 500 مليار دولار) تمثل أبرز مشاريع الصندوق السيادي؛ حيث تدعم توجيه الاستثمار الحكومي تجاه الاقتصاد المحلي.
ومع هذا التقدم في المشاريع الاستثمارية إلا أن الصندوق السيادي لا يزال يفتقر إلى استراتيجيات واضحة ومتكاملة للاستثمار أو استقطاب التمويلات، بالإضافة إلى غياب التقارير الرسمية أو البيانات حول عائداته المالية.
ثالثاً: الصناديق السيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة
استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة تعزيز القوة المالية-الاستثمارية لمختلف صناديقها السيادية من خلال استراتيجية وطنية شاملة ومتكاملة فيما بين مختلف الإمارات، فقد اتبعت الدولة الإماراتية استراتيجية تكثيف الصناديق السيادية وتقسيم استثماراتها بحسب القطاعات الاقتصادية؛ فقد تعددت صناديق الثروة السيادية لتضم جهاز الإمارات للاستثمار (بقيمة مالية 268.5 مليار درهم)، وجهاز أبو ظبي للاستثمار (56 مليار درهم)، ومبادلة للاستثمار (892.5 مليار درهم)، ودبي للاستثمارات الحكومية (1.11 مليار درهم)، وأبو ظبي القابضة (290.2 مليار درهم)، وأخيراً الشارقة لإدارة الأصول (7 مليارات دولار)، بحسب آخر استطلاعات صادرة في الربع الأول من عام 2022[29].
يظهر جلياً من القيمة المالية المرتفعة لأغلب الصناديق السيادية الإماراتية أن الدولة تراهن على أدوارها الحيوية في دعم التدفق النقدي وتنويع مصادر المداخيل، بالإضافة إلى تحقيق قوة واستقرار الاقتصاد المحلي وترسيخ قوة الإمارات مستثمراً دولياً. هكذا، تمثل أصول الصناديق السيادية الإماراتية ما يناهز 15 في المئة من الإجمالي العالمي للأصول السيادية. يضاف إلى ذلك أن الإمارات المتحدة تتموقع في المركز الثاني عالمياً والمركز الأول إقليمياً وعربياً بفضل ارتفاع أصولها السيادية بحسب تصنيفات معهد صناديق الثروة السيادية العالمي الصادرة في أواخر عام 2021[30].
يجدر بالذكر أن صناديق الثروة السيادية الإماراتية تستمد عائداتها المالية من فوائض صادرات النفط والموارد الطاقية الضخمة. وقد سبق أن ذكرنا أن تعدد الصناديق السيادية في الإمارات يأتي تماشياً مع الاستراتيجية الوطنية للاستثمار العمومي، التي تقوم على التناسق والتقسيم القطاعي فيما بينها.
1) شركة مبادلة للاستثمار
تمثل شركة مبادلة صندوقاً سيادياً تابعاً لإمارة أبو ظبي، حيث تملك وتدير محفظة متنوعة من الاستثمارات محلياً وإقليمياً وعالمياً؛ وتنتشر أصولها وحصصها في أكثر من 50 دولة، وتمتلك حصصاً في مجموعات صناعية، بالإضافة إلى أسهم ومساهمات في رأس المال الاستثماري لشركات عالمية في مجال الإلكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسياحة[31]. وقد أُسست شركة مبادلة في العام 2002، ويرأسها حالياً رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
علاوة على ذلك، تشتغل الشركة السيادية على تحقيق عوائد مالية ضخمة من توظيف الفوائض وعائدات النفط لإمارة أبو ظبي من خلال مساهمتها في مشاريع رائدة عالمياً على مستوى النمو والابتكار[32]، واستثمارها في المشاريع الاستراتيجية والهيكلية، ومشاريع البنية التحتية (التعليم/ الرعاية الصحية/ الصناعة/ التحديث الحضري) ومجال الطيران الداعمة للاقتصاد المحلي للإمارة، فقد عُقِدت عدة صفقات استثمارية بقيمة مالية ضخمة مع شركات عالمية من آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية للاستفادة من خبراتها وتقنياتها المتطورة في تدعيم مشاريع الصندوق السيادي “مبادلة”[33].
وقد ازدادت الأهمية السيادية لمبادلة منذ إدماجها في شركة الاستثمارات البترولية الدولية (آيبيك) في عام 2017، لتتحول إلى شركة سيادية استثمارية حكومية تحت اسم شركة مبادلة للاستثمار. ويجدر بالذكر أن أغلب الصناديق السيادية الإماراتية ترتبط بعلاقات تعاون ودمج فيما بينها، مثلما فعلت شركة مبادلة (المركز الـ13 عالمياً) مع مجلس أبو ظبي للاستثمار (المركز الرابع عالمياً)؛ فقد عززت عملية ضم مجلس أبو ظبي للاستثمار إلى شركة مبادلة في عام 2018 مكانتها وطنياً وعالمياً.
في هذا السياق، يشار إلى أن شركة مبادلة استطاعت تحقيق نجاحات كبرى في المجال الاستثماري عالمياً حيث استحوذت على حصة بقيمة 2.1 مليار درهم إماراتي في شركة آسبر (Asper) الرائدة في مجال البنية التحتية المستدامة (لإدارة وبناء شبكات التدفئة في هولندا). كذلك، في السنة ذاتها 2020، انضمت الشركة السيادية إلى مبادرة التحالف العالمي لصناديق الثروة السيادية “الكوكب الواحد” الساعية لترسيخ مبادئ الحفاظ على البيئة والمناخ والتنمية المستدامة في عملية اتخاذ القرار والمشاريع الاستثمارية المستقبلية[34]. كما حققت صفقاتها الاستثمارية بالتعاون مع ائتلاف من المستثمرين الأجانب نجاحاً في قطاع الرعاية الصحية بعد إنجازها لصفقة غلوبل هيلثكبر أوبورتيونيتيز. يضاف إلى ذلك ما حققته صفقاتها الاستثمارية من نجاح وعائدات مالية كبرى في قطاعات الخدمات المالية والشركات الخاصة والشركات الناشئة والمجال الفضائي والطائرات، وغيرها من المجالات.
2) مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية
تُعد مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية من أبرز الصناديق السيادية التي تعول عليها الدولة الإماراتية منذ تأسيسها في عام 2006. وعلى الرغم من حداثة إنشائها، فقد استطاعت المؤسسة السيادية اكتساب ثقة المستثمرين والمساهمين في السوق الدولية وتبوء مكانة ضمن الصناديق العشرين الأولى عالمياً. أصبحت المؤسسة تدير محفظة شاملة من الأصول المالية، المحلية والدولية، بقيمة 1.11 مليار/تريليون درهم إماراتي بحسب بيانات عام 2022، حيث تدعم التنوع الاقتصادي والخروج من اقتصاد النفط في إمارة دبي[35].
بالإضافة إلى ذلك، عززت هذه المؤسسة السيادية دينامية التحديث الحضاري والتطوير الاقتصادي في إمارة دبي؛ من خلال تدعيمها للشركات الاستثمارية الإماراتية والمؤسسات التجارية المحلية على المستوى الإداري التسييري والتمويلي. كما اشتغلت المؤسسة على تطوير وتنفيذ استراتيجيات عالمية ومبتكرة لسياسات الحوكمة والاستثمار على هذه الشركات المحلية تدعيماً لقدرتها التنافسية عالمياً وعائداتها المالية. في هذا الإطار، من المهم الإشارة إلى أن مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية تتماهى سياستها وأهدافها مع أغلب بقية الصناديق السيادية الإماراتية؛ إذ تشتغل على التحديث الاقتصادي محلياً، وتعول على الاستثمار في مجالات مبتكرة وجديدة، ومن ثم تشتغل مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية على تطوير الاقتصاد الإماراتي على المدى الطويل من خلال مراهنتها لا على الاستثمارات الحكومية محلياً أو عالمياً فقط، بل أيضاً من خلال تطبيق خطة شاملة واستراتيجية للاستثمار وحوكمة الشركات[36].
في الحقيقة، تستثمر مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية في مختلف القطاعات، لكن بتركيز أكبر على الخدمات المالية والمصرفية وقطاع المواصلات، ثم الضيافة والترفيه وقطاع العقارات والبناء، وصولاً إلى نسبة أقل على قطاعي النفط والغاز والصناعة. وفي ما يأتي نستعرض التوجهات الاستثمارية في بعض القطاعات.
- بالنسبة للقطاع المالي-المصرفي نجد أن مؤسسة دبي السيادية تستحوذ وتدير أصولاً لبنك الإمارات دبي الوطني وبنك دبي التجاري، إلى جانب مؤسسات مالية أخرى كبنك دبي الإسلامي ومجموعة نور الاستثمارية وشركة الصكوك الوطنية. كما تمتلك المؤسسة السيادية حصصاً كبرى في سوق دبي المالية وناسداك دبي وناسداك إنك، حيث أبدت قدرتها على إدارة المخاطرة والمجازفة الاستثمارية وسياسات الحوكمة. هذا التركيز على الاقتصاد المحلي يعكس تسخيراً للقيادة السياسية الإماراتية لهذه المؤسسة السيادية كذراع استثمارية رئيسة في تعزيز الرفاهية والتطور الاقتصادي لدبي الحالية وللأجيال القادمة على حد سواء[37].
- بالنسبة لقطاع العقارات، نجد أن مؤسسة دبي للاستثمارات تمتلك حصة بقيمة 11.54 في المئة من شركة دبي للاستثمار، بالإضافة إلى إشرافها وإدارتها لمشاريع بقيمة 3 مليارات درهم إماراتي في منطقتي الفجيرة والمردف. كذلك، تشتغل المؤسسة السيادية على تمويل مشاريع عقارية ذات طابع سياحي في رأس الخيمة؛ فقد تحملت المؤسسة السيادية تمويل المبادرات الحكومية الداعمة لتعافي مجال العقارات في دولة الإمارات المتحدة بعد جائحة كوفيد-19[38]. وقد ساهمت العائدات المالية للمؤسسة السيادية في تعافي الاقتصاد الإماراتي ما بعد كوفيد-19؛ حيث سجلت ارتفاعاً في نسبة صافي الأرباح بقيمة 78 في المئة في عام 2021 (بقيمة 619.4 مليار درهم).
ومن الملاحظ أن مؤسسة دبي تهتم بالاستثمار الدولي في الصفقات المتعلقة بالمجال العقاري حيث وقعت مؤخراً اتفاقية لإنشاء مجمع سكني وخدماتي على مساحة 20 كيلومتراً مربعاً، على غرار مجمع دبي للاستثمار، في دولة أنغولا[39].
3) جهاز أبو ظبي للاستثمار
يُعد الصندوق السيادي (أديا) من أقدم المؤسسات الاستثمارية الحكومية في دولة الإمارات وعالمياً أيضاً؛ إذ أنشئ في عام 1976 للاستفادة من عوائد النفط الضخمة وإعادة استثمارها أو توظيفها لتعزيز الرفاهية للدولة. اشتغلت هذه المؤسسة السيادية فعلياً على تطوير استراتيجية وطنية للاستثمار الحكومي محلياً وعالمياً، حيث تتبوأ حالياً المرتبة الرابعة عالمياً (عام 2021) بقيمة مالية تناهز 698 مليار دولار[40]. كذلك، يتمتع هذا الصندوق السيادي باستقلالية إدارية عن حكومة أبو ظبي، حيث يتم تحديد وتنفيذ برنامجه الاستثماري وتوظيف فوائض الميزانية العامة للإمارة في مشاريع ذات مردودية مستدامة للمصلحة العامة بمعزل عن الفاعل السياسي. يجدر بالذكر أن القانون التأسيسي للصندوق ينص صراحة على التبعية المباشرة للجهاز السيادي لمجلس وزراء الحكومة الاتحادية. بالإضافة إلى ذلك، يتبنى الصندوق استراتيجيات تقشف وإعادة حوكمة من خلال تقليص عدد الموظفين بهدف مواءمة الخبرات مع البيئة الاستثمارية العالمية القائمة على التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي[41].
وشهد الجهاز إعادة هيكلة في منتصف عام 2020، حيث اهتمت الحكومة الاتحادية بتدعيم أصوله المالية وتغيير أعضاء مجلسه ليرأسه نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ منصور بن زايد. كما عززت إعادة الهيكلة صلاحيات المديرين والمسؤولين المباشرين داخل الصندوق السيادي، والاعتماد على محللين ماليين متخصصين.
في المجمل، حقق جهاز أبو ظبي للاستثمار عائدات مالية كبرى ما بعد جائحة كوفيد-19؛ حيث عرف انتعاشة كبرى بفضل ارتفاع أسعار النفط والاستراتيجية الاستثمارية القائمة على المخاطرة والانخراط في مجالات التكنولوجيات والابتكار وغيرها من القطاعات ذات الصلة. في هذا الإطار، من المهم الإشارة إلى أن العائدات المالية لعام 2020 ارتفعت بـ20.9 في المئة[42].
من المهم عرض أبرز الصفقات الاستثمارية للصندوق السيادي (أيدا) التي حصلت خلال السنوات الأخيرة.
فقد اشترى جهاز أبو ظبي للاستثمار 10 في المئة من أسهم الشركة الأمريكية “سيمبرا إنرجي” المختصة في البنية التحتية وخطوط الأنابيب بقيمة مالية تناهز 1.8 مليار دولار في عام 2021[43]. كذلك، استطاع هذا الصندوق السيادي الاستحواذ على حصص في أكبر شركة أمريكية للتوريدات الطبية “ميدلاين إندستريز”، بقيمة مليار دولار. وقد انخرط الجهاز في علاقات تحالف مع مجموعتي “بلاكستون” و”كارالايل” و”هيلمان أند فريدمان” للاستحواذ على الشركة الأمريكية التي تبلغ قيمتها الإجمالية 30 مليار دولار[44].
علاوة على ذلك، فقد كان يعتزم في (مايو/أيار 2022) إتمام عملية شراء 10 في المئة من أسهم شركة تمويل الإسكان بالهند (HDFC) بقيمة مالية تناهز 24.09 مليون دولار. وتتسم هذه الصفقة الاستثمارية بالأهمية والتماهي مع الاستراتيجية الوطنية الإماراتية بتنويع الاقتصاد، حيث تعزز القدرة التنافسية للصندوق السيادي (أيدا) على الخدمات المالية والعقارات ومجال القروض الائتمانية على المستوى العالمي[45]، وهي كذلك تؤكد الثقة العالية التي يتمتع بها الصندوق السيادي (جهاز أبو ظبي)؛ فهي تمنح المؤسسة الهندية إمكانيات الاستفادة من الخبرات والتجربة العالمية والقدرة التنافسية للجهاز السيادي من جهة، كما تعزز قيمتها الاستثمارية وترفع أهمية مشاريعها الابتكارية “الاستثمار البديل” لدى المستثمرين المحليين والدوليين، من جهة ثانية[46].
رابعاً: جهاز قطر للاستثمار
أنشأت الحكومة القطرية صندوقاً سيادياً (جهاز قطر للاستثمار) في عام 2005؛ بهدف إعادة استخدام عائدات النفط والغاز في مجال الاستثمارات الحكومية في الخارج. وعلى الرغم من حداثة تأسيسه فقد استثمر الصندوق السيادي القطري في الطفرة المالية الناتجة عن تضخم العائدات المالية من الطاقة للانخراط في السوق العالمية بفعالية وسرعة.
استطاع الصندوق توظيف الفوائض المالية في شركات عالمية كبرى، مستفيداً من الأزمة المالية لعام ،2008 لبسط النفوذ والتموقع عالمياً ليكون أحد الصناديق العشرة الأولى عالمياً بقيمة مالية تناهز 450 مليار دولار (بنهاية 2021). كما استثمر “جهاز قطر للاستثمار” على نطاق واسع؛ من الأسهم إلى العقارات وعمليات الاستحواذ البارزة في العلامات التجارية الغربية والبنوك والشركات.
يرتبط الصندوق السيادي القطري بالحكومة القطرية؛ ولطالما عدَّه الملاحظون متماهياً مع التوجهات السياسية والاقتصادية لصناع القرار[47]. وقد ارتبطت استثماراته الخارجية في بدايات تأسيسه، بشخصية الوزير السابق حمد بن جاسم آل ثاني، من خلال تحركاته الحثيثة لإبرام الصفقات الاستثمارية والتسويق لقطر كقوة غنية وقادرة على الانخراط والتأثير في النظام المالي الدولي[48]. ثم ترسخ الترابط بين الخيارات الحكومية واستراتيجيات الاستثمار السيادي عندما اشتغلت الدولة القطرية على توظيف عائداتها المالية لتعزيز تحالفاتها الجيوستراتيجية مع عدد من الدول (تركيا/روسيا)
عززت الأزمة الدبلوماسية الخليجية لعام 2017 انعزال قطر عن باقي دول الجوار الخليجي، والتوجه نحو استثمارات حكومية في الدول الصديقة؛ فعلى سبيل المثال تعهدت الحكومة القطرية باستثمار ما يناهز 15 مليار دولار في تركيا بعد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمير القطري الشيخ تميم بن حمد، ما بعد اندلاع الأزمة الدبلوماسية الخليجية؛ لمساعدتها على تجاوز الانخفاض الحاد والمتواصل لليرة التركية[49].
إضافة إلى ذلك، أصبح الصندوق السيادي القطري نشطاً وصاحب استثمارات كبرى في السوق الهندية، حيث يتملك حصصاً في قطاع التغذية والشركات الناشئة لخدمات المطابخ والأكل على غرار شركة كلود كيتشين (Cloud Kitchen) وسوينقي (Swiggy)، فضلاً عن تعزيز مشاريع الدولة الداعمة للأمن الغذائي والمياه والزراعة واللحوم وغيرها من المجالات ذات الصلة.
في السياق ذاته، تهتم قطر بالاستثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في القطاع الإعلامي والتكنولوجيات الحديثة؛ مثل صفقة شركة يونيكورن التركية للذكاء الاصطناعي، من خلال استثمارها في شركات ذات صلة في منطقة جنوب شرق آسيا وبريطانيا[50]. وعليه، يقوم جهاز قطر للاستثمار بتقليص حصصه في الأصول المدرجة (العقارات والفندقة) والتحول إلى الشركات التكنولوجية والقادرة على النمو السريع، وهو ما يثبت تحولاً كبيراً في استراتيجيته الاستثمارية السيادية. في هذا الصدد، قامت إحدى الشركات التابعة لجهاز قطر بالاستثمار بمبلغ 375 مليون دولار في صفقة شراء حصص في موقع التواصل الاجتماعي تويتر وفقاً لوثائق رسمية نُشرت في 5 مايو/أيار 2022.
كذلك يهتم جهاز الاستثمار القطري بمجال الخدمات المالية؛ حيث يمتلك حصصاً في مجموعة الائتمان المالي السويسرية(Credit Suisse Group AG) ، ومؤسسة التبادل المالي في لندن(London Stock Exchange Group Plc) ، ومتجر (Harrods) الشهير في حي (Knightsbridge) الفاخر في لندن[51]، كما يمتلك أصولاً بقيمة 9 مليارات دولار في روسيا مع حصص في مطار سانت بطرسبرغ وفي شركة الطاقة الروسية العملاقة روسنفت[52].
وفي المجال الرياضي يستثمر جهاز قطر في عدد من المشاريع الرياضية، منها شركة الإعلام (BEIN) المسؤولة عن حقوق بث الدوري الإنجليزي وغيرها من الفعاليات. وقد عرف الصندوق السيادي القطري نزاعاً مع المملكة العربية السعودية خلال الأزمة الخليجية الدبلوماسية، حيث حظرت بث الشركة؛ ورداً على ذلك تقدمت قطر بشكاية لدى منظمة التجارة العالمية للتنديد بانتهاكات حقوق الملكية الفكرية من طرف الدولة السعودية. وقد صدرت أحكام لمصلحة الصندوق السيادي القطري في عام 2020[53]. كذلك اشتغلت (beIN Media) على عرقلة صفقة نيوكاسل والاحتجاج عليها، ثم تراجعت حالةُ الصدام بعد انجلاء الأزمة الدبلوماسية الخليجية في عام 2021، وإلزام المملكة العربية السعودية بالحياد السياسي-الحكومي في تسيير أو التدخل في النادي. بالإضافة إلى ذلك، يشتغل حالياً جهاز قطر للاستثمار على إدارة البطولة العالمية قطر 2022.
وهكذا، اتخذت الدولة القطرية خطوات لتنويع اقتصادها، وتعهد جهاز قطر للاستثمار بضخ المزيد من الأموال في آسيا والولايات المتحدة بعد سنوات من الاستثمار المكثف في أوروبا.
خامساً: جهاز الاستثمار العماني
في الحقيقة لا تمتلك سلطنة عمان ذاتَ المردودية المالية من النفط مقارنة بالدول الخليجية الأخرى، إلا أنها سعت لدعم الصندوق السيادي “الصندوق العماني للاستثمار”، الذي أُسس في 2006، ويهتم بالتنمية والاستثمار المحلي والتنويع الاقتصادي. وقد استمر نشاط صندوق الاحتياطي العام للدولة، منذ تأسيسه في عام 1980، في الاستثمار في قطاعات السياحة والموانئ والمجالات ذات الصلة. بالإضافة إلى ذلك، تميزت الصناديق السيادية، ما قبل دمجها، بالتعاون الكبير مع صندوق التقاعد العسكري العماني. وتهيمن على إدارة وتسيير القطاعات غير النفطية، التي تملك أغلبها الدولة وتابعة للجيش العماني[54]. ثم بمقتضى المرسوم السلطاني عدد 61 المؤرخ في عام 2020، دمج السلطان العماني، هيثم بن طارق، صندوق الاحتياطي العام للدولة والصندوق العماني للاستثمار والمديرية العامة للاستثمارات في وزارة المالية في صندوق سيادي جديد. وتنص المادة الأولى للمرسوم السلطاني ذاته أن الكيان السيادي الجديد “يُسمى جهاز الاستثمار العماني، تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويتبع مجلس الوزراء”[55].
يهتم جهاز الاستثمار العماني بتعزيز استثماراته المحلية والخارجية في الأصول المتداولة؛ من السندات والدخل الثابت والأصول قصيرة المدى والأسهم، والأصول الخاصة غير المتداولة؛ من الاستثمارات المباشرة في المشاريع الصناعية والخدماتية والعقارات وغيرها من المجالات[56].
يعد الصندوق السيادي العماني من أصغر الصناديق الخليجية، ويُعمل منذ بداية العام 2022 على تقسيم الصندوق إلى محفظة التنمية الوطنية التي تدير الأصول المحلية وتدعم الميزانية العامة، وأخرى مُخصصة للأجيال القادمة التي تقوم على استثمار الأصول الأجنبية[57]. يرسخ هذا التوجه التنظيمي لأعمال الصندوق السيادي تحقيق أولويات رؤية عمان 2040، ويعد التنويع الاقتصادي، وتعزيز القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، بجانب المحافظة على سيولة مالية عالية، من أبرز أساسياته[58]. وهكذا، تساهم إعادة الهيكلة المؤسساتية للصندوق السيادي في توظيف فوائض الميزانية العامة (546 مليون دولار) المُسجلة في عام 2021 لتخفيض مستويات الدين العام والتجاوز النهائي لعجز الميزانية العامة وترفيع قيمة الإنفاق العمومي على المشاريع الوطنية الكبرى.
كما يهتم جهاز الاستثمار العماني بتعزيز حصص التملك في القطاعات المتنوعة، على غرار قطاع الطاقة والسياحة والتكنولوجيات الحديثة والتغذية والثروة السمكية والخدمات العامة والتعدين وغيرها من المجالات ذات الصلة. ويعتزم الصندوق السيادي تدعيم استثماراته العامة في قطاع الطاقة بتخصيص 48 في المئة من المصروفات الاستثمارية بحلول عام 2022. لذا، يُخصص الصندوق العماني ما يناهز 2.9 مليار دولار لتعزيز الاقتصاد المحلي وتدعيم مشاريع القطاع الخاص في المجالات السابق ذكرها[59]. بناء على ذلك، ما زالت الدولة العمانية تراهن بشدة وتهتم بتخصيص مقدار هام من مصروفاتها الاستثمارية لتوسيع وتعزيز إنتاجها الطاقوي؛ النفط والغاز والبتروكيماويات ومشاريع الهيدروجين الأخضر[60]. لذلك، يقوم جهاز الاستثمار العماني، من خلال مجموعة الطاقة أوكيو التابعة له، بتخصيص التمويلات الداعمة للتوجه الحكومي القائم على تعزيز وتوسيع إنتاج قطاع الطاقة في مصفاة الدقم وباقي المنشآت في رأس مركز ومشروع الأمونيا في منطقة صلالة[61].
إضافة إلى ذلك، يحظى قطاع الخدمات العامة باهتمام جهاز الاستثمار العماني؛ حيث خصص 800 مليون ريال عماني لتدعيم قطاع الكهرباء والمياه والصرف الصحي وإدارة النفايات في عام 2022. وقد استفادت مجالات الخدماتية من الفوائض التي حققها الجهاز السيادي في عام 2021، حيث يعتزم توظيف جزء من المصروفات الاستثمارية لدعم المشاريع الوطنية المتعلقة بمعالجة النفايات الصناعية ومحطات الرسكلة.
يهتم الصندوق السيادي العماني كذلك بتدعيم القطاعين العقاري والسياحي، المملوك أغلبه للدولة، حيث خُصِّص ما يناهز 193 مليون ريال عماني لإنشاء وتعزيز سبعة مشاريع سياحية كبرى. وقد عرف هذا القطاع ارتفاعاً بنسبة 257 في المئة مقارنة بعام 2021 على مستوى مصروفات استثمارية. تشتغل المؤسسة السيادية على تجاوز التعطيلات التي عرفتها أغلب المشاريع خلال السنوات الماضية، حين عرفت الميزانية العامة عجزاً؛ من خلال إعادة تطوير مدينة يتي المستدامة، والمنطقة التجارية الشرقية في مدينة عرفان، ومشروع الواجهة البحرية لميناء السلطان قابوس في مطرح، وغيرها من المشاريع ذات الطابع العقاري أو السياحي[62]. وفي هذا السياق، يهتم صندوق عمران التابع للجهاز السيادي بالانفتاح التدريجي على تنفيذ المقاربة الحكومية المتعلقة بالمشاريع الآنف ذكرها[63]؛ فهو الذراع الحكومية لقطاع التطوير السياحي حيث تحولت وظيفته من المساهمة في المشاريع التنموية إلى تحقيق عوائد استثمارية في الأصول الفندقية على المستوى المحلي.
تعرف المعاملات المالية والمؤسساتية للصناديق السيادية العمانية تطوراً مستمراً؛ فقد مثَّل صندوق الملكية الخاصة الإسباني-العماني نموذجاً مُستحدثاً للشراكات الاستثمارية بين الدول. ويعمل هذا الصندوق السيادي المشترك على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والخيارات الاستثمارية لسلطنة عمان وإسبانيا من خلال إنشاء مشاريع مشتركة في مجالات وقطاعات مختلفة داخل السوق المحلية أو الدولية. علاوة على ذلك، يدل الصندوق السيادي المشترك على أهمية التمويلات الخليجية وقدرتها على التعاون مع دول غربية من خلال تقاسم مخاطر الاستثمار والتشارك في مصادر تمويل الصفقات[64].
سادساً: شركة ممتلكات البحرين المالكة
تمثل شركة “ممتلكات البحرين المالكة” الذراع الاستثمارية للدولة البحرينية منذ تأسيسها في عام 2006؛ فهي تقوم بالاستثمار في مختلف الشركات والمشاريع المملوكة محلياً للدولة وفي عدد من الدول الأجنبية على حد سواء.
تركز الشركة السيادية البحرينية على الاستثمار في الشركات المُدرجة في البورصة في البحرين أو باقي دول منطقة الشرق الأوسط والدول الغربية، إلى جانب اهتمامها بالصفقات الاستثمارية في قطاعات النقل البحري والمطارات والبنوك وصيد الأسماك والمأكولات البحرية والزجاج وخدمات الرعاية الصحية والتأمين والطاقة المتجددة والسياحة. يجدر بالذكر أن هذه الشركة السيادية تهدف إلى تعزيز الاستثمارات في الداخل والخارج ترويجاً للبحرين كمركز تجاري ومالي رئيسي في منطقة الخليج[65].
سابعاً: استراتيجيات إدارة وحوكمة الصناديق السيادية في دول الخليج العربي
تسعى مختلف الصناديق السيادية الخليجية للالتزام ببعض القوانين التنظيمية واستراتيجيات الحوكمة الحديثة والمبادئ المُعززة للشفافية والاستقلالية على الرغم من استدامة تأثيرات التوجهات السياسية لصناع القرار وهيمنتها على القرار الاستثماري. ومع هذا، ما زالت التقييمات الخاصة بمردودية وطرق حوكمة الصناديق السيادية الخليجية قليلة، حيث تتسم معاملاتها المالية وصفقاتها الاستثمارية بالتحفظ والسرية على الرغم من التزام بعضها بالمبادئ التنظيمية العالمية. لكن يجدر بالذكر أن مختلف الصناديق السيادية الخليجية بدأت بتطوير آلياتها الإدارية وإعادة هيكلتها المؤسساتية تحت الضغوط المحلية والدولية؛ بمعنى أن الانخراط والتنافسية في السوق العالمية استوجبت هذه التغييرات التنظيمية[66].
ومنذ أواخر العقد الأول من القرن الحالي، أدخل عدد من صناديق الثروة السيادية في الخليج تدابير للامتثال للمعايير المالية الدولية وتوصيات صندوق النقد الدولي؛ فعلى سبيل المثال تقوم صناديق الثروة السيادية لدول البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة بنشر معلومات عن أصولها، وإنشاء مواقع إلكترونية لإعلام الجمهور بصفقاتها الاستثمارية وهياكلها الإدارية بالإضافة إلى القيمة المالية لمشاريعها، ولكن ما زالت أغلب الصناديق الخليجية لا تفصح عن عائداتها المالية من الاستثمار الحكومي والمعلومات الكافية عن أصولها وسنداتها وغيرها من المعاملات المالية، باستثناء الكويت، التي عملت على ترسيخ تقاليد المساءلة البرلمانية للصندوق السيادي؛ إذ يتمتع البرلمان الكويتي بحق استجواب رئيس هيئة الاستثمار الكويتية.
في الحقيقة، تتنوع الطرق والمناهج الحكومية التي تتبعها دول الخليج العربي لإدارة وتسيير صناديقها السيادية، كما تتعدد أساليب إنفاق الفوائض المالية لصادراتها النفطية والبتروكيمايوية. وما زالت السياسة المالية السيادية في طور التحديث وإعادة البلورة. ويرى العديد من الدارسين أن استراتيجيات الاستثمار السيادي تتكامل مع توجهات صناع القرار الخليجيين والمقاربات الحكومية للتنويع الاقتصادي التي انطلقت فعلياً منذ 2014، لذا فإن سياسات المجازفة الاستثمارية وتنويع القطاعات، إلى جانب تدعيم القطاع الخاص المحلي، تكشف بوضوح تماهي الصناديق السيادية مع المبادرات الحكومية[67].
وفضلاً عن ذلك فقد عززت مختلف دول الخليج مساعيها لتحسين بيئة الأعمال وضمان جودة الإجراءات البيروقراطية.
تتفاوت نجاعة ووضوح التنظيم المؤسساتي بين مختلف الدول الخليجية؛ إذ تعد الصناديق السيادية الإماراتية رائدة في جودة استراتيجيات الحوكمة والشفافية والالتزام بالإجراءات التنظيمية العالمية؛ فعلى سبيل المثال تحصَّل صندوق أبو ظبي “مبادلة” وممتلكات القابضة البحرينية على عشر نقاط في مؤشر “لينابريغ-مادويل لشفافية الصناديق السيادية” لعام 2019 المتعلق بالصناديق السيادية (الحد الأدنى 8 نقاط)، في حين تحصل صندوق الاستثمارات العامة السعودي على 7 نقاط فقط، وهيئة الاستثمار الكويتية على 6 نقاط[68].
المحور الثالث: الصناديق السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي.. الفاعلية والأدوار
أولاً: الدور الحيوي للصناديق السيادية في النظام المالي العالمي
تعد صناديق الثروة السيادية من المؤسسات المالية المملوكة للدولة، وهي كيان مجمع للأسهم والسندات والأصول المالية الحكومية المُخصصة للاستثمار. وعلى الرغم من الخلط الموجود بين الصناديق الاستثمارية العادية والسيادية، فإن كلتا المؤسستين تعملان على إدارة التمويلات الاستثمارية إلا أن النوع الأول مُخصص لأموال الأفراد والشركات أو الهيئات، في حين يُخصص النوع الثاني لإدارة المال الاستثماري العام[69]. وهكذا تؤسس الدولة الصناديق السيادية وتعتمدها لإدارة فوائضها المالية داخل سوق المال (الادخار والتمويل) وسوق الأوراق المالية (الاستثمار)، محلياً ودولياً، من طرف متخصصين في مجال إدارة وتنظيم المحافظ المالية، وتمثل “سلة” جامعة للسندات والأسهم وغيرها من الأصول المالية الزائدة عن مصاريف الميزانية العامة للدولة[70].
تتمثل الغاية من إنشاء الصناديق السيادية في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
الهدف الأول: تحقيق استقرار الاقتصاد الوطني وحمايته من التقلبات المتواترة على مستوى الإيرادات أو الصادرات.
الهدف الثاني: تحقيق مدخرات إضافية للأجيال القادمة.
الهدف الثالث: مساندة استراتيجيات الاستثمار الحكومي من خلال تمويل برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وفضلاً عن ذلك تصبح الصناديق السيادية ذات فائدة وقدرة على الاستثمار عالمياً عندما يكون لدى الدولة ديون ضئيلة. وبحسب المؤسسة الدولية (SWF) يقوم الصندوق السيادي على موارد الدولة المُتأتية من فائض ميزان الدفوعات، والمعاملات الرسمية للعملة الأجنبية، وعائدات الخصخصة، وعائدات التحويل الحكومي، والعائدات المالية من صادرات الموارد الطاقية أو الطبيعية، ومن ثم تتمثل المصادر الأساسية لتمويل الصناديق السيادية في العائدات المالية المتراكمة من صادرات النفط والغاز وغيرها من الموارد الطبيعية ذات المردودية المرتفعة داخل السوق العالمية. فعلى سبيل المثال يتبوأ جهاز أبو ظبي للاستثمار المركز الرابع عالمياً بأصول مالية تُقدر بـ697.9 مليار دولار، كما يتبوأ صندوق الاستثمارات العامة للمملكة العربية السعودية المركز السادس بقيمة 580 مليار دولار حسب تقرير معهد صناديق الثروة السيادية الصادر في عام 2021. وتعد هيئة الاستثمار الكويتي (جاءت في المركز الثالث عالمياً بقيمة 737 مليار دولار) أول صندوق سيادي حول العالم يهدف إلى توظيف فوائض عائدات النفط وتنويع مواردها المالية[71]. في حين يتبوأ جهاز قطر للاستثمار المركز التاسع عالمياً بقيمة أصول تناهز 450 مليار دولار.
بناء عليه، تحظى الصناديق السيادية باهتمام كبير من طرف وسائل الإعلام والخبراء الاقتصاديين لكونها وكالات استثمارية جديدة وذات فعالية عالية. لكن من المعلوم أن صناديق الثروة السيادية تتجذر تاريخياً، حيث أُسس أولها في الكويت، ثم دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1976 (جهاز أبو ظبي للاستثمار)، والصندوق السنغافوري “تماسك هوليدغ” في عام 1974. وقد ازدادت أهميتها بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008 حيث ظهرت قوة صناديق الثروة السيادية للدول النامية، الغنية على وجه الخصوص[72]. واستحوذ الصندوق السيادي الصيني على 9.9 في المئة من شركة (Morgan Stanley)، واستطاع بالتعاون مع صندوق تماسك هوليدنغ (سنغافورة)، وهيئة قطر للاستثمار (صندوق سيادي)، شراء 15 في المئة من رأسمال بنك (Barclays). بالإضافة إلى ذلك، أحدثت صناديق دول الخليج العربي مفاجأة؛ حيث استطاع جهاز أبو ظبي للاستثمار الاستحواذ على ما يقارب 15.4 مليار دولار من رأس مال شركة (Citigroup) بالتعاون مع صندوق الخليج للاستثمار (سنغافورة)[73]. يجدر بالذكر أن النفوذ المالي الذي تمتعت به الدول الخليجية أو الآسيوية خلال الأزمة الاقتصادية العالمية أثبت القوة الاقتصادية الصاعدة لهذه الدول من جهة، وأكد فشل المؤسسات المالية للدول الغربية، من جهة أخرى، إذ تدخلت هذه الصناديق السيادية مستثمراً منقذاً للقطاع المصرفي-المالي في الدول الغربية المتقدمة[74].
لذا فقد مثَّل الإعلام الأمريكي وصناع القرار قوة الصناديق السيادية لهذه الدول بعملية غزو (صورة استعارية)، حيث منحت الأزمة الاقتصادية الفرصة التاريخية لعدد من الدول النامية الغنية للاستحواذ على شركات عالمية كبرى. وهذا الأمر يطرح تساؤلات جدية حول قدرة الصناديق السيادية على الاستثمار في مشاريع طويلة المدى، وفعالية استحواذها على حصص كبرى من شركات القطاع الخاص، بالإضافة إلى تأثير التمازج بين الملكية العامة للدول المُستثمرة والمستثمرين الخواص. كما تزايدت التساؤلات حول استقرار عمليات الاستثمار والتناقضات بين السياسة الحمائية للصناديق السيادية المملوكة للدولة والخاضعة لميزانيتها العامة واستراتيجياتها المالية والمنافسة الحرة التي تميز القطاع الخاص[75].
وهكذا فقد استفادت الصناديق السيادية الخليجية من مختلف الأزمات الاقتصادية التي ضربت الدول الصناعية الغربية خلال العقدين الأخيرين؛ إذ استطاعت استثمار عوائدها النفطية والتموقع عالمياً كقوة استثمارية خلال أزمة الرهن العقاري العالمية لعام 2008، وأزمة جائحة كورونا لعام 2020. وقد ساعدت الفوائض الهائلة لموارد الطاقة بعض دول المجلس التعاون الخليجي على تنويع محافظها الاستثمارية حيث ساهمت جاهزيتها على مستوى الخبرات وسياسات الحوكمة الحديثة وانفتاحها على المبادئ التنظيمية العالمية، في منافسة باقي الصناديق السيادية والقطاع الخاص. فعلى سبيل المثال استطاع جهاز قطر للاستثمار توظيف أزمة 2008 للاستثمار في شركات عالمية كبرى للسيارات، كبورش وفولكس فاكن، والخدمات المالية، مثل كريدي سويس، واشتغل الصندوق السيادي السعودي خلال أزمة كوفيد-19 على الاستثمار في سوق الأسهم الأمريكية بقيمة 8 مليارات دولار، وشراء أسهم في شركات التكنولوجيات الحديثة والشبكة العنكبوتية (فيسبوك) والشركات البنكية[76].
وعليه، فإن تراجع القدرة الاستثمارية للدول الصناعية الغنية يعطي الصناديق السيادية الخليجية فرصة أكبر للانخراط في السوق العالمية؛ حيث يساهم انهيار القطاع الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية أو بعض الدول الأوروبية الغنية في تعزيز الحاجة إلى الصناديق الخليجية وفتح السوق العالمية لاستثماراتها الحكومية. كذلك فقد ساهمت هذه الأزمات المالية والاقتصادية العالمية في زعزعة منظومة الرأسمالية وتخفيض سعر أسهم الشركات العالمية العملاقة، وهو ما منح الدول الخليجية فرصة كبرى للتموقع في النظام المالي العالمي من خلال الاستثمار الحكومي في الأسواق الغربية.
وقد أثار تدخل الصناديق الاستثمارية لدول الخليج العربي في الأسواق الغربية تساؤلات ونقاشات داخل دوائر صناعة القرار السياسي والاقتصادي للدول الغربية المُهيمنة. وتركز النقاش حول تلاؤم هذه الصناديق السيادية مع استراتيجيات ومناهج حوكمة الاقتصاد والاستثمار في الدول الغربية، حيث مثلت فعالية الصناديق السيادية للدول الصاعدة تحدياً للمفاهيم والحوكمة السائدة في المجال المالي والبنكي للدول الغربية المتقدمة[77].
وتجدر الإشارة إلى أن الدول الغربية ذاتها فعلت صناديقها السيادية لإنقاذ اقتصادها المالي؛ فعلى سبيل المثال أنشأت الحكومة الفرنسية صندوق ثروة سيادياً لدعم الشركات المحلية، وانسحبت صناديق سيادية أخرى من استثمارات ومشاريع دولية كبرى لتمويل مشاريع محلية بالتزامن مع أزمة 2008. ومن ثم تم توظيف سندات واحتياطات النقد الأجنبي للاستثمار المحلي عوضاً عن استخدامها في تمويل وإدارة مشاريع في الخارج.
هذا وقد تطور حجم سوق الاستثمارات العالمية سريعاً خلال العقدين الأخيرين؛ حيث عرفت الأصول زيادة مُطردة وملحوظة بحسب تقارير معهد صناديق الثروة السيادية. وقد زادت أهمية هذه الصناديق إثر الأزمة الاقتصادية 2008؛ فقد عرفت قيمتها المالية الكلية نمواً وطفرة من 3.265 تريليونات دولار في 2007 إلى 5.182 تريليونات دولار في عام 2012[78]. كما استطاعت هذه الصناديق ترسيخ فعاليتها الاستثمارية في زمن الركود والتأزم المالي، فحققت معدل نمو سريع ومتزايد مقارنة بباقي المستثمرين، على الرغم من تضخم مستويات الديون العامة وعجز الميزانيات وركود الاستثمارات محلياً وعالمياً[79].
بناء على ما سبق ذكره، يُعد استثمار الصناديق السيادية الخليجية في أسواق المال الأوروبية والأمريكية من تقاليدها المترسخة، حيث تتضمن هذه الأسواق فرصاً استثمارية ذات مردودية عالية ومستوى عال من السيولة والعملات الأجنبية إلى جانب الاستقرار السياسي. لذا، فلطالما مثلت الأسواق الأوروبية والأمريكية نطاقات جغرافية ومالية قادرة على استيعاب الفوائض الهائلة من صادرات النفط والغاز لمختلف دول مجلس التعاون الخليجي[80]. كذلك، من المهم الإشارة إلى أن أغلب الصناديق السيادية الخليجية كما تستثمر في الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة أو بريطانيا مقراً لها، فإنها تستثمر بمستويات متفاوتة في الأسواق الناشئة الآسيوية؛ كالصين وهونج كونج والهند وإندونيسيا وماليزيا وتايوان وتايلاندا، التي تعرف نمواً اقتصادياً ومالياً سريعاً ومردودية عالية[81].
ثانياً: الأدوار الحيوية للصناديق السيادية الخليجية على المستوى المحلي
تمكنت الصناديق السيادية الخليجية منذ نشأتها من الحفاظ على نفوذها المالي عالمياً؛ نتيجة لتنفيذها لاستراتيجيات اقتصادية شاملة واستباقية، وفي الوقت نفسه حرصت على إنشاء مشاريع استثمارية ضخمة تماشياً مع سياسات التنوع الاقتصادي وتنمية رأس المال البشري والاستثمار في البنية التحتية والنفط والغاز وغيرها من المجالات الخدماتية. لذا فقد استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي استثمار عائداتها المالية الضخمة في اقتصادها المحلي أو مشاريع استثمارية في الخارج ما بين 2005 و2008[82].
في السياق التاريخي لأزمة 2008، حققت الدول الخليجية نجاحاً نسبياً؛ حيث استطاعت بفضل احتياطاتها الدولية اتخاذ التدابير الاستثنائية تعزيزاً لاقتصاداتها المحلية. فعلى سبيل المثال تبنت المملكة العربية السعودية حزمة استثمارات عامة بقيمة 400 مليار دولار أمريكي (ما يعادل 110 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي)، وهي أكبر حزمة تحفيز مالي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي بين مجموعة العشرين للفترة 2009-2010 بغية تنفيذها على مدى خمس سنوات.
فقد كان للسياسة المالية لدولة الإمارات العربية المتحدة دور مهم في مواجهة التقلبات الدورية واضطراب النشاط الاقتصادي، وفي قطر كان التدخل الاستباقي للحكومة في القطاع المصرفي يعادل 6.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، استُثمرت في شكل عمليات ضخ الأسهم وشراء الأصول من قبل جهاز قطر للاستثمار. أما في الكويت فقد تعقدت استجابة السلطات الكويتية للأزمة المالية من جراء المفاوضات المطولة بين الحكومة ومجلس النواب، ومع ذلك ففي أوائل عام 2010، وافق البرلمان على حزمة إنفاق مدتها أربع سنوات بقيمة 105 مليارات دولار أمريكي (95 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي). أخيراً، أدخلت السلطات العمانية والبحرينية تدابير للسيولة وتدابير احترازية ساعدت في التخفيف من الآثار السلبية للأزمة في النظام المصرفي[83].
هذا التحول الجذري في سياسات الصناديق السيادية الخليجية، مع دورها الحيوي محلياً وعالمياً خلال الأزمة الاقتصادية عام 2008، يعكس رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في التحول من الاقتصاد الريعي-النفطي إلى التنويع الاقتصادي[84].
لذا، فإن إعادة توظيف عائدات النفط لتحديث الاقتصاديات الخليجية والقضاء على الريعية النفطية يمثل المحرك الأساسي للمراهنة المتزايدة لصناع القرار على صناديق الثروة السيادية، والاعتماد على هذه الصناديق يعزز تواصل هيمنة الدولة على ديناميات الاقتصادات الخليجية، بمعنى أن التحول من الريعية النفطية يرتكز أساساً على “تحويل مورد طبيعي محدود إلى مورد مالي متجدد لشعوب الخليج”[85]، ومن ثم تصبح الاستثمارات الحكومية القائمة على عائدات المورد النفطي ذات طابع تحولي لحساب التنمية الوطنية المستدامة، على الرغم من مراهنتها على استثمارات عالية المجازفة.
من المهم الإشارة إلى أن الصناديق السيادية الخليجية لا تحظى بالمكانة أو الأهمية ذاتها عالمياً؛ بسبب التفاوتات الحقيقية في مستوى القيمة المالية؛ فعلى سبيل المثال تفتقد الصناديق السيادية العمانية والبحرينية القدرة التنافسية والاستثمارية العالية التي تتمتع بها باقي الصناديق الخليجية. كذلك تتميز الصناديق السيادية السعودية والقطرية والإماراتية بسياسات حوكمة حديثة واستراتيجيات المجازفة الاستثمارية بمستويات أعلى من الصندوق السيادي الكويتي. ترتكز هذه الفروقات على التفاوتات المتعلقة بعائدات النفط والغاز بين دول المجلس التعاون الخليجي من جهة، وتوجهات صناع القرار وسياساتهم الاستثمارية الحكومية محلياً ودولياً، من جهة أخرى.
لكن، تتشارك أغلب الصناديق السيادية الخليجية في مصادر تمويلها حيث ترتكز أغلبها على عائدات وفوائض الميزانيات العامة من النفط والغاز، إلا مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية التي تستفيد من عائدات العملات الأجنبية المُتأتية من قطاع السياحة والتجارة والأعمال[86].
المحور الرابع: التحديات المستقبلية للصناديق السيادية الخليجية
تتولى الصناديق السيادية عملية المحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي خلال فترات تأزم الاقتصاد المحلي، وحمايته من تداعيات المتغيرات الاقتصادية العالمية. وارتباط الصناديق الخليجية بعائدات النفط والغاز تجعلها عرضة للتحديات والمخاطر. في هذا الإطار، تقدم الدراسة قراءة استشرافية حول التحديات المستقبلية؛ من خلال إعادة استقراء أزمات مماثلة حصلت في السنوات الماضية، ومحاولة الاستفادة منها في تطوير أداء الصناديق السيادية.
أولاً: على مستوى الاقتصاد النفطي
على الرغم من فعالية الاستثمار العام للصندوق السيادي السعودي في مجال الأسهم والبورصة، والمردودية العالية المُحققة، فإن مختلف المعاملات المالية والأرباح تكون غالباً مُرتبطة بأسعار النفط. في الحقيقة، فإن التعويل الكبير لصندوق الاستثمارات العامة على عائدات شركة أرامكو وإيرادات الاكتتاب العامة لبعض حصصها يجعل وضعية الاستثمار متسمة بالمجازفة والمخاطرة، بالأخص في فترات انخفاض أسعار النفط، وقد شهدت المملكة العربية السعودية التأثيرات السلبية لأسعار النفط المُنخفضة على سوق التداول في بورصة الرياض (2017-2018)، وهو ما دفع إلى دمج عروض البيع للأجانب والمستثمرين المحليين بهدف إبقاء قدر أعلى من العائدات المالية في الداخل السعودي. في هذا الإطار، يساهم انخفاض أسعار النفط في تصعيد مخاوف المستثمرين المحليين وصناع القرار حول السيادة الوطنية على أسهم وأصول صندوق الثروة السيادي، وهو ما دفع إلى اتخاذ خطوات أخرى داعمة لحماية حصص الاستحواذ المحلي[87].
هذا وتعد العلاقة الترابطية بين انخفاض أسعار النفط والصندوق أساس حالة الانفتاح الحكومي على الاستثمارات بالخارج؛ فمثلاً عرفت سياسات الصندوق السعودي تحولاً جوهرياً في منتصف 2014، تمثل في الترفيع السريع في النشاط العالمي للصندوق السيادي بموافقة مجلس الوزراء، ثم دفع تواصل انخفاض أسعار النفط إلى استقلالية أكبر للصندوق وعقد صفقات مع شركات داخل وخارج المملكة العربية السعودية دون وجوبية الحصول على الموافقة المسبقة للمجلس الوزاري[88].
في الحقيقة، استطاع الصندوق السيادي السعودي توظيف النطاقات الواسعة من خلال استثمار ما يناهز مليار دولار في شراء أسهم شركة صناعة باسكو الكورية الجنوبية (Posco Engineering and Construction) في مارس/آذار 2015، إلى جانب توقيع صفقات أخرى مع فرنسا بقيمة 10 مليارات دولار في صناعة الطيران ومجال البناء، ومع روسيا بقيمة 10 مليارات دولار لتشارك مع صندوقها الاستثماري السيادي (RDIF) أيضاً[89].
وهكذا، فإن لصناديق الثروة السيادية في مختلف دول الخليج العربي دوراً محورياً في مواجهة تذبذب أسعار النفط والاحتمالات المستقبلية لنضوبها الطبيعي. لذا، فإن مواجهة التداعيات الاقتصادية والمالية لانخفاض عائدات موارد الطاقة يمثل أحد مرتكزات ومهام الصناديق السيادية حيث تظهر في الحد ذاته بديلاً استراتيجياً ادخارياً واستثمارياً لتنويع اقتصادات ما بعد النفط.
ثانياً: على مستوى الاقتصاد الريعي
ترتكز فكرة تفعيل صناديق الثروة السيادية- كما سبق معنا- على التحول من الاقتصاد الريعي النفطي إلى مرحلة التنويع الاقتصادي، وهو ما يجعل وصاية الدولة على الثروة النفطية مستمرة وقائمة. لذا، فالتساؤلات الحقيقية حول مردودية وسياسات حوكمة الصناديق السيادية تتركز على طرق تسيير عائداتها المالية وتوظيفها للمصلحة العامة[90]. وقد أنتجت هذه السياسة التحولية نحو اقتصادات ما بعد النفط متغيرات مؤثرة في السياسة النقدية والقطاع العام والدعم، وهو ما يؤكد توجهاً سريعاً نحو النيوليبرالية واقتصاد السوق على الرغم من استمرار النمط الريعي المتمثل في هيمنة الدولة على الموارد وعائداتها وطرق إعادة استثمارها. لذا، تنتج التوجهات الاقتصادية الجديدة نوعاً من الريعية المُستحدثة، حيث تراوح بين ترسخ دور الدولة في إدارة الموارد والانفتاح التدريجي على ريادة الأعمال والتحديث[91].
ثالثاً: على المستوى القانوني
بقدر ما ترتبط الصناديق السيادية بالدولة بقدر ما تتميز بمستويات عالية من الحصانة والاستثنائية داخل الترسانة القانونية المحلية، إلا أن تميزها بالنشاط التجاري يجعل منها فاعلاً اقتصادياً عالمياً خاضعاً للقانون الدولي وهيئات التحكيم الدولية. ومن المهم القول إن الصناديق السيادية ترتبط بعلاقات معقدة وغير محسومة في القانون المحلي الخليجي والقانون الدولي مع سيادة الدولة؛ فعلى المستوى المحلي ما زالت الصناديق السيادية الخليجية مؤسسات غير قابلة للمساءلة، تقريباً، حول هيكلتها، أو طبيعة معاملاتها، وطرق اتخاذ القرار أو صفقاتها؛ لشدة التصاقها بمنظومة الحكم، أما على المستوى الدولي فتتداخل نزاعاتها وطرق التسوية مع الدبلوماسية السياسية للدولة ذاتها.
علاوة على ذلك فإن الطبيعة الهيكلية لأغلب الصناديق السيادية الخليجية تُحتم علاقة الترابط مع الحصانة السيادية للدولة في الخارج، حيث تُصنف هذه الصناديق بوصفها كيانات مؤسساتية عمومية تديرها وتسيرها وتحدد مهامها بمستويات متفاوتة الحكومة، على الرغم من طابعها التجاري-الربحي. لكن من المعلوم أن هذه الصناديق تتمتع بحيز من الاستقلالية عن الحكومة لكونها كياناً عمومياً ذا صبغة تجارية حيث بإمكانها اتخاذ القرارات الاستثمارية بحرية، وإدارة أنشطتها التجارية المالية دون الرجوع إلى الحكومة. بالنسبة للقانون الدولي التجاري، يعد النموذج الهيكلي-المؤسساتي للصندوق السيادي مُحدداً أساسياً وجوهرياً في تسوية النزاعات وتحميل المسؤوليات للدولة المُستثمرة. وعلى الرغم من محاولات الصناديق السيادية الخليجية ترسيخ التنويع الاقتصادي من خلال استثماراتها الحكومية فإن كثيراً منها لا يزال يراهن على شراء الحصص والأسهم في الشركات العالمية لإنتاج النفط والغاز.
في الحقيقة، لا تخضع الصناديق السيادية في عملها وطرق استثمارها للأموال العامة للتدقيق ذاته أو مطالب الشفافية ونشر المعلومة التي تفرض غالباً على مؤسسات أخرى على غرار المنظمات الاقتصادية الدولية غير الحكومية. وفي هذا الإطار، ما تزال الحكومات –ومنها الخليجية- تتعامل مع الصناديق السيادية بوصفها أحد أسرار الدولة ذات العلاقة بسياساتها الدبلوماسية “الناعمة” و”الصلبة” من جهة، والمرتبطة بخيارات الدوائر الحاكمة وتوجهاتها في الخارج، من جهة أخرى. هنا تصبح الصناديق السيادية مؤسسات تابعة بطريقة ما للنظام الحاكم، وهو ما يعرقل أو يُهمش مبادرات المساءلة ومطالب الشفافية المتعلقة بها. لذا يبدو أن ضعف مستويات الحوكمة أو الغياب النسبي للشفافية فيما يتعلق باستثمارات الصناديق الخليجية، يعد انعكاساً لعلاقات الترابط بين الصناديق السيادية والأنظمة الحاكمة الخليجية، ويكمن في قوة تقاطعها مع المؤسسات السياسية وطرق اتخاذ القرار على المستوى الحكومي. فمنذ بدايات إحداثها، ما زالت الصناديق السيادية ترتبط بالحكومة –السلطة التنفيذية- حيث تقدم لها التقارير، وتتشاور معها بخصوص طرق استثمار عائدات المال العام بمعزل عن باقي المؤسسات المالية الحكومية أو الرقابية[92].
رابعاً: على مستوى الرأي العام المحلي
يزداد الاستثمار الحكومي لمختلف الصناديق السيادية الخليجية في سياقات محلية تغلب عليها سياسات التقشف ورفع الضرائب (ضريبة القيمة المضافة) وغيرها من الإجراءات الصارمة المخصصة للقطع مع منظومة الريع والتحول إلى الاقتصاد ما بعد النفطي، ومن ثم يتابع كثير من فئات الرأي العام الخليجي التمويلات الضخمة للصناديق الخليجية في شركات عالمية ومشاريع أجنبية قائمة على المخاطرة واحتمالية الربح والخسارة في ظل مطالبتهم بالضرائب وتقليص الأجور لتفادي عجز الميزانيات العامة. كذلك، تواجه الصناديق السيادية الخليجية بعض الانتقادات بسبب الاستثمار الحكومي في شركات أجنبية في حين يعاني كثير من الشركات المحلية الركود وتفتقر إلى السيولة[93]. فعلى سبيل المثال يتوجس الرأي العام السعودي من تقلبات سوق الأسهم العالمية والخسائر التي لحقت بالصندوق السيادي “صندوق الاستثمارات العامة” في صفقته الاستثمارية في “صندوق سوفت بنك الياباني”.
بالإضافة إلى ذلك، تشهد أغلب الدول الخليجية تحدياً حقيقياً بسبب حالة العجز الواضحة في الميزانيات العامة نتيجة تفاقم النفقات العامة التي ارتفعت من جراء تداعيات الجائحة الوبائية والأزمة الأوكرانية-الروسية الراهنة، بجانب هبوط الإيرادات النفطية. سيتم تحميل الصناديق السيادية مهام تخفيف الأزمة الاقتصادية المحلية بتوجسات من التجاء بعض الحكومات إلى بيع أصول لتغطية العجز في الميزانية العامة وتقليص اللجوء إلى احتياطات البنوك المركزية[94]. ومن ثم تصبح الصناديق السيادية الخليجية صمام أمان لا للاقتصاد المحلي فقط بل أيضاً لعجز الميزانيات العامة.
في هذا الإطار، استهدفت الصناديق الخليجية الشركات ذات المستوى العالي في إدارة الأعمال والهيكلة المؤسساتية أو القطاعات الأعلى مردودية وقدرة تنافسية في الأسواق الدولية دون التورط في صفقات ذات صبغة غير قانونية أو مهددة للاستقرار السياسي-الأمني. لذا، فالصناديق السيادية تشتغل على تدعيم حصصها المالية-الاستثمارية في الأسواق العالمية دون ادعاء السيطرة على قطاعات رئيسية واحتكارها دولياً.
في هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أن الخطاب السياسي والإعلامي الداعم للنظم الحاكمة يتبنى غالباً مقولات وشعارات حول قدرة صناع القرار على الهيمنة على قطاعات مهمة وذات مردودية عالمياً. هنا، يتناقض الخطاب السياسي-الإعلامي مع حقيقة توجهات الصناديق السيادية وقراراتها الاستثمارية القائمة غالباً على منطق الربح والتنافسية والشراكة الاستراتيجية مع باقي الشركاء الدوليين. بالإضافة إلى ذلك، تمثل الصناديق السيادية موضوع نزاع ومحاججة بين الفاعل الحكومي والمعارضة لكونه يختزل قضايا الشفافية وأشكال التفاوض مع الخارج والأبعاد السياسية للتصرف في المال العام.
خامساً: على مستوى تداعيات جائحة كوفيد-19 والتدخل الروسي في أوكرانيا
واجهت صناديق الثروة السيادية الخليجية بسبب جائحة كورونا مشاكل مالية عدة، على مستوى تفاقم الالتزامات المالية وعجز الميزانيات العامة على الرغم من مساعيها الحثيثة للاستثمار والاستفادة من ارتفاع أسعار النفط في منتصف عام 2021. لكن اضطرت الحكومات الخليجية إلى توظيف الفوائض المالية لتغطية متطلبات الاقتراض والنفقات العامة المرتفعة التي تكبدتها خلال فترة الحجر الصحي والإغلاق التام[95].
إضافة إلى ذلك، يبدو واضحاً أن الأزمة الأوكرانية تنبئ بتدهور الأوضاع الاقتصادية واحتمالية الركود في الأسواق المالية العالمية، وقد شهدت فعلياً سوق الأسهم الأمريكية نزولاً طفيفاً في الأسعار خلال الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار 2022، وهو ما يجدد التوجسات باندلاع أزمة عالمية جديدة. في هذا الصدد، تتحضر بعض الصناديق السيادية الخليجية، التي استطاع بعضها الاستفادة من الانتعاشة القصيرة للسوق العالمية ما بعد تراجع الجائحة الوبائية “كوفيد-19″، للاستفادة من المتاحات الاستثمارية الحالية، وقد اعتبر الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمارات، منصور آل محمود، أن الأزمة المالية العالمية ستقع “خفيفة” وغير مضرة بالاستثمارات الحكومية السيادية[96].
بالإضافة إلى ذلك، تطرح الأزمة الروسية-الأوكرانية انتعاشة لعائدات الطاقة لأغلب دول الخليج العربي، وإمكانيات أكبر لاستقطاب الاستثمار الأجنبي أو توظيف الاستثمارات الحكومية وخبراتها، من خلال علاقات تعاون وشراكات مع أوروبا. ومن ثم فكما أن الوضع الاقتصادي يتأثر سلباً من الأزمة الروسية الأوكرانية، فكذلك تفتح الأزمة مجالات أكبر للاستثمار الحكومي الخليجي؛ نتيجة توفر السيولة المالية وتعافي القطاع المصرفي ما بعد جائحة كوفيد 19. هكذا، يبدو جلياً أن الصناديق السيادية الخليجية ستحظى مجدداً بمكانة متميزة ودور حيوي لإنقاذ الاقتصاد العالمي المتضرر من الأزمة الروسية-الأوكرانية.
بالإضافة إلى ذلك، ترفض الصناديق السيادية الخليجية الاستجابة للدعوة العالمية لمقاطعة روسيا وسحب الاستثمارات السيادية منها. ويجدر بالذكر أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يعد من أكبر المستثمرين الأجانب في صناديق الثروة السيادية في روسيا، حيث تقدر استثماراته بنحو 10 مليارات دولار. كذلك، شركة مبادلة بدأت الاستثمار في روسيا منذ عام 2010، ولديها فريق استثماري واسع في العاصمة موسكو إلى جانب 45 مشروعاً استثمارياً بقيمة 6 مليارات دولار. كما تكشف بيانات (GlobalSWF) أن جهاز قطر للاستثمار يمتلك أصولاً بقيمة 9 مليارات دولار في روسيا مع حصص في مطار سان بطرسبرج وعملاق الطاقة روسنفت[97].
يُستنتج مما سبق أن عجز الميزانيات العامة لأغلب الدول، بسبب جائحة كورونا السابقة، ثم الأزمة الروسية الأوكرانية، أتاح للصناديق السيادية أن تشكل بديلاً استراتيجياً لتمويل المشاريع الحكومية “الخاسرة” وتوفير النفقات العامة. في الواقع، وبحسب تقارير تقييمية لوكالة “ستاندرد آند بورز” قد تصل قيمة عجز الميزانيات العامة إلى 490 مليار دولار في السنوات الأربع الممتدة من 2020 إلى 2023[98]. لكن في الوقت ذاته، من المتوقع أن تشهد الصناديق السيادية السعودية والعمانية تحديات أكبر من غيرها حيث تعرف انخفاضاً لأصولها السيادية في الخارج على المدى المتوسط وتعتمد على السحب المتزايد لتعويض تقلبات أسعار النفط[99].
لذلك نستطيع القول إن تداعيات أزمة كوفيد-19 لا تزال مؤثرة، ومخاطر الانزلاق نحو عجز وانخفاض الاحتياطات السيادية في الخارج واردة (جهاز الاستثمار العماني على وجه الخصوص).
يذكر أن الدولة الكويتية تجد صعوبة في تأمين السيولة المالية الكافية لتأمين نفقاتها وتغطية عجز الميزانية العامة بمعزل عن تدخل صندوقها السيادي، وهو ما يعزز سيناريوهات تسييل أصوله والتقليل من استثماراتها، في ظل تجنب صناع القرار إقرار قانون الدين العام أو فرض الضرائب على الرغم من توفر سيولة عالية في صندوق الأجيال القادمة. في السياق ذاته، أفاد تقرير لوكالة “موديز” أن الكويت استنفدت السيولة المالية السيادية المتوفرة في صندوق الاحتياطي العام الأصغر في بدايات 2021 لتتفادى تداعيات الجائحة الوبائية[100].
وهكذا، أثرت تداعيات الجائحة الوبائية بشدة في الاقتصادات المحلية لمختلف دول الخليج، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط مؤخراً، وتلتجئ إلى التداين شبه السري، واستمرار استنزاف الصناديق السيادية لمواصلة أجنداتها المتعلقة بالتنويع الاقتصادي[101].
سادساً: على مستوى مردودية مشاريع الصناديق السيادية
يراهن الصندوق السيادي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة) على مدينة “نيوم” بوصفها مشروعاً استثمارياً عملاقاً ومُستقطباً للاستثمارات الأجنبية وذا مردودية عالية للاستثمارات الحكومية، وتواجه هذا المشروع صعوبات جدية ومخاوف حقيقية من استنزاف الصندوق السيادي لتمويله بالكامل في ظل إحجام المستثمرين الأجانب[102]. لذا فإن مردودية بعض المشاريع ضعيفة، وهو ما يضطر الحكومة إلى التعويل أكثر على تعبئة رأس المال من أصول وسيولة صناديقها السيادية مجدداً.
كما يلتزم صندوق الاستثمارات العامة السعودي بضخ ما يناهز 40 مليار دولار سنوياً لإنعاش الاقتصاد المحلي والحفاظ على استقرار المشاريع الحكومية الكبرى التي ما زالت تحقق أرباحاً قليلة. يذكر أن الاستثمارات العامة في الخارج تحقق عائدات وأرباحاً كبرى، خاصة في أسواق الأسهم والقطاعات العقارية والخدمات المالية-المصرفية، على عكس مشاريع في الداخل السعودي (ما عدا شركات النفط).
كذلك، يعرف كثير من المشاريع التابعة لصناديق الثروة السيادية الخليجية مصاعب حقيقية، حيث تتكبد شركات سياحية وعقارية تابعة لمجموعة عمران (جهاز الاستثمار العماني) خسائر تشغيلية.
على مستوى آخر، فإن الصناديق السيادية؛ مبادلة والصندوق القطري وصندوق أبو ظبي، قد حققت خلال السنة المالية 2020-2021 أرباحاً ضخمة وارتفاعاً في المعاملات؛ حيث ناهزت القيمة المالية لمعاملات صندوق مبادلة 88 مليار دولار، بنسبة حيازة 18.3 في المئة من المجموع العالمي. كذلك، سجل الصندوق القطري معاملات مالية-استثمارية في مجالات متعددة، أبرزها الشركات الناشئة والغذاء والتكنولوجيات الحديثة والطاقة والتجارة الإلكترونية وغيرها، بمعدل 33 مليار دولار، أما صندوق أبو ظبي فقد استقرت معاملاته على قيمة مالية تناهز 14 مليار دولار[103].
يتضح من التحديات السابقة أن النشاط الاستثماري للصناديق السيادية الخليجية أصبح أحد الميكانيزمات الأساسية لإنعاش الاقتصاديات المحلية وضمان تموقع الدول في الأسواق العالمية؛ فهي المحرك الأبرز لتثبيت الدبلوماسية الاقتصادية لهذه الدول. بالإضافة إلى ذلك، تظهر جلياً المساهمة المهمة لبعض الصناديق السيادية الخليجية (الكويت/ السعودية/ الإمارات/ قطر) على إحداث وتحفيز النمو الاقتصادي العالمي ما بعد أزمة الكوفيد-19.
إن الهدف الذي تسعى إليه أغلب الصناديق الخليجية يتمثل في تجاوز تداعيات الجائحة الوبائية وتوظيف حالة اللايقين التي تميز الأسواق المالية العالمية في سبيل ترسيخ قوتها الناعمة دولياً. هكذا، بدأت هذه الصناديق تبسط هيمنتها داخل عدد من القطاعات، دون احتكارها، وتتنافس مع باقي الصناديق الآسيوية أو الغربية للاستفادة من الانتعاشة الملحوظة للاستثمارات الأجنبية المباشرة. فقد قُدرت هذه الانتعاشة بنسبة 77 في المئة في عام 2021 عن قيمة الاستثمارات الأجنبية ما قبل الجائحة الوبائية، وهو ما يعني قيمة مالية تناهز 1.65 تريليون دولار.
بإيجاز، فقد سرعت- في تناقض مدهش- التداعيات الاقتصادية-المالية للأزمة الوبائية النسق التصاعدي للأرباح والنشاطات الاستثمارية للصناديق السيادية الخليجية، وغيرها، في مختلف المجالات. لذا، من السهل الاستنتاج أنها قد أصبحت قوة استثمارية ذات حضور مؤثر دولياً.
الخاتمة
إن لصناديق الثروة السيادية دوراً حيوياً ومهماً لمختلف دول الخليج العربي؛ فهي تقدم فرصاً أكبر لتنويع اقتصاداتها والاستفادة من عائدات الطاقة والموارد الطبيعية، كما بينا سابقاً، إذ ساهمت الصناديق السيادية الخليجية في استقرار النظام المالي الدولي في أوقات التأزم الاقتصادي، وهو ما سهل حركية رؤوس المال والفوائض الضخمة للنفط والغاز في الأسواق العالمية الكبرى والناشئة.
بالرجوع إلى الصناديق السيادية الخليجية نجد أن أدوارها ترتكز على المقومات التالية:
أولاً: تساهم الفوائض المالية الضخمة واحتياطات العملة الصعبة لدول الخليج في البنوك الأجنبية في تعزيز تنويع اقتصاداتها وترفيع أرباحها وتموقعها في السوق العالمية، بفضل الاستثمارات الحكومية-السيادية.
ثانياً: تقوم الصناديق السيادية بحماية الاقتصاد المحلي من تقلبات السوق العالمية، والتقليل من احتماليات عجز الميزانية العامة، واستقرار الاستثمارات الخارجية.
ثالثاً: ساهمت هذه الصناديق في تعزيز ثقة المستثمرين والحكومات الأجنبية في دول الخليج العربي، حيث عززت تموقعها في السوق العالمية وتمظهرها كقوة استقرار وصمام أمان للنظام المالي العالمي في وقت الأزمات والركود.
رابعاً: ساهمت الصناديق السيادية في استقطاب التكنولوجيات والتقنيات الحديثة لتعزيز الاقتصادات المحلية وتكييفها مع تحديات وتقلبات السوق العالمية والتنافسية الاستثمارية.
خامساً: تتسم أدوارها بالأهمية الاستراتيجية حيث تدعم العلاقات الدبلوماسية والتعاون بين الدول الخليجية وباقي دول العالم إلى درجة تدعيم الاقتصاد العابر للحدود القائم على تبادل المصالح.
بناء عليه، تتميز الاستثمارات الحكومية التي تقودها صناديق الثروة السيادية لمختلف دول الخليج بمجموعة من التوجهات المشتركة؛ فقد أصبحت مختلف اقتصادياتها الأكثر نمواً وديناميكية إقليمياً ودولياً خلال العقدين الأخيرين. ويرى كثير من الملاحظين أن الاستثمارات الخليجية ما بعد النفط تقوم بالأساس على صناديق الثروة السيادية.
في ضوء ما سبق ذكره، نستنج أن التوجهات المشتركة للصناديق الخليجية تتلخص في النقاط التالية:
أولاً: تشتغل كل الصناديق السيادية الخليجية على الاستثمار في مجال التكنولوجيات الحديثة، حيث يُعاد إنشاء البنية التحتية واقتصاد ما بعد النفط على أسس الابتكار والطاقات المتجددة، وغيرها من المجالات ذات الصلة. تندفع الصناديق السيادية الخليجية نحو الاستثمار في الشركات الخاصة التكنولوجية وقطاعات البرمجة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المالية والحيوية، حتى أصبحت هذه الصناديق أكثر قدرة على المجازفة والتنافسية في مجال الشركات الخاصة[104].
يضاف إلى ذلك أن الصناديق السيادية تراهن على ضخ التمويلات في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، فعلى سبيل المثال يستثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي في الأبحاث العلمية والتطوير التكنولوجي تدعيماً لتأسيس مدينة نيوم الصناعية. ويشتغل كذلك على مساعدة المبادرات المتعلقة بالشركات الناشئة من خلال إنشاء الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني (TAQNIA) تشجيعاً لاقتصاد المعرفة. كما نجد أن شركة مبادلة الإماراتية راهنت على الاستثمار بقيمة 250 مليون دولار في الشركات الناشئة للتكنولوجيات الحديثة، وهو ما ساهم في تعزيز تموقع الدولة الإماراتية في سوق الأصول والأسواق الداعمة للتنويع الاقتصادي[105].
كذلك، أسس الصندوق القطري للمدينة التعليمية في إطار المشاريع التابعة لمؤسسة قطر. لذا، يُعد الصندوق السيادي القطري الأكثر مساهمة في الاستثمار العقاري داخل العاصمة الدوحة من خلال شركة الاستثمار “الديار القطرية”.
وهذا يعني أن هذه الصناديق الخليجية تدعم بفعالية وكثافة تحديث البنية التحتية والتطوير الحضري لمدنها.
من الملاحظ أن الصناديق السيادية الخليجية أصبحت تركز بشكل ممنهج على الاستثمار في الأماكن الثقافية والرياضية والتعليمية والتكنولوجية حيث تساهم في تمويلها لارتفاع تكلفتها[106]. ومن ثم ساهمت مختلف الصناديق السيادية الخليجية في تحديث وتحفيز النمو الحضري لمختلف المدن (دبي/ الدوحة..) حيث قامت- إما مباشرة أو من خلال الشركات التابعة لها- بتمويل البنية التحتية الأساسية اللازمة للتوسع الحضري والمدن الجديدة فضلاً عن المجمعات السكنية أو الأحياء أو المناطق والموانئ والمدن الجديدة الكاملة بحد ذاتها[107]. في هذا الإطار، من المهم الإشارة إلى أن تدخل الصندوق السيادي في تأسيس مدينة “دبي” النموذج ما بعد 2001 عزز التدخل الحكومي لدى مختلف دول مجلس التعاون الخليجي لتدعيم اقتصاداتها المحلية والبنى التحتية لمدنها.
ثانياً، تتشابه الصناديق السيادية الخليجية كثيراً من حيث الاستثمار؛ فقد أصبحت المملكة العربية السعودية تتنافس مع دولة الإمارات وقطر على شراء حصص ذات أهمية في عدد من الفرق الكروية الأوروبية والبرازيلية، وجعلت الصناديق السيادية الدول الخليجية الأكثر تنافسية وتأثيراً في المجالات القائمة على المخاطرة. لكن يجدر بالذكر أن صفقات المملكة العربية السعودية في مجال الرياضة الدولية تتسم بمستويات أعلى من الشفافية وتوفير المعلومات للصحافة والرأي العام المحلي والعالمي، على عكس الغموض الذي طغى على الاستثمارات الرياضية الإماراتية أو القطرية.
ثالثاً، تتشارك الصناديق السيادية الخليجية في اهتمامها الاستثماري بالمجال الرياضي والسياحي من خلال مشاريع عقارية وثقافية ذات بعد إقليمي وعالمي. أصبحت تسعى الصناديق السيادية لإدارة مشاريع محلية في مجال البنية التحتية من خلال ملاءمتها بمقومات العولمة والهوية العالمية (قطر/ دبي/ الرياض..). تتميز الصناديق الخليجية بحرصها الشديد على الاستثمار في مشاريع محلية تخدم المصلحة العامة والصورة البراقة للدولة، بالإضافة إلى تعزيزها لقيم الفخر الوطني والتموقع الدولي[108].
فعلى سبيل المثال، ترتكز رؤية 2030 على تعزيز كون صندوق الاستثمارات العامة أكبر صندوق سيادي عالمياً بقيمة مالية تناهز تريليونَي دولار؛ بمعنى تحويل الصندوق السيادي السعودي إلى أكبر مستثمر عمومي-حكومي عالمياً. وتشتغل استراتيجيات رؤية 2030 على تعزيز إيرادات الصندوق السيادي السعودي من خلال إدراج 5 في المئة من شركة أرامكو وتحويلها إلى أسهم.
بناء عليه، فقد أصبحت الصناديق السيادية الخليجية الأداة الفاعلة في إعادة تداول العائدات المالية من خلال العمليات الاستثمارية في الشركات الدولية وشراء الأسهم والمضاربة في البورصة والعقارات وغيرها من المجالات. كذلك، تتميز الصناديق السيادية برمزيتها واختزالها لمعاني المصلحة الوطنية والسياسات المالية لصناع القرار وخلفياتهم السياسية والإيديولوجية.
كما تبين من خلال دراسة الحالات الخليجية، فإن الصناديق السيادية تمثل الأدوات المستحدثة للنظم الحاكمة لبسط هيمنتها دولياً، وإظهار قوة علاقاتها الخارجية، وتأثيرها العميق في استقرار المعاملات المالية للدول الأخرى، لذا تحظى الصناديق السيادية الخليجية باهتمام أكبر من طرف الحكومات والرأي العام المحلي والأجنبي، لكونها أحد تمظهرات قوة الدولة وقدرتها التنافسية على شراء وتداول أصول مالية واستراتيجية في الخارج.
هكذا، كان للصناديق السيادية الخليجية خلال سيرورة نموها التي تتفاوت على مدار العقود الماضية أدوار ذات أهمية ومردودية على الاقتصاديات المحلية. فقد أظهرت دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر نمواً اقتصادياً كبيراً مكنها من توظيف صناديقها السيادية من خلال سياسات استثمارية ضخمة في جميع أنحاء العالم.
ومع هذا التقدم المتسارع والاستفادة من المتغيرات العالمية والتكنولوجيا المتقدمة ومبادئ الإدارة الدولية، فإن الصناديق السيادية لا تزال تعاني إلى الآن من الاحتفاظ بالمعلومات الاستثمارية، حيث تتسم تفاصيل صفقاتها الاستثمارية بالتحفظ والسرية، فضلاً عن التقصير في الالتزام باستراتيجيات الحوكمة الحديثة، ولعل ذلك يعود لطبيعة العمل ذاته، والظروف الخليجية الخاصة، لكن الواقع الدولي والشركات العالمية قد تتطلب إعادة النظر في ترتيب البنية الهيكلية للصناديق وتطوير آليات المراقبة والشفافية داخلها.
المراجع
أولاً: المراجع العربية
- أحمد أبوسيف، صندوق الثروة السعودي يدرس شراء حصة في وحدة الهيدروجين بشركة ألمانية، موقع مكة، (12/1/2022)، في: https://cutt.us/TBmDz
- أحمد حاتم، صناديق الخليج السيادية أمام مأزقي نفاد السيولة وصعوبة التمويل، وكالة الأناضول، (17/2/2021)، في: https://cutt.us/SG6rs
- باسل النجار، مبلغ ضخم.. ابن سلمان يشتري نادي “إنتر ميلان” الإيطالي ويفاوض لشراء مارسيليا وآخر برازيلي، صحيفة الوطن، (29/12/2021)، في: https://cutt.us/1cqu4.
- جهاز الاستثمار العماني، حول الجهاز، موقع الجهاز، في: https://cutt.us/Jqsj6
- رامي سميح، 6 صناديق تتجاوز أصولها 5.2 تريليونات درهم: الصناديق السيادية الإماراتية قوة اقتصادية هائلة ترسخ ملاءتها المالية عالمياً، موقع صحيفة البيان، (28/1/2022)، في: https://cutt.us/D5pJ4
- سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، موقع الشرق (29/7/2020)، في: https://cutt.us/IEDbQ
- صحيفة العرب، جهاز أبو ظبي للاستثمار يعزز كفاءة أعماله بحوكمة الإنفاق. الصندوق يقلص أعداد موظفيه لتوفير تكاليف تقدر بأكثر من 272 مليون دولار، (5/3/2022)، في: https://cutt.us/10Kaa
- عبد الحافظ الصاوي، مسارات صناديق الخليج السيادية 2020: أداة إنقاذ بوزن ثقيل، موقع البيت الخليجي، (8/9/2020)، في: https://cutt.us/7fo6t.
- العربي الجديد، تعرف إلى الأصول الضخمة لصناديق الخليج السيادية وأبرز تحدياتها، (17/2/2021)، في: https://cutt.us/t0NnR
- محمد الكوخي، هل يمكن للصناديق السيادية الخليجية أن تعوض موارد النفط، مركز الجزيرة للدراسات، (30/11/2016)، في: https://cutt.us/Bi3BG
- مؤسسة دبي لتنمية الاستثمار، موقع المؤسسة، حكومة دبي، الإمارات العربية المتحدة، في: https://cutt.us/X5aGY
- موقع بلومبيرغ الشرق، السعودية تبدأ بناء مصنع للهيدروجين الأخضر في “نيوم” الشهر الجاري، (21/1/2022)، في: https://cutt.us/Y6LhI
- موقع بلومبيرغ، جهاز أبو ظبي للاستثمار سيضخ مليار دولار للاستحواذ على شركة أمريكية للمستلزمات الطبية، (21/4/2022)، في: https://cutt.us/e0075
- موقع بلومبيرغ، جهاز أبو ظبي للاستثمار يشتري حصة بشركة أمريكية مقابل 1.8 مليار دولار، (22/12/2021)، في: https://cutt.us/vf75G
- موقع بلومبيرغ، جهاز أبو ظبي للاستثمار يشتري 10% من HDFCالهندية، (20/4/2022)، في: https://cutt.us/PlBFS
- نايف الشمري، صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربي: بين الاستدامة والتحديات المستمرة، مجلة دراسات، العدد 2، 2021.
- نبيل بوفليح ومحمد طرشي، صناديق الثروة السيادية: الواقع والآفاق، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، ط1، 2019.
- وزارة العدل والشؤون القانونية العمانية، المرسوم السلطاني عدد 61 المتعلق بإنشاء جهاز الاستثمار العماني، 2020، في: https://cutt.us/PCKBh
- وكالة واف الإخبارية، قطاع الطاقة يستحوذ على نصيب الأسد من استثمارات جهاز الاستثمار العماني لعام 2022، (14/12/2021)، في: https://cutt.us/4mexX
ثانياً: المراجع الأجنبية
- Arnes Biogradlija, Saudi Arabia contemplates buying a share in ThyssenKrupp, enery news, (21/04/2022), in: https://cutt.us/Lz6Pr
- Arthur Deakin, Will Guyana become the next United Arab Emirates? Only time will tell. American Market Intelligence, (10/01/2022), in: https://cutt.us/nnmN8
- Christoph Stuckelberger & al, Sovereign Wealth Funds: An Ethical Perspective, Globethics net. Global N 15. 2015, in: https://www.globethics.net/documents
- Deena Kamel, Oman to divide sovereign wealth fund into local and foreign portfolios, the National News Journal, (22/01/2022), https://cutt.us/lIPL9
- Dinesh Nair & Adveith Nair, Qatar’s 450 dollars billion wealth fund shifts from trophies to tech, Bloomberg Middle East Edition, (25/03/2022), in: https://cutt.us/tS89v
- Emma Graham, Any potential recession will be ‘light’ Qatar Investment Authority CEO says, CNBS, )23/05/2022), in:https://cutt.us/oxkXy
- Fareed Rahman, Dubai Investments bullish on UAE property market as it continues to expand globally, )2/02/2022), in: https://cutt.us/H6php
- Fiona Sherwood, Key Trends for Sovereign Wealth Funds in 2022. Diligend, (29/1/2022), in: https://cutt.us/dK3FV
- François Aissa Touzi, Gulf Sovereign Wealth Funds, Observatoire du monde Arabo-Musulman et du Sahel. Fondation pour le recherche Stratégique, (28/01/2019), in: https://cutt.us/RD5rx
- Frank Kane, CEOs, investors and policymakers debate how to « invest in humanity » at FII conference in Riyadh, Arab News, (26/10/2021), in: https://cutt.us/EhQSj
- Gawdat Bahgat, Kuwait Programme on Development, Governance and Globalization in the Gulf States. Sovereign Wealth Funds in the Gulf: An assessment, N 16, July 2011.
- Giacomo Galardini, Saudi Arabia Public Investment Fund joins the race for a stake in FC Inter, Forbes, (8/3/2021), in: https://cutt.us/YMtKn
- Hanan Naser, the role of the Gulf Cooperation Council’s Sovereign Wealth Funds in the New Era of Oil, International Journal of Economics and Financial Issues, Vol 6, Issue 4, September 2016.
- Hélène Raymond, Sovereign Wealth Funds as Domestic Investor of Last Resort during Crises. économie International, N 123. 2010, in: https://cutt.us/LvjyN
- Jack Ewing & Carlotte Gall, Qatar Comes to Avoid of Turkey, Offering 15 Billion dollars lifeline, The New York Times. (15/80/2018), in: https://cutt.us/0rQFa
- Javier Capapé Aguilar (ed), Sovereign Wealth Funds 2021: Changes and Challenges accelerated by the Covid-19 Pandemic. IE University Center for governance for change, in: https://cutt.us/WGazU
- Karen E Young, What’s yours is mine: Gulf SWFs as a barometer of state-society relations. Middle East Political Sciences, (03/01/2019), in: https://cutt.us/bfAMh
- Karen E Young, What’s yours is mine: Gulf SWFs as a barometer of state-society relations. Middle East Political Sciences, (03/01/2019), in: https://cutt.us/LhgQe
- Karin Strohecker, SWF and public pension fund assets hit record 31.9 dollars trillion. (01/01/2022), in: https://cutt.us/qIt66.
- Matthew Amlot, Here are the top sovereign wealth funds in the Arab World, Al Arabiya English, (20/05/2020), in: https://cutt.us/2Ifxc
- Natalie Koch, Global Sport and the Gulf’s Sovereign Wealth Funds, Aspenia Online, (22/3/2022), in: https://cutt.us/Rf65q
- Natalie Koch, the Gulf’s Sovereign Wealth Fund Cities, Aspenia Online, (18/03/2021), in: https://cutt.us/OfL9H
- Pionline, Bloomberg Middle East Edition, Saudi Wealth fund to invest 10 dollars billion in stocks in 2022, (2/1/2022), in: https://cutt.us/KFsm7
- Sarah Algethami, From Lucid to Tesla, Saudi Wealth Fund goes on Spending Spree, the Economic Times, (20/9/2018), in: https://cutt.us/WgsQ9
- Sovereign Wealth Fund Institute, SWFI Subscription is a professional subscription-based investor research platform. in: http://www.swfinstitute.org
- The Center for Governance Change, Javier Capapé, the Sovereign Wealth Funds2018, 2018, in: https://cutt.us/9zA70
- William Roebuck, the Great Fraying M U.S Signals Efforts to repair relations with key Gulf Partners, The Arab Gulf Institute, (25/05/2022), in: https://cutt.us/YLZiz
- Zawya, Saudi PIF ranks 5th among world’s top SWFs with $620bln assets, (13/1/2022), in: https://cutt.us/8hjY
[1] François Aissa Touzi, Gulf Sovereign Wealth Funds, Observatoire du monde Arabo-Musulman et du Sahel. Fondation pour le recherche Stratégique, (28/01/2019), ın:https://cutt.us/RD5rx
[2] نايف الشمري، صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربي: بين الاستدامة والتحديات المستمرة، مجلة دراسات، العدد 2، 2021، ص10.
[3] نبيل بوفليح ومحمد طرشي، صناديق الثروة السيادية: الواقع والآفاق، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، ط1، 2019، ص 23.
[4] Karin Strohecker, SWF and public pension fund assets hit record 31.9 dollars trillion. Reuters. (01/01/2022), in: https://cutt.us/qIt66.
[5] نبيل بوفليح ومحمد طرشي، صناديق الثروة، مرجع سابق.
[6] Sovereign Wealth Fund Institute, SWFI Subscription is a professional subscription-based investor research platform. In: http://www.swfinstitute.org
[7] Karin Strohecker, Ibid.
[8] نايف الشمري، صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[9] عبد الحافظ الصاوي، مسارات صناديق الخليج السيادية 2020: أداة إنقاذ بوزن ثقيل، موقع البيت الخليجي، (8/9/2020)، https://cutt.us/7fo6t.
[10] Hélène Raymond, Sovereign Wealth Funds as Domestic Investor of Last Resort during Crises. économie International, N 123.2010, p 121-159, in: https://cutt.us/LvjyN
[11] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، موقع الشرق، (29/7/2020)، في: https://cutt.us/IEDbQ
[12] عبد الحافظ الصاوي، مسارات صناديق الخليج السيادية، مرجع سابق.
[13] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[14] Gawdat Bahgat, Kuwait Programme on Development, Governance and Globalization in the Gulf States. Sovereign Wealth Funds in the Gulf: An assessment, N 16, July 2011.
[15] Fiona Sherwood, Key Trends for Sovereign Wealth Funds in 2022. Diligend, (29/1/2022), in: https://cutt.us/dK3FV
[16] Gawdat Bahgat, Ibid.
[17] Sarah Algethami, From Lucid to Tesla, Saudi Wealth Fund goes on Spending Spree, the Economic Times, (20/9/2018), in: https://cutt.us/WgsQ9
[18] Ibid.
[19] Zawya, Saudi PIF ranks 5th among world’s top SWFs with $620bln assets, (13/1/ 2022), in: https://cutt.us/8hjY
[20]Pionline, Bloomberg Middle East Edition, Saudi Wealth fund to invest 10 dollars billion in stocks in 2022, (2/1/2022), in: https://cutt.us/KFsm7
[21] Frank Kane, CEOs, investors and policymakers debate how to « invest in humanity » at FII conference in Riyadh, Arab News, (26/10/2021), in: https://cutt.us/EhQSj
[22] باسل النجار، مبلغ ضخم.. ابن سلمان يشتري نادي “إنتر ميلان” الإيطالي ويفاوض لشراء مارسيليا وآخر برازيلي، صحيفة الوطن، (29/12/2021)، في: https://cutt.us/1cqu4
[23] Giacomo Galardini, Saudi Arabia Public Investment Fund joins the race for a stake in FC Inter, Forbes, (8/3/2021), in: https://cutt.us/YMtKn
[24] Natalie Koch, Global Sport and the Gulf’s Sovereign Wealth Funds, Aspenia Online, (22/3/2022), in: https://cutt.us/Rf65q
[25] Ibid.
[26] Arnes Biogradlija, Saudi Arabia contemplates buying a share in ThyssenKrupp, enery news, (21/04/2022), in: https://cutt.us/Lz6Pr
[27] أحمد أبوسيف، صندوق الثروة السعودي يدرس شراء حصة في وحدة الهيدروجين بشركة ألمانية، موقع مكة، (12/1/2022)، في: https://cutt.us/TBmDz
[28] موقع بلومبيرغ الشرق، السعودية تبدأ بناء مصنع للهيدروجين الأخضر في “نيوم” الشهر الجاري، (21/1/2022)، في: https://cutt.us/Y6LhI
[29] رامي سميح، 6 صناديق تتجاوز أصولها 5.2 تريليونات درهم: الصناديق السيادية الإماراتية قوة اقتصادية هائلة ترسخ ملاءتها المالية عالمياً، موقع صحيفة البيان، (28 /1/2022)، في: https://cutt.us/D5pJ4
[30] المرجع نفسه.
[31] Arthur Deakin, Will Guyana become the next United Arab Emirates? Only time will tell. American Market Intelligence, (10/01/2022), in: https://cutt.us/nnmN8
[32] رامي سميح، 6 صناديق، مرجع سابق.
[33] Arthur Deakin, Ibid.
[34] William Roebuck, the Great Fraying M U.S Signals Efforts to repair relations with key Gulf Partners, The Arab Gulf Institute, (25/05/2022), in: https://cutt.us/YLZiz
[35] مؤسسة دبي لتنمية الاستثمار، موقع المؤسسة، حكومة دبي، الإمارات العربية المتحدة، في: https://cutt.us/X5aGY
[36] رامي سميح، 6 صناديق، مرجع سابق.
[37] Matthew Amlot, Here are the top sovereign wealth funds in the Arab World, Al Arabiya English, (20/05/2020), in : https://cutt.us/2Ifxc
[38] Fareed Rahman, Dubai Investments bullish on UAE property market as it continues to expand globally, )2/02/2022), in: https://cutt.us/H6php
[39] Ibid.
[40] صحيفة العرب، جهاز أبو ظبي للاستثمار يعزز كفاءة أعماله بحوكمة الإنفاق. الصندوق يقلص أعداد موظفيه لتوفير تكاليف تقدر بأكثر من 272 مليون دولار، (5/3/2022)، في: https://cutt.us/10Kaa
[41] المرجع نفسه.
[42] المرجع نفسه.
[43] موقع بلومبيرغ، جهاز أبو ظبي للاستثمار يشتري حصة بشركة أمريكية مقابل 1.8 مليار دولار،(22/12/2021)، في: https://cutt.us/vf75G
[44] موقع بلومبيرغ، جهاز أبو ظبي للاستثمار سيضخ مليار دولار للاستحواذ على شركة أمريكية للمستلزمات الطبية، (21/4/2022)، في: https://cutt.us/e0075
[45] موقع بلومبيرغ، جهاز أبو ظبي للاستثمار يشتري 10% من HDFC الهندية، (20/4/2022)، في: https://cutt.us/PlBFS
[46] المرجع نفسه.
[47] Karen E Young, What’s yours is mine: Gulf SWFs as a barometer of state-society relations. Middle East Political Sciences, (03/01/2019), in: https://cutt.us/bfAMh
[48] Ibid.
[49] Jack Ewing & Carlotte Gall, Qatar Comes to Avoid of Turkey, Offering 15 Billion dollars lifeline, The New York Times. (15/80/2018), in: https://cutt.us/0rQFa
[50] Dinesh Nair & Adveith Nair, Qatar’s 450 dollars billion wealth fund shifts from trophies to tech, Bloomberg Middle East Edition, (25/03/2022), in: https://cutt.us/tS89v
[51] Ibid.
[52] Emma Graham, Any potential recession will be ‘light’ Qatar Investment Authority CEO says, CNBS, )23/05/2022), in: https://cutt.us/oxkXy
[53] Natalie Koch, Ibid.
[54] Karen E Young, Ibid.
[55] وزارة العدل والشؤون القانونية العمانية، المرسوم السلطاني عدد 61 المتعلق بإنشاء جهاز الاستثمار العماني، 2020، https://cutt.us/PCKBh
[56] جهاز الاستثمار العماني، حول الجهاز، موقع الجهاز، في: https://cutt.us/Jqsj6
[57] Deena Kamel, Oman to divide sovereign wealth fund into local and foreign portfolios, the National News Journal, (22/01/2022), in: https://cutt.us/lIPL9
[58] Ibid.
[59] Ibid.
[60] وكالة واف الإخبارية، قطاع الطاقة يستحوذ على نصيب الأسد من استثمارات جهاز الاستثمار العماني لعام 2022، )14/12/ 2021)، في: https://cutt.us/4mexX
[61] المرجع نفسه.
[62] المرجع نفسه.
[63] المرجع نفسه.
[64] The Center for Governance Change, Javier Capapé, the Sovereign Wealth Funds2018, 2018, p13, in: https://cutt.us/9zA70
[65] Gawdat Bahgat, Ibid.
[66] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[67] المرجع نفسه.
[68] نايف الشمري، صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[69] المرجع نفسه.
[70] المرجع نفسه.
[71] نايف الشمري، صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[72] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[73] Hélène Raymond, Ibid.
[74] Ibid.
[75] نايف الشمري، صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[76] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[77] Ibid.
[78] Karin Strohecker, Ibid.
[79] Hanan Naser, the role of the Gulf Cooperation Council’s Sovereign Wealth Funds in the New Era of Oil, International Journal of Economics and Financial Issues, Vol 6, Issue 4, September 2016, P 1657-1664.
[80] Fiona Sherwood, Ibid.
[81] Gawdat Bahgat, Ibid.
[82] Ibid.
[83] Gawdat Bahgat, Ibid.
[84] محمد الكوخي، هل يمكن للصناديق السيادية الخليجية أن تعوض موارد النفط، مركز الجزيرة للدراسات، (30/11/2016)، في: https://cutt.us/Bi3BG
[85] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[86] محمد الكوخي، هل يمكن للصناديق السيادية الخليجية أن تعوض موارد النفط، مرجع سابق.
[87] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[88] نايف الشمري، صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[89] Karen E Young, What’s yours is mine: Gulf SWFs as a barometer of state-society relations. Middle East Political Sciences, (03/01/2019), in: https://cutt.us/LhgQe
[90] Ibid.
[91] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[92] Christoph Stuckelberger & al, Sovereign Wealth Funds: An Ethical Perspective, Globethics net. Global N 15. 2015, in: https://www.globethics.net/documents
[93] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[94] العربي الجديد، تعرف إلى الأصول الضخمة لصناديق الخليج السيادية وأبرز تحدياتها، (17/2/2021)، في: https://cutt.us/t0NnR
[95] أحمد حاتم، صناديق الخليج السيادية أمام مأزقي نفاد السيولة وصعوبة التمويل، وكالة الأناضول،(17/2/2021)، في: https://cutt.us/SG6rs
[96] Emma Graham, Any potential recession will be « light », Qatar Investment Authority CEO says. CNBC, (23/05/2022), in: https://cutt.us/A4KyA
[97] Bloomberg Middle East Edition, Ibid.
[98] المرجع نفسه.
[99] Deena Kamel, Ibid.
[100] العربي الجديد، تعرف إلى الأصول الضخمة لصناديق الخليج السيادية، مرجع سابق.
[101] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[102] المرجع نفسه.
[103] Javier Capapé Aguilar (ed), Sovereign Wealth Funds 2021: Changes and Challenges accelerated by the Covid-19 Pandemic. IE University Center for governance for change. https://cutt.us/WGazU
[104] Natalie Koch, Ibid.
[105] سيبستيان كستيلي، الخليج: تغيير مسار صناديق الثروة السيادية، مرجع سابق.
[106] Natalie Koch, the Gulf’s Sovereign Wealth Fund Cities, Aspenia Online, (18/03/2021), in: https://cutt.us/OfL9H
[107] Ibid.
[108] Natalie Koch, Ibid
.
رابط المصدر: