علي حسين عبيد
طريقان يسعى العراق توظيفهما لصالح التنمية المستدامة فيه، وقد حاول ذلك عندما عُرِض عليه المشاركة في طريق الحرير عبر الصين، ثم تم طرح طريق التنمية الذي يبدأ من ميناء الفاو قاطعا مدن العراق نحو شماله، أملا في تحقيق قفزة تنموية على مراحل متتالية، ولكن ما نهدف إليه في هذا المقال هو طريق آخر، موازٍ لطريق الحرير وطريق التنمية، ألا وهو طريق التنمية الثقافية، فهل يمكن للثقافة أن تدعم التنمية الاقتصادية في العراق؟
التنمية تعني التطوير والتوسع في الاتجاه الصحيح، فكل شيء ينمو حتى الأشياء غير الصالحة، لهذا تشمل التنمية الجيد والرديء، وطالما أن الأخير لا يصب في صالح الإنسان، فلابد أن يتجنبه، ويتمسك بالتنمية الجيدة والصحيحة، الهدف قد يكون ذا مسعى فردي، لكن التنمية اليوم هدف أوسع بكثير، فالدول تخطط وتضع الخطوط العريضة للتنمية.
العراق بلد حيوي، فيه مقومات ومستلزمات التنمية والنهوض الكبير، لهذا باتت الجهات الحكومية والسياسية وسواها تردد مصطلح التنمية كثيرا، وجل هذا الدعوات تتركز على تنمية الاقتصاد، أو العمران، أو الطرق والجسور والشوارع والأبراج وكل ما يقع ضمن إطار الجانب العمراني، ولعل المشروع الجديد الذي طرحته الحكومة العراقية يصب في هذا الاتجاه.
ومنها طريق التنمية أو القناة الجافة وهو مشروع عراقي لربط سككي وبري بين تركية وأوربة شمالاً والخليج العربي جنوباً، لنقل البضائع بين الخليج وأوربة، وقد ذكر المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء العراقي في يوم 27 أيار سنة 2023 أن المشروع سيخدم المنطقة اقتصادياً وسينقل البضائع من أوروبا إلى الخليج وبالعكس عبر العراق.
طريق الحرير العراقي
فما هو طريق الحرير العراقي الذي سيربط آسيا بأوروبا؟، هذه الخطة الواعدة أعلن عنها رسمياً رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مؤتمر دولي عقد في بغداد، في 27 مايو/أيار 2023، وأطلق عليها اسم “طريق التنمية”. وجمع مؤتمر بغداد مسؤولي النقل في 10 دول مجاورة للعراق، وهي: تركيا والسعودية وإيران وقطر والكويت والإمارات وسوريا والأردن والبحرين.
مشروع “طريق الحرير العراقي” مرتبط باستكمال إنجاز ميناء الفاو الكبير، بمحافظة البصرة، المُطلّ على الخليج العربي، والذي انطلقت عمليات تشييده قبل أكثر من عقد، وبلغت نسبة إنجازه 50%، بتكلفة تصل إلى 2.6 مليار دولار، ومن المنتظر البدء في تشغيله جزئياً في عام 2025. ويمتد خط السكك الحديدية من ميناء الفاو الكبير جنوباً إلى الحدود العراقية – التركية شمالاً، على طول 1200 كلم، ويكلف ميزانية ضخمة تقدر بنحو 17 مليار دولار، ويهدف لنقل 400 ألف حاوية من البضائع في مرحلته الثانية.
قسمت عملية إنجاز “طريق التنمية” إلى ثلاث مراحل: الأولى تنتهي في عام 2028، والثانية في 2033، والثالثة في 2050. وتخطط الحكومة العراقية لاقتناء قطارات فائقة السرعة تصل إلى 300 كلم في الساعة بالنسبة لقطارات نقل الركاب، لكنها تنخفض إلى 140 كلم في الساعة بالنسبة لنقل البضائع.
طريق الثقافة هو الحل
لقد أوضحنا بعض تفاصيل طريق التنمية وطريق الحرير لكي يكون الأمر واضحا أمام القارئ المهتم لاسيما العراقي، ولابد أن نؤكد بأن طريق التنمية الثقافية يجب أن يحصل على الحصة الكافية والمهمة من الاهتمام الرسمي والجماهيري الشعبي أو الأهلي، كما يقع جزء كبير من هذا الاهتمام على عاتق منظمات المجتمع المدني، وجميع المنظمات والاتحادات الثقافية، لكي نضمن التطور الثقافي الموازي للتطور التنموي الاقتصادي.
لماذا علينا كعراقيين أن نركز على طريق التنمية الثقافي؟، من الواضح إن قلة الوعي، والجهل وانتشاره على نحو واسع سواء بين الشباب أو بين الفئات والشرائح الأخرى، سوف يؤدي إلى ضمور في التفكير، وتراجع في السلوك الحيوي، وتناقص في الإدارة المتطورة، وهذا يعني تراجع فرص المشاريع التنموية حتى لو كان مصدرها عالميا، فالعنصر البشري هو الركن الأهم في التطوير التنموي، وإذا كان الإنسان خاملا جاهلا متقاعسا، فلن تكون هناك أية فرصة لنجاح أي مشروع اقتصادي أو سواه.
لهذا من الواجب على العراقيين، لاسيما المسؤولين في التخطيط والإدارة، أن يخصصوا الجهد المطلوب، والموارد اللازمة للارتقاء بالجانب الثقافي عند العراقيين، ويجب التركيز على صناعة الإنسان المثقف الواعي الذكي القادر على الانخراط في المشاريع التنموية وفهمها والتحرك الحيوي في إطارها، وبالتالي تحقيق النجاح المزدوج (الثقافي الاقتصادي).
طريق الحرير، أو طريق التنمية، يجب أن يرفقهما الطريق الموازي الأهم، وهو طريق التنمية الثقافية، فلا تطور اقتصادي ولا سياسي ولا صحي ولا تعليمي، ما لم يكون هناك تطور ثقافي يصنع الوعي اللازم للإنسان العراقي، ويجعله على معرفة تامة بأهمية أن يكون مثقفا مفكرا مدركا و واعيا، قبل أن يكون عاملا لا يعرف ماذا يريد أو كيف يتعامل مع أدوات التطور المختلفة.
.
رابط المصدر: