كان صباح الرابع والعشرين من فبراير العام الماضي 2022 تاريخًا فاصلًا معلنًا عن نهاية وفشل الجهود السياسية لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، ومعلنًا عن بدء الحرب لحل الأزمة جراحيًا. واستيقظ العالم على أول حرب في قلب أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية واستسلام ألمانيا للحلفاء السوفيت والأمريكيين المنتصرين في 8 مايو 1945، واشتعال حروب البلقان الداخلية نتيجة تفتت الاتحاد اليوغوسلافي.
وكانت روسيا قد بدأت الحرب على أوكرانيا بضربة صاروخية شاملة ضد كل الأهداف الاستراتيجية العسكرية والبنى التحتية التكنولوجية والمعلوماتية وبعض الأهداف الاقتصادية مع حصار العاصمة كييف. وتوقع العالم أن تنهي روسيا الحرب خلال أسابيع محدودة؛ نظرًا إلى التفوق الكبير في مقارنة القوات البرية والجوية وتفوق لا محدود في القوات البحرية والقدرات الصاروخية. فضلًا عن أن معظم الأسلحة والمعدات الأوكرانية من مصدر روسي ـــوإن كانت اقل حداثةـــ وبالتالي فهي معروفة للجيش الروسي مما يسهل مهمته.
وكانت تلك هي المرحلة الأولى لافتتاحية الحرب. أما المرحلة الثانية فكانت الهجوم البري من خلال جبهات كبيرة شملت كل الحدود البرية المشتركة بين أوكرانيا وروسيا بما فيها شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا منذ عام 2014، وكذلك الأراضي البيلاروسية القريبة من العاصمة الأوكرانية كييف، ومعاونة هذا الهجوم بالإبرار الجوي قرب كييف. بالإضافة إلى جبهة البحر الأسود للهجوم أو الإنزال البحري؛ بهدف توسيع جبهات القتال على القوات الأوكرانية لتشتيت جهودها وإخفاء اتجاهات الهجمات الرئيسة.
المرحلة الثالثة بدأت عندما توقفت القوة الدافعة للهجوم الروسي نتيجة إيقاف الغرب لنظام جى بى إس مما أعاق محاور تقدم القوات الروسية خاصة الدبابات وأربك القيادة والسيطرة وسلسلة الامداد خاصة الوقود، مع سهولة استهداف ما سبق بالمسيرات الأوكرانية، حتى أن بعض الدبابات الروسية أسرت فارغة من الوقود. وتم فك حصار كييف دون محاولة دخولها، وتم إغراق الطراد موسكافا القائد لأسطول البحر الأسود. وشهدت تلك المرحلة بدء الدعم الغربي (ناتو) لأوكرانيا بالأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات والطائرات -حيث سهولة التدريب- وكان ذلك بداية الغرب لاستخدام أوكرانيا للحرب بالوكالة ضد روسيا لأول مرة في تاريخ الحروب بعد استخدام الميليشيات في ذلك، كما استخدمت أمريكا تنظيم القاعدة في أفغانستان.
المرحلة الرابعة كانت مع الانسحاب الروسي غرب نهر الدنيبر مع التركيز على إقليم دونباس (حوض نهر الدون) حيث تم الاستيلاء الروسي على مجموعة المصانع الثقيلة للحديد والألومنيوم ومناجمها ومينائها المهم في ماريوبول على ساحل بحر آزوف -المتفرع من البحر الأسود- وقد تم الاستيلاء عليه بالقوات الشيشانية بقيادة رئيسها رمضان قديروف الذى منحه الرئيس بوتين رتبة الفريق في الجيش الروسي! حيث يمتلك هذا الإقليم مقومات دولة صغيرة غنية اقتصاديًا. ومنه بدأ التمدد الروسي غربًا إلى مقاطعة خيرسون كمفتاح للاستيلاء على أوديسا -الميناء الرئيس منذ الاتحاد السوفيتي- لمحاولة تحويل أوكرانيا إلى دولة حبيسة بلا شواطئ.
وتزامنت تلك المرحلة مع بدء الناتو في دعم أوكرانيا ببعض الأسلحة الثقيلة من المدفعية وصواريخ الميدان والمسيرات متعددة الأنواع، وهو ما قابلته روسيا بإطلاق بعض الصواريخ النوعية والتلويح بالقوة النووية، مع إجراء الاستفتاء داخل الأقاليم الأربعة لوجانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا بواسطة الجيش الروسي في المنازل، للانضمام إلى روسيا وضمها اليها، وهو ما رفضته الأمم المتحدة عدا موافقة خمس دول منها روسيا وكوريا الشمالية وسوريا.
أما المرحلة الخامسة فهي المرحلة الحالية، حيث استعانت روسيا بقوات فاجنر (وهي ميليشيات مسلحة تعمل بالأجر) في القتال على المحور الأوكراني الشرقي المهم (باخموت ـــ خاركيف). وشهدت تلك المرحلة تغيير قيادة العمليات الروسية في أوكرانيا للمرة الرابعة! والمرة الأخيرة برئاسة رئيس الأركان العامة الروسية؛ مما يعكس تعثرًا في منظومة القيادة والسيطرة الميدانية. وواكب تلك المرحلة انعقاد المؤتمر السنوي للأمن في ميونخ حيث لم تدع روسيا وأدانتها مخرجات المؤتمر، وفرض الاتحاد الأوروبي الحزمة العاشرة من العقوبات على روسيا.
وأخيرًا خطابا الرئيسين الروسي والأمريكي، حيث وجه الرئيس بوتين خطابًا غاضبًا من الكرملين به مظلوميات تاريخية وتحد للغرب وتلويح بالقوة النووية، مع إظهار الاستعداد للتباحث من أجل إنهاء الحرب! دون ذكر كلمة النصر أو موعد لنهاية الحرب. وعلى الجانب الآخر، جاءت زيارة الرئيس بايدن المفاجئة لكييف بمثابة تأييد عسكري متصاعد يُراكم فوق ما قاله وزير دفاعه منذ بضعة أشهر في كييف إن الهدف هو (إضعاف روسيا).
واختتم المشهد بالمبادرة الصينية لإنهاء الحرب رغم عدم نصها على الانسحاب والاكتفاء بالتلميح (بالحفاظ على سيادة الدول) فهل يشمل ذلك سيادة أوكرانيا على أراضيها؟. وهل تنجح المبادرة الصينية في وقف الحرب وإنهاء الأزمة، أم أنها ستستمر لفترة مقبلة في ظل تباين المواقف من المبادرة الصينية بين الرفض والتحفظ والترحيب؟
.
رابط المصدر: