- يشهد جيش التحرير الشعبي الصيني حملة موسعة مضادة للفساد منذ شهر يوليو 2023، طالت بشكل خاص قوة الصواريخ وأقسام شراء الأسلحة وتصنيعها، وشملت وزير الدفاع لي شانغفو، الذي شغل منصب رئيس وحدة المشتريات العسكرية الصينية بين 2017 و2022.
- تُشير حملة مكافحة الفساد الأخيرة إلى تزعزع ثقة القيادة الصينية في الجيش، من حيث مدى توغل الفساد وعمقه بين صفوفه، رغم تورط قادة عسكريين اُختيروا من قبل الرئيس شي نفسه، وأبرزهم لي شانغفو، بالإضافة إلى حساسية قوة الصواريخ بسبب مسؤوليتها عن ترسانة الصين النووية.
- يمكن النظر إلى الحملة الأخيرة ضد الفساد في الجيش الصيني بوصفها “عملية جراحية” لتقليص مستوى الفساد المستشري في صفوفه، وليست عملية تصفية سياسية على غرار حملات سابقة. ولهذا، من غير المرجح أن تؤثر الحملة في الكفاءة القتالية للجيش أو خطط التحديث العسكرية الصينية على المدى البعيد.
- يُستبعَد أن تتأثر سلطة الرئيس شي على الجيش بهذه الحملة أو أن يكون ذلك دافعاً وراء الحملة. بل العكس، ربما تكون قدرة شي على القيام بتصفية الفساد في أكثر الإدارات العسكرية حساسية نابعة من سيطرته الكاملة على الجيش، التي تعززت خلال عام 2015 وما بعده.
شهد جيش التحرير الشعبي الصيني حملة موسعة مضادة للفساد منذ شهر يوليو الماضي، طالت بشكل خاص قوة الصواريخ وأقسام شراء الأسلحة وتصنيعها، وشملت وزير الدفاع لي شانغفو الذي شغل منصب رئيس وحدة المشتريات العسكرية الصينية بين 2017 و2022.
تُحلل هذه الورقة أبعاد حملة مكافحة الفساد، ودوافعها، وسيناريوهات تأثيرها على الكفاءة القتالية لجيش التحرير الشعبي، وخطط التحديث العسكرية الصينية.
عملية محاطة بالغموض
في 28 ديسمبر 2023، أقال المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني (الغرفة الثانية للبرلمان) ثلاثة مدراء تنفيذيين لشركات تصنيع أسلحة مهمة، هم: رئيس “مجموعة الصناعات الشمالية الصينية لصناعة الأسلحة”، ورئيس شركة “الصين لعلوم وتكنولوجيا الفضاء”، ونائب مدير شركة “الصين لعلوم وصناعة الفضاء” (كاسيك) المملوكة للدولة. ويشترك الثلاثة في أنهم مهندسين متخصصين في أبحاث الصواريخ وتصنيعها.
وكان مجلس الشعب الصيني قد أعلن قبلها بيوم واحد تعيين دونغ جون وزيراً للدفاع، وإقالة تسعة مسؤولين عسكريين آخرين كانوا أعضاء في المجلس أهمهم لي يوتشاو وجوو يانينغ، اللذين قادا قوة الصواريخ من قبل، وثلاثة آخرين من قوة الصواريخ أيضاً إلى جانب اثنين من وحدة المشتريات العسكرية. واستمرت الإقالات حتى بداية شهر فبراير بين القادة العسكريين والمسؤولين في شركات التصنيع العسكري.
ولم تعلن أسباب رسمية وواضحة لهذه الإقالات، لكن كان واضحاً أن الفساد هو السبب الرئيس خلفها. وعادة ما يختفي المسؤولون الصينيون المتهمون بالفساد عن الأنظار بشكل مفاجئ، ويخضعون لتحقيقات من قبل أجهزة رقابية تحظى بسلطات واسعة. وفي حالة الجيش، غالباً ما تُمثِّل لجنة فحص الانضباط التابعة للجنة العسكرية المركزية القسم المخول بملاحقة المتهمين بالفساد في الجيش.
وظهرت مؤشرات إضافية حول قلق القيادة الصينية من استشراء الفساد في الجيش في خطاب الرئيس شي جينبينغ للجيش بمناسبة رأس السنة الميلادية، إذ تعمَّد شي الإشارة في الخطاب إلى أن الصين تخوض “معركة شاقة وطويلة الأمد ضد الفساد”. وقبل بداية الحملة في يوليو 2023، دعت إدارة تطوير المعدات في الجيش الجمهور إلى الإبلاغ عن أنشطة غير قانونية فيها يعود تاريخها إلى أكتوبر 2017. وقد سُئِلَ المتحدث باسم وزارة الدفاع عن غياب وزير الدفاع السابق، واي فانغه، منذ مارس الماضي، ومع أن المتحدث لم يوضح تفاصيل لكنه قال إن الجيش “لن يتسامح مطلقاً مع الفساد”، وتعهَّد “بالتحقيق في كل حالة، واتخاذ إجراءات صارمة ضد كل مسؤول فاسد”. وقد قاد واي قوة الصواريخ أيضاً قبل أن يتولى منصب وزير الدفاع.
وقد كثرت التكهنات بخصوص أسباب إطلاق الحملة ونطاقها غير المسبوق منذ الإصلاحات الهيكلية العسكرية في 2015. وفي مطلع يناير، نشرت وكالة بلومبيرغ تقييماً للاستخبارات الأمريكية أكد أن الفساد في قوة الصواريخ شمل “ملء بعض الصواريخ بالماء بدلاً من الوقود”، وتخصيص أغطية لعدد كبير من صوامع الصواريخ الباليستية في غرب الصين “لا تعمل بطريقة تسمح بإطلاق الصواريخ بشكل فعال”.
وإذا كان هذا التقييم صحيحاً، فقد يعكس ذلك تراجعا كبيراً وجوهرياً في قدرات جيش التحرير الشعبي، ووجود عقبات أمام خطط تحديثه. وقد يكون الوضع أسوأ من ذلك، ويؤثر بشكل مباشر في قدرة الجيش على القيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق مستقبلاً، أهمها ضمّ تايوان.
قوة الصواريخ: الموقع المُفضَّل للفاسدين
شملت التحقيقات منصب وزير الدفاع، وهو أعلى ممثل للدبلوماسية العسكرية الصينية ومسؤول عن تعميق العلاقات العسكرية مع القوى الأخرى. إلى جانب ذلك، ثمة مسؤولون متورطون من القضاء العسكري والقوات الجوية وقيادة الجرهة الجنوبية. لكن العدد الأكبر من المسؤولين الخاضعين للتحقيق ينتمون إلى قوة الصواريخ، والصناعات العسكرية المرتبطة بها، وآليات شراء الأسلحة والمعدلات الداعمة لها.
وقوة الصواريخ هي أكثر الوحدات العسكرية حساسية بالنظر لمسؤوليتها عن أسلحة الصين النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات القادرة على حمل رؤوس نووية، بالإضافة إلى أبحاث تطوير الصواريخ الصينية متعددة الاستخدامات. وحققت هذه القوة تقدماً كبيراً مؤخراً. فخلال الثلاثة أعوام الماضية، كشفت صور للأقمار الصناعية قرابة 100 صومعة ومخزن للصواريخ في صحراء غرب الصين، وهي جزء فقط من 320 صومعة بُنيَت حديثاً. وتملك الصين حوالي 410 رأساً نووياً حالياً. وتتوقع وزارة الدفاع الأمريكية وصول هذا العدد إلى 1500 بحلول عام 2035.
وتملك الصين أيضاً أكبر عدد من الصواريخ الباليستية الأرضية في العالم. وقد حققت قوة الصواريخ نجاحات تكنولوجية كبيرة في تطوير الصواريخ، أهمها صواريخ “DF-17” التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وتُعَد نظام قصف مداري دقيق، والصاروخ الباليستي “DF-21D” المضاد للسفن، الذي عزز قدرة الصين على الاستهداف الدقيق والبعيد المدى ضد القطع البحرية الأمريكية المتمركزة في بحري الصين الجنوبي والشرقي والمحيط الهادئ.
وتبدو الروايات الغربية حول “ملء الصواريخ بالماء”، و”الأغطية التي لا تعمل” غير منطقية. فالصواريخ الصينية المتقدمة تعمل بالوقود الصلب وليس السائل منذ عدة سنوات. ومن أهم هذه الصواريخ الصاروخ الباليستي العابر للقارات “DF-31″، و”DF-41″، والصاروخ الباليستي “JL-2″ الذي يطلق من الغواصات. وعادة ما تُترَك الصواريخ العاملة بالوقود السائل، مثل الصواريخ من طراز”DF-4″، و”DF-5” فارغةً لمنع وقوع حوادث، وفقاً لقواعد السلامة المتبعة داخلياً في الجيش. وفيما يتعلق بالأغطية التي لا تعمل، فإن بعض حقول الصواريخ الواسعة والمرئية عبر صور الأقمار الصناعية عادةً ما تكون مجسَّمات تستهدف امتصاص الضربات الأولية، ولا تحوي في داخلها صواريخ حقيقية.
ومع ذلك، فإن قوة الصواريخ لا تزال موقعاً مُشجِّعاً للفساد لسببين أساسيين:
أولاً، سيطرة الشركات المملوكة للدولة على عمليات البحث والتصنيع للصواريخ، وأهمها شركتا “الصين لعلوم وصناعة الفضاء”، و”شركة الصين لعلوم وتكنولوجيا الفضاء”. وتهيمن الممارسات غير القانونية والاختلاسات على الكثير من الشركات الحكومية، والجنرالات المكلفين بمتابعة عملياتها. ويشير بعض الأدلة إلى علم القيادة العسكرية والحزبية المبكر ببعض هذه الممارسات ومتابعتها. فعلى سبيل المثال، حذَّرت صحيفة “القانون اليومي” التابعة للجنة الشؤون السياسية والقانونية المركزية للحزب الشيوعي، في 2012، من أن بعض الضباط الممثلين عن الجيش، والذين أُرسلوا إلى الشركات المصنعة للأسلحة لفحص الجودة، تلقوا رشاوى من الشركات المصنعة. وفي عام 2018، ذكرت صحيفة جيش التحرير الشعبي اليومية أيضاً أن نظام الممثلين (المراقبين) العسكريين يعاني من “حلقة ضعيفة” في فرض الانضباط على المستوى الأدنى.
ثانياً، تحظى قوة الصواريخ، والصناعات المرتبطة بها، بأحد أكبر الميزانيات العسكرية. ولا تنشر هذه الميزانية، لكن ثمة أدلة على تحقيق شركات تكنولوجيا وتصنيع الصواريخ أرباحاً كبيرة، اقتربت في إحدى الشركات من 5 مليارات يوان في 2020.
ثالثاً، تراجع مستويات التفتيش والاختبارات العملياتية في وحدات الصواريخ الباليستية العابرة للقوات وأسلحة الردع الاستراتيجي. ويرجع ذلك إلى سياسة “عدم الاستخدام الأول” للأسلحة النووية في الصين، وهو ما لا يجعل اختبار جاهزية هذه الأسلحة أولوية بشكل مستمر، على عكس سياسة الاختبار العملياتي المكثف للأسلحة الاستراتيجية في الولايات المتحدة. ويخلق ذلك بيئة مناسبة للفساد في قوة الصواريخ الصينية، إذ تقل احتمالية الانكشاف مع الوقت، وتتوسع شبكة العلاقات والحماية بين القادة ومرؤوسيهم، وتتعمق الشراكات مع المسؤولين المدنيين في قطاع التصنيع العسكري.
وثمة سبب رابع مرتبط بوضع جيش التحرير الشعبي وعلاقته بقيادة الحزب الشيوعي والدولة، وهي علاقة وضعت الجيش طوال عقود في مكانة خاصة قد تكون سهلت أيضاً انتشار الفساد.
دع الإصلاح يعمل: القيادة السياسية الصينية ومكافحة الفساد في الجيش
اعتمد المنهج الأساسي للرئيس دنغ تشياوبنغ في تعامله مع جيش التحرير الشعبي على تقليص النفوذ السياسي الذي تعاظم تحت حكم ماو تسي تونغ. خلط دنغ زيادة نفوذ المؤسسات المدنية على القرار السياسي بحوافز اقتصادية للجيش، لكن المكسب الأهم بالنسبة للقادة العسكريين وقتها هو منح الجيش حرية حركة واسعة ورقابة أقل كثيراً على الأنشطة العسكرية ومسار التحديث العسكري.
وخلال عهدي جانغ تسيمين وهو جينتاو، أدى أسلوب “القيادة الجماعية” في الحكم إلى تعزيز المقاومة البيروقراطية لاستكمال الإصلاحات التي بدأها دنغ في الجيش، خصوصاً فيما يخص محاربة الفساد المالي وإخضاع عمل الجيش لقيادة الحزب بشكل كامل. وكان الرئيس الحالي شي جينبينغ، تحت قيادة هو، نائباً لرئيس اللجنة المركزية العسكرية (أعلى سلطة عسكرية)، وهو ما سمح له بالاقتراب من الأزمة وإدراك عمقها. وفي أول خطاب له ضد الفساد في الجيش في 2014، قال شي “عندما أرى مواداً (أوراقاً) تعكس هذه القضايا، أشعر باشمئزاز عميق، وغالبا لا أستطيع إلا أن أضرب الطاولة بشدة”، مُضيفاً “لقد وصلت هذه المشاكل إلى نقطة يجب حلها بشكل عاجل”، وأكد أنه “إذا كان الجيش فاسداً، فلن يتمكن من القتال وكسب المعارك”.
وقد شكلت هذه الأفكار القاعدة الفلسفية لاستراتيجية الإصلاحات العسكرية التي تبناها شي، والتي تمثلت في مسارين متوازيين. فمن ناحية، أبقى شي على حرية التصرف للقادة العسكريين فيما يتعلق بإدارة شؤونهم الداخلية طالما بقي الجيش بعيداً عن القرار السياسي. ومن ناحية أخرى، حجَّم على نطاق واسع الأنشطة الاقتصادية، وأطلق حملة لمكافحة الفساد داخلياً، أي دون إشراف من المؤسسات المدنية. وفي الوقت نفسه، زاد شي الميزانية العسكرية من 670 مليار يوان في 2012 إلى 1.4 تريليون يوان في 2022. وكان المحدد الرئيس لهذه السياسة تعزيز الولاء بين القادة الكبار، وكسب دعمهم لخطط الإصلاح الهيكلي في 2015 لتعزيز الكفاءة القتالية للجيش. ومن بين أكثر الإدارات العسكرية التي حصلت على جزء كبير من هذه الزيادة: وحدة الصواريخ، وإدارة المشتريات.
ولا يبدو واضحاً إلى الآن مدى الحملة الحالية وعمقها، إذ عادة ما تطال التكهنات المستويات العليا من القيادة، ولا تركز على المستويات الأدنى. لكن الفساد في جيش التحرير الشعبي مرتبط أيضاً بتركيبة المؤسسة وهيكلها التنظيمي. فإلى جانب الإعتماد الكبير على الشركات المملوكة للدولة، يؤدي غياب الرقابة المدنية دوراً مهماً في تحويل المؤسسة العسكرية إلى صندوق أسود وتعزيز الظروف الداعمة لانتشار الفساد فيها. إلى جانب ذلك، لا يزال انخفاض مستوى أجور الرتب المنخفضة والوسطى عاملاً مهماً في تشجيع الضباط على تحسين دخولهم من خلال بناء شبكة علاقات تقوم على الاستفادة المالية. وتوضح هذه الاختلالات الهيكلية عدم قدرة قيادة الحزب الشيوعي على القضاء على الفساد بعد مرور قرابة عقد كامل من بدء الإصلاحات العسكرية. وقد يكون السبب في ذلك المخاطر السياسية التي قد يحملها التمادي في محاربة الفساد، إذ لا تزال قيادة الحزب الشيوعي بحاجة إلى دعم قيادة الجيش لاستكمال الإصلاحات، والوصول إلى أهداف 2027 و2035 و2049 التي معها يصبح الجيش قادراً على “القتال وكسب المعارك”، بالتزامن مع وصول الصين لهدف “تجديد الأمة الصينية”.
وبكل وضوح، تشير حملة مكافحة الفساد الأخيرة إلى تزعزع ثقة القيادة الصينية في الجيش، من حيث مدى توغل الفساد وعمقه بين صفوفه، رغم تورط قادة عسكريين اُختيروا من قبل شي نفسه، وأبرزهم لي شانغفو، بالإضافة إلى حساسية قوة الصواريخ بسبب مسؤوليتها عن ترسانة الصين النووية.
احتمالات التأثير على قدرات الجيش القتالية
يبقى السؤال الأهم هو: هل من المحتمل أن تؤثر هذه الحملة، والفساد بشكل عام، على قدرات الجيش القتالية وخطط التحديث العسكري الصينية على المدى البعيد؟ ثمة ثلاثة احتمالات أو سيناريوهات لمثل هذا التأثير:
الاحتمال/السيناريو الأول: تأثُّر كفاءة قوة الصواريخ على المدى الطويل
يشير اتساع شبكة الفساد التي تتضمن مسؤولين عسكريين كبار، ومستوى الادعاءات ووصولها إلى صميم جاهزية الصواريخ المسؤولة عن الدفاع عن الأمن القومي الصيني ضد الاعتداءات من قبل قوى نووية معادية، أن استعادة الثقة في كفاءة قوة الصواريخ القتالية، والإصلاحات المطلوبة لتحقيق ذلك، قد تستغرق وقتاً طويلاً يتراوح، وفقاً لبعض التقديرات، بين 5 و10 سنوات. ويترك ذلك القوة في موقف ضعف من الناحية العملياتية، وقد يُجبِر القيادة الصينية على تعديل خططها فيما يتعلق بمراحل خطط التحديث والمدى الزمني للقيام بعمل عسكري محتمل لضم جزيرة تايوان.
لكن تحقق هذا الاحتمال/السيناريو يواجه تحديات، أبرزها أن التحقيقات في قضايا الفساد، منذ وصول شي للحكم، ربما تكون قد طورت أداء جيش التحرير الشعبي، وليس العكس. وتزامن هذا التطور مع اقتراب تحقيق هدف جعل الجيش “قوة قتالية حديثة” بحلول عام 2027، وهو ما يتضمن أن يصبح الجيش مستعداً للقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق وبنجاح ضد تايوان بحلول هذا العام. وكان واضحاً مستوى التطور، خصوصاً في ميكانيزمات التحكم والسيطرة والاتصالات والتنسيق بين الوحدات خلال المناورات التي أجراها الجيش للتدرب على فرض حصار على تايوان عقب زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي للجزيرة في 2022. وعلى رغم الأخطاء التي ظهرت، خصوصاً فيما يتعلق بالفشل في إطلاق بعض الصواريخ، فإن مستوى تنسيق هذه المناورات وسرعتها وتعقيدها عكست تحسناً ملحوظاً في أداء الجيش الصيني.
وأحد أهم الأسباب أيضاً أن محاربة الفساد، منذ إصلاحات عام 2015، لم تتوقف. وفيما يتوقع لهذه الحملة أيضاً الاستمرار، كما الحملات السابقة، من غير المرجح أن تؤثر في خطط التحديث العسكرية أو الكفاءة القتالية لقوة الصواريخ. فضلاً عن ذلك، ينبغي الوضع في الاعتبار وعي قيادة الحزب الشيوعي بمشكلة الفساد والانتباه لها منذ وقت مبكر. ويفرض ذلك على المحللين افتراض وجود آليات تضمن عدم تأثير توغل الفساد على القدرات العملياتية للجيش الصيني، أو على الأقل محاولة عزلها. ورغم صعوبة تحقيق ذلك، فإن وجود درجة من إدراك المشكلة قد يعني تشديد رقابة الحزب على الجيش بشكل أكبر في المستقبل.
الاحتمال/السيناريو الثاني: لا تأثير طويل المدى على جاهزية الجيش القتالية
يستند هذا الاحتمال/السيناريو على نفس المعطيات التي ضُمِّنت بوصفها تحديات في الاحتمال/ السيناريو الأول. ويعني ذلك أنه من المستبعد أن يكون لتطورات محاربة الفساد تأثير كبير وعميق وطويل الأمد على جاهزية جيش التحرير الشعبي القتالية.
مع ذلك، قد يكون هناك عقبات أيضاً تُقوِّض احتماليات هذا السيناريو، أولها الارتباك الداخلي، وغياب اليقين اللذان يصاحبان كل حملة فساد في الصين. وقد ظهر ذلك، في السابق، خلال حملة الفساد داخل الصندوق السيادي المسؤول عن تعزيز صناعة الرقائق. أضف إلى ذلك، أن الفساد نفسه أحياناً ما يكون القوة الدافعة والضامنة لدوران عجلة المؤسسة نتيجة توغل المصالح الخاصة الحاكمة للمنظومة، والقدرة على توقع القرارات، وما ينتج عن ذلك من استقرار، وأي تعطيل مفاجئ لهذه المنظومة، قد يتسبب في ارتباك وتخبط داخليين.
الاحتمال/السيناريو الثالث: تراجُع قبضة شي على الجيش
ثمة اعتقاد، خصوصاً في الدوائر الغربية، بأن الحملة الأخيرة على الفساد داخل الجيش قد تكون نتاجاً لتراجع قبضة شي على المؤسسة العسكرية الصينية، ورغبة منه في استعادة السيطرة عبر استبعاد خصومه السياسيين واستبدالهم بأشخاص يحظون بثقته المطلقة.
لكن هذا الطرح ربما يفتقر للمنطق، إذ لا يمكن اعتبار المستبعدين، خصوصاً لي شانغفو ومساعدوه، خُصوماً لشي، إذ اُنتُقوا بعناية وجرى ترقيتهم خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في أكتوبر 2022، خصوصاً في قوة الصواريخ الاستراتيجية. ومن ثمّ يستبعد أن تتأثر سلطة شي على الجيش بهذه الحملة أو أن يكون ذلك دافعاً وراء الحملة. بل العكس، ربما تكون قدرة شي على القيام بتصفية الفساد في أكثر الإدارات العسكرية حساسية نابعة من سيطرته الكاملة على الجيش، التي تعززت بشكل حاسم خلال عام 2015 وما بعده.
إن إحدى الاعتبارات المنطقية، في هذا السياق، النظر إلى الفساد باعتباره سبباً في احتدام التنافس بين الفصائل الداخلية ضمن الدائرة المقربة من القيادة؛ أي أن جانباً من الدوافع وراء حملة الفساد قد يكون انتقاماً ضمن صراع داخلي.
الاستنتاجات
يمكن النظر إلى الحملة ضد الفساد في قوة الصواريخ وإدارة المشتريات والصناعات العسكرية الصينية بوصفها “عملية جراحية” لتقليص مستوى الفساد المستشري في صفوف الجيش الصيني، وليست عملية تصفية سياسية على غرار حملات سابقة. وأحد الدوافع المهمة، المتصلة بتوقيت الحملة، تأثير الفساد المباشر على أداء الجيش الروسي المتواضع في بداية حرب أوكرانيا، والذي ما كان متوقعاً في نظر القادة الصينيين.
ومن بين الاحتمالات/السيناريوهات التي تتناول التأثيرات المحتملة على الأداء القتالي لجيش التحرير الشعبي، وسيطرة شي عليه، تُرجِّح الورقة الاحتمال/السيناريو الثاني (ضعف التأثير الطويل المدى على جاهزية الجيش القتالية)، مع استبعاد الاحتمال/السيناريو الأول (تأثُّر كفاءة قوة الصواريخ على المدى الطويل). وتأخذ الورقة في الاعتبار أيضاً احتمال احتدام التنافس بين الفصائل المختلفة في الدائرة الضيقة لقيادة الحزب الشيوعي، الموضح في الاحتمال/السيناريو الثالث، مع التمسُّك بترجيح عدم تأثير ذلك أيضاً على الكفاءة القتالية للجيش أو خطط التحديث العسكرية الصينية على المدى البعيد.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/abaad-alhamla-dhid-alfasad-fi-aljaysh-alsiyni-watadaeiatuha-ala-jahiziyateh-alqitalia