تنفست الطبقة السياسية النمساوية الصعداء عقب نجاح وزير الداخلية “كارل نيهامر Karl Nehammer” في تشكيل الوزارة الجديدة، حيث تسلم منصب المستشار في الجمهورية النمساوية يوم 6 ديسمبر 2021.
وكان المستشار السابق “سيباستيان كورتس” قد قاد ثورة داخل اليمين النمساوي، وتحديدًا حزب الشعب، ونقله من خانة اليمين المحافظ إلى خانة اليمين القومي، وتولى منصب المستشار ما بين عامي 2017 و2021 –تخللها تولي القاضية “بريجيت برلين” منصب المستشار ما بين يونيو 2019 ويناير 2020 لأسباب دستورية- ولكنه استقال في ضوء تحقيقات عن مخالفات مالية.
المد القومي الذي وصل إلى النمسا سببه رفض الأفكار الغربية الخاصة بتوطين الإسلام السياسي في النمسا، وتحول فيينا إلى نقطة ارتكاز لتنظيم الإخوان في أوروبا، إذ نجح “سيباستيان كورتس” في صد هذا المد ورفض عشوائية استقبال اللاجئين من الشرق الأوسط دون التدقيق في أوراقهم، واحترام خصوصيات المجتمع النمساوي الثقافية والوطنية والدينية.
ولكن “كورتس” لم يكن فاصلًا عابرًا في السياسة النمساوية؛ إذ إن رجال موجة المد القومي نجحوا في السيطرة على الحزب والوزارة عقب استقالته، فوزير الداخلية العتيد “كارل نيهامر” صاحب القرارات التاريخية بتجفيف أنشطة تنظيم الإخوان في النمسا، وكذا التنظيمات الإرهابية الأخرى، هو الذى تولى رئاسة الحزب في ديسمبر 2021 خلفًا لـ “كورتس”، من أجل إكمال رؤيته في التطويق الأمني لمحاولات أوروبا اغتيال الروح الوطنية والقومية النمساوية، وتغيير الديموجرافيا النمساوية عبر توطين اللاجئين الملوثين بأفكار الإسلام السياسي في المجتمع النمساوي.
تطلق التنظيمات المتطرفة على “كارل نيهامر” لقب “عدو الإخوان”، وقد احتفظ عدو الإسلام السياسي في النمسا بوزير الخارجية “ألكسندر شالنبرج” في التشكيل الوزاري الجديد، وهو السياسي الذي تولى منصب المستشار بشكل مؤقت ما بين أكتوبر وديسمبر 2021 وطلب مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي على هامش قمة المناخ في اسكتلندا في 1 نوفمبر 2021.
وكان ملاحظًا إصرار البيانات النمساوية الحكومية الصادرة حول اللقاء المصري النمساوي أن المستشار “شالنبرج” أوضح للرئيس المصري أن العلاقات بين القاهرة وفيينا لن تتأثر بالتغير الذي جرى في سدة الحكم، وهو ما حدث بالفعل.
ورغم أن النمسا ليست عضوًا في تكتل أوروبا الوسطى “فيشجراد” أو التكتلات الخاصة بأوروبا الشرقية، إلا أن فيينا كانت دائمًا ضابط الاتصال بين الدوائر الأوروبية، شرق ووسط وغرب أوروبا، وحتى دوائر شمال وجنوب القارة الأوروبية، على ضوء الإرث الامبراطوري للدولة النمساوية.
وقد لعبت فيينا دورًا تاريخيًا في سبعينات القرن العشرين لتمهيد الطريق أمام مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل، وكذا انفتاح مصر على القارة الأوروبية بعد انتصار 6 أكتوبر 1973. وينظر إلى الصداقة الشخصية بين الرئيس محمد أنور السادات (1918 – 1981) والمستشار النمساوي “برونو كرايسكي” (1911 – 1990) وزير الخارجية والدفاع الأسبق بوصفها المرحلة التي أسست للشراكة المصرية النمساوية بغض النظر عن تغير رأس السلطة في النمسا.
“كارل نيهامر” الرجل الحديدي في فيينا نجح في إقناع حزب الخضر بالاستمرار في الوزارة الائتلافية، ما جنب النمسا الذهاب إلى انتخابات مبكرة والاستقرار على انتخابات عام 2024. واستمرت في حكومته وزيرة الدفاع “كلوديا تانر” أول سيدة تتولى هذا المنصب في النمسا، وكذا نجح “نيهامر” في كسب أصوات الشباب عبر تعيين “كلوديا بلاكولم” وزيرة الدولة للشباب، وهي من مواليد 10 ديسمبر 1994 حيث تبلغ من العمر 27 عامًا وانتخبت عضوة بالبرلمان النمساوي عام 2017 وعمرها 22 عامًا.
وسبق للمستشار السابق “سيباستيان كورتس” أن أسس منتدى فيينا لمكافحة الإسلام السياسي، وعُقدت أولى أعماله في 28 أكتوبر 2021، وهو منتدى أمنى للأجهزة الأوروبية من أجل تجفيف منابع الإسلام السياسي وتفكيك أفكاره وانتشاره في المجتمعات الأوروبية الرافضة للتواطؤ مع الإرهاب الدولي. وأفرز المنتدى في دورته الأولى اتفاق 4 دول أوروبية هي النمسا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك على تحويل منتدى فيينا إلى منصة دائمة لمكافحة الإسلام السياسي في أوروبا تعقد بشكل سنوي.
وفي نوفمبر 2020، قاد المستشار الجديد “كارل نيهامر” حينما كان وزيرًا للداخلية أكبر مداهمة في تاريخ البلاد طالت أكثر من 60 موقعًا على ارتباط بتنظيم الإخوان وحركة حماس، في أربع مناطق مختلفة، وأصدرت الداخلية النمساوية وقتذاك بيانًا جاء فيه أنه جارٍ “قطع جذور الإسلام السياسي، ونعمل بكل قوتنا ضد هذه المنظمات الإجرامية والمتطرفة واللا إنسانية”.
وفي جلسة برلمانية خلال الشهر ذاته، أكد “نيهامر” أن المداهمات كانت بمثابة “ضربة قاصمة للإخوان وحماس.. حماس تجلب الدم والإرهاب والإخوان يمولونها”.
.
رابط المصدر: