يستغرب البعض من ربط القانون الجعفري بدخول داعش للموصل وسقوطها بيدها وما تبعه من بلاءات ومحن بدأت بمذبحة السبايكر التي أضافت (1700) ضحية الى أرقام ضحايا العراق التي لم تنتهي ، وعقبتها دخول داعش لمحافظة صلاح الدين وديالى وكركوك فضلاً عن الأنبار ، وصار الأكراد عندها هم حماة الوطن وفسح المجال أمامهم ليقبضوا سيطرتهم على المناطق المتنازع عليها تمهيداً لإعلان الإنفصال في أي لحظة يروها مناسبة ، ومأساة انخفاض أسعار النفط الذي تعتمد 80% من ميزانية العراق عليه ، ولم تكن مذبحة عشيرة (آل بو نمر) هي الأخيرة في سجل جرائم الداعشيين .
أما الجنوب فقد تهيأوا وأعدوا واستعدوا للقضاء على داعش الذي غزى الشمال والغرب تلبية لنداء مرجعياتهم الدينية ، وهذا كلّف أبناء الجنوب الكثير من الشهداء الذين لم يكونوا ضحية تلبية الواجب والجهاد المقدس وإنما راحوا ضحية سوء إدارة المتطوعين في الحشد الشعبي ، فهؤلاء المساكين تلقفتهم أيادي الأحزاب والفصائل المسلحة التي وإن كانت قد أبلت بلاءً حسناً في زعزعة وضع داعش إلا أنهم استغلوا نداء المرجعية للجهاد لتحقيق أهدافهم التي لا نستطيع أن نقول عنها سيئة إلا أن الوصول إليها يصب في مصلحة قياداتها القاطنين خارج العراق ، وهي لا تأتمر بأمر المرجعيات الدينية التي دعت لمحاربة داعش إلا فصيل واحد وهو لواء الشباب الرسالي الذي يرجع الى قيادة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي .
وحتى نبين الرابط بين رفض القانون الجعفري وتلك البلاءات التي ذكرنا قسماً منها سنناقش المسألة من ناحيتين :
– الناحية الأولى : أن القانون الجعفري يهدف لوضع الحلول الشرعية للأحوال الشخصية للراغبين بالرجوع إليه ، لأن مشرّعيه يرون أن الأحكام الوضعية المعمول بها حالياً في العراق فيها مخالفات شرعية كثيرة وفيها خلط كبير بين الحلال والحرام ، فمثلاً في مسألة الإرث هناك قواعد شرعية خاصة لتوزيع الإرث على الورثة ، وكثير من هذه القواعد غير موجودة في القانون العراقي الحالي ، وبالتالي فإن من يحتكم الى المحاكم الوضعية في مسألة الإرث بغير ما أنزل الله وما يريده الشارع المقدس سيرتكب حراماً ويأكل حراماً ويظلم نفسه ويظلم الآخرين ، وهذه ذنوب كبيرة ولها آثار وضعية سيئة ومسببة لنزول البلاء ، لأن الظلم ذنب لا يترك ، وأكل المال بالباطل له تبعات على آكليه ، فكيف لا نتوقع أن تقع البلاءات بسبب رفض قانون ممكن أن يوصلنا الى شرع الله ؟!
والوصية كذلك لها قواعدة شرعية غير موجودة في القانون العراقي الحالي ، ومسائل الزواج والطلاق لها أحكام خاصة لا تعتني المحاكم العراقية بها ، فكم من زواج تم بصيغة غير شرعية لأن المتزوجين اكتفوا بعقد المحكمة ولم يرجعوا الى عقد شرعي عند رجل دين ؟! فما حكم الأولاد الذين سينجبون من تلك الزيجات غير الشرعية ؟! وكم من طلاق تم في محكمة رسمية ولم يجرى بشكل شرعي عند رجل دين ؟! فإذا تزوجت المطلقة بطلاق المحكمة فما حكم زواجها الثاني ؟! وما حكم أولادها من هذا الزواج ؟!
ألا يستلزم مثل هذه الذنوب نزول البلاء ؟! وما سبب نزول البلاء بالأقوام السابقة ؟! أليس هي الذنوب وظلم البعض للبعض وارتكاب الفواحش ؟! لذا ليس من المستغرب أن نقع في بلاءات متكررة لأنها جاءت نتيجة أفعالنا وذنوبنا ، ورغم أن الحل موجود إلا إننا رفضنا أن نقبل بهذا الحل .
– الناحية الثانية : يسعى القانون الجعفري – كما قلنا – لتطبيق شرع الله وإلا لا فائدة منه ، فإذا كان كذلك فإن رفضه هو رفض تطبيق شرع الله والبقاء على الأحكام الوضعية التي وضعها الناس ، وهذا ما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى حيث وصف في القرآن من لم يحكم بما أنزل الله مرة بـ(الكافرين -المائدة 44-) ومرة بـ(الظالمين -المائدة 45-) ومرة بـ(الفاسقين -المائدة 47-) ، فإذا كان من يرفض القانون الجعفري باعتباره تطبيقاً لحكم الله في الأرض كافراً أو ظالماً أو فاسقاً أو ربما جميعها فماذا نتوقع نتيجة الكفر والظلم والفسق إلا البلاءات ؟!
وربما يستشكل مستشكل ويقول إن هذه الأحكام الوضعية موجودة منذ عقود من الزمان فلماذا لم تدخل داعش إلا الآن ؟ والجواب هو أن دخول داعش وما تبعه من بلاءات ما هي إلا بلاء يتناسب مع الظرف ، وإلا في السابق قد كانت البلاءات موجودة ولكنها تناسب ظرفها ،وكفى بـ(صدام) بلاءً ، ثم إن صرف العذاب عنا فلأن الله عاملنا برحمته لا بعدله وكان بإمكانه أن يعاملنا بعدله دون رحمته فهو القادر العادل ، إضافة الى ذلك فإن في السابق لم يكن الأمر متاحاً لسن قانون يحفظ أحكامنا الشرعية بسبب تسلط الطواغيت ، أما الان فأصبحت للمرجعية الدينية أمر يطاع أليس بأمر المرجعية تبدل رئيس الوزراء ؟! لذا لا عذر لنا اليوم من تطبيق شرع الله خاصة وأنه لا يجبر أحداً – حتى الشيعة – أن يطبقوه ولا يرفض أحداً – حتى السنة – من تطبيقه مع بقاء القانون المعمول به حالياً ساري المفعول .