صواريخ كوريا الشمالية.. عام 2017 يعود من جديد

محمد صلاح الدين

 

في صباح 4 أكتوبر بالتوقيت المحلي، أطلقت كوريا الشمالية صاروخًا باتجاه بحر الشرق، وهو أمر تكرر عشرات المرات خلال العام 2022. لكن المختلف في هذه المرة هو إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى يعبر فوق الأجواء اليابانية، ما دفع طوكيو إلى إصدار تحذير للسكان باتخاذ ملاجئ من صاروخ قادم من الدولة الشيوعية للمرة الأولى منذ نحو 5 سنوات، إذ لم يعبر أي صاروخ باليستي كوري شمالي الأجواء اليابانية منذ سبتمبر عام 2017.

وفق التحليلات فإن الصاروخ الباليستي متوسط المدى IRBM- هو من طراز هواسونغ 12– قطع أطول مسافة لصاروخ كوري شمالي فوق اليابان، حيث قطع مسافة حوالي 4600 كيلومتر بارتفاع يقارب 1000 كيلومتر، ما يعني قدرته على الوصول إلى جزيرة غوام الأمريكية الواقعة في المحيط الهادئ، إذا ما قورن بعام 2017 حيث قطع صاروخ أطلق في أغسطس 2017 مسافة 2700 كيلو متر، أعقبه صاروخ في الشهر التالي قطع مسافة 2700 كيلو متر.

48 ساعة فقط كانت الحد الفاصل بين هذا الصاروخ، وإطلاق كوريا الشمالية لصاروخين باليستيين قصيري المدى باتجاه بحر الشرق، في استكمال لسلسلة من تجارب الصواريخ تصل إلى 28 تجربة صاروخية بينها 22 تجربة لصواريخ باليستية منذ مطلع العام الجاري بحسب وسائل الإعلام الكورية الجنوبية، علاوة على رصد 12 مقاتلة كورية شمالية تحلق في أجوائها المحلية للتدريب على إطلاق نار.

التدريبات المشتركة وسباق التسلح

لعل السبب الظاهر لتزايد وتيرة التجارب الصاروخية لبيونج يانج –الإطلاق السادس خلال أسبوعين- هو الاعتراض على التدريبات المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مثل تدريبات درع الحرية التي أجريت نهايات أغسطس 2022 بعد توقف دام 4 سنوات، أو التدريبات الثلاثية بمشاركة اليابان ضد غواصات الشمال التي أجريت نهاية سبتمبر الماضي؛ فترى كوريا الشمالية أن ما تفعله هو رد فعل مضاد لتدريبات واشنطن مع حليفيها الرئيسين في المنطقة.

يدلل على ذلك بالبيان الذي أصدرته خارجية بيونج يانج يوم 6 أكتوبر، حيث تحدث عن “إشارة الولايات المتحدة غير المبررة في مجلس الأمن للرد العادل للجيش الشعبي الكوري ضد المناورات المشتركة بين كوريا الجنوبية وأمريكا التي تصعد التوترات العسكرية في شبه الجزيرة الكورية”.

وانتقد البيان الذي نشرته وكالة الأنباء المركزية لكوريا الشمالية كذلك إعادة إرسال حاملة الطائرات الأمريكية رونالد ريجان إلى بحر الشرق في أعقاب إطلاق الصاروخ الباليستي نحو الشرق، حيث أشارت بيونج يانج إلى أنها تراقب هذا الأمر الذي “تشكل فيه الولايات المتحدة تهديدًا خطيرًا لاستقرار الوضع في شبه الجزيرة الكورية والمناطق المجاورة”.

لكن التدريبات المشتركة التي ترى فيها الدولة الشيوعية عملًا عدائيًا ضدها سبقها وأعقبها عدد من التطورات فيما يخص تعامل واشنطن وسول وطوكيو مع ملف كوريا الشمالية؛ ففي أعقاب وصول الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول المنتمي إلى التيار اليميني إلى السلطة في مايو من عام 2022، كان اللقاء الأول مع نظيره الأمريكي جو بايدن بعد أيام قليلة من حلف اليمين، ليصدرا بيانًا مشتركًا أكدت فيه واشنطن “التزامها بالردع الموسع باستخدام النطاق الكامل للقدرات الدفاعية الأمريكية، بما في ذلك القدرات الدفاعية النووية والتقليدية والصاروخية”، إضافة إلى الاتفاق على بدء مشاورات لتوسيع نطاق التدريبات العسكرية المشتركة.

بالنسبة لاستراتيجية الردع، فقد عادت المباحثات بين واشنطن وسول حول استراتيجية الردع الموسعة والمجموعة الاستشارية EDSCG بعد توقف دام 4 سنوات لبحث آليات مواجهة كوريا الشمالية، ويشير البيان المشترك للاجتماع الذي عُقد في سبتمبر الماضي إلى التزام الولايات المتحدة الصارم “بالاستفادة من النطاق الكامل لقدراتها العسكرية، بما في ذلك القدرات النووية والتقليدية والدفاع الصاروخي وغيرها من القدرات المتقدمة غير النووية، لتوفير الردع الموسع من أجل جمهورية كوريا” أمام أنشطة كوريا الشمالية.

علاوة على ذلك، فإن هناك محاولات للتقارب الياباني الكوري الجنوبي في مواجهة كوريا الشمالية بعد فترة طويلة من التوتر بين حليفي الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جيه إن نتيجة قضية العمل القسري خلال الحرب في فترة الاحتلال الياباني، حيث عقد قمة على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بين الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ثم اتصالا هاتفيا خلال شهر أكتوبر 2022، حيث “اتفقا على الرد بحزم على الاستفزازات النووية والصاروخية من خلال التعاون الثلاثي الوثيق بين بلديهما والولايات المتحدة”.

يلحظ أيضًا رد الفعل الكوري الجنوبي والأمريكي في الفترة الأخيرة على أنشطة بيونج يانج الصاروخية؛ ففي أعقاب إطلاق الصاروخ الباليستي في 4 أكتوبر، ردت سول وواشنطن بإطلاق 4 صواريخ باليستية في البحر الشرقي، من بينها صاروخ من طراز هيونمو-2، الذي سقط داخل القاعدة بعد تحركه بشكل غير طبيعي بحسب وكالة أنباء يونهاب.

يضاف إلى ذلك مساعي كوريا الجنوبية لتعزيز ترسانتها العسكرية في مواجهة كوريا الشمالية، ما يرفع من مخاطر سباق التسلح في شبه الجزيرة الكورية التي تشهد حالة هدنة وليس اتفاق سلام منذ عام 1953، على سبيل المثال، أصبحت كوريا الجنوبية من الدول التي تملك تقنية إطلاق صاروخً باليستي من غواصة  بعد تجربة في سبتمبر من عام 2021.

الإطار القانوني والتنظيمي الداخلي لكوريا الشمالية

تستمر بيونج يانج في تطوير برنامجها الصاروخي والنووي وفقًا لما اعتمده المؤتمر العام الثامن لحزب العمال الحاكم في مطلع العام 2021، حيث ركز التقرير الذي قدمه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون للمؤتمر على ما تم تحقيقه من “تطوير صناعة القنبلة الهيدروجينية والوصول إلى صاروخ باليستي عابر للقارات وقادر على حمل رؤوس نووية متمثل في صاروخ “هواسونج 15” والذي تم اختباره في نوفمبر 2017، مع الإشارة إلى القاذفة ذاتية الدفع ذات 11 محورًا والتي ظهرت في العرض العسكري بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب في الذكرى 75 في أكتوبر 2020. وأن الهدف العسكري في المرحلة المقبلة هو “تحقيق قدرة متقدمة على القيام بضربة نووية استباقية وانتقامية من خلال زيادة معدل الدقة الجيدة بما يكفي لضرب وإبادة أي أهداف استراتيجية في نطاق 15000 كيلومتر بدقة بالغة”.

سنجد هذا الهدف يتجسد قانونيًا عبر سياسة نووية أصدرها مجلس الشعب الأعلى في سبتمبر الماضي، يشير في بدايته إلى أن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية “كوريا الشمالية” دولة نووية مسؤولة، ولديها قوة نووية “للدفاع عن الدولة التي تحمي سيادة وسلامة أراضي البلاد وحياة وسلامة الشعب من التهديدات العسكرية والعدوان والهجوم الخارجي”.

ويتحدث القانون عن مهمة هذه القوات التي تحصل على أومراها من رئيس شؤون الدولة “كيم جونج أون في هذه الحالة” إنها تهدف بالأساس إلى ردع القوات المعادية لتستوعب أن المواجهة مع بيونج يانج تؤدي إلى الخراب، أو القيام بمهمة عملياتية لصد هجوم القوات المهاجمة، وتحقيق النصر الحاسم حال فشل الردع.

ويعدد القانون حالات استخدام القوة النووية في عدة حالات بينها شن الهجوم النووي أو الهجوم المميت على أهداف استراتيجية مهمة للدولة، أو الحاجة لمنع التوسع أو إطالة أمد الحرب. اللافت في هذا القانون هو ما جاء في تعليق الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون عليه والذي أشار إلى أن بلاده لن تتخلى عن السلاح النووي، وأن هذا القانون يجعل وضع البلاد كدولة نووية “غير قابل للتراجع”.

هذه التصريحات وهذا القانون يدلل على أن النظام الشيوعي في كوريا الشمالية أصبح يرى في السلاح النووي أساسًا لبقائه، وهو ما يعقد إمكانية التفاوض المباشر للوصول إلى اتفاق يضمن النزع النووي في شبه الجزيرة الكورية.

عوامل خارجية مساعدة لكوريا الشمالية

تمثل الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، وما تبعها من تأثيرات على الساحة الدولية عاملًا مساعدًا لكوريا الشمالية من أجل اتخاذ هذه الإجراءات؛ فمن جانب تشكل هذه الحرب مبررًا لها للتمسك بالسلاح النووي، فأوكرانيا التي تخلت عن الترسانة النووية السوفييتية عام 1994 بموجب مذكرة بودابست مقابل ضمانات أمنية تتعرض للهجوم من قوة كبرى مثل روسيا.

على الجانب الآخر، فإن هناك حالة من التقارب بين بيونج يانج وكل من موسكو وبكين بحكم المواجهة أمام واشنطن، يدلل على ذلك معارضة روسيا والصين لطلب الولايات المتحدة عقد اجتماع في مجلس الأمن لبحث إطلاق الصاروخ الباليستي العابر فوق اليابان، بل أوقفت الدولتان مشروعًا في مجلس الأمن لتشديد العقوبات ضد بيونج يانج في مايو الماضي بعد تجربة صاروخية أخرى لكوريا الشمالية في مايو الماضي باستخدام حق النقض “الفيتو”.

على الجانب الآخر، كانت كوريا الشمالية واحدة من 5 دول تصوت ضد قرار أممي يطالب روسيا بالتوقف عن استخدام القوة في أوكرانيا، ودعمت استفتاءات ضم 4 مناطق في أوكرانيا إلى روسيا. وفي رسالته إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة عيد ميلاده السبعين في 7 أكتوبر 2022، أشار كيم جونج أون إلى أن روسيا تواجه التهديدات والتحديات الأمريكية بفضل قيادة الأول.

هل تستعد كوريا الشمالية لتجربة نووية سابعة؟

تتوقع وكالة الاستخبارات الوطنية لكوريا الجنوبية أن تجري كوريا الشمالية تجربة نووية سابعة في الفترة بين النصف الثاني من أكتوبر والأسبوع الأول من نوفمبر من عام 2022 حال ما قررت المضي في هذا الأمر وهي الفترة التي تعقب مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم في الصين أو خلال انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، لا سيما مع استكمال بيونج يانج إنشاء نفق للتجارب النووية تحت الأرض في موقع “بونج كيه-ري” بحسب وكالة أنباء يونهاب الكورية الجنوبية.

وربما تتشابه الأحداث الأخيرة مع ما شهدته شبه الجزيرة الكورية عام 2017، حيث أطلقت حينها صاروخين باليستيين عبرا فوق اليابان عقب تدريبات مشتركة، ثم أجرت تجربتها النووية السادسة، ما يزيد من التوتر في شبه الجزيرة التي تشهد توترات متزايدة خلال الشهرين الأخيرين.

الخلاصة

تستمر كوريا الشمالية في عمليات إطلاق الصواريخ وسط قلق متزايد من إجرائها لتجربة نووية سابعة، مع إجراء الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان لتدريبات مشتركة ترى فيها بيونج يانج دائمًا مصدر قلق. في الوقت ذاته تعمل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة على تعزيز استراتيجية الردع أمام كوريا الشمالية باتخاذ إجراءات سريعة أمام عمليات إطلاق الصواريخ المتزايدة من قبل النظام الشيوعي الذي أصبح يأمن فرض مزيد من العقوبات الأممية ضده مع اصطفافه إلى جانب الصين وروسيا اللتين تقفان أمام أي مشروع أمريكي يعاقب كوريا الشمالية في مجلس الأمن.

كل ذلك يشير إلى حالة عودة شبه الجزيرة الكورية إلى ما كانت عليه عام 2017 من توترات باختلاف مهم هو اكتساب بيونج يانج دعمًا في الساحة الدولية من قبل روسيا والصين لم تكن قد حصلت عليه قبل 5 سنوات من الآن نتيجة الأزمة الأوكرانية والتنافس الصيني الأمريكي والخلاف حول أزمة تايوان، وسياسة نووية تقرها كوريا الشمالية داخليًا تجعل من مسألة التخلي عن السلاح النووي مسألة أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73349/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M