يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن قلق من الاميركيين العرب، أكثر بكثير من قلقه من حكومات الدول العربية كلها، إن كان لديه قلق أساساً، في ولاية ميشيغان الأميركية وحدها يوجد 350 ألف عربي، يشعرون كلهم بالغضب من بايدن بسبب موقفه الصامت، وربما الداعم لحملة الإبادة التي تنفذها حكومة نتنياهو ضد سكان غزّة…
يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن قلق من الاميركيين العرب، أكثر بكثير من قلقه من حكومات الدول العربية كلها، إن كان لديه قلق أساساً.
في ولاية ميشيغان الأميركية وحدها يوجد 350 ألف عربي، يشعرون كلهم بالغضب من بايدن بسبب موقفه الصامت، وربما الداعم لحملة الإبادة التي تنفذها حكومة نتنياهو ضد سكان غزّة.
موقفه من هذه الإبادة ليس دعمها وحسب إنما رآها فرصة للتأكيد بانه لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان على أميركا إيجادها. بل تعدى ذلك إلى التصريح بأنه صهيوني. كان ذلك غزلا لكسب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، قبل بدء عام الانتخابات الرئاسية، التي تجري في نوفمبر القادم، حيث جرت العادة أن يسعى كل مرشح للرئاسة إلى كسب ود هذا اللوبي، لتعزيز حظوظه في الفوز.
لكن هذه المواقف تطورت إلى دعم إبادة السكان في غزة التي تنفذها حكومة نتنياهو، ما خلق حالة غضب عارمة في أوساط العرب والمسلمين الأميركيين، بما بات ينذر بتأثير سلبي على موقف بايدن في الانتخابات القادمة.
خلال موجة الاحتجاجات والتضامن مع أهالي غزة التي عمّت الساحة الأميركية، ظهرت أصوات تنادي بان تتحول هذه الاحتجاجات إلى أوراق ضغط على مركز القرار وعدم الاكتفاء بالتظاهرات، وبالفعل بدأ سكان ولاية ميشيغان العرب خطوة عملية في هذا الاتجاه، عندما قرروا حجب أصواتهم عن بايدن في الانتخابات القادمة. أصواتهم مؤثرة بشكل كبير في حسم تصويت الولاية لبايدن، وأصواتهم هي التي أكسبت بايدن الفوز في ميشيغان عام 2020 التي تعد من الولايات المتأرجحة كما تسمى. وفي حال حجب العرب والمسلمون أصواتهم عنه في هذه الولاية وغيرها، فان حظوظه في الفوز تبدو ضعيفة جداً. اعتاد العرب التصويت لمرشح الحزب الديمقراطي باعتباره الأقرب لهم، ولباقي الأقليات وهو يرفع شعارات حقوق الإنسان والأقليات، كانوا قبل 11 أيلول 2001، يصوتون لمرشح الحزب الجمهوري.
لكن التضييق الذي مورس ضدهم بعد ذلك من قبل إدارة بوش دفعهم نحو الديمقراطيين. انزعاج العرب الاميركيين من الحزب الديمقراطي لم يبدأ من حرب الإبادة في غزة، بل قبل ذلك بعام تقريباً بسبب دعم الحزب الديمقراطي، لتيار التخريب الاجتماعي بتمظهراته المتعددة وأحدها دعم المثلية، بل والترويج لها، والذي بلغ مرحلة سن قوانين في بعض الولايات الديمقراطية تشرعن التحول الجنسي وتلغي تصنيف الذكر والأنثى. كان العرب والمسلمون والمتدينون من باقي الأديان قد خرجوا في تظاهرات واحتجاجات على ذلك مما أغاض الديمقراطيين، الذين اعتبروه انقلابا من العرب والمسلمين الأميركيين عليهم.
جاءت حرب غزّة لتعمّق الشرخ بين العرب والمسلمين الاميركيين والحزب الديمقراطي، بسبب موقف الإدارة الديمقراطية الحالية الداعم لحرب الإبادة في غزّة. هناك شبه إجماع بين هؤلاء على عدم التصويت لبايدن، وهو ما يثير قلقه الشديد، دون أن يعني ذلك أنهم سيصوتون لترامب الذي لا يختلف عن بايدن في دعمه لإسرائيل، إن لم يكن أكثر اندفاعا منه، إضافة إلى الموقف السلبي من العرب والمسلمين أساساً . بايدن حاول أن يغمز من زاوية خصمه عندما ذكّر الناخبين العرب بموقف ترامب السلبي من العرب، ومنعهم من دخول الولايات المتحدة مقابل موقف الديمقراطي الداعم للعرب والمسلمين الاميركيين، وقبيل توجهه إلى ولاية ميشيغان قام بمناورة لم تنفع، عندما تحدث عن إجراءات ضد اسرائيليين بسبب «موقفهم الاستيطاني المخالف للقانون الدولي».
عرب ميشيغان لم يقنعهم ذلك وأصروا على عدم اللقاء بمدير حملة بايدن الانتخابية، كما أن بايدن نفسه لم يستطع عقد مهرجان انتخابي في هذه الولاية، فاكتفى باجتماع انتخابي مع ممثلي نقابات صناعة السيارات في مبنى تحيط به تظاهرات عرب ومسلمون رافضون لسياسته.
بات واضحا أن العرب الاميركيين أصبحوا قوة تؤثر في الانتخابات، وبالتالي سيقوم المرشحون في أية انتخابات قادمة بأخذ مشاعرهم ومواقفهم بنظر الاعتبار. سيشاركون في الانتخابات، لكنهم لن يصوتوا لبايدن الذي كان لأصواتهم دور حاسم في فوزع سابقاً، كما انهم لن يصوتوا لغريمه ترامب أيضا.
بات عرب أميركا أكثر تأثيرا من الحكومات العربية على الرئيس الأميركي.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/38094