قبيل إعلان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أعلن البنك المركزي المصري -في بيان- أن سعر صرف الجنيه المصري “سيعكس قوى العرض والطلب في إطار سعر صرف مرن”، مستجيبًا بذلك لشرط أساسي وضعه الصندوق لمنح القرض. وفي منتصف اليوم، هبط الجنيه المصري بنسبة 17% أمام الدولار ليصل سعره إلى 23 جنيهًا، وبدأت العملة المصرية في الانخفاض تدريجيًا منذ أن قرر البنك المركزي خفض قيمتها بنسبة 17% في 21 مارس الماضي، وبذلك تكون العملة المصرية قد انخفضت بنسبة 47% خلال الشهور الثمانية الأخيرة. وإضافةً إلى الديون الخارجية، تعاني مصر من عجز في الميزان التجاري بلغ أكثر من 16 مليار دولار في العام المالي الأخير.
وبالتوازي مع انخفاض قيمة الجنيه، في بلد يعتمد بنسبة كبيرة على الاستيراد لتوفير الغذاء ومدخلات الإنتاج؛ ارتفع التضخم خلال الشهور الأخيرة، وبلغ معدله السنوي في سبتمبر 15.3٪، ودفع نقص العملات الأجنبية السلطات المصرية إلى وضع قيود على الاستيراد منذ مارس الماضي، وسبق أن قامت مصر بتحرير سعر صرف عملتها في عام 2016، مما أدى إلى انخفاض قيمتها بنسبة 50%، كما أعلنت الحكومة المصرية حزمة من الإجراءات لدعم الطبقات الأكثر هشاشة.
قامت الحكومة المصرية بالاستجابة لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بشأن توفير التمويل الكافي والمناسب للتوسع في برامج الحماية الاجتماعية لضمان توفير أكبر قدر من المساندة والحماية للفئات المستهدفة، حيث أقرت حزمة جديدة للحماية الاجتماعية ستكلف الدولة المصرية نحو 67 مليار جنيه متمثلة في إقرار علاوة إضافية بقيمة 300 جنيه شهريًا لكافة العاملين بجهات وأجهزة الدولة ولأصحاب المعاشات الذين يبلغون أكثر من 10 ملايين صاحب معاش، وزيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة بنحو 11% ليصل الى 3000 جنيه شهريًا، وزيادة حد الإعفاء من ضريبة الدخل لضمان زيادة الدخل الشهري وبمعدلات تزيد لأصحاب الدخول الأقل.
وقامت الحكومة بالإعلان عن مدّ فترة الاستفادة من الزيادة الشهرية الإضافية المقررة لأصحاب البطاقات التموينية حتى نهاية العام المالي الحالي لإتاحة مساندة نقدية إضافية لهم تسمح بضمان القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم، وكذلك تثبيت أسعار الكهرباء للمواطنين دون أي تعديل حتى نهاية العام المالي الجاري، بالإضافة إلى الإعلان عن تقديم المساندة لعدد من الشركات وأصحاب الأعمال مقابل الحفاظ على العمالة لضمان استقرار الأوضاع المعيشية لأكبر عدد من المواطنين.
وعلى جانب السياسة النقدية، يستهدف البنك المركزي المصري استمرار جهود السيطرة على معدلات التضخم وضمان استقرار الأسعار بالسوق المصرية وبشكل سريع. كما سيعمل البنك المركزي على تعزيز كفاءة أدوات السياسة النقدية المتبعة، واستمرار الحفاظ على صلابة القطاع المصرفي، وكذلك استمرار جهود رفع كفاءة عمل سوق سعر الصرف بما يُساهم في تعزيز الاستدامة والصلابة للاقتصاد المصري، وعلى زيادة رصيد الاحتياطيات الأجنبية على نحو تدريجي ومستدام.
وتوصلت مصر وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن السياسات الاقتصادية مدعومًا بترتيب مدته 46 شهرًا في إطار تسهيل الصندوق الممدد. ويهدف قرض الصندوق الممدد الجديد، الذي يطلب الحصول على 2.35 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (ما يعادل حوالي 3 مليارات دولار أمريكي)، إلى تزويد مصر بدعم لميزان المدفوعات ودعم الميزانية مع تحفيز تمويل إضافي من شركاء مصر الدوليين والإقليميين للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ومعالجة الاقتصاد الكلي من الاختلالات والتداعيات من الحرب في أوكرانيا، وحماية سبل العيش، ودفع الإصلاحات الهيكلية والحوكمة العميقة إلى الأمام لتعزيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص وخلق فرص العمل. الاتفاق خاضع لموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والذي من المتوقع أن يناقش طلب السلطات في ديسمبر.
البيئة العالمية سريعة التغير والتداعيات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا تشكل تحديات كبيرة للبلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مصر. ورحب فريق صندوق النقد الدولي بالإجراءات التي اتخذتها مصر مؤخرًا لتوسيع الحماية الاجتماعية المستهدفة، وتنفيذ نظام سعر صرف مرن دائم، والتخلص التدريجي من الاستخدام الإلزامي لخطابات الاعتماد لتمويل الواردات، فضلًا عن التزامها الثابت بمعالجة التعديلات اللازمة على مستوى الاقتصاد الكلي وتنفيذها، وهو ما يعد برنامجًا طموحًا للإصلاح الهيكلي وسط خلفية عالمية صعبة.
وسترتكز السياسة المالية للحكومة في إطار البرنامج على خفض الدين الحكومي العام واحتياجات التمويل الإجمالية، وسيتم دعم الضبط المالي المستمر من خلال تنفيذ استراتيجية الإيرادات الحكومية متوسطة الأجل التي تهدف إلى تحسين كفاءة وتدرجية النظام الضريبي. وسيستمر تعزيز الحماية الاجتماعية بما في ذلك من خلال التمديد المؤقت للدعم الطارئ لحاملي البطاقات التموينية، واتخاذ تدابير لحماية القوة الشرائية لأصحاب الرواتب الضعيفة والمتقاعدين. وستهدف الإصلاحات الهيكلية المالية العامة أيضًا إلى زيادة تحسين تكوين الميزانية، وتعزيز الحوكمة والمساءلة والشفافية، ودعم أهداف التخفيف من آثار تغير المناخ.
إن تحرك البنك المركزي المصري إلى نظام تعويم سعر الصرف خطوة مهمة ومرحب بها لحل الاختلالات الخارجية، وتعزيز القدرة التنافسية لمصر، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وسيكون الالتزام بمرونة أسعار الصرف الدائمة في المستقبل سياسة حجر الزاوية لإعادة بناء وحماية مرونة مصر الخارجية على المدى الطويل. وسيدعم جهود البنك المركزي لتحسين أداء سوق الصرف الأجنبي، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، وتحسين نقل السياسة النقدية. تهدف السياسة النقدية، التي ستكون متجذرة بقوة في تفويض البنك المركزي المصري الخاص باستقرار الأسعار، إلى خفض التضخم تدريجيًا إلى مستوى التضخم المستهدف للبنك المركزي.
ويهدف الصندوق أيضًا إلى إطلاق إمكانات نمو هائلة في مصر من خلال توسيع وتعميق الإصلاحات الهيكلية والإصلاحات الحكومية. وسيتضمن البرنامج سياسات لإطلاق العنان لمشروع سياسة ملكية الدولة الذي يهدف إلى نمو القطاع الخاص، عن طريق الحد من تأثير الدولة، واعتماد إطار تنافسي أكثر قوة، وتعزيز الشفافية، وضمان تحسين تيسير التجارة. كما تخطط السلطات لتوسيع التحويلات الاجتماعية المستهدفة وتعزيز الإنفاق على المساعدة الاجتماعية والصحة والتعليم. ستكون تدابير الإصلاح هذه حاسمة لمعالجة القيود طويلة الأمد التي تعوق النمو الأعلى والأكثر استدامة والأكثر شمولًا في مصر.
سيلعب شركاء مصر الدوليون والإقليميون دورًا حاسمًا في تسهيل تنفيذ سياسات وإصلاحات السلطات. من المتوقع تمويل إضافي بحوالي 5 مليارات دولار من شركاء متعددي الأطراف وإقليميين للسنة المالية 2022/23، مما سيساعد على المضي قدمًا للتوصل للاتفاق بين صندوق النقد الدولي والسلطات المصرية بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة والإصلاحات التي سيتم دعمها بترتيب الصندوق الممدد (EFF) لمدة 46 شهرًا بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي.
يهدف برنامج الصندوق الجديد إلى حماية استقرار الاقتصاد الكلي والقدرة على تحمل الديون، وتحسين مرونة مصر في مواجهة الصدمات الخارجية، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وتكثيف الإصلاحات التي تدعم النمو وخلق فرص العمل بقيادة القطاع الخاص، ومن المتوقع أن تحفز ترتيبات صندوق النقد الدولي حزمة تمويل كبيرة متعددة السنوات، بما في ذلك حوالي 5 مليارات دولار أمريكي في السنة المالية 2022/23، والتي تعكس الدعم الدولي والإقليمي الواسع لمصر، كما طلبت السلطات المصرية تمويلًا في إطار مرفق الصمود والاستدامة الذي تم إنشاؤه حديثًا، والذي يمكن أن يوفر ما يصل إلى مليار دولار أمريكي إضافي لمصر.
.
رابط المصدر: