يعد النشاط السياحي أحد أهم أعمدة الاقتصاد المصري، ويُعتبر قاطرة بناء الاقتصاد وانتعاشه بصفة عامة ؛ فهو من القطاعات الحيوية التي تلعب دورًا هامًا في تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وتنويع مصادر الدخل وتساهم بشكل كبير في الإيرادات بالعملات الصعبة. وتلك الصفات تُكسبه وضعًا متميزًا على المستوى العالمي، وتشتهر مصر بتاريخها العريق ومعالمها الثقافية والتاريخية الجذابة، مما يجذب الملايين من السياح سنويًا حيث تُعد وجهة سياحية شهيرة.
إجراءات تشريعية
ومن أجل اتباع الدولة خطة ترويجية لاستعادة مكانة مصر السياحية واجتذاب أكبر قدر من السائحين وصولًا إلى 30 مليون سائح تم اتخاذ عدة إجراءات تشريعية: المادة 49 من الدستور المصري مفادها أن تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها. برنامج الإصلاح الهيكلي لتطوير قطاع السياحة في نوفمبر 2018، وذلك لتحقيق الهدف الأشمل لقطاع السياحة. قرار وزير السياحة والآثار يناير 2022، بإلزام المنشآت الفندقية والسياحية في شرم الشيخ كمرحلة أولى بالحصول على شهادة من إحدى المنظمات الدولية أو المحلية المعتمدة تفيد قيامها بتطبيق اشتراطات الممارسات الخضراء. إصدار قرار وزاري يوليو 2022، باستحداث وحدة لمتابعة المواقع الأثرية المصرية المدرجة على قائمة التراث العالمي. قرار وزير السياحة والآثار فبراير 2022، بإلزام المنشآت الفندقية برفع الحد الأدنى لسرعة الإنترنت بها (تم الانتهاء من توصيل الألياف الضوئية لعدد 135 فندق في القاهرة الكبرى وشرم الشيخ. التنسيق مع الجهات الأمنية المعنية مارس 2022، بشأن منح تيسيرات لدخول مصر حيث وتم السماح لأكثر من 180 جنسية بالحصول على تأشيرة دخول اضطرارية.
تنمية بيئة سياحية وجهود ترويجية داعمة
تم تنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبرى بالقطاع السياحي أهمها: – المتحف المصري الكبير؛ يُعد أحد أهم المشروعات القومية بقطاع السياحة والآثار، وتقدر تكلفته الإجمالية بنحو 1.8 مليار دولار أمريكي. ويأتي كنقطة جذب سياحية قوية ويضم المتحف 100 ألف قطعة أثرية من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية وبه أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط. متحف العاصمة الإدارية الجديدة “متحف العواصم”، مارس 2021، متحف شرم الشيخ القومي في أكتوبر 2020 ويُعتبر أول متحف للآثار المصرية بمحافظة جنوب سيناء. ويضم نحو 5.2 آلاف قطعة أثرية، بالإضافة إلى التراث الثقافي لأهل سيناء وقبائلها. متحف آثار مطروح مارس 2018 لإلقاء الضوء على مدينة مرسى مطروح وتاريخها الحافل على مر العصور وتم الانتهاء من إنشاء المتحف بتكلفة إجمالية بلغت حوالي 72 مليون جنيه وغيرها كثير من المتاحف بالإضافة إلى مشروع تطوير المتحف المصري بالتحرير وجاء المتحف في المركز العاشر ضمن أفضل 60 متحفًا عام 2022. علاوة على ذلك الاكتشافات الاثرية العديدة منها الكشف عن مقبرة ملكية بمنطقة الوديان الغربية بالبر الغربي بالأقصر في يناير 2023 تم الكشف عنها أثناء أعمال الحفائر التي تجريها البعثة. كما تم اكتشاف 5 مقابر فرعونية أثرية منقوشة عمرها 4000 عام من عصري الدولة القديمة بالإضافة إلى ترميم متاحف ومعابد وكنائس من بينها؛ متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية ومعبد الرامسيوم وترميم الجامع الأزهر حيث تمتلك مصر 2160 موقعًا أثريًا منهم 136 موقعًا مفتوحًا للزيارة و6 مواقع منهم مسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو. ومن ضمن الجهود الترويجية إحياء مسار العائلة المقدسة ونقل 22 مومياء لأعظم ملكات وملوك مصر، استضافة العديد من البطولات الرياضية والمهرجانات والفعاليات المحلية والدولية والندوات والمبادرات والمعارض الدولية بالإضافة إلى الترويج الإلكتروني وكان نتيجة لذلك، احتلال مصر المركز التاسع من بين أكثر من 17 مقصدًا سياحيًا شهرًة وإقبالًا من المسافرين حول العالم ونتيجة لتلك الجهود؛ زاد عدد السائحين إلى 11.7 مليون سائح عام 2022 مقارنة بــــــــــــ 8 مليون سائح عام 2021 كما حققت الإيرادات السياحية زيادة كبيرة حيث بلغت 13.6 مليار دولار عام 2022/2023 مقابل 4.9 مليار دولار عام 2020/2021، بنسبة ارتفاع قدرها 177.6%.
المردود الاقتصادي لقطاع السياحة
لا شك أن للسياحة أهمية خاصة نظرًا لتأثيرها على هيكل وأداء الاقتصادات الوطنية، ويمكن اعتبارها نشاطًا ديناميكيًا له آثار متبادلة وفعالة، بما في ذلك جميع الأنشطة الاقتصادية في الداخل والخارج. تؤثر السياحة على الإنتاج والاستهلاك والسفر والفنادق والبنوك وعمليات التجارة الداخلية والخارجية وغيرها من الأنشطة، بالإضافة إلى أنها تؤثر أيضًا على توزيع المشاريع السياحية بين المناطق السياحية المختلفة والسعي إلى تطويرها وتحسين مستويات المعيشة فيها. بات قطاع السياحة أحد أذرع الاقتصاد المصري، وأهم مكوناته الرئيسية، نظراً لمساهمته في عدة أوجه اقتصادية أهمها: مساهمته في توفير النقد الأجنبي والعملة الصعبة: كان لقطاع السياحة نصيب كبير في ارتفاع احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية في السنوات الأخيرة، فقطاع السياحة في مصر رغم تضرره كغيره من القطاعات الأخرى حول العالم بتداعيات “جائحة كورونا” وما خلفها من آثار، إلا أنه يعد من بين أهم مدخلات النقد الأجنبي للاقتصاد القومي. كما احتل قطاع السياحة الترتيب الثالث بعد متحصلات تحويلات العاملين في الخارج من بين المصادر الخمسة الأساسية للنقد الأجنبى فى مصر خلال العام المالي 2021/2022.
مساهمته في الناتج المحلى الإجمالي ومعدل النمو الحقيقي للقطاع: يحتل قطاع السياحة ترتيباً متقدماً بين الأنشطة الاقتصادية، من حيث المساهمة في الناتج المحلى الإجمالي للدولة حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لقطاع السياحة بالأسعار الجارية خلال عام 2021/2022 إلى نحو 176.4 مليار جنيه بنسبة مساهمة في الناتج 2.4% بنسبة زيادة 54% للقطاع. عن العام الذي سبقه والذي كانت قيمته 114.0 مليار جنيه بنسبة مساهمة في الناتج 1.8%، كما أن هناك ارتفاع كبير في معدل النمو الحقيقي للقطاع حيث بلغ 45.7% مقارنة بــــ -26.5% وفقاً لبيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
مساهمته في التدفقات الاستثمارية: حيث بلغ صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع السياحة خلال العام المالي 2021/2022 نحو 346.9 مليون دولار، مقارنة بـ 141.7 مليون دولار في العام المالي السابق وذلك وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.
مساهمته في متحصلات ميزان المدفوعات: يساهم قطاع السياحة بشكل مباشر في تحسين وضعية ميزان المدفوعات وزيادة القيمـة المضـافـة من خلال ما يضخه القطاع من عائدات سواء على شكل استثمارات أو ضرائب أو رسوم. خلال الربع الأول من السنة المالية 2022/2023 حدث ارتفاع في الإيرادات السياحية بمعدل 36.7% لتسجل نحو 4.1 مليار دولار مقابل نحو 3.0 مليار دولار للربع الأول من العام السابق، وهو ما ساهم في تراجع العجز في حساب المعاملات الجارية.
تداخله مع جميع القطاعات الاقتصادية: تطوير وتنشيط القطاع السياحي يسعى إلى خلق العديد من أنواع العلاقات المختلفة بين العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، وبالتالي تحقيق عدد من الفوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة كما بلغت مساهمة قطاع السياحة في الصادرات بقيمة 10.7 مليار دولار للعام المالي 2021/2022.
توفيره لفرص العمل: إذ يتسم قطاع السياحة بأنه قطاع كثيف العمالة، حيث يعمل ما يقرب من 44 ألف شخص بالقطاع بشكل مباشر، بالإضافة لتوفيره ملايين فرض العمل غير المباشرة مما يخفف من مشكلة البطالة في كثير من الأحيان، ويعمل على تحسين مستوى الرفاهية الاقتصادية، كما يساهم بشكل فعال في تنشيط قطاعات التعليم والتدريب في مجال المهن السياحية المختلفة.
تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على تغيير خريطة مصر السياحية
هناك تأثير على السياحة الوافدة لمصر بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث إن غياب السائحين الروس والأوكرانيين عن المناطق السياحية في مصر، كانتا من أكبر الأسواق التي دعمت القطاع السياحي. وهذا قد يعوضه عودة السائحين الأوروبيين لمصر حيث تري وكالة فيتش أن أوروبا مصدرًا مهمًا للسياحة المصرية على المدى القصير إلى المتوسط، لاسيما في ظل الاستهداف المصري لتنوع الأسواق الأوروبية المصدرة للسياحة، فبجانب تصدر أسواق أوروبا الغربية في المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا، يتم استهداف الأسواق النامية في وسط وشرق أوروبا سواء من روسيا وأوكرانيا وبولندا والتشيك، فيما تأتي السياحة الوافدة من منطقة الشرق الأوسط في المركز الثاني بين الأسواق الأكثر وفودًا لمصر بعد أوروبا، حيث تتوقع أن يصل أعدادهم إلى 3.3 مليون سائح من الشرق الأوسط خلال عام 2023، مقابل 3.2 مليون وافد من المنطقة في فترة ما قبل كوفيد- 19 خلال عام 2019. في الختام، يمكن القول إن السياحة تمثل قطاعًا حيويًا وحافزًا مهمًا للاقتصاد المصري وعاملاً رئيسيًا في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، حيث تحسنت درجة العوائد للسياحة في مصر بشكل مطرد لتسجل 48.6 نقطة من 100 نقطة وهي أقل بشكل طفيف من المتوسط الإقليمي البالغ 48.9 نقطة. بالإضافة إلى حصول مصر على تحسن في أداء مؤشر تنافسية السياحة والسفر عام 2019، حيث تقدمت تسعة مراكز لتحتل المرتبة 65 على مستوى العالم، واستفادت مصر من تحسن 11 ركيزة من مكونات المؤشر كما تعتبر مصر وجهة سياحية رائعة بفضل تاريخها العريق وثقافتها الغنية ومناظرها الطبيعية الخلابة وأصبحت مصر ضمن أفضل 25 وجهة سياحية في العالم للسفر لعام 2023 وتُسهم السياحة بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، وتعزز الاستثمارات وتعزز التبادل التجاري والثقافة والتفاهم العالمي.
.
رابط المصدر: