مسلم عباس
دائماً ما يجد الانسان نفسه محاطاً بمجموعة من التحديات التي تتطلب منه اتخاذ اجراءات لمواجهتا والتغلب عليها أو السكون ومن ثم الخضوع لها والتعرض للكارثة، ودأب الإنسان على مر التاريخ على مواجهة الكوارث بفضل ميزته على سائر المخلوقات على وجه الأرض، وهي امتلاكه للعقل الذي يسمح له بالتفكير وابتكار اشياء توسع من إدراكه للمكان والزمان، وبما يسهم في تغلبه على الطبيعة القاسية.
والأفكار التي نتحدث عنها هي الصور الذهنية التي تتمثل في عقل الانسان، وقد تتحول إلى سلوك إنساني، ولا سيما إذا ارتبطت الأفكار بالحقيقة وقد ترتبط بالخيال وحسب السياق الذي تأتي فيه.
ومن خلال التفكير عبر الإنسان حدود جسده الضعيف وصنع الأدوات التي تساعده على تخطي الصعوبات في الحياة، فقد صنع الإنسان النَّار للتدفئة والطبخ وبعدها تحولت إلى محرك لعجلة العالم التي اخترعها قبل ميلاد المسيح واستخدمها سكان بلاد وادي الرافدين، ومن العجلة صنع المسمار ليربط أجزاء الأدوات التي يستخدمها للصيد والتنقل، ومن أجل تصحيح الرؤية أو توسيع مداها اخترع العدساتُ البصريّة، ثم انطلق للبحث عن آفاق أوسع فكانت البوصلة معيناً له في تحديد الوجهة الصحيحة، بينما كان الورق وسيلته في توثيق أفكاره والأحداث التي يمر بها.
تتزاحم أهداف الإنسان فيبدأ من الصين رحلة اختراع البارود، وعلى يد جونتبيرغ يخترع المطبعة، وفي أواخر القرن التاسع عشر تحل الكهرباء مشكلة الإنسان مع الظلام، بعد اختراع المصباح الكهربائي من قبل توماس اديسون، كما اخترع الانسان المحرّكُ البخاري، ثم محرِّكُ الإحتراقُ الدّاخلي، وبعدها الهاتف والُّلقاح، والسّيارات، والطّائرات، البنسلين، والصّواريخ، والإنشِطارُ النّووي، وأشباهُ الموصِلات، والحواسيبُ الشّخصيّة، واليوم نتحدث عن الذكاء الاصطناعي وظهور الآلة كمساعد ومهدد للبشر,
من العرض السريع هذا نجد أن الأفكار كانت مساعداً للأنسان في تخطي حواجز الكوارث والانتقال إلى حالة الاستقرار النسبي، بينما كانت بعض الأفكار دليلاً نحو مزيد من التدمير، ولم يتوقف الانسان عند انتاج الأفكار بما يصب في توجيه مسار الحياة، بل استعملها لتفسير ما يحدث من كوارث طبيعية وبشرية.
وفي أواخر القرن التاسع عشر احتدم الجدل بين المؤرخين الفرنسيين حول أسباب ثورتهم وخلاصة الجدل انقسم إلى جبهتين:
الجبهة الأولى تقول أن ثورة الشعب الفرنسي لم تحركها أفكار العدالة والمساواة ولا كتابات فولتير وروسو ومونتسيكيو وغيرهم، بل حركتها مظالم فعلية صارخة إذ قال بعض المفكرين أن الفرنسيون قد ثاروا حين عض الجوع بطونهم وخوت أكياس نقودهم وألقوا مسئولية ضائقتهم على عاتق حكومتهم، واكدوا أن أسباب اندلاع الثورة نجدها في سجلات الحياة اليومية والحياة الاقتصادية البائسة.
عام 1906 أصدر ماريوس روستان كتابه: “الفلاسفة والمجتمع الفرنسي في القرن الثامن عشر” وفيه أكد أن أفكار الفلاسفة هي التي ميزت القلاقل الفاشلة منذ 1715 عن الانتفاضة القومية 1789.
ويختصر الموقفان الجدل الدائر حول ما إذا كانت الأفكار هي السبب الذي يدفع الناس للمضي في بعض القضايا أم الظروف المادية.
من هذه الحادثة نستنتج أن تاريخ الأفكار يشير إلى أن العقل هو القوة المحركة وراء تقدم أو تأخر البشرية وحسب درجة الاستخدام وطبيعة توجيه الأفكار. وهذه الأفكار لا تدفع الناس للسير حول مقتضاها إلا إذا قدمت لهم أشياء ملموسة وإيماناً دافعاً للقيام بفعل معين.
الأفكار تنبيه لاستباق الكوارث
تؤكد الأحداث المتلاحقة التي تنشر يومياً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أن العالم يعيش زيادة مخيفة في عدد الكوارث سواءً كانت طبيعية أو غير طبيعية، مثل كوارث الحروب والحرائق والزلالزل والأعاصير، والفيضانات، وكل ما يؤثر على تدمير اكبر قدر ممكن من المساحات المستغلة من قبل الإنسان، أو ما يؤدي على قتل وتشريد أكبر عدد من الناس.
على سبيل المثال تتحدث بعض الإحصائيات عن أن هناك 1.2 مليار نسمة يعيشون بدون مياه نظيفة، و 35000 طفل يموتون من الجوع يومياً، و 2.4 مليار نسمة مهددين بمرض الملاريا، و 1.2 ميار نسمة مشردين.
ولا يمكن لنا نسيان الأحداث المرعبة مثل انفجار مفاعل تشرنوبل النووي في أوكرانيا عام 1986، وضرب الولايات المتحدة لميدينتي هيروشيما وناغزاكي بالقنبلة الذرية وقتل ربع مليون إنسان، ومذابح روندا عام 1994 التي رح ضحيتها ما يقرب من مليون إنسان خلال مائة يوم فقط.
اما على الصعيد المحلي فهناك الكوارث التي تحطم الأرقام القياسية، مثل كارثة فيضان بغداد في خمسينيات القرن الماضي، والحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت، ومجاعة الحصار الاقتصادي في التسعينيات، ثم كارثة جسر الائمة في بغداد عام 2005، والحرب الطائفية التي تسببت بالقتل والتشرين لملايين الأفراد.
لدينا كارثة انتشار ما يقرب من 25 مليون لغم منتشر على طول 1200 كيلومتر على الحدود العراقية الإيرانية.
الأرض العراقية استقبلت 78 الف مقذوف من اليورانيوم المنضب في حرب عاصفة الصحراء التي قادتها الولايات المتحدة الاميركية.
كما القت الولايات المتحدة 300 الف مقذوف من اليورانيوم المنضب في حرب 2003
تعرض العراق لأكبر اعتداء ارهابي عام 2016 في منطقة الكرادة وسط بغداد ما أدى إلى استشهاد وجرح حوالي 500 مواطن.
عام 2019 غرقت عبارة تقل مواطنين يحتفلون بالعيد في نهر دجلة بمدينة الموصل وأدت إلى غرق أكثر من 120 مواطناً كانوا يحتفلون بالعيد.
في شهر نيسان عام 2021 تعرضت مستشفى ابن الخطيب لحريق أدى لوفاة وجرح العشرات من المواطنين.
وبعد شهر من الكارثة احترق مستشفى الحسين في الناصرية وراح ضحية الحريق أكثر من تسعين مواطناً وجرح العشرات.
وقبل أيام قتل أكثر 100 مواطن في منطقة الحمدانية داخل قاعة للأعراس.
تزايد عدد الكوارث دفع الأمم المتحدة لتحديد يوم دولي للحد من مخاطر الكوارث في عام 1989، بعد دعوة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ليوم واحد لتعزيز ثقافة عالمية للتوعية بالمخاطر والحد من الكوارث. ويحتفل باليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث في 13 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام الهدف من الاحتفال هو توعية الناس بكيفية اتخاذ إجراءات للحد من خطر تعرضهم للكوارث.
في عام 2015 في المؤتمر العالمي الثالث للأمم المتحدة بشأن الحد من مخاطر الكوارث في سينداي باليابان، تم تذكير المجتمع الدولي بأن الكوارث تضرب بشدة على المستوى المحلي مع إمكانية التسبب في خسائر في الأرواح وحدوث اضطرابات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
وتعتقد الأمم المتحدة حسب ما منشور في موقعها الرسمي أن هناك حاجة لتعزيز القدرات بصورة عاجلة على المستوى المحلي، ويركز إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث على الإنسان في نهجه للحد من مخاطر الكوارث وتطبيقه على الكوارث ذات الخطورة الصغيرة والكبيرة الناجمة عن الأخطار التي هي من صنع الإنسان أو الطبيعية، فضلا عن البيئية ، والأخطار والمخاطر التكنولوجية والبيولوجية ذات الصلة .
وركز موضوع احتفالية عام 2022 على الغاية (ز) الغايات العالمية السبع التي حُددت بغية دعم عملية تقييم التقدم العالمي المحرز نحو تحقيق النتيجة المنشودة والهدف المتوخى من إطار سينداي. وتنص الغاية (ز) تلك على “الزيادة بدرجة كبيرة في ما هو متوافر من نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة ومن المعلومات والتقييمات عن مخاطر الكوارث وفي إمكانية استفادة الناس بها بحلول عام 2030”.
وتجلت الحاجة الملحة إلى تحقيق تلك الغاية في آذار/مارس 2022 بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة أن “الأمم المتحدة ستقود إجراءات جديدة لضمان حماية كل فرد على وجه المعمورة بإتاحة نظم إنذار مبكر في غضون خمس سنوات”.
وجرت احتفالية عام 2022 في أثناء استعراض منتصف المدة لإطار سنداي، الذي يُختتم بإعلان سياسي في اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيار/مايو 2023.
والهدف الأساس لإطار سنداي هو تجنب التسبب في مخاطر جديدة وتقليل المخاطر الحالية، وعندما لا يتحقق ذلك، يمكن لنظم الإنذار المبكر وإجراءات التأهب المرتكزة على الناس أن تتيح القدرة على اتخاذ إجراءات مبكرة لتقليل الضرر الذي يلحق بالناس وسبل عيشهم وأموالهم.
ووضعت الأمم المتحدة سياسة إدارة مخاطر الكوارث وتحدد استراتيجيات وسياسات الحد من مخاطر الكوارث الأهداف والغايات في مختلف الجداول الزمنية وتتضمن غايات ومؤشرات وأطرا زمنية واضحة. وتمشيا مع إطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث للفتر 2015-2030، ينبغي أن تستهدف هذه الاستراتيجيات والسياسات منع نشوء مخاطر الكوارث والحد من المخاطر القائمة وتعزيز القدرة على الصمود من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.
وترد في “إطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030” الذي أقرته الأمم المتحدة، والذي اعتمد في آذار/مارس 2015، سياسة عالمية متفق عليها للحد من مخاطر الكوارث، تتمثل النتيجة المنشود تحقيقها على مدى السنوات الخمس عشرة القادمة في: “الحد بشكل كبير من مخاطر الكوارث والخسائر في الأرواح وسبل المعيشة والصحة والأصول الاقتصادية والمادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للأشخاص والأعمال التجارية والمجتمعات المحلية والبلدان”.
.
رابط المصدر: