طريق اللا عودة.. لماذا أصبح التوصل إلى الاتفاق النووي وشيكًا؟

 علي عاطف

 

حتى أيام قليلة خلت، كان التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى في فيينا احتمالًا غير مرجّح في الوقت الراهن تحديدًا؛ بسبب إصرار طرفي المعادلة على مطالبهما؛ إذ أرادت طهران رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب والتوصل إلى صيغة مؤكدة تُرفَع بموجبها كافة العقوباتُ الاقتصادية عنها مستقبلًا، بينما اختلف المفاوضون الغربيون مع بعض هذه المطالب وطريقة تنفيذ البعض الآخر.  ومع ذلك، أصبح المطلب الذي تسعى إيران من ورائه إلى الحصول على “ضمانات” من الولايات المتحدة بشأن طريقة التعامل في حالة خروج واشنطن مجددًا من الاتفاق النووي العقبة الكبرى خلال الأيام الماضية.

وقد حاولت الأطراف المعنية بالاتفاق النووي، والتي ليس شرطًا أن تكون مشاركة في المفاوضات أو الاتفاق اللاحق، التوسط بين طهران وواشنطن من أجل حلحلة هذه المعضلة التي تبدو ظاهريًا أنها العقبة الأخيرة في سبيل التوصل إلى اتفاق نووي طال انتظارُه منذ أن انطلقت المحادثات المعنية في أبريل 2021. ويبدو أن هذه المجهودات قد نجحت مع ما تبلور خلال الأيام القليلة الماضية من وجهات نظر متفائلة في طهران والعواصم الغربية المعنية بشأن قرب الإعلان عن اتفاق نووي في النمسا، على الرغم من أن الإيرانيين لا يزالون يرون أن “التقدم” الأخير الذي تم إحرازُه “لم يُلبِّ بشكلٍ كامل المطالب القانونية” لطهران.

 ونستعرض فيما يلي المؤشرات الأخيرة ذات الصلة التي ترجّح قرب التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية.

التوصل إلى تسويات بشأن العوائق المانعة الكبرى

تمثل مسألة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، خاصة تلك التي تم العمل بها منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أهم المطالب والأهداف الإيرانية من وراء الانخراط في المفاوضات النووية الرامية إلى التوصل إلى اتفاق حول تقييد أنشطة طهران النووية.

وتجيء بعد رفع العقوبات، قضايا أخرى على الرغم من إصرار طهران عليها ظاهريًا إلا أنها لا تمثل تهديدًا جديًا يمكنه أن يتسبب في انهيار المفاوضات النووية وعدم التوصل إلى اتفاق في النهاية. ومن بين هذه القضايا يجيء مطلب رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية، وآلية التحقق من الالتزامات وعملية تبادل السجناء، علاوة على رغبة طهران في الحصول على ضمانات لعدم خروج الولايات المتحدة، أو أية دولة أخرى، من الاتفاق النووي بعد التوصل إليه.

وخلال الأشهر الماضية، توصلت مختلف الأطراف المنخرطة في المفاوضات النووية إلى حلول بشأن أغلب هذه المطالب والقضايا. ومع أنه لم يتم الإعلان على وجه التحديد عن تفاصيل بشأنها أو كيفية تسويتها، إلا أن مسار المفاوضات والتقدم الحاصل فيه إلى جانب تصريحات الدبلوماسيين والسياسيين الغربيين والإيرانيين تؤكد أنه قد جرت حلحلة هذه العوائق الكبرى، حتى تم تقديم “صيغة نهائية” للاتفاق النووي تعمل العواصم المشاركة في المفاوضات والاتفاق على بحثها ومناقشتها داخليًا في الوقت الراهن من أجل أن تعلن نهائيًا عن موقفها، وهو ما يعني في أغلب التقديرات الإعلان عن الاتفاق النووي لاحقًا.

ولقد أكد على هذه التطوراتِ المتحدثُ باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، يوم 16 أغسطس الجاري حين قال إنه تمت تسوية “العوائق الكبرى التي تمنع التوصل إلى اتفاق نووي”. وأوضح أنه “جرى التفاوض على كل ما كان يمكن التفاوض حوله” وأن “الرد الإيراني فيما يتعلق بالصيغة النهائية المقترحة (للاتفاق النووي) من جانب الاتحاد الأوروبي قد وصلنا ونقوم بالنظر فيه”.

وذهب المسؤول الأمريكي في الوقت نفسه إلى التأكيد على “إننا عبرنا القضايا الكبرى حول استئناف إيران للالتزامات إزاء الاتفاق النووي علاوة على رفع الولايات المتحدة للعقوبات. نحن نعتقد أن المشكلات الكبرى قد تم حلُها”. وفي إيران، قالت الحكومة إن البلاد قد قدّمت “الرد المبدئي” على نص مقترح الاتحاد الأوروبي الخاص بالاتفاق النووي، فيما أشارت الخارجية إلى أنه “تم إحراز تقدم نسبي في عدد من القضايا في الجولة الأخيرة من المحادثات النووية في فيينا”.

  • كيف سيتم وضع حلول “نهائية” للملفات الكبرى بعد التوصل إلى اتفاق نووي؟

بوجه عام، على الرغم من عدم إتاحة تفاصيل بشأن كيفية حل هذه المسائل مستقبلًا، إلا أنه يُرجَّح أن رفع العقوبات عن إيران سوف يكون تدريجيًا وعلى مراحل بعد التوصل إلى الاتفاق النووي. بجانب أن حذف جميع العقوبات عن طهران يُعد خيارًا غير مطروح بالمرة، سواء كان هذا الحذف تدريجيًا أو دفعة واحدة. ولكن على أي حال، سوف تزيل الولايات المتحدة تدريجيًا بعض العقوبات عن طهران بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، خاصة تلك المفروضة على القطاع النفطي، لأن هذا القطاع هو أكثر ما يهم إيران؛ لأنه المورد الأكبر للإيرادات المالية.

أما بخصوص إزالة اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، فإن الولايات المتحدة قد أوضحت كثيرًا أن رفع الحرس من هذه القائمة “خارج مفاوضات فيينا”، أي أن المفاوضات تركز فقط على الملف النووي لإيران. وأعادت واشنطن التأكيد على ذلك في أحدث تصريحات معنية أدلت بها مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية يوم 17 أغسطس 2022. ويذكّرنا هذا الموقف من ناحية بإصرار إيران على رفض طرح ملفها الصاروخي والإقليمي على طاولة المفاوضات قائلة إن المفاوضات “نووية” فقط.

ومع ذلك، فإذا ما أبدت إيران لاحقًا التزامًا ببنود الاتفاق النووي وأصرت من جديد على طرح هذا الأمر، فقد تحاول التفاوض من جديد مع واشنطن بخصوصه، وفي حالة ذلك الالتزام قد يتوصل الطرفان إلى حلول بشأن ذلك الملف.

وتُعد قضية تبادل السجناء بين إيران والدول الأوروبية والولايات المتحدة ملفًا آخر يستحوذ على قدرٍ كبير من النقاش. ولكن هذه القضية تختلف عن الملفات السابقة؛ لأنها تشمل مصالح متبادلة، وتتضمن في الوقت نفسه مكاسب سياسية للإدارة الأمريكية في حال استطاعت الإفراج عن سجناء أمريكيين في إيران.

لذا، فإن تبادل السجناء بين إيران والدول الغربية لا يرتبط بشكل جذري بالحالة التي سيكون عليها الاتفاق النووي ومدى الالتزام به من عدمه، بل إن أهمية الملف نفسه، علاوة على المكاسب السياسية المتصلة بالنجاح في الإفراج عن معتقلين في طهران، تجعله قابلًا للطرح في أي وقت.

“الضمانات”.. آخر الملفات المتبقية القابلة للتسوية

خلال جولة المباحثات النووية التي جرت مؤخرًا في فيينا بين الدول المشاركة، طرحت إيران من جديد ما يبدو أنه “آخر العوائق” المتبقية قبل التوصل إلى اتفاق نووي، وهو طلبها الحصول على “ضمانات” تجعل خروج الولايات المتحدة مرة جديدة من الاتفاق النووي المتوقع التوصل إليه قريبًا أمرًا أكثر صعوبة.

وترى إيران أن منع الإدارة الأمريكية الحالية أو المقبلة من الانسحاب من الاتفاق النووي قد يتم عن طريق أحد هذين الخيارين أو كليهما معًا:

  • التهديد في بنود الاتفاق النووي بأن إيران سوف تقوم بتخصيب اليورانيوم مرة من جديد وبمستويات عالية إذا ما خرجت واشنطن من الاتفاق.
  • وضع بند في الاتفاق ينص على منح إيران تعويضات مالية كبرى إذا ما خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق.

وعلى الرغم من إصرار إيران على هذا المطلب (الضمانات) وطرحه بشكل مكثّف مؤخرًا، إلا أنه لا يُعد بذاته عائقًا جوهريًا أمام التوصل إلى اتفاق نووي؛ إذ إنه بالأساس يحاول معالجة أمر “قد” يحدث بعد التوصل إلى الاتفاق النووي في فيينا. ما يعني أن طرحه، الذي تم الترويج له في الأسابيع الأخيرة من المفاوضات، يؤكد قرب التوصل إلى اتفاق نووي؛ لأنه إذا لم تكن المفاوضات قد وصلت إلى مرحلة حساسة، لما كان من المنطقي تقديم هذا الشرط الإيراني في الوقت الحالي.

وعلى أي حال، يثير الخيار الثاني في إيران تساؤلًا يتمحور حول: “كيف يمكن منح إيران أموالًا من جانب دولة حال خرجت من اتفاق لم تعد ملتزمة به؛ أي أنه في حال خرجت واشنطن على سبيل المثال من الاتفاق النووي مرة أخرى، فإنها ستكون بذلك غير ملزمة ببنود ذلك الاتفاق النووي كلية وبالتالي ستصبح غير ملزمة بمنح إيران أموالًا كتعويض لها عن خروجها”.

جلسات غير معلنة للبرلمان الإيراني تحسم الجدل

عقد البرلمان الإيراني خلال أسبوع واحد عددًا من الجلسات غير المعلن عنها تناولت بشكل رئيس اللحظات الأخيرة في المفاوضات النووية، ومسألة الضمانات الإيرانية المُشار إليها آنفًا. وكانت الجلسة الأكثر أهمية قد عُقدت يوم الاربعاء 17 أغسطس الجاري في مقر البرلمان الواقع بميدان “بهارستان” بقلب طهران، وشارك بها كلٌ من:

  • الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني.
  • وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.
  • رئيس فريق المفاوضين النوويين الإيرانيين في فيينا، علي باقري كني.
  • رئيس والمتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي وبهروز كمالوندي، على الترتيب.

وناقش المجتمعون الرد الإيراني المكتوب على مقترح الاتحاد الأوروبي بشأن مسألة رفع العقوبات عن إيران والضمانات وطريقة التعاملات المصرفية الخاصة بإيران بعد التوصل إلى اتفاق نووي. وحسب وسائل إعلام إيرانية، فقد حازت الصيغة النهائية للاتفاق النووي على قبول المجتمعين، وكذلك لاقت الإيضاحات التي قدّمها رئيس المفاوضين استحسان المشاركين في الجلسة.

وقد أشار إلى وجهة النظر هذه النائبُ والعضو في لجنة الأمن القومي البرلمانية الإيرانية، محمود عباس زاده مشكيني، حينما أكد في حوار مع صحيفة “آرمان ملي” المحلية الناطقة بالفارسية يوم 18 أغسطس الجاري على أن “الجلسة غير المعلنة لم تبدأ على ما يرام، ولكنها انتهت بشكل جيد”.

وقبل هذه الجلسة بيوم واحد، في 16 أغسطس الجاري، عقد أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، والتي يترأسها بدوره وحيد جلال زاده، جلسة أخرى بحضور علي شمخاني ونظروا بشكل تفصيلي في تقرير يتعلق بتطورات المفاوضات الخاصة برفع العقوبات عن إيران على وجه التحديد ووجهات النظر الأوروبية وتنسيق الاتحاد الأوروبي العمل لعقد الاتفاق النهائي.

لذا، فإن عقد هذه الجلسات بشكل غير معلن وبمشاركة من جانب مختلف الأطراف المعنية بالمفاوضات النووية في إيران وفي يومين متتاليين وتوصلها إلى هذه النتائج التي أشارت إلى قبول المشاركين للصيغة النهائية للاتفاق النووي، كل هذا يشير إلى أن المفاوضات قد دخلت المرحلة النهائية.

لماذا تحاول إيران التوصل إلى اتفاق نووي قبل نوفمبر 2022؟

مع أن المطالب الإيرانية قد استمرت في تأجيل المحادثات النووية لأشهر عدة، إلا أننا فوجئنا خلال الأسابيع القليلة الأخيرة برغبة إيرانية في تسريع وتيرة المفاوضات وبالتالي التوصل قريبًا إلى اتفاق نووي.

وقد يفسر لنا هذا من إحدى جوانبه عقدُ الولايات المتحدة في 8 نوفمبر 2022 انتخاباتِ التجديد لجميع أعضاء مجلس النواب (435 عضو) ولـ 34 عضو في مجلس الشيوخ من أصل 100. ففي الوقت الذي يحتفظ فيه الديقراطيون بسيطرة بارزة داخل هذه المجالس، تخشى إيران من تحول المسار في ذلك التاريخ ليعود الجمهوريون للسيطرة عليها، ما يعني تعزيز فرص الحزب الجمهوري في الفوز بانتخابات الرئاسة المقبلة في نوفمبر 2024، وهو ما يزيد بالتالي من فرص الرئيس السابق، دونالد ترامب، في الفوز برئاسة الولايات المتحدة مرة أخرى.

وعند النظر إلى النهج الذي يتبعه الرؤساء الجمهوريون إزاء إيران، ومن بينهم ترامب، سنجد أن طهران تفضل أكثر التعامل مع الرؤساء الديمقراطيين. هذا بالإضافة إلى أن إيران ترى أن احتمالية خروج واشنطن من الاتفاق النووي مرة أخرى تتعزز مع تولي عضو من الحزب الجمهوري رئاسة البلاد.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72348/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M