بقلم : م.م. سعد محمد حسن الكندي – باحث في قسم إدارة الأزمات – مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
ودع المحتجون عامهم الاول على اندلاع احتجاجاتهم في الاول من تشرين عام 2019, والتي بدأت بدعوات للشباب والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بتوفير الخدمات واصلاح نظام الحكم, وقد جوبهت بالعنف المفرط باستخدام القنص والاسلحة وغيرها, مما زاد من سخط المحتجين وتعاطف الاخرين معهم ضد حكومة السيد عادل عبد المهدي وتحولت من مطالب خدمية واصلاحية الى المطالبة بأسقاط الحكومة وهذا ما تحقق فيما بعد وسنحاول ان نركز على اهم الاسباب التي ادت الى خروج المحتجين وماهي الخصائص التي ميزت احتجاجات تشرين عن سابقاتها والوقف على اهم التحديات واجهتها وماهي الرؤية المستقبلة لنجاح هذه الاحتجاجات؟
اسباب الاحتجاجات في تشرين :
نتيجة لتراكم السياسات الخاطئة لدى الحكومات السابقة تفاقمت المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي وعلى كافة الاصعدة مما دفعهم الى الاحتجاج على سوء الاوضاع ومن اهم تلك الاسباب هي :
- تفشي الفساد في جميع مؤسسات الدولة العراقية, رافقه سوء الخدمات وزيادة في نسب البطالة, لاسيما في صفوف الشباب .
- القرارات الحكومية الغير مدروسة والتي اثارت غضب العراقيين منها عزل السيد عبد الوهاب الساعدي رئيس جهاز مكافحة الارهاب الحالي والذي يحظى بتأييد جماهيري واسع ومن جميع فئات الشعب العراقي. كما ان العمل بقرار ازالة العشوائيات بدون توفير بدائل للمستحقين منهم اثار الغضب على الحكومة السابقة, كذلك الاعتداء على اصحاب الشهادات العليا من نساء ورجال وبطريقة وحشية وموهينة من قبل الاجهزة الامنية مما شعل شرارة الاحتجاجات في 1تشرين 2019.
- سطوة القوى السياسية على مفاصل الدولة ومن ثم العمل على تغيبها, اذ تولد شعور لدى الشعب بأن خطر انحسار الدولة بيد قوى معينة يشكل تهديدا حقيقيا, مما دفعهم المطالبة بوطن .
- السلاح الملفت الذي اخذ يشكل تهديد حقيقي للدولة العراقية, لاسيما في حكومة السيد عادل عبد المهدي فقد انتشر بشكل اوسع واقوى من ذي قبل وهو ما يشكل تحدي كبير في نجاح او فشل حكومته آنذاك.
- دعوات الاصلاح من قبل بعض الكتل والقوى السياسية لم تطبق على ارض الواقع مما جعل الشعب يفقد الامل بتلك الدعوات ويفكر جديا في التخلص من الطبقة السياسية التي تتحكم في مصيره منذ عام 2003.
- التدخلات الخارجية في الشأن العراقي الداخلي والصراعات بين القوى الدولية والاقليمية وعدم احترام سيادة البلد, مما اثار غضب الشعب وسخطه من الطبقة السياسية الحاكمة التي سمحت لهم في ذلك .
كل هذه الاسباب كانت سبب رئيسي الى اندلاع الاحتجاجات في يوم 1تشرين الأول 2019. والتي كانت بدايتها مطاليب خدمية اصلاحية
خصائص الاحتجاجات في تشرين :
يرى الكثير بأن احتجاجات تشرين تميزت عن كل الاحتجاجات والحركات التي شهدتها الدولة العراقية منذ تأسيها في 1921, فهي
- السلمية: فهي احتجاجات ذات طابع سلمي بالرغم من استخدام شتى انواع العنف والاساليب القمعية حتى وان الحكومة قد تبرت منها وادعت ان من يمارسها هو “الطرف الثالث”.
- لم تكن حزبية او جهوية مما ميزها عن كل الحركات والاحتجاجات التي كانت تدعى لها جهات معينة, كما انها ركزت على الهوية الوطنية وكانت محرك اساس لمبدأ المواطنة العراقية على حساب الانتماءات الفرعية.
- ومن خصائص احتجاجات تشرين هي الروح الشبابية لدى جيل جديد فقد اتسمت هذه الاحتجاجات بقيادة شابة واطلق عليهم تسميات (جيل البوبجي, التكتك)
- التكافل الاجتماعي في احتجاجات تشرين كان واضحا من خلال الدعم المادي والمعنوي والمشاركة الواسعة لفئات الشعب العراقي من الطلبة(طلبة المدارس والجامعات ) وهم الرافد الحقيقي في ادامة هذه الاحتجاجات والنقابات والاتحادات وكذلك لرجال الدين كان لهم دور لاسيما خطب المرجعية الدينية في ايام الجمع كانت داعم اساس في زيادة زخم الساحات . كما كان للمرأة العراقية دور كبير في الاحتجاجات.
- اتسمت بالديمومة بالرغم من الاساليب القمعية التي مورست ضدها من خطف, واغتيالات, وترويع, وقنص, وحرق للخيام, وطعن بالسكاكين, وغيها من ممارسات وحشية, الا انها ظلت صامدة ومستمرة
- المطالب التي رفعتها هي مطالب عامة وليست شخصية او فئوية (توفير الخدمات, محاسبة القتلة والفاسدين, قانون الانتخابات يلبي التطلعات, مفوضية انتخابات مستقلة, حصر السلاح بيد الدولة, رفض التدخلات الخارجية الاقليمية منها والدولية, انتخابات مبكرة ونزيه بأشراف الامم المتحدة).
التحديات التي واجهة الاحتجاجات :
- الطبقة الحاكة والتي تتمتع في امتيازات كبيرة غير مستعدة للتنازل عنها بسهولة, فهي اعتمدت على سياسة التسويف والمماطلة
- سياسات القمع والترويع ضد المحتجين كانت من اهم التحديات التي واجهتها الاحتجاجات الانها ظلت صامدة
- طوال المدة وعدم حسم المطالب التي خرج من اجلها المحتجون جعل الساحات مكان مناسب للمندسين للقيام بأعمالهم السلبية.
- ضعف التنظيم داخل الساحات, مما دفع بعض الجهات الحزبية الى استغلال ذلك والتحدث بأشخاص من الخط الثاني في تنظيماتهم ان انهم يمثلون تشرين .
- الاعلام والجيوش الكترونية التي اخذت تشوه بالاحتجاجات وتركز على المواقف السلبية منها.
- التحريض على ممارسة العنف ضد المحتجين من قبل بعض الشخصيات الدينية والسياسية المنتفعة والتي لا تؤمن بالتغيير.
- الصراع الأمريكي الايراني كان عائقا او تحديا اما تقدم الاحتجاجات, فكلما حقق المحتجون مكسب سرعان ما حدث تصعيد في الصراع الامريكي الايراني في العراق.
- جائحة كورونا التي ضربت العالم مؤخرا كان لها نصيب الاكبر في تفريغ الساحات من المحتجين للحفاظ على سلامتهم.
الرؤية المستقبلية:
بعد مرور عام على اندلاع الاحتجاجات ولكي تتجنب تلك التحديات فأن الرؤية المستقبلية تتمركز بنقطيين اساسيتين لنجاح الاحتجاجات وحسم المطالب بالسرعة الممكنة.
اولا: التنظيم الدقيق والعمل بجدية مع موضوع الانتخابات المبكرة, لا نها فرصة حقيقية ومهمة لسحب الشرعية من القوى الحاكمة وتكون بطريقة سلمية وديمقراطية.
ثانيا: الضغط على صانع القرار في بغداد حصرا من اجل تحقيق المطالب الرئيسة وعلى وجه الخصوص هو محاسبة قتلة المحتجين في محاكم عادلة.
وفي المجمل فأن حكومة السيد الكاظمي التي اتت بدماء المحتجين وليس بانتخاب او ما شابه ذلك عليها ان تعمل بجد وبأسرع وقت ممكن لتفادي المشاكل كما حصل لسابقتها, لان بيان المحتجين الذي قرأ في ساحة احرار كربلاء (التربية) في الذكرى الاولى لتشرين كان واضحا وعلى حكومة السيد الكاظمي التعامل بجدية لاسما في قضية كشف ومحاسبة القتلة والتصديق على قانون الانتخابات الذي يناغم تطلعات المحتجين, وبعكس ذلك فأن البلد متجه نحو التصعيد في يوم 25 تشرين وان الحكومة الحالية ستصبح كسلفها وربما يتعقد المشهد اكثر, لذا على الحكومة تدارك الامر والعمل بشكل واضح وشجاع مع الاحداث وان تدرك بأن المحتجين قدموا دماء ربما تجاوزت 700 قتيل والالف الجرحى والمعوقين مما يدفعهم الى عدم التراجع او القبول بالحلول الترقيعية.
رابط المصدر: