ضغوط متزايدة: كيف انعكست حرب غزة على الحسابات الانتخابية الأمريكية

منذ اللحظة الأولى لأحداث طوفان الأقصي، أعلن بايدن دعمه الثابت والمطلق لإسرائيل على جميع المستويات، لكن انتقاداته المباشرة قبل أيام للحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى منذ بدء الحرب، أعادت الحديث عن مخاوفه من تراجع شعبيته وفرصه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها في نوفمبر 2024.

أكدت العديد من التحليلات بأن حرب غزة ستؤثر سلبًا على فرص إعادة انتخاب بايدن في الانتخابات المقبلة، ويعزز هذا الرأي عدد من المؤشرات أبرزها:

  1. تراجع شعبية بايدن

أظهرت استطلاعات متعددة بأن بايدن فقد الكثير من شعبيته نتيجة لموقفه من حرب غزة، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يتقدم على الرئيس الحالي جو بايدن، بعد أن حصل ترامب على نسبة تأييد بلغت 47%، مقابل 43% لبايدن، مضيفة بأن 37% فقط من المشاركين يوافقون على تعامل بايدن مع الحرب، مقابل 52% قالوا إنهم لا يوافقون.

كذلك، أورد استطلاع أجرته “نيويورك تايمز” أن بايدن متخلف عن منافسه ترامب في خمس من ست ولايات رئيسية بين الناخبين المسجلين، كما أشار استطلاع رأي أجرته شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية في نوفمبر الماضي، بأن 62% من الأمريكيين يعارضون سياسة “بايدن” الخارجية، فضلًا عن معارضة 56% من الأمريكيين سياسات “بايدن” تجاه الأزمة في غزة، مضيفة بأنه في حال أجريت الانتخابات اليوم فإن “بايدن” سيحصل على نسبة 44% من الأصوات بينما سيحصل “ترامب” على 46% من الأصوات.

  1. فقدان دعم كتل تصويتية مهمة

أشار البعض بأن دعم إدارة بايدن غير المحدود لإسرائيل سيساهم في خسارة بايدن أصوات الناخبين من ذوي الأصول العربية والمسلمة، فضلًا عن انخفاض أسهمه لدى الناخبين الشباب.

إذ تعهد زعماء مسلمون أمريكيون من 6 ولايات متأرجحة تعد حاسمة في انتخابات الرئاسة، بحشد مجتمعاتهم ضد إعادة انتخابه بسبب دعمه للحرب الإسرائيلية في غزة، فيما عرف بحملة “التخلي عن بايدن”، وتعتبر الولايات الست من بين الولايات القليلة التي أتاحت لبايدن الفوز في انتخابات 2020، وقد تؤدي معارضة مجتمعاتها إلى تعقيد طريق بايدن نحو الفوز بأصوات المجمع الانتخابي في العام المقبل.

في هكذا السياق، كشف استطلاع أجراه المعهد العربي الأمريكي وشمل 500 عربي أمريكي في الفترة من 23 إلى 27 أكتوبر عن انخفاض دعم الرئيس بايدن بين الناخبين الأمريكيين العرب بشكل حاد منذ الحرب بين إسرائيل وحماس، إلى مستويات غير مسبوقة، بنسبة 42%، من 59% في عام 2020 إلى 17%.

على الجانب الآخر، أدّى ارتفاع أعداد الضحايا من الجانب الفلسطيني إلى تآكل الدعم الشعبي لبايدن، بين الكتلة التصويتية من الناخبين الشباب وطلاب المدارس والملونين، والذين خرجوا في تظاهرات داعمة لفلسطين، وهو ما سيقوض من فرص إعادة انتخابه لا سيما وأن إقبال الشباب كان أحد المتغيرات الرئيسية في الانتصارات الديمقراطية في السنوات الأخيرة، وهو ما أكده استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة “إن بي سي” الإخبارية الأميركية في نوفمبر الماضي والتي أشارت بأن شعبية بايدن انخفضت بين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا، حيث رفض 70% منهم طريقة تعامل بايدن مع الحرب.

  1. تنامي المعارضة الداخلية

أسفرت حرب غزة عن معارضة داخلية متنامية إزاء دعم الإدارة الأمريكية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما يقوض من فرص بايدن الانتخابية، فبعد أيام قليلة من بدء الحرب، أعلن المسئول في وزارة الخارجية الأمريكية جوش بول استقالته من منصبه، كما وقع أكثر من 500 مسئول أمريكي، يمثلون 40 وكالة حكومية، خطابًا يحتجون فيه على سياسة بايدن إزاء إسرائيل، مطالبين بوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية لغزة، ليصبح الخطاب الأحدث في سلسلة من الخطابات الاعتراضية من قبل مسئولين في مختلف أنحاء الإدارة، بينها ثلاث مذكرات داخلية إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وقعها العشرات من موظفي الخارجية الأمريكية، من خلال قناة أنشئت بعد حرب فيتنام، والتي تسمح للموظفين بتسجيل عدم الموافقة على السياسة، ناهيك عن إصدار خطاب مفتوح موقع من قبل أكثر من ألف موظف بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

علاوة على ما سبق، تصاعدت دعوات بعض المشرعين الأمريكيين لفرض شروط على المساعدات الأمريكية المستقبلية لإسرائيل، حيث دعا السيناتور الديمقراطي “كريس ميرفي” إلى ربط المساعدات الأمريكية القادمة لإسرائيل بامتثالها للقانون الإنساني الدولي، كما طالب السيناتور “بيرني ساندرز”، بوضع حد لما أسماه “نهج الشيكات على بياض” لتمويل أمن إسرائيل، والذي يجب أن يكون مشروطًا بوقف القصف وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، والالتزام بعدم احتلال إسرائيل لقطاع غزة.

  1. انشقاقات داخل الحزب الديمقراطي

على مدى السنوات القليلة الماضية، كان الديمقراطيون منقسمين بشأن مسألة إسرائيل، وأصبح الجناح اليساري للحزب ينتقد بشكل متزايد معاملة إسرائيل للفلسطينيين، وبشكل أكثر عمومية، حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة. في هكذا السياق، نجحت أحداث طوفان الأقصى، ليس فقط في تعميق الانقسامات داخل الحزب لا سيما بين فئة الشباب التي تقف ضد الحرب وبين قادة الحزب، بل في التحول لصالح الفلسطينيين بين الديمقراطيين والمستقلين في استطلاعات الرأي أيضًا، الأمر الذي يهدد حماية مستقبل بايدن في الانتخابات القادمة.

فقد أشار عضو الحزب الديمقراطي “نعمان أبو عيسى” إلى أن هناك نحو 70% من أعضاء الحزب يعارضون استمرار الحرب، كما وقّع نحو 20% من موظفي اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي على خطاب يطلب من رئيس اللجنة المطالبة بوقف إطلاق النار، ناهيك عن تفاقم حدة الانقسام بين الديمقراطيين في الكونجرس، فيومًا بعد يوم يوجه مزيد من أعضاء مجلس النواب من الديمقراطيين انتقادات لإسرائيل لتوسيعها عمليتها البرية، ويطالبون بوقف إطلاق النار.

بدوره، ذكر موقع “إكسيوس الأمريكي”، إنه لم تكن هناك قضية هددت بكسر التحالف الديمقراطي الهش للرئيس بايدن مثلما كانت إسرائيل وردها على عملية السابع من أكتوبر. وأشار الموقع إلى أن الخلافات تتفشى ببطء، وإن كانت بشكل واضح، في كل أنحاء الحزب الديمقراطي حول دعم بايدن لإسرائيل، كما ظهر الأمر بشكل أكبر في احتجاجات الطلاب أو التصريحات العرضية من قبل بعض المسئولين المنتخبين.

وتابع التقرير: الديمقراطيون المؤيدون للفلسطينيين غاضبون من ارتفاع عدد الشهداء في قطاع غزة، وهو الأمر الذي أصبح ممكنًا بسبب موقف بايدن، في حين أن بعض اليهود الليبراليين غاضبون من أن العديد من الديمقراطيين التقدميين لم يغضبهم ما حدث لأقاربهم في إسرائيل في عملية طوفان الأقصى، ويهدد بعضهم بترك الحزب.

ساهمت حرب غزة في تعزيز فرص ترامب الانتخابية نتيجة لعدد من العوامل أبرزها:

  1. نجاح الجمهوريين في توظيف الحرب

أشارت بعض التحليلات بأن الحزب الجمهوري والرئيس السابق “دونالد ترامب” تمكنوا من استغلال الانتقادات التي طالت سياسات الرئيس “جو بايدن” تجاه حرب غزة لتعزيز فرص فوزهم في الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك من خلال إلقاء اللوم على “بايدن” فيما يتعلق بتصاعد الصراعات حول العالم خلال فترة رئاسته، ومقارنتها بفترة رئاسة “ترامب” التي لم تشهد مثل تلك الحروب، تزامنًا مع تصاعد أسهم ترامب في استطلاعات الرأي الأخيرة، وتركيز ملامح برنامجه الانتخابي على تقليص تورط الولايات المتحدة في الحروب الخارجية. ضف على ذلك، نجاح الجمهوريين في تشويش صورة بايدن قبيل الانتخابات عن طريق دفع مجلس النواب الأمريكي لفتح تحقيق رسمي لعزل بايدن، بتهمة توفيره امتيازات لأعمال نجله هانتر، في الوقت الذي أشارت فيه بعض استطلاعات الرأي الأمريكية إلى أن هناك نسبة كبيرة من الشعب الأمريكي مُقتنعة بأن بايدن كان على علم بفساد ابنه.

2. ربط المساعدات لإسرائيل بالمساعدات لأوكرانيا

ليس خافيًا الدور الكبير الذي يلعبه اللوبي الإسرائيلي في ترجيح كفة الطرف الفائز عادة في الرئاسيات الأميركية، الأمر الذي استغله الجمهوريون عبر رفض المزيد من المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا، لإحراج بايدن، والتركيز على أولوية دعم إسرائيل، فيما يحاول الرئيس الأميركي دمج الدعم لها ولأوكرانيا في حزمة واحدة، تشمل التصدي كذلك للنفوذ الصيني وقضية أمن الحدود مع المكسيك، بواقع نحو 105 مليارات دولار، فيما يصر الحزب الجمهوري على دعم إسرائيل فقط بواقع نحو 14 مليار دولار.

وهو ما قد يسهم في تدعيم حظوظ ترامب الانتخابية، لا سيما مع ارتفاع نسب المعارضة الأمريكية لاستمرار الدعم الأمريكي لكييف، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس أن 41 في المئة من المشاركين وافقوا على القول بأن واشنطن “يجب أن تقدم أسلحة لأوكرانيا” انخفاضًا من 46 في المئة في مايو الماضي.

في ضوء رفض قطاع من الناخبين الأمريكيين لعودة ثنائية “بايدن- ترامب”، فضلًا عن ضبابية الرؤية حول مستقبل حرب غزة، ظهرت مجموعة من المؤشرات التي قد تسفر عن دخول مرشح ثالث إلى حلبة السباق الانتخابي الأمريكي أبرزها: دعم 58% من الناخبين الأمريكيين اختيار شخصية معتدلة بعيدًا عن الاستقطاب الحزبي؛ حيث أيّد 60% من الديمقراطيين مُرشح “الطريق الثالث” بينما دعم هذا التوجه 47% من الجمهوريين، و71% من المُستقلين، وهو ما يُؤشر على وجود رغبة شعبية واسعة لاختيار مرشح ثالث بعيدًا عن الحزبيْن الرئيسيين، ناهيك عن تقدم عمر المرشحين وما يرافقه من مشاكل صحية قد تعيق القيام بمهامهم الرئاسية، هذا إلى جانب المشكلات القانونية التى يعاني منها كل من ترامب وبايدن سواء من خلال الدعاوى القضائية بتهم الفساد والاحتيال أو الدعوة لإطلاق إجراءات العزل.

ختامًا، على الرغم من أن قضايا السياسة الخارجية – تقليديًا- تحتل مركزا متدنيًا عند الأميركيين خلال سباق الانتخابات الرئاسية، إلا أن انتخابات 2024 قد تكون استثناءً، إذ تمكنت عملية “طوفان الأقصى” من رفع “قضية دعم إسرائيل والموقف الأمريكي من حرب غزة” إلى القضايا الأكثر أهمية في السباق الرئاسي. لكن في كل الأحوال، تفصلنا سنة عن الانتخابات، ومن الممكن أن يتغير الكثير اعتمادًا على كيفية تطور الحرب بحلول ذلك الوقت.

المصدر : https://ecss.com.eg/42591/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M