د. أسعد كاظم شبيب
صادف اليوم الأول من تشرين الأول من عام 2020 مرور عاما كاملا على انطلاق احتجاجات تشرين الأول من عام 2019 التي سادت محافظة بغداد، وعموم مدن وسط وجنوب العراق، استطاعت الحركة التي اتسمت بطابعها الشبابي العنفواني والتي تمركزت في عدد من الساحات أبرزها ساحة التحرير في بغداد، وساحة الحبوبي في الناصرية، وساحة الصدرين في النجف، وساحة التربية في كربلاء، استطاعت تحقيق عدد من الأهداف منها: جعلت الأحزاب والكتل السياسية لاسيما في الوسط والجنوب تقر بقصورها وفسادها وفشلها في إدارة الدولة ومرافقها المالية والعمرانية والخدمية والعلاقات الخارجية، واستطاعت الحركة من جلب الاهتمام والتعاطف الخارجي، وكذلك من كسب تأييد تيارات دينية وسياسية وشعبية وأكاديمية واسعة ومن أهمها المرجعية الدينية في النجف وكربلاء، حيث دخلت المرجعية الدينية منذ بداية الاحتجاجات على خط الحركة عبر التأييد والتوجيه والضغط على الجهات التشريعية والتنفيذية، واستطاعا الاثنين معا المحتجين والمرجعية الدينية من تحقيق استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وإجراء انتخابات مبكرة حددتها حكومة الكاظمي في الرابع من شهر نيسان من العام القادم، وبصدد ذكر حكومة الكاظمي التي تريد أن تصور نفسها على أنها متناغمة مع أهداف ومطالب الحركة الاحتجاجية التشرينية إلا أن هناك تباين في قوى ومكونات حركة تشرين من حكومة الكاظمي ومن أقطابها وعناصرها التي أراد الكاظمي نفسه أن يصور هؤلاء الأقطاب على أنهم من إنتاج حركة تشرين.
بعد مرور ما يقارب ستة أشهر من تشكيل الحكومة، شعرت مكونات تشرين أن فشل الكاظمي في تحقيق منجز على مستوى مكافحة الفساد، ومعالجة تغول الأحزاب بل أنه عاد كما عمل سابقية بالمحاصصة، وتقاسم السلطة من أدنى دائرة في الدولة إلى أعلاها، وأطلق يد الأحزاب من جديد في أغلب مؤسسات الدولة تحت مسميات وشعارات مختلفة، وصلت حتى إلى المؤسسات الصحية والتعليمية، وأن شخصية الكاظمي نفسه ليس إلا شخصية متأثرة برجل الشاشة الإعلامية، وهذا الإخفاق يرجع إلى عدد عناصر منها: أن الكاظمي لم يكن وليد حركة الاحتجاجات وإنما دعم عناصرها لمكاسب سياسية وظفها بمساندة حزبية من داخل الطبقة السياسية الحاكمة التي ارتأت أنها لم تنل من مغانم السلطة كلما تريد.
والعنصر الثاني هو على صلة بما تقدم، إن الكاظمي هو وليد الطبقة السياسية وما ميزه عنها فقط الدعم الخارجي الذي كان وقد يستمر من الولايات المتحدة وبريطانيا وهذا العنصر المزعج بالنسبة لبعض للأحزاب والكتل السياسية لاسيما تلك التي على خصومة مع هاتين الدولتين بسبب التوتر الإقليمي المتعلق بالصراع الأمريكي الإيراني في المنطقة والآخذ بالتصاعد مع استمرار استهداف السفارات الأجنبية.
والعنصر الثالث محدودية الكاظمي وشمولية أهداف حركة تشرين الأول، اقتصرت أهدافه -الكاظمي- على الوصول للسلطة وتقريب بعض الشخصيات الحزبية، وإرضاء الكتل السياسية لاسيما الكردية والسنية داخل مجلس النواب، وساهم في استقطاب ممن ركب حركة تشرين من أجل مكاسب سلطوية على مستوى بعض الوزراء والمدراء.
واليوم بعد مرور عام من انطلاق الحركة تشرين، تشهد القوى والفعاليات المؤيدة للحركة، حراكاً من أجل استئناف نشاطات الحركة بعد أن خفت حركة الاحتجاجات بجميع فعالياتها ومن ضمنها الاعتصامات لأسباب عديدة منها: التعويل على حكومة الكاظمي وفريقه الوزاري والإداري في تحقيق طموحات الحراك التشريني، وكذلك تداعيات انتشار جائحة كورونا على الأمن الصحي الشخصي والشعبي.
أما الآن فتبدو الساحات لاسيما في الوسط والجنوب متجه صوب التصعيد، وهذا أيضا راجع لأسباب عديدة بعضها أشرنا له، متعلقة بعدم جدية الإدارة الحالية في تحقيق أهداف تشرين أو قد يعود هذا السبب لعدم قدرة الكاظمي وفريقه في مواجهة تغول الأحزاب والكتل السياسية في مؤسسات الدولة أو الحد بما يعرف بالدولة العميقة، التي هي عبارة عن سلطة ونفوذ الأحزاب المدعومة بالمال والسلاح الرسمي وغير القانوني في كل مؤسسات الدولة، والسبب الآخر يرجع إلى عامل الضغط على الكتل السياسية من أجل إقرار قانون الانتخابات بالدوائر المتعددة لاسيما بعد الملاحظة بالمماطلة والتسويف، وعدم الرغبة في إقرار الدوائر المتعددة لأنها لا تحقق لها الهيمنة من جديد على المؤسسة التشريعية وبالتالي المؤسسات التنفيذية ودوائر الدولة.
ومما تقدم، سيبدو في قادم الأيام هناك تصعيد شعبي احتجاجي من أجل نشر قانون انتخابي ورسم دوائره الانتخابية وإقرارها، وكذلك تحقيق هدف آخر في نفس الوقت، يتمثل بكسب مزيد من التأييد الشعبي من أجل تحقيق أريحية انتخابية في حالة إكمال متطلبات إجراء الانتخابات المبكرة، مطلب يريده جمهور تشرين ولا ترغب به الأحزاب النافذة بصورة علنية، وعليه يمكن لنا رسم تصور مستقبل حركة تشرين الاحتجاجية بعد مرور عاما كاملا من انطلاقه بالآتي:
1- إن هناك رغبة من قبل الجمهور الاحتجاجي باستمرار الاحتجاجات حتى وأن تراجعت مع انتشار فيروس كورونا منذ أشهر.
2- إن مكونات وقوى تشرين الاحتجاجية كانت تعول كثيراً على الحكومة الجديدة في تحقيق طموحات وطنية كبرى كالقضاء على الفساد وإنهاء تغول الأحزاب على مؤسسات الدولة وإرساء الخدمات والعمران، لكنها أصيب بخيبة أمل كون أن حكومة الكاظمي نفسها سارت بطريقة المحاصصة ومحاولة وزراءه إرضاء الأحزاب الممثلة في مجلس النواب حتى لا تتعرض للمحاسبة البرلمانية فضلا عن أن العديد من الوزراء متهمون بقضايا فساد وسوء إدارة وما شابه.
3- إن هناك ضواغط ستساهم في عودة حركة تشرين منها تزايد البطالة وخسران الكثير من الناس أعمالهم بسبب تداعيات انتشار وباء كورونا حتى في القطاعات النفطية، كما عدم إيجاد الحلول من قبل وزارة المالية والبنك المركزي في تزويد موظفي الدولة برواتبهم الشهرية بسبب الأزمة الاقتصادية وتداعيات انخفاض أسعار النفط، سيصب ذلك في صالح تزايد زخم الاحتجاج التشريني بعد مرور عام من انطلاقه.
4- تستطيع حركة تشرين أن تغير من خلال الانتخابات إذا ما أجريت بقانون انتخابي مغاير للقوانين السابقة، والدخول ببرنامج انتخابي وطني محكم، ومن المؤكد هذا يتوقف على تحقيق عاملين: العامل الأول وهدف المشروع والأهداف للقوى تشرين، والعامل الثاني على الأغلبية التي يحققه الحراك داخل مجلس النواب، وإلا قد يكون التمثيل البرلماني له لا يحقق إلا هدف واحد وهو مشروعية البرلمان والعملية السياسية بعد فقدان الثقة الشعبية بسبب الفساد والمحسوبية منذ سنوات سقوط النظام الاستبدادي.
5- كل عمل احتجاجي سياسي ينبغي أن يكون عبر التدريجية الدستورية الإصلاحية، يبدأ من الدستور نفسه، والقوانين النافذة، وتقديم المصالح الوطنية من كل القوى والشرائح المجتمعية والسياسية، ومن خلال تأكيد السلمية في العمل السياسية حتى تعطى ذريعة للقمع والإنهاء والإضراب بمؤسسات الدولة والمال العام والخاص، وتعرض الأمن الوطني الداخلي والأهلي للخطر، لاسيما وأن الدولة العراقية تعيش في ظل الهشاشة الداخلية للنظام السياسية والصراعات الإقليمية التي يراد للعراق أن يتحول كمركز له.
رابط المصدر: