- بينما اعتبرت إسرائيل هجومها على إيران ناجحاً لأنَّه دمَّر قدرات إيران على تصنيع الصواريخ الباليستية ودمَّر منظومات دفاعها الجوي بما يسمح لها بحرية العمل في الأجواء الإيرانية مستقبلاً، اعتبرت إيران أن الهجوم كان فاشلاً ومحدود الأثر.
- عقب الهجوم على إيران، برز توجهان في إسرائيل: الأول يريد استغلال “الفرصة” لتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل بضرب المشروع النووي الإيراني وإضعاف النظام في إيران، في حين يعتقد التوجه الثاني أن إسرائيل نجحت في بناء منظومة الردع وتعزيزها أمام إيران، وعليها الاكتفاء بذلك والتفرغ لباقي الجبهات، وإيجاد حلول سياسية أو عسكرية لها.
- تسعى الدبلوماسية الأمريكية للتوصل إلى تسوية سياسية على الجبهة اللبنانية تحديداً، انطلاقاً من أن وقف القتال على هذه الجبهة يقدم مخرجاً لإيران لتسويغ عدم ردها على الهجوم الإسرائيلي، وأيضاً لسحب الذرائع من نتنياهو لتوجيه ضربة أخرى لإيران بعد الانتخابات الأمريكية.
- يبدو أن المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران قد انتهت في هذه المرحلة على الأقل، فإسرائيل رممت منظومة ردعها أمام إيران، ومن مصلحة طهران، بالمقابل، إنهاء التصعيد بالاعتماد على سياسة إعطاء الفرصة لجهود وقف إطلاق النار على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية.
شنَّت إسرائيل هجوماً على إيران في 26 أكتوبر 2024 رداً على الهجوم الصاروخي الإيراني في الأول من أكتوبر. شمل الهجوم الإسرائيلي ثلاث موجات من القصف الجوي استهدفت في خلالها مواقع عسكرية إيرانية، لاسيّما منظومات دفاع جوي ومنشآت لتخزين الصواريخ الباليستية وتصنيعها. وجاء استهداف مواقع عسكرية إيرانية انسجاماً مع الطلب الأمريكي الذي دفع إسرائيل إلى حصر هجومها في مواقع عسكرية، بحيث يمكن احتواء المواجهة بين الطرفين فيما بعد. واعتبرت إسرائيل الهجوم ناجحاً بكل المقاييس، في حين اعتبرت إيران الهجوم فاشلاً وأنها نجحت في صدّ الضربات على مواقعها، والتي أحدثت أضراراً قليلة بحسب الرواية الإيرانية.
الهجوم الإسرائيلي على إيران
استخدمت إسرائيل في هجومها الأخير على إيران نحو 100 طائرة حربية إسرائيلية، في ثلاث موجات هجومية لمدة أربع ساعات، وباستخدام الأجواء العراقية ودون اختراق الأجواء الإيرانية. واستهدف الهجوم مواقع عسكرية، أهمها منظومات الدفاع الجوي من نوع “إس 300” الروسية الصنع، ومصانع مركزية للصناعات العسكرية الإيرانية، ومواقع إطلاق الصواريخ، كما تميز الهجوم باتساع رقعته الجغرافية، فقد شمل 20 موقعاً عسكرياً في محافظات طهران وخوزستان (الأحواز) وإيلام. ويُعد هذا الهجوم الأول الذي تشنه إسرائيل بشكل مباشر وعلنيّ داخل الأراضي الإيرانية، وباستعمال هذا العدد من الطائرات.
ويبدو أن التقديرات الإسرائيلية تَعتبر أن إيران ستستغرق وقتاً طويلاً حتى تتمكن من بناء منظومتها الدفاعيّة. وقد شدّد الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، على أن الهجوم سيسمح بحرية العمل العسكري لإسرائيل في المستقبل داخل الأراضي الإيرانية، وهو نابع من تدمير المنظومات الدفاعية الجوية الإيرانية. لم يكن هذا موقف الجيش فحسب، بل عبَّرت عنه أيضاً شخصيات في المجال السياسي الإسرائيلي، فقد أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى أن الهجوم كان ناجحاً، ودمر كل الأهداف التي وُضعت له، إذ قال “ضربنا بقوة منظومات الدفاع الجوية والقدرات لإنتاج الصواريخ الموجهة ضدنا”. واعتبر وزير الأمن القومي، ايتمار بن غفير، الهجوم الإسرائيلية “ضربة افتتاحية” تُمهِّد الطريق لضربات أخرى، أما رئيس معسكر الدولة المعارض، بيني غانتس، فصرّح أن إسرائيل استعملت في هجومها جزءاً من قدراتها العسكرية التي بنتها على مدار السنوات الماضية، وأن الضرّر سيكون أكبر للنظام الإيراني إذا قرّر الرد على الهجوم الإسرائيلي. وطالب أعضاء كنيست ووزراء من الائتلاف الحكومي والمعارضة باستئناف الهجمات على إيران، بحيث تشمل مواقع استراتيجية، ومنها المشروع النووي الإيراني.
يشير تمير هايمن، رئيس معهد دراسات الأمن القومي ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، إلى أن الهجوم الإسرائيلي حمل ثلاث رسائل عمليّة لإيران. الأولى، أن الهجوم كان ناجحاً، حيث دمرت إسرائيل مكونات حيوية في الصناعة الصاروخية الإسرائيلية (بالذات صواريخ أرض-أرض)، ومنظومات دفاع جوي، والتي تعني أن إيران باتت مكشوفة أمام هجمات مستقبلية لإسرائيل. وتزداد أهمية الهجوم على منظومات الدفاع الجوي الروسية الصنع، باعتبار أن الأخيرة لن تستطيع تزويد إيران بمنظومات جديدة على المدى القصير لحاجتها إلى هذه المنظومات في حربها ضد أوكرانيا. والرسالة الثانية هي أن القدرات الهجومية الإسرائيلية أفضل من القدرات الدفاعية الإيرانية، ومع حساب أن القدرات الدفاعية الإسرائيلية هي أفضل من القدرات الهجومية الإيرانية، فهذا يعني أن التفوق الإسرائيلي واضح في أي مواجهة مستقبلية بين الطرفين، فالهجوم الإيراني، طبقاً لهايمن، لم يحقق أهدافه في حين حقق الهجوم الإسرائيلي أغلب أهدافه. أما الرسالة الثالثة فهي موجهة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، ومفادها أنه إذا قرر الرد على الهجوم الإسرائيلي فإن الضربة الإسرائيلية المقبلة ستكون لمواقع استراتيجية حيويّة لإيران.
في الشأن نفسه، يشير مائير بن شابات، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إلى أن الهجوم الإيراني دمر تقريباً منظومة الدفاعات الجوية الإيرانية، وأظهر القوة العسكرية الإسرائيلية، لكنه يعتقد في الوقت نفسه أن الهجوم كان محدوداً ومحسوباً، ولم يهدف إلى حل المشكلة الإيرانية لإسرائيل بل لردع إيران، فالصراع معها طويل وقد أوصلت الضربة رسالة إلى إيران مفادها أن إسرائيل تستطيع مواجهة إيران وليس فقط أذرعها في المنطقة التي تتآكل -برأيه- في هذه المواجهة.
وبناءً على ذلك، يوجد توجهان في إسرائيل: الأول يريد أن يُكمل الجيش الإسرائيلي هجماته على إيران، لتحقيق الهدف الاستراتيجي الذي تحضرت له إسرائيل منذ أكثر من عقد، والمتمثل في ضرب المشروع النووي الإيراني وإضعاف النظام في إيران، والذي يعتقد بوجود فرصة تاريخية لتنفيذ ذلك. في حين يعتقد التوجه الثاني أن إسرائيل نجحت في بناء منظومة الردع وتعزيزها أمام إيران، وعليها الاكتفاء بذلك والتفرغ لباقي الجبهات، وإيجاد حلول لها إما بالمسار السياسي أو الحسم العسكري.
الموقف الأمريكي
منذ الهجوم الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر (عملية الوعد الصادق 2)، جرت مباحثات بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل حول الرد الإسرائيلي، ومن تحليل الفجوة بين التصريحات الإسرائيلية العالية الحدة التي أعقبت الهجوم الإيراني، وتنفيذ عملية محدودة في إيران، يتضح حجم التأثير الذي مارسته الولايات المتحدة على الحكومة الإسرائيلية لتتجنب استهداف منشآت حيويّة في إيران. وصرح الرئيس الأمريكي جو بايدن في أعقاب الهجوم الإسرائيلي بأنه يأمل أن تنتهي المواجهة بين الطرفين مع انتهاء الرد الإسرائيلي. ومع ذلك، ما زال التخوف قائماً لدى الإدارة الأمريكية من هجوم إيراني على إسرائيل، وهو ما استدعى نشر منظومة دفاع جوي أمريكية من نوع “ثاد” (THAAD) في إسرائيل، وسرب من الطائرات المقاتلة من طراز “إف-16″، إضافة إلى نشر قاذفات استراتيجية من طراز “بي-52” في المنطقة. وقد زار قائد المنطقة الوسطى الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، إسرائيل في نهاية أكتوبر لتنسيق التعاون بين القوات الأمريكية والإسرائيلية في الدفاع عن إسرائيل ضد أي هجوم إيراني محتمل.
وإلى جانب مشاركة الولايات المتحدة في التحضيرات لصدّ هجوم إيراني محتمل على إسرائيل، تكثف الدبلوماسية الأمريكية مساعيها للتوصل إلى تسوية سياسية على الجبهة اللبنانية تحديداً، ومن ضمن الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة بهذا الاتجاه أن وقف القتال على هذه الجبهة يقدم مخرجاً لإيران لتبرير عدم ردها على الهجوم الإسرائيلي، ومحاولة التفرغ للتوصل إلى تسوية في الملف الأصعب في قطاع غزة. وتنطلق هذه الجهود في أعقاب الشكوك في أن نتنياهو يستعد لتوجيه ضربة أخرى لإيران بعد الانتخابات الأمريكية، وفي خلال الفترة الانتقالية في البيت الأبيض (التي تدخل فيها إدارة بايدن مرحلة البطة العرجاء).
سيناريوهات التصعيد بين الطرفين
هناك ثلاثة سيناريوهات ممكنة لمستقبل المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، كما يأتي:
السيناريو الأول، هجوم إسرائيلي جديد على إيران دون تعرّضها لرد إيراني
ينطلق هذا السيناريو من أن إسرائيل تستعد لضربة أخرى لإيران كتكملة لهجومها الأول، إذ إن الهجوم الأول كان تحضيراً للهجوم الثاني الأكثر حدة على النظام الإيراني بعد ضرب قدراته الصاروخية، ومنظومات دفاعاته الجوية، واختبار نجاح العملية والعوائق التي قد تواجهها.
يعتمد هذا السيناريو على فكرة اللحظة المواتية التي “لن تتكرر” لإسرائيل في خضم المواجهة بين إسرائيل والمحور الإيراني، والتي قد تستغلها لإسرائيل لتنفيذ خططها التي عملت وتدربت عليها لسنوات لمهاجمة إيران، وبذلت في سبيل ذلك موارد كثيرة في خلال العقد الماضي. فانتهاء التصعيد، وتسوية الصراع على الجبهتين اللبنانية ومع قطاع غزة سوف يضيّعا على إسرائيل الفرصة لمهاجمة إيران بكل القوة، لاسيّما مع وجود استنفار أمريكي كبير للدفاع عن إسرائيل. وينطلق هذا السيناريو من الزعم بأن تأجيل الموجة الرابعة أو موجات أخرى كان سببه الطلب الأمريكي من إسرائيل الامتناع عن شن هجوم استراتيجي على إيران عشية الانتخابات الأمريكية، ولكنه لم يكن منعاً مطلقاً بالمبدأ، بل يتصل بتوقيت الضربة العميقة لإيران، فبعد الانتخابات لن تمنع الولايات المتحدة إسرائيل من شن هجومها على إيران، أو لن تستطيع منعها، وربما يكون تحت ذريعة تنفيذ ضربة استباقية لمنع هجوم إيراني على إسرائيل.
يواجه هذا السيناريو تحديّات عدة، منها غياب الشرعية الدولية لهجوم إسرائيلي جديد على إيران دون ذريعة مقنعة، والتخوف من أن مثل هذه الهجوم قد يؤدي إلى رد فعل إيراني غير اعتيادي يورط المنطقة بمواجهة شاملة تنزلق فيها الدول الإقليمية ويؤثر في الاقتصاد العالمي، فضلاً عن أن مسار التسوية السياسية في المنطقة قد انطلق وتبذل الدول الكبرى جهوداً من أجل وقف الحرب على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، مما يعني نهاية المواجهات العسكرية التي ستُفشِل مسارات التسوية.
السيناريو الثاني، رد إيراني يعقبه هجوم إسرائيلي على مواقع استراتيجية داخل إيران
ينطق هذا السيناريو من أن إيران سترد على الهجوم الإسرائيلي بشكل مباشر، بناءً على تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين هددوا بالرد، مما يعطي ذريعة لإسرائيل للرد على إيران بموجة رابعة تستهدف منشآت استراتيجية إيرانية بغض النظر عن قوة الهجوم الإيراني من عدمه. سترى إسرائيل في الهجوم الإيراني فرصةً لتنفيذ الموجة الرابعة من عملياتها داخل إيران، بعد أن استطاعت ضرب منظومة الدفاع الجوية الإيرانية، والصعوبات التي ستواجه إيران في ترميم هذه المنظومة. وستحظى إسرائيل بتأييد أمريكي وشرعية دولية لهجومها باعتباره جزءاً من مبدأ الدفاع عن النفس، لاسيّما أن المجتمع الدولي طالب إيران بعدم الرد على الهجوم الإسرائيلي الذي عُدَّ شرعيّاً على المستوى الدولي بوصفه جاء رداً على الهجوم الإيراني في الأول من أكتوبر.
لن تحصل إسرائيل على شرعية الرد فحسب، بل سترى نفسها مُتحرّرة من القيود التي وضعتها الولايات المتحدة على استهداف مُنشآت استراتيجية وحيويّة في إيران، وذلك بسبب التزامها بالشرط الأمريكي في ردها الأول. ستَعتبر إسرائيل ذلك فرصةً لن تعوض لضرب المشروع النووي الإيراني، وحتى لو لم تدمره كليّاً، وهو الأرجح بطبيعة الحال، فإنها ستُعيق تقدمه لسنوات، فضلاً عن إضعاف النظام الإيراني وهيبته في الداخل الإيراني والمنطقة. إذن، يعتمد هذا السيناريو على جاهزية القدرات الإسرائيلية وضعف الدفاعات الإيرانية جراء الضربة الإسرائيلية، و”الشرعية الدولية” للرد الإسرائيلي، والدعم الشعبي والسياسي الداخلي في إسرائيل، ، فضلاً عن الحماية الأمريكية التي ستوفر لإسرائيل عُمقاً دفاعياً وثقةً بالنفس لتنفيذ هجوم واسع واستراتيجي على إيران. كما يعتمد هذا السيناريو على كسر حاجز المواجهة المباشرة بين الطرفين، فبعد الهجوم الإسرائيلي كسرت إسرائيل الحاجز “النفسي”، إن صح التعبير، في مهاجمة إيران في عقر دارها، مما يجعل الهجوم المقبل هجوماً اعتيادياً في ظل المعادلة الجديدة للمواجهة.
غير أن هذا السيناريو يواجه تحدي اختيار إيران عدم الرد، ما يسحب البساط من تحت إسرائيل لتوجيه هجوم نوعي على إيران. فقد تمتنع إيران عن الرد بسبب علمها أن ردها سيقدم مبرّراً لإسرائيل لمهاجمتها مرة أخرى وبصورة أشد من المرة السابقة، فضلاً عن عدم ضمان نجاح هجومها على إسرائيل بسبب الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية المشتركة، كما أنها قد تفضّل إعطاء فرصة للدبلوماسية للتوصل إلى تسوية على الجبهة اللبنانية مما يعطيها مخرجاً لعدم الرد على الهجوم الإسرائيلي.
السيناريو الثالث، استقرار التصعيد بين الطرفين
ينطلق هذا السيناريو من أن المواجهة المباشرة بين البلدين قد انتهت؛ فمن ناحية استطاعت إسرائيل أن تُوجه ضربة اعتبرتها ناجحة للمنظومات الهجومية والدفاعية الإيرانية، وأوصلت الرسالة إلى إيران بأن إسرائيل قادرة على مهاجمتها في المستقبل بصور أكثر حدة إذا هاجمت إسرائيل مرة أخرى، فضلاً عن ترميم منظومة الردع الإسرائيلية أمام إيران. وفي المقابل، اعتبرت إيران أن الهجوم الإسرائيلي كان محدوداً ولم يؤدِّ إلى ضربة استراتيجية لإيران من طريق استهداف منشآتها الحيوية، وأن من مصلحة طهران إنهاء التصعيد بين الطرفين بالاعتماد على سياسة إعطاء الفرصة لجهود وقف إطلاق النار على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، والتي تبدو أن هناك بوادر تقدم للتوصل إلى تسوية قريبة على جبهة لبنان على الأقل.
يدفع نحو هذا السيناريو الموقف الدولي والإقليمي الذي يرغب في الوصول إلى نهاية المواجهة بين البلدين، بما في ذلك المواجهة على الجبهات الأخرى، وبدء مسار سياسي يُفضي إلى خلق حالة من الاستقرار في المنطقة والخروج من الأزمة الحالية. ففي الوقت الذي لا يحظى الرد الإيراني بشرعية دولية، فإن الرد الإسرائيلي يواجه المعضلة نفسها، إذ وقفت القوى الكبرى (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) مع حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، ولن تمنح إسرائيل شرعية جديدة لهجوم آخر على إيران. بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة الردع المتبادل قد تدفع نحو هذا السيناريو، وعلى الرغم من القدرات الهجومية والدفاعية الإسرائيلية، فإن هجوماً إيرانياً على إسرائيل يستهدف منشآت حيوية فيها قد ينجح في تحقيق أهدافه، إذ أثبتت تجربة الهجوم الإيراني في الأول من أكتوبر أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية معاً لم تمنع سقوط صواريخ على مواقع عسكرية، ولذا فإن إصابة منشآت حيوية في إسرائيل في هجوم إيراني ثالث سيكون لها عواقب كبيرة على الداخل الإسرائيلي المنهك أصلاً من حرب تجاوزت العام، والتي أثرت بشكل عميق في الاقتصاد الإسرائيلي.
ومن التحديات التي تواجه هذا السيناريو، الضغوط التي تُمارس على الحكومة الإسرائيلية من أطراف داخل الحكومة وخارجها لاستمرار الهجوم على إيران بعد تدمير أغلب منظومات الدفاعات الجوية كما يزعم الجيش الإسرائيلي، واستغلال هذه الفرصة لضرب إيران بقوة، وبخاصة أن إسرائيل تتحضر لهذه الفرصة منذ سنوات. أما المعيق الآخر فهو فشل جهود التسوية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في لبنان والحرب في غزة، مما يشجع أحد الطرفين للهجوم على الطرف الآخر.
استنتاجات
تشير تطورات الأحداث في المنطقة إلى أن مسار التسوية يأخذ بُعداً جديداً وجديّاً في محاولة لإنهاء المواجهة الحالية في المنطقة. ويبدو أن الولايات المتحدة ومعها فرنسا وقوى أوروبية أخرى يعملون للتوصل إلى تسوية لوقف القتال على الجبهة اللبنانية، ومحاولة التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة، أو هدنة طويلة الأمد على الأقل. ويبدو أن إدارة بايدن ستعمل بجهد أكبر بعد الانتخابات على فرض هذه التسويات، والوصول إلى حالة من الاستقرار الأمني في المرحلة الأولى، يتبعها مسارات سياسية أكثر عمقاً في المرحلة الثانية. تؤثر هذه التطورات في خيار استمرار المواجهة بين إيران وإسرائيل، وبالذات على الجانب الإيراني الذي يحتاج إلى مثل هذه التسوية ليتمكن المحور الإيراني من ترتيب صفوفه وتقييم المرحلة السابقة، فضلاً عن أن وقف القتال هو مخرج آمن لإيران لعدم الرد على الهجوم الإسرائيلي.