على حافة الخطر: مآلات الأوضاع في شرق السودان في ظل النزاع بين الجيش والدعم السريع

سمير رمزي

 

منذ اندلاع النزاع المُسلح بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، بسبب خلافهما على ترتيبات إصلاح المؤسسة العسكرية السودانية، مَثَّل إقليم شرق السودان بولاياته الثلاث (القضارف، وكسلا، والبحر الأحمر) أقل الأقاليم التي شهدت مواجهات بين الجانبين، إذ نجحت قوات الجيش في السيطرة العسكرية السريعة على الإقليم، على العكس من العاصمة السودانية الخرطوم، وولايات إقليم دارفور، والتي شهدت جميعها استمرار الاشتباكات بين الجانبين، دون أن تُسفر عن هزيمة أحدهما بشكل نهائي، وإن كانت قوات الدعم تحظى بالسيطرة الأكبر على العاصمة وإقليم دارفور.

 

وعلى رغم هدوء الأوضاع في الشرق، أبدت قوات الدعم السريع في أغسطس 2023 تخوفها من حدوث “حرب أهلية” في الإقليم، مُشيرة إلى قيام قيادات تابعة للحركة الإسلامية بتحشيد القبائل وتسليح بعضها دون الآخر، بالتنسيق مع قيادات الجيش، بغرض دعم الأخير في نزاعه مع الدعم السريع.

 

تُلقي هذه الورقة الضوء على مآلات الأوضاع في شرق السودان، في ضوء تطور مواقف قواه الرئيسة من النزاع بين الجيش والدعم السريع.

 

أهمية شرق السودان لدى الجيش

بصفة عامة، تحظى ولايات الشرق بأهمية استراتيجية لدى الجيش السوداني، وتعاظمت أهميتها بعد النزاع مع الدعم السريع نظراً لعدد من العوامل، أولها أنها ولايات حدودية، قد تستخدم في تمرير الأسلحة، وتقديم الدعم اللوجستي لأي من أطراف النزاع، حيث تتشارك ولايتا البحر الأحمر وكسلا الحدود مع دولة إريتريا، بينما تتمتع القضارف بحدود مباشرة مع دولة إثيوبيا. كما تعد الثلاث ولايات مصدراً مهماً للموارد البشرية، ويصل تعدادها السكاني إلى حوالي 6 مليون نسمة، بحسب بعض التقديرات.

 

وثانيها، أن سيطرة الجيش على هذه المناطق تعد أحد أهم الأوراق التي يمتلكها في إدارة علاقاته مع الخارج، نظراً لتنافس عدة أطراف خارجية على حيازة النفوذ الأكبر بولاية البحر الأحمر، فترغب دولة مثل روسيا في امتلاك مركز عسكري لوجستي في ساحل الولاية، بينما تعارض الولايات المتحدة هذه الخطوة.

 

وثالثها، أن أهمية ولايات الشرق من الناحية الاقتصادية لا تقِل عن أهميتها العسكرية والسياسية، فهي تعد ولايات محورية في تحقيق الأمن الاقتصادي، وتعد ولاية البحر الأحمر المنفذ الرئيس لحركة التجارة الخارجية للبلاد، بسبب احتوائها على الموانئ التجارية البحرية الأكبر، مثل ميناء بورتسودان، الذي تستخدمه دول أخرى مثل جنوب السودان في تصدير النفط للخارج، ويوجد بها أكبر مناطق التعدين عن الذهب. فيما تحظى ولاية القضارف بمناطق زراعية مطيرة، وتملك ولاية كسلا ثروة حيوانية من المواشي. ويُشار إلى أن حركة التجارة عبر ميناء بورتسودان استمرت رغم ظروف النزاع بين الجيش والدعم السريع، بشكل أسهم نسبياً في عدم تفاقُم الأزمات الإنسانية بالبلاد.

 

وقد انعكست هذه العوامل جميعاً في خريطة انتشار الجيش في ولايات الشرق، حيث يوجد الآلاف من قواته، والتي تتوزع بشكل رئيس في منطقتين عسكريتين: الأولى، منطقة البحر الأحمر، التي تضم الفرقة 101 مشاة البحرية. والثانية، المنطقة الشرقية العسكرية التي يوجد مقرها الرئيس بولاية القضارف. وقد أدت الدور الأبرز في الاشتباكات التي وقعت بين الجيش السوداني والقوات الإثيوبية في عام 2020 حول أراضي الفشقة.

 

انعكاسات النزاع على الأوضاع في شرق السودان

أدت الهيمنة العسكرية للجيش السوداني في شرق البلاد بعد 15 أبريل إلى نجاحه في فرض السيطرة الأمنية على الإقليم، ما قاد إلى خفوت حدة الاضطرابات الأمنية في ولاياته الثلاث، والتي لم تشهد أي مواجهات قبلية مُسلحة، رغم اعتيادها على هذه المواجهات خلال الأعوام التي تلت الإطاحة بحُكم عُمر البشير.

 

كما يُلاحظ أن الإقليم شهد توقُّف الفعاليات الاحتجاجية، التي كان يُنظمها أنصار مجلس البجا -القريب نسبياً من الجيش- ضد اتفاق جوبا للسلام، والذي مَنَح حركات محسوبة على قبائل مُنافسة للبجا سُلطةً أكبر على توزيع السُلطة والثروة في الإقليم، إذ خَصص لحركتي الجبهة الشعبية المتحدة ومؤتمر البجا المُعارض نسبة 30% من مقاعد السلطتين التنفيذية والتشريعية بالشرق، كما أقر إشراكهما في إعادة هيكلة صندوق تنمية الإقليم. وتنتمي قيادات الحركتين لقبائل بني عامر والعبابدة، التي تتنافس مع مكونات البجا على ملكية بعض الأراضي، ما تسبب في اندلاع مواجهات قبلية مسلحة بين الجانبين في أوقات سابقة.

 

ومع أن الجيش هيمن عسكرياً على الإقليم، فإنه لم ينجح بشكل كامل في ضبط الأوضاع الأمنية في ولاياته. فعلى سبيل المثال، أفادت تقارير صحفية في مايو 2023 بدخول عناصر تابعة للدعم السريع للإقليم، مُرتدين ملابس مدنية، بغرض تنفيذ عمليات عسكرية نوعية، وأعقب هذا إعلان الجيش في يوليو 2023 عن سقوط طائرة مدنية نتيجة “عطل فني”، ومقتل أربعة من عناصره كانوا على متنها. وشهدت نفس الفترة إعلان الجهات العسكرية التابعة للجيش عن ضبط أكثر من عملية تهريب للسلاح عبر ولايتي البحر الأحمر وكسلا.

 

من الناحية السياسية، انعكس النزاع بين الجيش السوداني والدعم السريع بشكل إيجابي على منطقة بورتسودان، بعد تحولها إلى عاصمة بديلة للخرطوم، نتيجة تمتعها بموقع وإمكانيات لوجستية يسمحان لها بأداء هذا الدور. وشهدت المدينة انتقال عدد من البعثات الدبلوماسية الأجنبية إليها، إلى جانب عدد من وزراء حكومة تسيير الأعمال. كما كانت ولاية البحر الأحمر المركز الرئيس لعمليات إجلاء المدنيين في بداية النزاع، وأيضاً مثَّل الإقليم المركز الرئيس لتلقي المساعدات الإنسانية الآتية من الخارج عبر الموانئ.

 

لكن في مقابل المكاسب السياسية هذه، انعكس النزاع بشكل سلبي على الأوضاع المعيشية في الإقليم، وتزايدت الصعوبات الاقتصادية على سُكانه، نتيجة نزوح عشرات الآلاف إليه هرباً من المعارك العسكرية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والعقارات والمياه، وتعاظُم الضغوط على البنية التحتية.

مواقف قوى الشرق من النزاع بين الجيش والدعم السريع

بسبب حالة التنافُس على السُلطة والثروة، تباينت مواقف قوى الشرق الرئيسة حيال النزاع بين الجيش والدعم السريع، وذهب بعضها إلى تقديم الدعم العسكري والمادي للجيش، فيما دعا البعض الآخر إلى وقف القتال، وتسوية النزاع بشكل سلمي.

 

ويُمكن استعراض محددات مواقفهما، وحدود دعمهما لطرفي النزاع، على النحو الآتي:

 

1. المكونات الداعمة للجيش

نظراً لانتماء بعض قادة الجيش والحركة الإسلامية إلى قبائل الشرق، ومنهم طاهر إيلا المحسوب على قبيلة الهدندوة، وآخر رئيس وزراء في عهد البشير، اتجه بعض القبائل الوازنة في شرق البلاد إلى دعم الجيش وقيادات الحركة الإسلامية في نزاعهما ضد الدعم السريع، وعلى رأس هذه القبائل مكونات المجلس الأعلى للبجا، الذي يقوده الأمين ترك ناظر قبيلة الهدندوة، والتي تعد من أكبر قبائل الإقليم.

 

وفضلاً عن الانتماءات القبلية، يتشارك قيادات مجلس البجا الرغبة مع نظرائهم بالجيش في أن تقود الحرب إلى تأسيس عملية سياسية جديدة، تتضمن إعادة التفاوض حول حصص السُلطة والثروة في الإقليم، كما يتفق المجلس مع الجيش على مناوئة توجهات قوات الدعم السريع الداعية لإجراء إصلاحات في المؤسسة العسكرية السودانية، وتقويض نفوذ الحركة الإسلامية في السودان، ويتشاركان كذلك في مناوئة توجهات حركات اتفاق جوبا والمجلس المركزي للحرية والتغيير من النزاع، بعد أن اتخذ الأخيران مواقفاً يغلب عليها الحياد النسبي تجاه طرفي النزاع الرئيسين.

 

وإلى جانب إصدار بيانات صحفية تُعزز شرعية موقف الجيش من النزاع مع الدعم السريع، قدَّمت بعض قبائل الشرق دعماً مالياً وعينياً لمقراته بالإقليم، كما وفَّرت حماية أمنية لقيادات نظام البشير، التي هربت من السجون على خلفية الاشتباكات في العاصمة، ومنهم أحمد هارون نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول. حيث أفادت تقارير صحفية بوجوده في ولاية كسلا.

 

واتفقت مواقف مجلس البجا مع توجهات المؤسسات الحكومية في ولايات الشرق، إذ غضت الأخيرة الطرف عن ملاحقة عناصر البشير، وشطبت نيابتا القضارف وكسلا بلاغات ضد حكومتي الولايتين تتهمهما بالتستر على قادة النظام السابق، بينما حظر والي كسلا خوجلي عبد الله التجمعات بالولاية، بعد أن شهدت بعض الفعاليات الاحتجاجية المناوئة لمنسوبي نظام البشير، وكان نفس الوالي قد أعلن التعبئة العامة لصالح الجيش في يوليو 2023.

 

وعملت القبائل على دفع أبنائها للانضمام لصفوف الجيش، في أعقاب تراجُع أدائه القتالي ضد الدعم السريع في الخرطوم ودارفور، وضد الحركة الشعبية (عبد العزيز الحلو) في جنوب كردفان. وأعلنت قبيلة الهوسا في أغسطس 2023 عن إرسال 50 ألف من أبنائها للانضمام لقيادة الفرقة الثانية مشاة بالقضارف، واتسقت هذه الخطوة مع عداء الهوسا لحركة عبد العزيز الحلو، بسبب وقوع اشتباكات قبلية في وقت سابق بين أنصار الطرفين.

 

من جانبها، أبدت قوى قريبة من مجلس البجا مثل عناصر حركة شيبة ضرار استعدادها للانضمام لصفوف الجيش، في وقت أفادت تقارير صحفية بأن القيادي في نظام البشير أحمد هارون قد عقد عدة لقاءات في ولايات الشرق، بهدف حشد 15 ألف فرد من كل ولاية للانضمام لصفوف الجيش في العاصمة.

 

2. المكونات غير الداعمة للجيش

مع تزايد مؤشرات اتجاه قبائل الشرق القريبة من الجيش إلى تعميق انخراطها في النزاع العسكري، تخوَّف عدد من القبائل الأخرى من التداعيات التي قد تنتج عن هذه التطورات على الأوضاع بشرق السودان، والتي قد تتضمن تعزيز وزن القبائل الداعمة للجيش عسكرياً، وتعظيم رغبتها في السيطرة على الثروة والسُلطة في الإقليم.

 

وفي هذا الإطار، دخل عدد من القبائل -التي جمع بعضها خلافات سابقة مع مكونات البجا- على مضمار النزاع بين الجيش والدعم السريع، وكوَّنت نواة تحالف سياسي قبلي واسع مناوئ للحل العسكري للنزاع. وأعلنت في 7 أغسطس 2023 عن مبادرة سياسية ترمي إلى تسوية الأزمة بين الجيش والدعم السريع، أطلقت عليها مُسمى “مبادرة أهل الشرق”. وضمَّت قائمة الموقعين على المبادرة تسعة من النظار والقيادات الأهلية، منهم ممثلي قبيلة البني عامر التي تعد قريبة سياسياً من حركات مسار الشرق باتفاق جوبا، كما سبقت الإشارة. ووقع على البيان أيضاً ممثلو قبائل أخرى مثل البشاريين والجميلاب والحباب والبرقو الصليحاب. ويُشار إلى أن قبيلة الجميلاب تتمتع بوزن نسبي مؤثر في ولاية كسلا، ويقودها الشيخ سليمان بيتاي أحد أبرز رجال الدين الإسلامي في الإقليم، والذي يحظى كذلك بعلاقات جيدة مع دولة إريتريا المحاذية للولاية. وعموماً، فإن أغلب هذه القبائل امتنعت عن تقديم أي شكل من الدعم للجيش السوداني منذ بدء النزاع.

 

وفي خطوة يبدو أنها جاءت لرغبة أطراف المبادرة في تجنُّب الانضمام لمناخ الاستقطاب في السودان، لما لذلك من ارتدادات سلبية قد تطال العلاقة بين قبائل إقليم الشرق، تجنَّبت المبادرة التطرق إلى شرعية مواقف طرفي النزاع، ولم تُشر إلى القضايا الجهوية التي تخص الإقليم، وطرحت عوضاً عن ذلك خطوطاً عريضة لتسوية الأزمة، داعية إلى التلازم بين عملية وقف الحرب، وإقامة سُلطة مدنية لإدارة الفترة الانتقالية، مع وضع خريطة طريق لإعادة إعمار السودان، والتحضير لمؤتمر حوار وطني شامل، وبناء جيش وطني واحد.

 

تعاطي قبائل الشرق مع النزاع بين الجيش والدعم السريع: السيناريوهات المحتملة

في ضوء ما سبق، يُمكن استكشاف بعض العوامل الرئيسة التي تتحكم في مآلات مواقف قوى شرق السودان من النزاع بين الجيش والدعم السريع، وهي:

 

  •  نتائج مواجهات الجيش ضد الدعم السريع والحركة الشعبية.
  • مستوى الاضطرابات القبلية في الشرق.
  • مواقف الأطراف الخارجية من الأوضاع في الشرق.

 

وفي ضوء هذه العوامل، يُمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات رئيسة لمستوى انخراط قبائل الشرق في النزاع خلال المستقبل القريب:

 

السيناريو الأول: تعزيز الدعم العسكري لأطراف القتال. يفترض هذا السيناريو تعزيز الدعم العسكري المُقدَّم من جانب قبائل الشرق لأطراف القتال، أو لأحدهم. وتُعد القبائل القريبة من الجيش السوداني الأقرب لتقديم هذا الدعم، سواء في جبهات القتال ضد الدعم السريع، أو ضد حركة عبد العزيز الحلو. ومن المحتمل أن يقود هذا السيناريو إلى قيام القبائل الأخرى بتقديم دعم عسكري مضاد، لصالح قوات الدعم السريع، والذي قد لا يكون بشرياً بالضرورة، إذ من الممكن أن يتخذ أشكالاً أخرى مثل تسهيل حركة تمرير السلاح، أو تقديم المعلومات الخاصة بالخطوط اللوجستية الخاصة بالجيش. ويبدو أن احتمالات حدوث هذا ليست بعيدة مع تمتع قبائل غير داعمة للجيش مثل الجميلاب بعلاقات جيدة مع دول الجوار في شرق البلاد، وخاصة إريتريا.

 

وترتفع مخاطر هذا السيناريو لأنه قد يقود إلى حدوث اشتباكات قبلية، وربما وقوع حرب أهلية في الإقليم، خاصة أن بيئة الشرق مُهيأة لذلك نتيجة انتشار حمل القبائل للسلاح، فضلاً عن تشاركهم إرثاً من المواجهات الدموية. وقد يقود هذا السيناريو إلى إطالة أمد الصراع في السودان بصفة عامة، بما ينعكس سلباً على أمن البحر الأحمر، ويعزز من احتمالات تدخل القوى الإقليمية والدولية عسكرياً لتأمين حركة الملاحة. ورغم أن مخاطر هذا السيناريو تُمثِّل أبرز كوابح تحققه، فإنه يعد مُرجحاً في حال تفاقمت الخسائر العسكرية للجيش خارج شرق البلاد.

 

السيناريو الثاني: الاكتفاء بتقديم الدعم السياسي والمالي لأطراف القتال. يفترض هذا السيناريو عدم توسُّع القبائل السودانية بالشرق في مد الجيش بالأفراد، والعودة إلى مستوى الدعم الذي قدَّمته لأطراف القتال خلال الفترة السابقة، والمُتمثِّل في الدعم المالي والعيني، في مقابل اكتفاء القبائل غير الداعمة للجيش باتخاذ مواقف سياسية تُناوئ استمرار القتال، وترفض وجود قيادات نظام البشير بولايات الشرق. ويلزم لحدوث هذا السيناريو إيقاف نشاط عناصر الحركة الإسلامية بولايات الشرق، وتيقُّن قادة القبائل من خطورة الانخراط بشكل كامل في النزاع.

 

وربما تميل القبائل إلى تفضيل هذا الخيار لتجنُّب اندلاع حرب أهلية في الإقليم، كما يُحتمل أن يتوافق هذا السيناريو مع تفضيلات الأطراف الدولية والإقليمية ذات الصلة، نظراً لتخوفهم من تضرر الأمن في البحر الأحمر في حالة حدوث مثل هذا النزاع. ومن الممكن أيضاً أن يجد هذا السيناريو قبولاً لدى قيادات الجيش في البحر الأحمر والقضارف، نظراً لأنهم يقفون على رأس الأهداف العسكرية المتوقعة للعناصر المناوئة للجيش، وربما يتعقد موقفهم القتالي في حال أعادت الميليشيات الإثيوبية مهاجمة منطقة الفشقة، بالتزامُن مع اضطراب الأوضاع الأمنية في الشرق، ويُشار إلى أن هذه الميليشيات نفَّذت بعض الهجمات على المنطقة خلال الأسابيع الأولى من النزاع بين الجيش والدعم السريع.

 

ولذلك، يعد اكتفاء القبائل بالمستوى الحالي من الانخراط في النزاع الجيش والدعم السريع، مرجحاً بصفة عامة، ويُمكن اعتبار إعلان السلطات السودانية في أغسطس 2023 عن استثناء ولايات الشرق من غلق المجال الجوي المدني، بمثابة مؤشر على تفضيلها عدم توتير الأوضاع الأمنية في الإقليم. ورغم ترجيح هذا السيناريو مقارنة بما سبقه، فإنَّه يظل هشاً، ولا يضمن عدم انزلاق الأوضاع في الشرق إلى الحرب الأهلية في أي وقت، خصوصاً مع رغبة قادة الجيش في دعم قواتهم في العاصمة.

 

السيناريو الثالث: حياد قبائل الشرق من أطراف القتال. يفترض هذا السيناريو اتفاق القبائل الرئيسة في شرق السودان على عدم تقديم أي شكل من الدعم لأطراف القتال، بهدف تجنُّب تداعيات الصراع على الإقليم، بما في ذلك تأخير حسم القضايا الخلافية بين مكوناته.

 

ويتطلب حدوث هذا السيناريو اقتناع قادة القبائل بأن نتائج المواجهة بين الجيش والدعم السريع لن تنعكس على خريطة تقاسُم السُلطة والثروة في الإقليم، ومن الممكن أن يرتفع تفضيلهم لحالة الحياد في حالة وجود اغراءات خارجية، تدفعهم للمشاركة في جهود التسوية السلمية للنزاع، وقد تتخذ هذه الاغراءات أشكالاً عدة مثل الإعلان عن خطة لضخ استثمارات كبيرة في الإقليم حال انتهاء النزاع، وضمان مُشاركة ممثلي القبائل في مباحثات الوضع السياسي الجديد.

 

غير أن فُرص تحقق هذا السيناريو تبدو منخفضةً في ظل عُمق التحالفات التي تجمع بين قبائل البجا وقيادات الجيش والحركة الإسلامية، علاوة على ارتفاع مستوى التنافُس بين القبائل على تقسيم الثروات، وتراجُع الوضعية العسكرية للجيش في المواجهات مع كلٍّ من الدعم السريع، والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/scenario/malat-alwade-fi-sharq-alsuwdan-fi-zil-alnizae-bayn-aljaysh-waldaem-alsarie

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M