أحمد بيومي
خلال كلمته في حفل إفطار الأسرة المصرية أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه كلف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بإجمالي قيمة 40 مليار دولار مقسم على 4 سنوات بمستهدف 10 مليارات دولار سنويًا، مؤكدًا على ضرورة إشراك الشركات المملوكة للقطاع العام والشركات المملوكة للجيش في ذلك البرنامج من خلال طرح أجزاء من تلك الشركات بالبورصة المصرية.
إن عملية تحديد سياسة الملكية للدولة يعتبر أمرًا شائعًا بين البلدان، حيث سبق أن قام بذلك الإجراء أكثر من 50 دولة حول العالم منها دول عربية، وهي أمر تنظيمي لشكل الاستثمار في البلاد بين القطاعين العام والخاص، ومن ثم فإن ما قامت به الدولة من إعلان لوثيقة سياسة ملكيتها هو أمر إيجابي لترسيخ أطر ثابتة لشكل المناخ الاقتصادي في البلاد، خاصة وأنه قد تم إعداد تلك الوثيقة وفقًا للمعايير والمبادئ التوجيهية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مع استهداف تنفيذ سياسات الدولة العامة، بالإضافة إلى كونها تتسم بالمرونة من حيث قابليتها للتحديث وفقًا للمستجدات الدولية والمحلية، والتغيرات في أولويات الدولة، وتتم مراجعتها دوريًا وفقًا للأهداف الاستراتيجية للدولة.
ترسم وثيقة سياسة ملكية الدولة صورة متكاملة لتواجد الدولة بالقطاعات والأنشطة الاقتصادية، وتقسمها إلى ثلاثة ألوان مختلفة “حسب إشارة وزيرة التخطيط”، اللون الأخضر وهي القطاعات المتروكة للقطاع الخاص بالكامل والتي تتمثل في 79 نشاطًا اقتصاديًا ستتخارج منهم الدولة كليًا على مدى الثلاث سنوات القادمة، واللون الأصفر وهي القطاعات التي ستتواجد فيها الدولة جنبًا إلى جنب مع القطاع الخاص والتي تتمثل في عدد 45 نشاطًا اقتصاديًا، واللون الأحمر وهي القطاعات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر وستظل تابعة للدولة وحدها والتي يبلغ عددهم 27 نشاطًا اقتصاديًا. تنوي الدولة من خلال تلك الخطة زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد ليصل إجمالي استثماراته إلى 65 % خلال الأعوام الثلاثة المقبلة مقابل (30 % في العام الماضي)، هذا فضلًا عن تخطيطها لجذب استثمارات بحوالي 40 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، إما من خلال بيع حصص ملكية الحكومة بالشركات المحلية، أو الدخول في شراكات لتأسيس شركات، وحيث إن تلك الوثيقة تمس معظم الأنشطة الاقتصادية فكان من الضروري إلقاء نظرة على ردود فعل القطاعات الاقتصادية المختلفة ورؤاهم لتلك الوثيقة المهمة لمستقبل مصر.
قطاع تصنيع السيارات
تجاوب قطاع تصنيع السيارات مع سياسة ملكية الدولة بشكل إيجابي خلال الحوار المجتمعي الذي يتم من خلال منصة دائمة الانعقاد يومي الأحد والثلاثاء أسبوعيًا يتم الاستماع فيها لآراء الخبراء للخروج بأفضل ورقة سياسات تناسب تحقيق أهدف القطاع، وقد علق الممثلون عن القطاع أن البيانات المشار إليها بالوثيقة جيدة، لكن يجب التركيز على طريقة التنفيذ، حيث إن الهدف الأساسي هو أن يصبح قطاع الصناعات الهندسية أعلى القطاعات نموًا بالبلاد وأكثرها تصديرًا، ولن يتم ذلك إلا بتقديم حوافز للمستثمرين الأجانب لزيادة الإنتاج المحلي من المواد الخام، هذا فضلًا عن خفض الرسوم الجمركية على مزيد من المكونات الصناعية بالقطاع. وعلى الرغم من صدور قرار رئاسي بتعديل التعريفة الجمركية لمئات من السلع الصناعية وموافقة البرلمان عليه، فإن المجلس التصديري لا يزال يريد إدراج المزيد من المكونات بالقطاع، هذا فضلًا عن تقليل فترة دعم الصادرات إلى عام ثم إلى نصف عام. دعم المشروعات الصغيرة كان أحد الموضوعات التي تطرق إليها أعضاء تلك الجلسة، خاصة وأن دعم تلك الصناعات يعزز من نمو الاقتصاد الرسمي على حساب الاقتصاد غير الرسمي، خاصة وأن ذلك يتوافق مع توجهات الدولة لدعم الصناعة. أمر آخر تم الحديث عنه هو تيسير عملية منح التراخيص الصناعية وزيادة سرعتها، في إشارة منهم إلى ضرورة توحيد معايير تقديم الخدمة بين الموظفين في القاهرة والأقاليم، ومن الجدير بالذكر أن مجلس الوزراء كان قد وافق على تعديلات في أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار من شأنها أن توسع نطاق الحصول على “التراخيص الذهبية” للشركات ذات المسئولية المحدودة والذي يتيح إمكانية الحصول على ميزة الموافقة الواحدة، على أن يكون ذلك مرتبطًا بالقيام بإقامة مشروعات استراتيجية أو قومية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، أو مشروعات المشاركة بين القطاعين العام والخاص.
ملفات أخرى دار النقاش بشأنها والتي تتمثل في معاناة قطاع السيارات في مصر من إمكانية الحصول على احتياجاته من المواد الخام، خاصة في ظل الأزمة العالمية التي ترتب عنها نقص المعروض عالميا، ووجود أزمة في سلاسل التوريد عالميًا أثرت بشدة على ذلك القطاع، هذا فضلًا عن اتخاذ المركزي لقرارات بوقف التعامل بمستندات التحصيل التي تسببت في أزمة في فتح الاعتمادات المستندية وتوافر الدولار، لكن قرار رئيس الجمهورية الذي أعفى مدخلات الإنتاج والمواد الخام من قواعد المركزي كان له أثر إيجابي على توفير الدعم ولو بشكل جزئي لتلك الصناعة، لكن ما زال استيراد المكونات يمثل تحديًا رئيسيًا، وقد طالب ممثلو الصناعة البرلمان بمراعاة إيجاد حلول لتلك التحديات في استراتيجية الحكومة للسيارات.
صناعة السيارات الكهربائية هي الأخرى كانت ضمن الملفات التي لاقت اهتمامًا واسعًا خلال الحوار، حيث تم التأكيد على ضرورة الإسراع في تنفيذ البنية التحتية الخاصة بالسيارات الكهربائية، خاصة وأن الحكومة قد استثمرت مبلغ 450 مليون جنيه لتنفيذ البنية التحتية الخاصة بها، وتوقيع شركة النصر في يونيو الماضي مذكرة تفاهم مع مجموعة “بايك” الصينية لتصنيع السيارات الكهربائية محليًا. وقد دار الحوار حول البدء في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية التي يمكن أن تخلق فرصًا لصناعة سيارات كهرباء حقيقية وجذب استثمارات في هذا المجال من خلال جعل مصر مركزًا إقليميًا لتصدير تلك البطاريات في الشرق الأوسط وإفريقيا، بدلًا من مجرد تجميع السيارات للسوق المحلية، خاصة وأن شركة النصر كانت قد تعاونت مع مجموعة “إف إي في” الألمانية لتقديم حلول الدعم الفني حول كيفية بناء قطاع بطاريات السيارات من البداية، بينما تبحث الشركة عن شريك صيني للمساعدة في بدأ التصنيع.
إصلاح القطاع العام الصناعي كان من بين الموضوعات التي طرحت للحوار المجتمعي، حيث تمت الإشارة إلى ضرورة التوازن بين دخول الموظفين، وأرباح المساهمين، وإيرادات الضريبية للدولة، ونمو الشركة، حيث إنه في حال الاهتمام بأحد تلك العناصر على حساب الأخرى يخلق ذلك حالة من عدم التوازن في الشركة، حيث يريد المستثمرون الحصول على تأكيدات أن نجاح الشركات لا يعتمد فقط على العمال خاصة العاملين بالقطاع العام، إذ يحصل البعض منهم على رواتبهم كاملة بغض النظر عن الأداء الفردي أو أرباح الشركة، وذلك على عكس شركات القطاع الخاص والتي تمنح العمال رواتبهم بالساعة، وتعطي الأولوية للأرباح النهائية، كما تم تناول قانون تعديلات العمل والذي ينظم العلاقة بين العمال والشركة، ويضمن أن تتم عملية الإدارة بشكل صحيح لضمان استلام الدولة مستحقاتها وتحقيق المستثمرين للربحية.
الصناعات الغذائية
أوضح قطاع الصناعات الغذائية أن هناك حاجة لوضع مبادئ استرشادية حول مشاركة القطاع الخاص خاصة في حجم الحصة التي تريد الدولة تقديمها للقطاع الخاص، واقترحوا توسيع القطاعات التي تستهدف الحكومة التخارج منها عبر دراسة سلاسل القيمة لتشمل المكملات الغذائية ومدخلات الإنتاج الغذائية، وأجزاء أخرى من سلسلة القيمة الغذائية مثل مصايد الأسماك، خاصة وأن الحرب الروسية الأوكرانية أظهرت أهمية الحصول على مدخلات إنتاج محلية بدلًا من الاستيراد بشكل كبير، مع وجود اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية والأسواق، وقد بادرت الحكومة بتشجيع استخدام المكونات المحلية في الصناعة من خلال تطبيق العديد من الإجراءات التي كان ظاهرها إقرار تخفيضات جمركية جديدة للمصنعين بناء على نسبة استخدام المكون المحلي.
طالبت آراء أخرى بإعادة إسناد إدارة مصانع الأغذية الحكومية للقطاع الخاص وبرهنت إمكانية نجاح تلك الاستراتيجية بالنظر إلى قطاع الضيافة والذي استطاع تحقيق نجاحات جيدة بعد إسناده للإدارة من جانب القطاع الخاص، حيث إن نموذج المشاركة بين القطاعين العام والخاص تسمح للشركات بتشغيل الأصول بشكل مستقل هي أكثر جاذبية للمستثمرين، على الرغم من أننا لا نرى الكثير منهم في هذا القطاع.
هذا إلى جانب إجراء دراسات لتقييم كيفية تأثير هذه الصفقة على السوق، وكيفية تقييم الدولة لعروض المستثمرين لضمان شفافية الفصل بين تلك العروض وعدالة التقييمات قدر الإمكان. حيث إن تقييمات الشركات قد تمنع الدولة من التخارج من بعض القطاعات بسهولة خاصة وأن تلك الشركات غير جاذبة من الناحية الاقتصادية في الوقت الحالي، وعليه فقد أشاروا إلى ضرورة استعانة الحكومة بمستشارين محليين أو أجانب للحصول على تقييمات صحيحة للشركات أو الاستعانة بصندوق مصر السيادي. أما عن الشركات غير الجاذبة اقتصاديًا والتي لا يمكن بيعها بالشكل الحالي فتحتاج تلك الشركات إلى وضع استراتيجية طويلة الأجل لتحسين مؤشرات عملها الرئيسية سواء من خلال تطوير المنتجات الحالية أو إضافة منتجات جديدة يوجد طلب عليها بعد دراسة الفجوات محليًا ودوليًا.
القطاع الزراعي
القطاع الزراعي هو أحد القطاعات التي خططت الدولة لزيادة مشاركة القطاع الخاص به خلال ثلاث سنوات، وقد شملت تلك الخطة معظم الأنشطة الزراعية بما في ذلك قطاعات المحاصيل البستانية والحبوب باستثناء الحبوب الاستراتيجية مثل القمح وزراعة الغابات الخشبية وصيد واستزراع الأسماك والأحياء المائية والثروة الحيوانية. وستحافظ الدولة على وجودها في قطاع الألبان، رغم أنها قد تخفض استثماراتها. وتشير آراء الخبراء إلى أن القطاع الزراعي هو أحد القطاعات التي يمكن للدولة المصرية تحقيق قفزة كبيرة به في زمن قصير، إذ يمكن الوصول بإيرادات القطاع إلى 10 مليارات دولار في حال معالجة التحديات بالقطاع، وتمثل تلك التحديات الرئيسية في ندرة المياه وهدر المحاصيل وعقبات التمويل “خاصة في ظل غياب الحيازات الزراعية وتفتيت الرقعة الزراعية بالبلاد” ونقص العمالة بالقطاع، وبالطبع الافتقار إلى تطبيق التكنولوجيا الحديثة للإنتاج والإنفاق على البحث والتطوير.
أما عن توصيات المشاركين في ذلك الحوار بشأن سياسة ملكية الدولة فقد أوصوا بضرورة مواصلة تجريم التعدي على الأراضي الزراعية، وفرض العديد من الضوابط التي تنظم استخدام المياه من جانب القطاع الخاص بعد التخارج ومواصلة تجريم التعدي على الأراضي الزراعية، وقد أوصوا الدولة بمراجعه الخطة الموضوعة إذ إن ثلاث سنوات زمن مدني قصير للتخارج من ذلك القطاع لا سيما في بعض الأنشطة مثل الاستصلاح الزراعي.
بيئة مستقرة
تشاركت القطاعات الثلاث السابق الإشارة إليها في طلبهم بوجود بيئة تشريعيه مستقرة تسمح لهم بالتخطيط المسبق بشكل صحيح قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية، وقد تمت الإشارة إلى ضرورة بقاء القوانين لمدة لا تقل عن 10 سنوات دون تغيير، حيث إن المستثمر الطبيعي يحتاج إلى إجراء دراسة جدوى لعشر سنوات قبل البدء في مشروع بالسوق المصري، حيث إن المستثمر لن يرغب بالاستثمار في بيئة تتغير فيها قوانين التصدير أو الضرائب بشكل مفاجئ. أمر اخر أشار إليه المشاركين وهو ضرورة وجود حوافز مالية ونقدية توفر مناخًا استثماريًا أكثر تشجيعًا، خاصة وأن المناخ العالمي والمحلي صعب للغاية، ومن أهم تلك الأمور النقص في السيولة والعملات الأجنبية الذي يمثل عائق كبير أمام جاذبية القطاع للمستثمرين.
.
رابط المصدر: