- مدفوعاً بأزمة الطاقة التي خلقتها الحرب الأوكرانية، وبالأزمة المناخية، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعويض الوقود الأحفوري بالهيدروجين الأخضر، بوصفه بديلاً لتشغيل قطاعات الإنتاج الأساسية في أفق العام 2050.
- يحاول الأوروبيون بناء نظام جيوسياسي إقليمي على قاعدة الشراكة في الهيدروجين يمتد من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط.
- الانخراط الأوروبي الكبير، تخطيطاً وتمويلاً في قطاع الهيدروجين، تحوَّل في ظل المنافسة الدولية إلى هاجس جيوسياسي، قد يفتح الباب أمام إمكانية حصول تغييرات عميقة في خريطة الطاقة العالمية، بكل ما يعنيه ذلك من تحولات هيكلية في قطاعات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.
- النهج الأوروبي لتطوير قطاع الهيدروجين وتعزيز إنتاجه، يُواجِه تحديات كثيرة تتعلق بالبنية الداخلية للاتحاد، وبشدة التنافس الدولي، وبتراجع النفوذ الأوروبي في الدول المرشحة لتكون لاعباً أساسياً في الإنتاج.
أصبح الاقتصاد السياسي للهيدروجين لاعباً أساسياً في ديناميكيات القوة والعلاقات الدولية والقضايا الاستراتيجية المتعلقة بإنتاج الطاقة وتوزيعها عالمياً. ويبدو الأمر أكثر إلحاحاً في أوروبا، إذ كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن نقاط الضعف التي تعيب نموذج الطاقة الذي يتبنَّاه الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الهاجس المناخي الذي أصبح مركزياً في سياسات الاتحاد، مما يشير بقوة إلى تحولات مستقبلية ربما تُنتِج تغييرات عميقة في خريطة الطاقة العالمية، بكل ما يعنيه ذلك من تحولات هيكلية في قطاعات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.
تسعى الورقة إلى تحديد معالم الجغرافيا السياسية للهيدروجين عالمياً، وموقع هذا النمط من إنتاج الوقود في استراتيجية الاتحاد الأوروبي للطاقة، والبعد الجيوسياسي للهيدروجين في سياسات الطاقة الأوروبية، واستكشاف الانعكاسات المحتملة لهذا البُعد الدولي على منطقة الخليج والعالم العربي.
الجغرافيا السياسية للهيدروجين
فرضت حالة الطوارئ المناخية على العالم سلوك مسارات بديلة لإنتاج الطاقة، في وقتٍ يحاول فيه التحرك نحو مستقبل أكثر استدامة وحيادية للكربون، وهذا ما يجعل الهيدروجين منخفض الكربون، بأشكاله المختلفة، لاعباً مركزياً في ديناميكيات الطاقة العالمية. ومن الممكن أن يؤدي التوسع في إنتاجه واستخدامه على نطاق شامل إلى إعادة تعريف تحالفات الطاقة العالمية، وإحداث تحولات اقتصادية كبيرة؛ ذلك أنه مرتبط ارتباطاً أساسياً بالموارد الطبيعية المتفاوتة للدول، شأنه شأن الوقود التقليدي. وستكون البلدان التي تتمتع بموارد متجددة هائلة، مثل الشمس أو الرياح أو الماء، مركزاً لإنتاجه. لذلك فإن خريطة إنتاج الطاقة وتوزيعها ستأخذ أشكالاً جديدةً، وستفرز لاعبين جدداً، وفقاً لقدرة الدول مستقبلاً على تنمية إنتاجها من هذا الوقود، مع اعتماد 80 دولة رسمياً لاستراتيجية وطنية. فالأمر لا يتعلق فقط بتوفر الموارد والإنتاج، بل بالقدرة على إنشاء بنية تحتية لنقل الهيدروجين وتخزينه، والتي تشمل خطوط الأنابيب المتخصصة، ومرافق الموانئ للنقل البحري للهيدروجين السائل، فضلاً عن تقنيات التخزين. ويمكن للبلدان التي تتقن هذه التكنولوجيات أو التي تقع على طرق التجارة الاستراتيجية أن تؤدي دوراً مركزياً.
هذا التحوُّل سيفرض تحوّلاً في مستوى تشكيل تحالفات الطاقة الدولية، من حيث تقسيم العمل وتقاسم التكنولوجيات، ووضع معايير مشتركة، وتطوير سلاسل التوريد. وهو ما يعني تحوُّل الهيدروجين، كما هو الحال مع النفط والغاز منذ عقود، إلى مصدرٍ للتنافس الجيوسياسي. وقد تصبح المسائل المتعلقة بأمن الإمدادات، والسيطرة على طرق التجارة، والوصول إلى التكنولوجيات الحيوية، نقاط توتر وربما صراعٍ بين الدول. فضلاً عن التداعيات الاقتصادية الجذرية التي سيخلفها التوسع في استعمال هذا النوع من الوقود، بما في ذلك التأثيرات على تشغيل العمالة، وإعادة التصنيع في مناطق معينة، وإعادة تعريف النماذج الاقتصادية الوطنية، خاصة بالنسبة للبلدان التي تعتمد على الوقود الأحفوري. وفضلاً عن الدافع المناخي، فإن الهيدروجين، بأنواعه كافة، يمكن أن يشكل حلاً سيادياً بالنسبة للدول التي تعاني من التبعية الطاقية.
وراهناً تتوزع الجغرافية السياسية للهيدروجين إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى، تضم الدول التي تتمتع بموارد طبيعية متجددة قادرة على توسيع الإنتاج، مثل شيلي والمغرب وغرينلاند وكولومبيا وناميبيا وموريتانيا وكازاخستان ومصر، لكنها تحتاج استثمارات كبيرة لتطوير البنية التحتية المخصصة للإنتاج والنقل والتوزيع. والفئة الثانية، الدول التي لا تملك موارد متجددة كافية وتنافسية لتوسيع الإنتاج، أو ذات المساحة الجغرافية المحدودة، وضمن هذه الفئة نجد دولاً مثل اليابان والنمسا وألمانيا وسنغافورة، ولكنها تملك قدرات تقنية ومالية لتطوير البنية التحتية للإنتاج والتوريد. والفئة الثالثة، هي الدول التي تملك موارد أساسية كبيرة وقدرات لبناء هياكل إنتاج وتوزيع وتصدير، مثل أستراليا والبرازيل والنرويج وروسيا وكندا والولايات المتحدة والصين والهند ودول الخليج العربي. لذلك، فإن هذه الجغرافية تعيد إنتاج أربع مسائل:
- السيادة الطاقية والاعتماد على التوريد.
- مسألة التبعية التقنية، حيث سيكون لقدرة البلدان العلمية في تطوير عملية الإنتاج دور حاسم في تحديد اللاعبين الأساسيين في الاقتصاد السياسي للهيدروجين، وتالياً في ديناميكيات القوة والعلاقات الدولية والقضايا الاستراتيجية المتعلقة بإنتاج الطاقة وتوزيعها دولياً، حيث ستحدد عملية التطوير التكنولوجي عوامل حاسمة مثل التكلفة.
- تحديد الشكل المستقبلي لخريطة الجغرافية السياسية لقطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، إذ من المتوقع أن يكون الهيدروجين بديلاً للوقود الأحفوري في تشغيل هذه القطاعات.
- بيئة الإنتاج وتنظيمها دولياً، حيث يَفترض ذلك جذب وتأمين وتحقيق قدر كبير من الاستثمارات الخاصة والأجنبية على المدى الطويل، ويتطلب وجود إطار قانوني متين واستقرار سياسي عالمي.
موقع الهيدروجين في الاستراتيجية الأوروبية للطاقة
تعاني أوروبا من أزمة حادة في الطاقة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل عامين ونصف، وهي أزمة ممتدة إلى القطاع الصناعي، وتنعكس سلباً في الاقتصاد الكلي للكتلة الأوروبية من طريق تراجع القدرة الشرائية والتضخم وحالة الانكماش. وفي الوقت نفسه تواجه الأزمة المناخية بتشريعاتٍ جديدةٍ تفرض تقليلاً تدريجياً متصاعداً في استخدام الوقود الأحفوري، والتوجه نحو الطاقة البديلة. لذلك فإن الهيدروجين منخفض الكربون يشكل للاتحاد الأوروبي حلاً للمعضلة السيادية في قطاع الطاقة، والمعضلة المناخية في الوقت نفسه. ومع ذلك يمثل الهيدروجين، في الوقت الحالي، جزءاً متواضعاً من باقة الطاقة، في الاتحاد، ويُنتَج غالباً من طريق الحفريات القابلة للاحتراق، بما في ذلك الغاز الطبيعي أو من الفحم الذي يضخ ما بين 70 إلى 100 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد.
ويشكل الهيدروجين أولوية أساسية لتحقيق “الصفقة الأوروبية الخضراء”، التي تهدف إلى جعل الاقتصاد الأوروبي مُستداماً، وتحويل الاتحاد الأوروبي إلى كيان محايد مناخياً بحلول العام 2050. وتتمتع أوروبا بقدرة تنافسية عالية في مجال تقنيات الهيدروجين؛ إذ يمكن أن تصل الاستثمارات المتراكمة لصالح الهيدروجين المتجدد في أوروبا إلى ما بين 180 و470 مليار يورو بحلول منتصف هذا القرن.
ووفقاً للاستراتيجية الأوروبية للهيدروجين، فإن نظام الإنتاج والتوزيع سيتبع مساراً تدريجياً، بسرعات مختلفة بين القطاعات، وبين المناطق، وأن اختيار التدابير سيكون مختلفاً باختلاف الحالة. في المرحلة الأولى، التي بدأت عام 2020 وتنتهي العام الحالي، يتمثل الهدف الاستراتيجي في تثبيت قدرة أقل من 6 جيجاوات من المحللات الكهربائية المنتجة للهيدروجين المتجدد في دول الاتحاد. وفي المرحلة الثانية، بين 2025 و2030، يجب أن يكون الهيدروجين جزءاً من نظام طاقة متكامل ، وهو هدف استراتيجي يتمثل في إنشاء قدرة تصل إلى 40 جيجاوات من المحللات الكهربائية، وسيتم إنتاج ما يصل إلى 10 ملايين طن من الهيدروجين القابل للتجديد. في خلال هذه المرحلة، سيكون من الضروري توفير بنية تحتية لوجستية لمستوى الاتحاد الأوروبي، والشروع في إجراءات تؤدي إلى ضمان توزيع الهيدروجين. وفي المرحلة الأخيرة، من 2030 وحتى 2050، من المفترض أن تصبح تقنيات الطاقة المتجددة متقدمة للغاية لمساعدة جميع القطاعات في إزالة الكربون.
وتخطط فرنسا، على سبيل المثال، لاستثمار 8.9 مليار يورو بحلول عام 2030 لتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر واستخدامه، بما يُحقق جزءاً من خطتها الوطنية للهيدروجين. ونشرت ألمانيا استراتيجية وطنية تهدف إلى إنتاج 10 جيجاوات من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030 ، مقارنة بـ 5 جيجاوات خططت لها في البداية حكومة أنجيلا ميركل، وكل ذلك باستثمار يزيد على 10 مليارات يورو. ولتحقيق هذا الهدف، وضع الأوروبيون خطة استثمارية تبدو واعدةً . فاعتباراً من 2030، قد تصل الاستثمارات في المحللات الكهربائية إلى ما بين 24 و42 مليار يورو. علاوة على ذلك، في خلال الفترة ذاتها، سيُرصَد ما بين 220 و340 مليار يورو لتطوير قدرة إنتاج الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح من 80 إلى 120 جيجاوات وربطها مباشرةً بالمحللات الكهربائية لتوفير الكهرباء اللازمة. إلى جانب الاستثمارات الضرورية لضمان النقل والتوزيع والتخزين وتركيب محطات للتزود بالوقود الهيدروجيني، والتي تقدر بحوالي 65 مليار يورو. واعتباراً من عام 2050، ستتراوح الاستثمارات في القدرات الإنتاجية بين 180 إلى 470 مليار يورو في جميع دول الاتحاد.
لكن المعضلة التي تواجه أوروبا بقاء مسألة التبعية الطاقية نسبياً حتى مع تطوير استراتيجية الهيدروجين، فهي لن تكون قادرة على إنتاج سوى نصف ما تحتاجه في أفق 2030، وستكون مجبرةً على البحث عن شركاء خارج القارة لتأمين نصف احتياجاتها، فضلاً عن مسألة الكلفة، حيث يفضل الأوروبيون إنتاج الهيدروجين في بلدٍ من خارج القارة بتكاليف أقلّ، وضمن آليات لتقسيم الإنتاج والتوزيع يتحكمون فيها من طريق الاستثمارات المالية والتقنية. وهذا ما يمثل البعد الثاني والأساسي في الاستراتيجية الأوروبية للهيدروجين.
البُعد الجيوسياسي
أقام الاتحاد الأوروبي العديد من الشراكات والاتفاقيات مع دول مختلفة لتعزيز إنتاج الهيدروجين الأخضر واستيراده وتطويره، تعتمد على الاستثمار المباشر أو تصدير التكنولوجيا أو عليهما معاً. يُعد المغرب شريكاً رئيساً للاتحاد في هذا المجال، بسبب إمكاناته العالية في مجال الطاقات المتجددة (الشمسية وطاقة الرياح). وتقوم الشراكة على قاعدة تصدير الهيدروجين نحو أوروبا بسبب القرب الجغرافي، بالإضافة إلى البنية التحتية التي يمتلكها لتصدير الغاز الطبيعي والتي يمكن أن تستغل في نقل الهيدروجين. وتستهدف خريطة الطريق الوطنية للطاقة الهيدروجينية في المغرب استقطاب ما يناهز 4% من السوق الدولية.
كذلك فإن موريتانيا، المجاورة، مؤهلةً لتكون منتجاً رئيساً، وأظهرت الحكومة استعدادها لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، كما يتضح من مذكرة التفاهم التي وقعتها مع شركة بريتيش بتروليوم في مؤتمر الأطراف (COP27) التي من المفترض أن يولد مشروعها إنتاجاً سنوياً يبلغ مليوني طن من الهيدروجين الأخضر.
وهناك أيضاً تشيلي التي تُعد لاعباً ناشئاً في مجال الهيدروجين الأخضر، حيث تستفيد من الإمكانات القوية في مجال الطاقة الشمسية.
ويدعم الاتحاد بقوة تطوير قدرات إنتاج الهيدروجين، بهدف طويل المدى يتمثل في إنشاء سلاسل توريد إلى أوروبا عبر السفن. وقد وقعت مصر مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي لاستكشاف إمكانات الإنتاج، بسبب ما تتمتع به من موارد وفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومن المحتمل أن تكون شريكاً رئيساً لإنتاج الهيدروجين وتصديره نحو أوروبا. وكذلك الأمر بالنسبة لتونس والجزائر. وبالمثل، تُعد ناميبيا بلداً أساسياً في الاستراتيجية الأوروبية بسبب قدرتها على توفير إنتاج كبير ومستدام، إلى جانب النرويج التي تعد شريكاً استراتيجياً للاتحاد في مجال الطاقة، والتي من المحتمل أن تكون منصة إنتاج للهيدروجين الأخضر بسبب مواردها الهائلة من الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الكهرومائية، ومنصة تصدير بسبب قربها من الكتلة الأوروبية. فضلاً عن أوكرانيا، التي وضعها الاتحاد قبل الحرب في الخريطة بصفتها مورداً محتملاً للهيدروجين الأخضر، بفضل قدراتها في مجال الطاقة المتجددة، وخاصة طاقة الرياح. وكانت المناقشات جارية لدمج أوكرانيا في استراتيجية استيراد الهيدروجين الأوروبية، إلا أن الوضع الجيوسياسي أدى إلى تعقيد هذه المشاريع.
التنافس الألماني-الفرنسي-الإيطالي
وراء السياسات الأوروبية الوحدوية يوجد تنافس وطني بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا حول مستقبل إنتاج الهيدروجين الأخضر وتوزيعه وإعادة توزيعه. لذلك تتسابق هذه الدول الثلاث لعقد اتفاقيات ثنائية مع دول من خارج الاتحاد لتعزيز حضورها المستقبلي في عملية الإنتاج والتوزيع.
تهدف فرنسا إلى إنتاج 6.5 جيجاوات من الهيدروجين الأخضر المنتج محلياً بحلول عام 2030، لكن ذلك لن يكون كافياً لتلبية حاجياتها الصناعية، في ظل خطة إعادة توطين الصناعات، لهذا تسعى إلى تأمين الوصول إلى موارد من خارجها. وفي هذا السياق عقدت باريس اتفاقيات ثنائية مع الكثير من الدول في أمريكا اللاتينية وأفريقيا. تشمل الخطة الفرنسية ليس فقط التوريد للاستهلاك، ولكن إعادة التوزيع، حيث يمكن لفرنسا الاستفادة من موقعها الجغرافي لتطوير سيادة الوصول، وأن تؤدي كذلك دوراً وسيطاً بين المنتجين والمستهلكين، وبموقعها في قلب أوروبا يمكن أن تصبح مركزاً لتوريد وتوزيع الطاقة الخضراء التنافسية الموجودة في جنوبها من طريق موانئها، أو عبر أراضيها ما وراء البحار.
في المقابل، تسعى ألمانيا إلى تأمين موارد طاقية لاستدامة نموذجها الصناعي. وتهدف برلين إلى بلوغ قدرة التحليل الكهربائي 10 جيجاوات بحلول عام 2030. وقد خصصت لذلك حوالي 10 مليارات يورو، لكن سيتعيّن عليها استيراد ما لا يقل عن 40% من حاجتها؛ لهذا خصصت مليارين إضافيين لتمويل مشاريع في الخارج لإنشاء سلاسل استيراد. والأمر نفسه بالنسبة لإيطاليا، التي تطمح هي الأخرى إلى منافسة فرنسا في التحول إلى مركز إقليمي لتوزيع الطاقة.
التحديات
يواجه النهج الأوروبي للهيدروجين تحديات كثيرة تتعلق بالبنية الداخلية للاتحاد الأوروبي، وبالتنافس الجيوسياسي الدولي حول إنتاج الطاقة وتوزيعها.
أولاً، تتسم مسألة الطاقة بالكثير من الانقسامات داخل الاتحاد، بسبب المسألة المناخية وبسبب النزوع القُطري للدول في حماية سيادتها الطاقية ونماذج إنتاجها الصناعي.
ثانياً، فقر الموارد الطبيعية اللازمة في عملية الإنتاج، والذي تعاني منه العديد من دول الاتحاد، إما بسبب محدودية مجالها الجغرافي أو ضعف مستويات الإشعاع الشمسي فيها، وهو ما يقلل مستوى الإنتاج الكمي.
ثالثاً، تحدّي تراجُع النفوذ الاستراتيجي للدول الأوروبية في المناطق ذات الإنتاج العالي المحتمل، لاسيما أفريقيا جنوب الصحراء وشمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
رابعاً، تصاعُد التنافس العالمي في ظل وجود قوى دولية تملك في الوقت نفسه الموارد الطبيعية اللازمة، والقدرات الإنتاجية والتكنولوجية والمالية.
خامساً، التحدي الأمني، حيث تتطلب البنية الإنتاجية حداً مناسباً من تأمين الإمدادات، في ظل الحرب التي تعيشها أوروبا، وتراجع مستويات الاستقرار السياسي والأمني دولياً.
الانعكاسات المحتملة على المنطقة العربية: فرص ومخاطر
أولاً، الفُرص
تُشكِّل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في إنتاج الهيدروجين الأخضر وتوزيعه وإعادة توزيعه فرصةً للدول العربية، لاسيما دول الخليج، لتنويع اقتصاداتها، التي غالباً ما تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز، من طريق وضع نفسها في سوق الطاقة المتنامية. ويمكن أن يؤدي تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر إلى جذب الاستثمار الأجنبي، وخلق فرص العمل، والتمكين من اكتساب تقنيات جديدة، وبالتالي تعزيز التنمية الاقتصادية والتحول في مجال الطاقة. ويمكن لهذه الشراكة أن تقوي التعاون الجيوسياسي من طريق تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي، وتعزز المزيد من الاستقرار الإقليمي وتعزز التجارة في القطاعات الاقتصادية الأخرى.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فستُمكِّنه هذه الشراكة من تنويع مصادر الطاقة، ويمكن للبلدان العربية، بما لديها من موارد هائلة من الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)، أن تصبح مورداً رئيساً للهيدروجين الأخضر لأوروبا. والاستثمار في مشاريع الهيدروجين في الدول العربية سيُمكِّن الاتحاد الأوروبي من تقليل تكاليف الإنتاج بفضل الظروف المناخية المواتية (أشعة الشمس العالية، ومساحات الأراضي الكبيرة لطاقة الرياح) وانخفاض تكاليف الإنتاج. وبالنسبة لكلا الطرفين، يمكن لهذه الشراكة أن تلعب دوراً رئيساً في تحقيق التزاماتهما للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
ثانياً، المخاطر
ربما يُشكل الانخراط الكبير للأوروبيين في قطاع الهيدروجين الأخضر في العالم العربي، في ظل حاجتهم الحيوية للمزيد من الطاقة، خطراً في مستوى الإنتاج المفرط. والواقع أن الحوافز المتضمنة في لوائح الاتحاد الأوروبي تعني أن الزيادات الهائلة في صادرات الهيدروجين الأخضر من الممكن أن تمتص أغلب الكهرباء المتجددة في البلدان المصدِّرة، ومن بينها الدول العربية. لذلك تحتاج هذه الشراكة تحديد سقوف واضحة تراعي مصالح الطرفين.
والخطر الثاني يتعلق بالعواقب الاجتماعية والبيئية، حيث يتطلب إنتاج الهيدروجين الأخضر كمية كبيرة من الماء لإجراء التحليل الكهربائي، الأمر الذي قد يمثل مشكلة في المنطقة العربية التي تواجه بالفعل إجهاداً مائياً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي سوء إدارة المشروعات إلى تداعيات اجتماعية سلبية، مثل نزوح السكان أو الصراعات المحلية. فضلاً عن المخاطر الأمنية، حيث تواجه المنطقة اضطرابات سياسية وأمنية قد تشكل خطراً على البنية التحتية للتوزيع.
وبالنسبة للجانب الأوروبي، فإن تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية (الإنتاج، والنقل، والتخزين)، وهو ما قد يكون محفوفاً بالمخاطر إذا لم تتطور التقنيات بالسرعة المتوقعة أو إذا ظلت تكاليف الإنتاج مرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر تقلبات أسعار الطاقة في الجدوى الاقتصادية لمشاريع الهيدروجين. وربما يكون الانخراط الكبير في استيراد الهيدروجين من الدول العربية سبباً في خلق شكل جديد من التبعية الطاقية، وهو ما قد يُمثل مشكلة في حال حدوث تغيير في النظام السياسي أو سياسة الطاقة في هذه البلدان. ولا تزال تقنيات الهيدروجين الأخضر قيد التطوير، لذلك فإن نشرها على نطاق واسع أمر معقد. ولا تزال البنية التحتية اللازمة لنقل الهيدروجين الأخضر بأمان وفعالية من حيث التكلفة من شمال أفريقيا أو الشرق الأوسط إلى أوروبا، سواء عبر خطوط الأنابيب أو السفن، غائبةً إلى حد كبير، مما يشكل تحدياً أساسياً.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/alabaad-aljiusiasiya-lilhaydrujin-fi-siasat-altaqa-al-uwrubiya-