عبد الامير رويح
بعد مرور عام على قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية ومقتل جميع ركابها، بعيد إقلاعها من مطار الخميني الدولي في طهران، والتي اعترفت إيران لاحقا بإسقاطها عن طريق “الخطأ” بصواريخ لقوات الحرس الثوري، ما تزل هذه الحادثة مثار جدل داخل وخارج إيران، بسبب تأخر التحقيقات وتضارب الآراء وعدم إدانة المتورطين في الحادث، وهو ما اثار ازمة جديدة بين كييف وطهران التي نفت في بادئ الأمر أي مسؤولية عن الحادث. ويذكر أن 176 مواطنًا إيرانيًا وأفغانيًا وبريطانيًا وكنديًا وأوكرانيًا، قتلوا خلال تحطم طائرة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية من طراز بوينج 737-800.
ويرى بعض المراقبين ان بعض الاطراف والدول ربما ستستغل قضية الطائرة الاوكرانية، من اجل مواصلة الضغط على ايران، لإجبارها على الرضوخ لبعض القرارات الدولية وخصوصاً فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخي، ووعد الرئيس الإيراني حسن روحاني بمحاكمة مرتكبي الجريمة، وسط تذمر أسر الضحايا من تكرار الوعود التي لم تنفذ بعد عام. وقال إن “تحطم الطائرة كان نتيجة خطأ شخص واحد وعدم كفاءة مجموعة واحدة، لكنه كان غير مقصود”.
كما أضاف: ستبت المحكمة في القضية بعد تحقيق شامل لكي يهدأ بال أسر الضحايا وتستعاد ثقة الملاحة الجوية في البلاد” ويطالب أسر الضحايا وكما نقلت بعض المصادر، بمحاسبة حكومة إيران والحرس الثوري ومنظمة الطيران الايرانية وتحميلهم المسؤولية بسبب عدم إلغاء الرحلات المدنية عندما كانت إيران على وشك مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة عقب قصف قواعد امريكية في العراق، ردا على اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في ضربة أمريكية بطائرة مسيرة في بغداد.
وذكر تقرير لاحق صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات أن وحدة الدفاع الجوي التي استهدفت طائرة الركاب تحركت مؤخرًا وفشلت في ضبط معداتها بشكل صحيح. ونتيجة لذلك، أخطأت في تعريف الطائرة المدنية واعتبرتها هدفا معاديا. وقال التقرير أيضا إن بطارية الصاروخ لم تتمكن من الاتصال بمركز القيادة وأطلقت النار على الطائرة دون الحصول على موافقة رسمية.
وفي وقت سابق اعتقلت السلطات القضائية في إيران أشخاصا لدورهم في حادث سقوط الطائرة الأوكرانية. ودعا الرئيس الإيراني إلى تشكيل محكمة خاصة، مؤكدا أن بلاده “ستعاقب” كل المسؤولين عن الكارثة. وقال روحاني “يتوجب على السلطة القضائية تشكيل محكمة خاصة برئاسة قاض رفيع المستوى وتضم عشرات الخبراء، فالعالم كله سينظر الى محكمتنا هذه”.
وأكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن “العدالة ستتحقق”، فيما تمارس الدول الأخرى المعنية بالحادث (كندا وبريطانيا وأوكرانيا والسويد وأفغانستان) ضغوطا لكي تجري ايران تحقيقا شفافا. وقال ترودو في معرض تعليقه على مقتل 57 كنديا في تحطم الطائرة “أعتقد أنه لو لم يحصل توتر وتصعيد مؤخرا في المنطقة، لكان هؤلاء الكنديون الآن في منازلهم مع عائلاتهم”. وأضاف أن الأسرة الدولية كانت “واضحة جدا حول ضرورة خلو إيران من السلاح النووي” إنما كذلك حول “التعامل مع التوتر في المنطقة الناجم أيضا عن تحركات الولايات المتحدة”.
ذكرى ومطالب
وفي هذا الشأن دعت كندا والدول التي قُتل رعاياها في حادث تحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية الأوكرانية أسقطتها إيران عن طريق “الخطأ”، طهران إلى تحقيق العدالة لعائلات الضحايا الذين جرى إحياء ذكراهم في دول عدة. وتجمع نحو 200 شخص أمام جامعة تورنتو قبل الشروع بمسيرة تكريمًا للضحايا، وحمل كثيرون أمام جامعة تورونتو لافتات طُبعت عليها صور الضحايا وأسماؤهم. ووضع البعض كمامات باللون الأسود كُتب عليها “العدالة”.
ومن بين المشاركين حميد نيازي الذي فقد زوجته وابنته وابنه في هذه المأساة. وقال “لا أعرف كيف أعبر عن ذلك، ما زلت في حالة إنكار وتشكيك، لا يمكنني أن أصدق أن هذا حدث لأسرتي” مضيفا “أعتقد أحيانًا أنه كابوس لا يمكن أن يحدث”. وفي كييف حيث كانت الطائرة متوجهة، وُضعت أكاليل من الزهور على موقع لنصب تذكاري قيد التشييد مخصص للضحايا. وعرضت شاشة عملاقة صور جميع ركاب الطائرة والطاقم.
وقالت “مجموعة التنسيق” المؤلفة من كندا والمملكة المتحدة وأوكرانيا والسويد وأفغانستان، في بيان مشترك، “نطالب إيران بتقديم توضيح كامل وشامل للأحداث والقرارات التي أدت إلى حادث تحطم الطائرة المروع”. وطلب الجميع من إيران “إنصاف عائلات الضحايا والدول المتضررة وضمان الحصول على تعويضات كاملة”، بعد عام من المأساة. وأقرت القوات المسلحة الإيرانية بعد ثلاثة أيام من الإنكار، بأن الطائرة أسقطت عن طريق “الخطأ”، وذلك في ظل توتر متصاعد بين طهران وواشنطن.
في منتصف كانون الأول/ديسمبر، أصدر الوزير السابق في حكومة جاستن ترودو، رالف غوديل الذي يعمل حاليا مستشارا خاصا للحكومة حول هذه المأساة، تقريرا من 70 صفحة قال فيه إنه يجب عدم السماح لإيران الانفراد بالتحقيق. وأشار التقرير إلى أن “الكثير من المعلومات المهمة حول هذا الحدث المروع لا تزال غير معروفة”.
واتهم رئيس الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية إيران بالمماطلة في التحقيق، داعياً إلى زيادة “الضغط” على الجمهورية الإسلامية. وفي طهران قال المدعي العسكري غلام عباس تركي للتلفزيون الرسمي إن عشرة ضباط خضعوا لإجراءات تأديبية منها الفصل أو خفض الرتبة وإنهم سيمثلون للمحاكمة قريبا، لكنه لم يعلن عن إطار زمني. وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في رسالة مسجلة مسبقا عرضت أثناء الوقفة “كندا لن تقبل بأقل من تفسير شامل وصادق من جانب الحكومة الإيرانية لما حدث بالضبط”.
من جانب اخر حمّل الحرس الثوري الولايات المتحدة و”مغامرتها اللاإنسانية” مسؤولية اسقاط طائرة مدنية أوكرانية قبل نحو عام، إثر إصابتها “خطأ” بنيران الدفاعات الجوية الإيرانية. ورأى الحرس الثوري أن “فراق الأبناء الأعزاء للأمة الإيرانية يترك حتى الآن حزنا عميقا في قلب الجميع بعد عام من تحطم الطائرة الأوكرانية”. وأضاف في بيان نشره موقعه الالكتروني “سباه نيوز”، ان “الحادث الأليم وقع بعد المغامرة اللاإنسانية للولايات المتحدة وأفعالها الإرهابية في المنطقة”. واعتبر أن الكارثة أظهرت “مجددا أن الاستكبار العالمي (في إشارة للولايات المتحدة) يصل الى قمة الخبث (…) ضد الجمهورية الإسلامية وشعب إيران”. وغالبية القتلى في حادث الطائرة من الإيرانيين والكنديين، والعديد بينهم من حملة جنسية كل من البلدين.
تعويض الضحايا
في خطوة ربما تزيد أزمة الطائرة الأوكرانية بين طهران وكييف تعقيداً، خصصت الحكومة الإيرانية، 150 ألف دولار لكل عائلة من ضحايا الطائرة المنكوبة، وذكرت وكالة الأنباء الرسمية “إرنا” أن الحكومة رصدت خلال اجتماعها الأسبوعي 150 ألف دولار أو ما يعادلها باليورو، لكل أسرة من ضحايا تحطم الطائرة. وأكدت الحكومة الإيرانية، عبر موقعها الإلكتروني، أن القرار الصادر “يشمل كل الضحايا من الإيرانيين وغير الإيرانيين”.
وفي السابق، أكد وزير الطرق وتطوير المدن محمد إسلامي أن “التقرير النهائي في شأن الحادث سيكون متوفراً للعامة قريباً بالفارسية والإنجليزية”. مشيراً إلى أن “أوكرانيا مالكة الطائرة والشركة المصنعة بوينغ كانتا حاضرتين التحقيق”. وأفاد تقرير لهيئة الطيران المدني الإيرانية في يوليو (تموز) الماضي أن “العامل الرئيس خلف تحطم الطائرة كان خطأ بشرياً في التحكم برادار، تسبب بأوجه خلل أخرى في عمله”.
وأشارت إلى أن أول الصاروخين أطلقه مشغل بطارية دفاعية “من دون أن يحصل على جواب من مركز التنسيق الذي يرتبط به”، وأن الثاني أُطلق بعد 30 ثانية “خلال رصد استمرارية مسار الهدف المكتشف”. وأكدت الوكالة أن المبلغ المرصود للعائلات “لا يشكل عائقاً أمام متابعة الشق الجنائي من القضية أمام السلطة القضائية المختصة”.
في المقابل، وصفت أوكرانيا تعامل إيران مع القضية بأنه “غير مقبول”، مشددة على أن حجم التعويضات “ينبغي أن يُحدد من خلال التفاوض”، وطالبت بمثول المسؤولين عن الحادث أمام العدالة. وقالت الخارجية الأوكرانية، إن حجم التعويضات يجب أن “يحدد من خلال المناقشات”، مع الأخذ في الاعتبار المعايير الدولية، والوقوف على أسباب المأساة وتقديم المسؤولين عنها للعدالة، كمطلبين أساسيين.
وأضاف متحدث الوزارة، أوليه نيكولينكو، “يتوقع الجانب الأوكراني من إيران مسودة تقرير فني عن ملابسات إسقاط الطائرة”. مشيراً إلى أن طهران “لم تنفذ بعد اتفاقات جرى التوصل إليها في وقت سابق”، من دون أن يكشف عن التفاصيل. وتابع، “الموقف غير مقبول بشكل خاص، لأننا نتحدث عن مصير أبرياء. ستواصل أوكرانيا، مع الدول الأخرى المتضررة، بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق العدالة في هذه القضية، وتقديم المسؤولين إلى القضاء”.
وفي السياق ذاته، يرى محامون أن كثيرين من ذوي الضحايا وأقربائهم سيكونون مستحقين تلقائياً لتعويضات تقدر بنحو 170 ألف دولار من الخطوط الأوكرانية الدولية، بموجب معاهدة مونتريال الموقعة في 1999 التي تحدد المسؤولية القانونية على شركات الطيران في حالة موت أو إصابة الركاب، لكن يحق لهم المحاولة للمطالبة قضائياً بتعويضات إضافية. ووفق محامين، فإن أسر الضحايا الذين يعيشون في الخارج وكانوا عائدين من إيران إلى بلادهم عندما أُسقطت الطائرة قد تحصل على مبلغ التعويض المذكور كاملاً، بينما من كانوا على متن الطائرة بتذكرة ذهاباً فحسب أو بدأوا رحلتهم من إيران أو أفغانستان فلا يحق لهم الحصول إلا على 25 ألف دولار فقط، بموجب معاهدة وارسو.
من جانب اخر قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إن بلاده مستعدة للذهاب إلى المحاكم الدولية إذا فشلت مفاوضاتها مع إيران. وقال كوليبا إن الجولة الأولى من المحادثات بين أوكرانيا وإيران بشأن التعويضات في كييف وكانت بناءة، لكنه قال إنه من السابق لأوانه تحديد حجم التعويض الذي ستوافق طهران على دفعه.
قواعد الطيران
وفي وقت سابق أكد تقرير كندي مستقل وكما نقلت بعض المصادر، إنه يجب عدم السماح لإيران “بالتحقيق حول نفسها” داعيا إلى تغيير قواعد الطيران المدني في هذا المجال. وقال التقرير الذي يقع في أكثر من سبعين صفحة وحرره رالف غوديل الوزير السابق في حكومة جاستن ترودو، الذي يعمل حاليا مستشارا خاصا للحكومة حول هذه المأساة، إن “الطرف المسؤول يحقق بشأن نفسه، بشكل رئيسي سرا وهذا لا يوحي بالثقة”.
ويشير التقرير إلى أن “الكثير من المعلومات المهمة حول هذا الحدث المروع لا تزال غير معروفة”، مشيرا خصوصا إلى أسباب بقاء المجال الجوي الإيراني مفتوحا ليلة المأساة. ويضيف أن “هذا الوضع تتحمل مسؤوليته إيران التي لم تثبت بعد – حتى الآن على الأقل – أن تحقيقاتها (السلامة، وانتهاكات قانون العقوبات وغيرها) مستقلة وموضوعية وشفافة فعلا”.
ودعت منظمة الطيران المدني الدولي في بداية تشرين الثاني/نوفمبر إيران إلى “تسريع تحقيقها” ونشر تقريرها النهائي عن الحادث. وكانت كندا أعلنت مطلع تشرين الأول/أكتوبر تشكيل فريقها الخاص من المحققين “لجمع وتحليل” المعلومات المتاحة عن الحادثة. ويدعو غوديل إلى إعادة النظر في المعايير الدولية الحالية التي تقضي بأن يتولى التحقيق في حادث تحطم طائرة إلى البلد الذي يقع فيه الحادث.
وقال التقرير إنه “في حال إسقاط طائرة من قبل الجيش، فهذا يعني أن الحكومة نفسها المرتبطة بحدوث الكارثة (إيران في هذه الحالة) تملك السيطرة الكاملة على التحقيق الأمني، على الرغم من التضارب الواضح في المصالح مع القليل من الضمانات بشأن الاستقلال أو الحياد أو الشرعية “. وكتب معدو التقرير أن “هذا الوضع يقوض مصداقية التحقيق ويخلق شعورا بالإفلات من العقاب من خلال عدم الإجابة على الأسئلة الأساسية”، معتبرين أن “قدرة الأسرة الدولية على تطبيق تدابير فعالة لمنع وقوع كوارث مماثلة معرضة للخطر “. وأشاد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بالتقرير ودعا إيران إلى “الرد بشكل معمق مع أدلة” على الأسئلة التي يثيرها.
من جانب اخر وقال مرادي في سلسلة تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حول حادث سقوط الطائرة والاجراءات المتخذة من جانب الجمهورية الاسلامية الايرانية في هذا المجال: ان الجمهورية الاسلامية الايرانية اقدمت، قبل انتهاء المهلة المحددة – والقابلة للتمديد- في اطار معاهدة شيكاغو، بإعداد مسودة التقرير الفني النهائي لحادث الطائرة الاوكرانية وارسالها الى اوكرانيا والدول الاخرى المعنية، وهي الان بانتظار رايها بهذا الصدد.
واضاف: انه تمت كذلك تلبية طلبات اوكرانيا في الجولة الثانية من المفاوضات في طهران رغم انها لم تكن في اطار التزامات ايران الدولية. واشار الى ان مسيرة البت في الملف جارية حاليا في النيابة العسكرية بطهران واضاف: ان المسؤولين المعنيين وعدوا بانه سيتم قريبا ارسال نتائج التحقيقات الى المحكمة ومحاكمة المتهمين. وقال مرادي: ان الحل والتسوية المنصفة للملف وضمان حقوق الضحايا واسرهم المفجوعة انما يتحقق ليس بالتصريحات والبيانات السياسية الحادة بل عن طريق المفاوضات والتزام الجميع بالقرارات الدولية. وبموجب قواعد الأمم المتحدة، تحتفظ إيران بالسيطرة على التحقيق بشكل عام بينما تشارك الولايات المتحدة باعتبارها الدولة التي صنعت الطائرة وأوكرانيا بصفتها دولة تشغيلها. كما تلعب كندا أيضا دورا باعتبارها موطن العديد من ضحايا الطائرة المنكوبة.
رابط المصدر: