المقدمة:
تشكل المبادئ والقواعد الأساسية للإجراءات الجنائية التي نص عليها نظام روما الأساسي لعام 1998 ضمانة لجميع أطراف الدعوى في أي مرحلة من مراحلها،لأنها تتصف بالعدالة والإنصاف،ومن ثم ترجع على المتهم باعتباره طرف من أطراف الدعوى؛بما تقدمه من عدالة وإنصاف وجلاء للحقيقة؛وهذا ما يسعى المجتمع الدولي كافة لإرسائه من مفاهيم لحقوق الإنسان عبر المواثيق والمعاهدات التي تضمن له محاكمه عادلة من خلال المحكمة الجنائية الدولية. ومن هنا سوف نقوم بدراسة هذه المبادئ باعتبارها ضمانة للمهم أثناء المحاكمة من خلال المحكمة الجنائية الدولية فالأتي:ـ
أهمية الدراسة:
التعرف على طبيعة المحاكمة العادلة في ظل النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية والضمانات المكفولة للمتهم أمامها، بوصفها المحكمة التي تتولى النظر في الجرائم الأشد خطورة.
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلي تبيين أهمية الضمانات التي تكفل المحاكمة العادلة للمتهم دون التعسف معه أو استعمال أي وسائل تحول دون نزاهة وعدالة المحاكمة في الدول كافة والمحكمة الجنائية الدولية على وجه الخصوص .
إشكالية الدراسة:
إن البحث في موضوع ضمانات المتهم للوصول إلي محاكمة جنائية دولية عادلة ،يوصلنا إلى السؤال عن الإشكالية الأتيه: ما مدى الحماية القانونية التي يحظى بها المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية لحقوقه من خلال نظامها الأساسي؟ وهل هناك ضمانات لحقوقه متعلقة بالقاضي الجنائي ؟
نطاق البحث:
سيقتصر موضوع البحث على ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم في نظام المحكمة الجنائية الدولية وهو نظام روما الأساسي.
المنهج المتبع:
اعتمدنا في هذه الدراسة علي المنهج الوصفي التحليلي ،وذلك بتوظيف المنهج الوصفي في وصف الحقوق الضمانات التي أقرتها المحكمة الجنائية الدولية للمحاكمة العادلة؛ والمنهج التحليلي لتحليل نصوص مواد نظام روما الأساسي .
خطة البحث:
سنقوم بدراسة هذا الموضوع من خلال تقسيمه إلي مطلبين كالأتي:
المطلب الأول: ضمانات المتهم أثناء المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بالقواعد العامة.
- الفرع الأول: المبادئ المتعلقة بموضوع الدعوى.
- الفرع الثاني: المبادئ المتعلقة بسير الدعوى.
المطلب الثاني: ضمانات المتهم أثناء المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بالقاضي الجنائي.
- الفرع الأول: نزاهة وحياد القاضي الجنائي.
- الفرع الثاني: تخصص القاضي الجنائي.
المطلب لأول: ضمانات المتهم أثناء المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بالقواعد العامة :-
من منطلق الحاجة إلى تعزيز العدالة الجنائية على المستوى الدولي ،لم يغفل واضعو النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تضمين أحكامه المبادئ الرئيسية لتحقيق ذلك، وهي مبادئ تستند في أصولها إلى القواعد العامة والتي استقرت في النظم القانونية المختلفة وأكدت عليها العديد من الوثائق الدولية.
ولتسليط الضوء على هذه المبادئ نتناول في هذا المطلب الفرعين الآتيين:
الفرع الأول:
المبادئ المتعلقة بموضوع الدعوى:
إن المبادئ المتعلقة بموضوع الدعوى ،هي تلك التي تعني بالفعل (الجرم) القائمة عليه الدعوى الجنائية ؛ومن هنا فإن القواعد القانونية لم تجعل العقوبة جزافا إنما وضعت لها مبادئ تنظمها لحماية حقوق المتهم وفقا للعدالة وحفاظا للحقوق الإنسان وهي :_
- مبدأ الشرعية الجنائية :_
وهو مبدأ مستقر ومعروف وذات أهمية بالنسبة للقانون الجنائي سواء على المستوى الدولي أو على المستوي الداخلي، لما يحققه من ضمان الاستقرار والاطمئنان وعدم خشية المفاجآت في مجال التجريم والعقاب ؛ إذ يعني هذا المبدأ أن (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) حيث تبرز الفكرة الأساسية في أنه يكفل للمتهم محاكمة عادلة بخضوعه لجرائم منصوص عليها مسبقا ومجرمه بنص قانوني ومحدده عقوبتها ،بحيث يحميه من تعسف القضاء وكذلك يمنع هذا المبدأ القياس فالتجريم أو العقوبة ويمنع التوسع في تفسير النص بل ويجعل من الغموض يفسر لصالح المتهم[1].
وهذا ما نص عليه نظام روما الأساسي في المادة 22 على أنه لا جريمة إلا بنص ،والتي كان فحوها في فقرتها الأولى عدم معاقبة على سلوك لم يكن جريمة منصوص عليها وقت ارتكابه تدخل فاختصاص المحكمة الجنائية الدولية، أما فقرتها الثانية فقد منعت التوسع فالتفسير ومنعت القياس بل جعلت الغموض يفسر لصالح المتهم أيضا.
ونص المادة 23 لا عقوبة إلا بنص(لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقا لهذا النظام).
- مبدأ عدم رجعية القوانين:_
إن مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي تفيد أن هذا القانون لا يسري ولا يطبق إلا على الأفعال التي ارتكبت في ظله ، أي عدم جواز تطبيقه بأثر رجعي على الأشخاص أو على الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الأشخاص قبل سريان القانون الجديد[2] .ويبدو الأمر أكثر وضوحا في نطاق القانون الجنائي الدولي،وتحديدا نظام روما الأساسي فقد تناولت المادة 24 منه هذا المبدأ من زاويتين الأولى خاصة ببدء نفاذ اختصاص المحكمة ،والثانية خاصة بعدم الرجعية في مفهومه القانوني .[3]
ومن هنا تكون مقاضاة الشخص من اختصاص المحكمة بعد تاريخ 01 يوليو 2002 والذي دخل فيه حيز النفاذ،ومن ثمة فليس للمحكمة أن تمارس ولايتها القضائية إلا على الجرائم التي تقع بعد النفاذ أو عند إعلان دولة ما الانضمام إلي المحكمة في اليوم الأول من الشهر الذي يلي الستين يوما أو إعلانها القبول باختصاص المحكمة.أما في فقرتها الثانية فتضمن هذا المبدأ بمفهومه القانوني وعدم رجعية القانون إلا إذا كان أصلح للمتهم وقبل صدور الحكم النهائي.[4]
- مبدأ عدم المحاكمة عن ذات الفعل مرتين:_
يعد عدم جواز المحاكمة عن الجرم مرتين من المبادئ المستقرة في كافة مصادر القانون الدولي والتشريعات الوطنية للدول ويعتبر من أهم حقوق المتهم الواجب مراعاتها ،ويعني أنه لا يجوز محاكمة الشخص عن جرم ما كان قد أدين وحكم عليه به أو تم تبرئته منه ولنفس الوقائع والأساس في محكمة أخري، وهو بذلك يحمي الأشخاص من المثول مرتين أمام المحاكم( الدولية والوطنية) ؛ وهذا ما يتفق مع مبدأ احترام الأحكام القضائية وهذا ما تضمنه نظام روما الأساسي في المادة 17 الفقرة 1 ،وكذلك المادة 20 فقرة 1،2 إلا أنها وضعت استثناء في فقرتها الثالثة في حال كانت المحاكمة اتخذت لحماية الشخص ،كذلك في حال لم تتسم المحاكمة بالنزاهة والاستقلال.
ومن هنا فإن الأحكام الجنائية الصادرة من القضاء الوطني لها حجة كاملة أمام المحكمة الجنائية الدولية إذا جرت المحاكمات الصادرة بشأنها بطريقة عادلة ومستقلة ونزيهة ؛ومن هنا نرى أن هذا امتداد لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية إزاء المحاكم الوطنية وهو ما ينبثق عن مبدأ التكامل.
الفرع الثاني:_
المبادئ المتعلقة بسير الدعوى:_
إن المبادئ المتعلقة بسير الدعوى،هي تلك المبادئ التي تحدد الإجراءات الواجب إتباعها للسير فالدعوى الجنائية والتي تعد من أهم المبادئ التي تكمل المبادئ الموضوعية وتضمن حسن سيرها ، وتضمن العديد من حقوق المتهم بإتباعها ولا غنى عنها فالدعوى وهي :
- مبدأ قرينة البراءة:_
انطلاقا من هذا المبدأ فإن الأصل في الإنسان البراءة ،ومن هنا فان أي شخص متهم بجريمة مهما بلغت جسامتها يجب معاملته بوصفه شخصا بريئا حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات[5] .ومن خلال هذا المبدأ تنطلق عدة نتائج تعد من أهم حقوق المتهم وهيا:_
- أ- أن عبء الإثبات يقع علي عاتق النيابة العامة (المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية)كدائرة اتهام، المادة 66 من نظام روما الأساسي.
- ب- في حالة الشك فإنه يفسر لصالح المتهم بالبراءة،المادة 66 من نظام روما الأساسي .
- ت- حق المتهم فالصمت وعدم الكلام، المادة 55 من نظام روما الأساسي.
- ث- حق المتهم في الدفاع عن نفسه ،وتوكيل محام، المادة 55 من نظام روما الأساسي.
- ج- فحال عدم وجود إثبات يكون الحكم بالبراءة ،ولا يجوز النقض فيه؛علي خلاف الحكم بالإدانة فمن حق المتهم الطعن فيه بالطرق المقررة له قانونا. إلا أن هناك استثناء على هذا فالمادة رقم 81 بالاستئناف في حكم البراءة بموجب المادة 74 من نظام روما الأساسي من المدعي العام بالنظر في ثلاث أسباب الغلط الإجرائي أو الغلط فالوقائع أو الغلط في القانون.
أما بالنسبة لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فقد جاء في أحكام مواده تأكيدا لقرينة البراءة وذلك تعزيزا للمحاكمة العادلة ،فنصت المادة 66 فقرة 1 أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته أمام المحكمة الجنائية الدولية ، وفي الفقرة الثانية من نفس المادة تضع عبء الإثبات في جميع مراحل الدعوى علي المدعي العام ، أما في فقرتها الثالثة من ذات المادة نصت صراحة علي أنه لكي تدين المحكمة المتهم يجب أن تقتنع بأنه مذنب بدون أي مجال للشك ؛ وفي المادة 67 فقرة3 نصت علي أنه لا يجوز أن يفرض على المتهم عبء الإثبات أو واجب الدحض علي أي نحو.
- مبدأ علانية المحاكمة :_
المقصود بعلنية المحاكمة هو أن لكل فرد الحق أن يحضر المحاكمة دون قيد أو شرط ، علي أن تتاح له فرصة مشاهدة إجراءات المحاكمة ، وكذلك السماح بنشر وقائعها بواسطة وسائل النشر المختلفة [6]. فعلنية المحاكمة تعد حق للمتهم كونه يساعد في ضمان محاكمة عادلة للمتهم وحمايته من أية محاولة لإساءة استغلال إجراءات التقاضي لإيقاع الأذى ؛ فهي تعطي للجمهور دور المراقب على نزاهة الجهاز القضائي ؛ كذلك يعطي حق المتهم بمعرفة التهم المنسوبة إليه .وهذا ما نص عليه نظام روما الأساسي علي قاعدة العلانية بموجب المادة 67 فقرة 1 ،إلا أنه جعل لهذا المبدأ استثناء في المادة 68 الفقرة 2 وجعلها سرية في حال كان لحماية الشهود أو المجني عليه أو المتهم ،أو حماية معلومات حساسة وسرية يتعين تقديمها كأدلة كذلك نص المادة 63 التي ضمنت حضور المتهم في نظام روما جاء لها استثناء من نفس المادة فقرة 2 في حال حضور المتهم يعطل سير المحكمة ولفترة محدودة علي أن يتابع المحاكمة من خلال وسائل أخرى كاستخدام التكنولوجية أو توجيه محاميه.
ونتج عن مبدأ العلانية في نظام روما عدة حقوق (م67 )منها إلا يجبر بالشهادة ضد نفسه ، أن يستعين بمترجم ، أن يبلغ تفصيلا بالتهم المنسوبة إليه وإعطائه الوقت الكافي والتسهيلات لتحضير دفاعه.
- مبدأ سرعة المحاكمة:_
يقصد بسرعة المحاكمة أن يتم الفصل في الدعوى خلال مدة معقولة وفقا للمدد المتبعة فالإجراءات ،لان المبالغة في مدة الفصل يسبب الأم للمتهم بحكم وضعه موضع اتهام ، فضلا على أن طول الانتظار يؤدي إلي إصابة الشهود بالنسيان مما يؤثر على معرفة الحقيقة ،وبالتالي استبعاد المحاكمة المتسرعة التي تهدر فيها حقوق الدفاع[7].
وقد أوجب النظام الأساسي للمحكمة الدولية في المادة 67 فقرة 1 على ضرورة محاكمة المتهم خلال فترة زمنية معقولة تحدد حسب ملابسات كل حالة دون تأخير لا مبرر فيه.
لأن العدالة البطيئة تعتبر درجة من درجات الظلم ومن هنا نجد أن سرعة الفصل فالدعوى ضمانة أساسية للمتهم.
المطلب الثاني :
ضمانات المتهم أثناء المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بالقاضي الجنائي:_
يؤدي القاضي الجنائي الدولي دورا مهما في الدعوى الجنائية الدولية التي تنظرها المحكمة الجنائية الدولية ، فهو من يقودها ويفصل فيها ،وهذا ما يتطلب أن يكون محايدا عند الفصل في النزاع المعروض عليه،وأن يكون ملما ومتخصصا في المنازعات ذات الطابع الجنائي دون غيرها ؛ لما في ذلك من ضمان لإقامة العدل وما يشكله من ضمانة هامة للمتهم. وهذا ما سنتطرق إليه فالفرعين الآتيين :_
لفرع الأول:
نزاهة وحياد القاضي الجنائي :_
إن وظيفة القضاة تحقيق العدالة ، وهي تستلزم أن يكون القاضي عند تطبيقه للقانون متجردا بعيدا عن التأثر بالعواطف والمصالح الشخصية ، ويجب عليه أن يطبق القواعد القانونية التي تحقق العدالة لمفهوم النظام القانوني .[8]
إن حياد القاضي لا يتحقق إلا بإبعاد كل تأثير على عقيدته وقناعته ووجدانه، أن تكون قناعته وفقا للوقائع والأدلة المعروضة عليه [9]. وبالنظر لأهمية حياد القاضي كضمانة للمتهم فقد ورد التأكيد عليها فالنصوص الوطنية للدول وعامة ، وورد التأكيد عليها في نظام روما الأساسي وهو ما نصت عليه المادة 40 في فقراتها الثلاث ؛ علي أن يكون القاضي مستقلا ،ولا يزاول أي مهنة تتعارض مع الوظيفة ،وان لا يزاول أي مهنة ذو طابع مهني واشترطت منهم العمل على أساس التفرغ.
وقد تبنت التشريعات الوطنية وكذلك نظام روما الأساسي للموانع التي تحول دون حياد القاضي، وتلك الموانع هيا عدم الصلاحية والرد والشكوى ،إلا أن الرد والشكوى لابد من تقديم طلب من المتهم للرد والخصومة ؛ أما عدم الصلاحية فأوجبت على القاضي الامتناع عن نظر الدعوى وافصل فيها حتى لو لم يطلب الخصوم ذلك ،وهذا ما سنتطرق إليه هنا باعتباره ضمانة مهمة دون الدفع بها دون سابقاتها .وسنقوم بذكر أسباب عدم الصلاحية فالأتي:
- سبق للقاضي العمل في دعوى تتعارض مع اشتراكه بالنظر فالثانية:_
يجب أن يكون القاضي الذي تعرض عليه الدعوى بعيدا عن أي علم سابق بها وألا يكون له رأي سابق فيها ، وإن كان عكس ذلك فالعدالة تحتم منعه من نظرها والفصل فيها كي لا يتأثر حكمه بها في الرأي الذي تكون لديه أو بالمعلومات التي توصل إليها .[10]
وقد تضمن نظام روما الأساسي هذا السبب ، حيث نصت المادة (41 فقرة 2 \أ) على أنه (لا يشترك القاضي في أي قضية يكون حياده فيها موضع شك معقول لأي سبب كان ،وينحى القاضي عن أي قضية وفقا لهذه الفقرة، إذ كان قد سبق له ضمن أمور أخري ، الاشتراك بأي صفة في تلك القضية أثناء عرضها على المحكمة أو في قضية جنائية متصلة بها على الصعيد الوطني تتعلق بالشخص محل التحقيق أو المقاضاة ، وينحى القاضي أيضا للأسباب الأخرى التي قد ينص في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات) .
- قيام القاضي بمهمة الدفاع عن أحد الخصم :_
يتعذر على من قام بالدفاع والترافع عن أحد الخصوم في قضية معينة ، أن يقوم بالبت في تلك القضية ،فيما لو عين قاضيا فيما بعد ، فالقاضي الذي تولى الدفاع عن أحد الخصوم سوف ينحاز لمن قام بالدفاع عنه، وهذا ما يؤدي إلى انتقاء حياده [11].
وقد اعتبر نظام روما الأساسي قيام القاضي بمهمة الدفاع عن أحد الخصوم من الأعمال التي توجب عليه الامتناع عن الفصل فالدعوى المعروضة عليه .
- أسباب أخرى تمنع القاضي من النظر فالدعوى لعدم الصلاحية :_
هناك عدة أسباب أخرى تمنع القاضي من النظر فالدعوى ومنها ،إذ كان قد سبق له أداء الشهادة في دعوى معينة من الفصل فيها ، وهو ما تم استنتاجه من نظام روما الأساسي فمادته 34/1/ب ؛ كذلك ما نصت عليه نفس المادة إذ سبق له القيام بعمل خبير فالدعوى فمن غير المقبول أن يعهد للشخص مراقبة وتقدير الدليل الذي قدمه .
وغيرها من الأسباب التي نص عليها نظام روما كقيام مصلحة تمنع القاضي من النظر فالدعوى ،وقيام علاقة قرابة أو مصاهرة تمنع القاضي من النظر فالدعوى م(34/1/أ) ؛ كذلك إن سبق قيام القاضي بوظيفة الإدعاء العام فالدعوى م(34/1/ج).[12]
الفرع الثاني:
تخصص القاضي الجنائي:_
تعد مسألة تخصص القاضي الجنائي مسألة في غاية الأهمية ، حيث لم يعد يشترط أن يكون القاضي الجنائي علي علم بالقانون والخبرة بفن تطبيقه فقط ، بل يضاف إلي ذلك إلمامه بمجموعة من العلوم الأخرى ذات الصلة بالظاهرة الإجرامية وأساليب المعاملة العقابية ، كعلم الإجرام وعلم العقاب ، وعلم الاجتماع الجنائي ، وعلم النفس الجنائي ، والطب الشرعي .
إن التعريف السليم لتخصص القاضي الجنائي ، هو تأهيله تأهيلا يجعل منه أهلا لنظر الجنائية وغيرها من العلوم ذات الصلة بالقضايا الجنائية .
ونظرا لأهمية موضوع تخصص القاضي الجنائي ، فقد حظي باهتمام ورعاية من نظام روما الأساسي، حيث اشترط هذا النظام إن يتوفر في كل مرشح لمنصب قاض في المحكمة الجنائية الدولية الكفاءة في مجال القانون الجنائي والإجراءات الجنائية ، وفي مجالات القانون الدولي ذات الصلة بالموضوع . بل واشترط أن يكون من بين الأعضاء المنتخبين قضاة ذو خبرة في مسائل محددة دون حصر كمسألة العنف ضد النساء أو الأطفال .[13]
_والفائدة التي يجنيها المتهم من تخصص القاضي الجنائي هي:
- إن تطبيق القانون بالنسبة للقاضي يلزم عليه دراسة الأسباب التى أدت الي ارتكاب الجريمة ،سواء كانت نفسية تتصل بشخصه ،أو اجتماعية تتصل بالبيئة ،إضافة ما أحاط به من ملابسات وظروف .
- إن إدراك القاضي للأسباب والظروف يؤثر على العقوبة والتدابير التي يقررها القاضي ، لذا فان عدم الأخذ بها من شانه أن يجعل الحكم غير عادل . وبالتالي لا تتحقق وظيفة العقوبة المتمثلة في الردع والإصلاح .
- إن تخصص القاضي الجنائي يهدف لقيام العدالة الجنائية الدولية التي تسعى لتحقيق التوازن بين مصلحة المجتمع الدولي ومصلحة المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية .
الخاتمة:
تكمن أهمية ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية الدولية التي تنظرها المحكمة الجنائية الدولية كونها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان ، التي يسعى التطرق إلي أهم ضمانات المتهم أثناء محاكمته أمامها سواء المتعلقة بالقواعد العامة التي تختص ب(موضوع الدعوي،وسير الدعوى) وهو ما يسعى المجتمع الدولي إلي الحفاظ عليها منذ القدم ؛ وهو ما بينته الدراسة من خلال ضمانات حقوق المتهم، وتلك الضمانات التي تتعلق بالقاضي الجنائي من حيث نزاهته وحياده، وكذلك تخصص القاضي الجنائي،ومن هنا نجد أن الحماية القانونية لحقوق المتهم في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية اشتملت على العديد من الضمانات بشكل واسع. ومن خلال هذا نتوصل إلي النتائج الآتية :
- تعد مبادئ القواعد العامة في نظام روما الأساسي ضمانة للمتهم في أي مرحلة من مراحل الدعوي ، ومن خلال هذه المبادئ ضمنت الكثير من حقوق المتهم في فحوها.
- المبادئ المتعلقة بموضوع الدعوى تضمن للمتهم عدم تعسف القاضي فالتجريم والعقاب وكذلك التوسع والقياس في تفسير النصوص ،وحمايته من الأثر الرجعي لتجريم فعل ما ،وعدم معاقبته على ذات الفعل مرتين إلا فالأحوال المبينة علي سبيل الإستثناء.
- المبادئ المتعلقة بسير الدعوى رغم أنها تتعلق بالإجراءات في ظاهرها ، إلا أنها تضمن العديد من الحقوق للمتهم منها حقه فالدفاع ووضع عبء الإثبات على المدعي العام وغيرها.
- الضمانات المتعلقة بالقاضي الجنائي للمتهم ،تضمن له نزاهة وحياد القاضي في حال عدم صلاحيته لأي سبب وجعلت الإجراء بالمنع للقاضي من تلقاء نفسه، وفي بعض الأحوال لابد من طلب المتهم بالرد أو الشكوى.
- تخصص القاضي الجنائي يضمن للمتهم توقيع العقوبة المناسبة بالنظر للأسباب والعوامل المحيطة .
التوصيات:_
- النص في نظام روما الأساسي علي جهة معينة غير المحكمة الجنائية الدولية تحدد ما إذ كانت المحاكمة في القضاء الوطني كانت على درجة من نزاهة أم هناك ما يستوجب محاكمة المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية مره أخري.
- النص الصريح في نظام روما الأساسي من موقف الإجراء الصادر من القاضي الجنائي قبل تنحيه في حال وجود أسباب تحول دون نزاهته ، والإجراء الصادر قبل رده أو عزله.
المراجع:
- حسن بشيت خوين ،ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية ، الجزء الثاني ،خلال مرحلة المحاكمة ،د.الثقافة ،عمان ،ط1 ،1998.
- عصام عبد الفتاح مطر ، القضاء الجنائي الدولي مبادئه وقواعده الموضوعية والإجرائية ،د.الجامعة الجديدة، الإسكندرية ، 2008 .
- علي فضل أبوا لعينيين ،ضمانات المتهم في مرحلة المحاكمة ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 2006.
- مصطفى العوجي ، دروس في أصول المحاكمات الجزائية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ، ط1 ،2009.
- أحمد فنز العبيدي ، ضمانات المتهم أثناء المحاكمة وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ،ط1 ،د.وائل عمان ، الأردن ، 2012.
- براء منذر كمال عبد اللطيف ، النظام القضائي للمحكمة الجنائية الدولية _طبعة أولى ، دار حامد للنشر _عمان_2000.
القوانين:-
النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، نظام روما ،في 17/07/1998 الذي دخل حيز التنفيد01/07/2002.
[1] أحمد فنر العبيدي، ضمانات المتهم أثناء المحاكمة وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ،ط1 دار وائل ،عمان،سنة 2012 ص 130.
1 عمر سعد الله ،المحاكمة الجنائية العادلة ، ط. الأولى ،دار الحامد للنشر والتوزيع،عمان ،2000
[3] المادة 24 من نظام روما الأساسي الفقرة1،
[4] عمر فخري ،حق المتهم في محاكمة عادلة ، دراسة مقارنة ، د.الثقافة ،عمان، سنة2005،ص 16.
[5] عمر فخري،مرجع سابق ،ص18.
[6] عبد القادر بقيرات ، العدالة الجنائية الدولية، دار شمس المعرفة للنشر ،سنة2005، ص 235
[7] براء منذر كمال ، النظام القضائي للمحكمة الجنائية الدولية، ط.أولى ،عمان ،دار الثقافة للنشر والتوزيع، سنة 2000.
[8] براء منذر ،مرجع سابق، ص 200
[9] أحمد فنز العبيدي، مرجع سابق، ص140
[10] عبد القادر بقيرات ، مرجع سابق 244
[11] براء منذر ، مرجع سابق ص203
[12] من نظام روما الأساسي لسنة 1998 فيما يخص القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات .
[13] حسين بشيت ، مرجع سابق، ص65.