عملية جنين .. وفن إطلاق النيران على الأقدام!

خالد عكاشة

 

بعد ساعات من انتهاء عملية مخيم «جنين»؛ وفق حصادها العملياتى بدا أنها لم تتجاوز مفهوم «العمليات الاستعراضية»، لكن الثابت أنه استعراض هروب وتخبط فى جنبات أزمة، وليس تعبيرا عن صلابة قوة. الأزمة الإسرائيلية الواضحة للعيان وللمراقبين، هى الأشكالية القائمة بين الحكومة وقيادات الجيش الإسرائيلى، وتمثلت فى حركات الاحتجاج الواسعة التى اندلعت فى تظاهرات واعتصامات متوالية، لجأت الحكومة فى احدها إلى إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت. قبل اضطرارها إلى السماح بعودته مجددا إلى منصبه.

عملية (المنزل والحديقة)، ليست محاولة الهروب الحكومى الأول بدفع الجيش لمطاردة المقاومين الفلسطينيين. فقد سبقها هروب آخر تمثل فى العدوان على قطاع غزة، بهدف ضرب البنية المقاومة لحركة «الجهاد الإسلامى»، بعد تحميلها مسئولية اضطراب الأوضاع الأمنية فى مدينة «نابلس». فى مايو الماضى أدير الأمر ببراعة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزراء بعينهم، بقدرتهم على إشعال الشارع الفلسطينى على خلفية اغتيال الإهمال الطبى للأسير «عدنان خضر»، كى ينسحب تلقائيا وبسرعة من نفس الشارع المتظاهرون الإسرائيليون الذين كانوا يمثلون حينئذ تهديدا مؤكدا لبقاء تلك الحكومة. فى هذه المرة ذهب نيتانياهو، بمجرد اطلاعه على تقارير استخباراتية روتينية قدرت، بأن خطر الخلايا المقاومة بمدن الضفة، بات يمثل تهديدا أكبر يتجاوز عملية اطلاق الصواريخ من قطاع غزة، والتى صار لها ديناميكية رد إسرائيلى قادرة على الردع فيما يجرى استيعاب الخسائر المحتملة جراء تلك الإطلاقات. رئيس الوزراء وجد الفرصة سانحة كى يدفع الجيش، ومعه المستوطنين، إلى خوض غمار مواجهة جديدة على ساحة جنين قبل أن تعاود الاحتجاجات الداخلية تنظيم صفوفها واستعادة زخمها فى مواجهة الحكومة. تحت ذريعة استعادة قوة الردع الإسرائيلية ضد المسلحين الفلسطينيين الذين أصبحوا أكثر جرأة بهجماتهم، ذهب الجيش بأكثر من 1500 جندى وعشرات الآليات العسكرية لاجتياح المخيم، فى حين شهدت ساعاته الأولى ضربات جوية عبر «المسيرات»، كتمهيد نيرانى مركز لمحاولة اصطياد مبكر للعناصر الفلسطينية المسجلة بقوائم «الشاباك» الذى قام بتوفير الدعم المعلوماتى للقوة العسكرية. الثابت استنادا على حصاد العملية أن هناك ما يزيد على (300 فلسطينى) من تلك القوائم، قد تمكنوا من الفرار من المخيم قبيل ساعات من ضرب الحصار حوله، وهذا أكدته شواهد وصول القوة الإسرائيلية إلى نحو (10 مواقع) لتخزين الأسلحة، وعدد من معامل إعداد المتفجرات البدائية الصنع وبها مئات من العبوات الجاهزة للاستخدام، و(4) غرف عمليات ومراقبة. هذه المكونات جميعها قامت الجرافات الإسرائيلية بهدمها واقتلاعها من مكانها، بسهولة غير متوقعة وذلك لسبب بسيط أنها كانت فارغة تماما !

بيانات الجيش الإسرائيلى الرسمية؛ أفصحت عن أرقام «هزيلة» لعدد من الأسلحة المصادرة مع التأكيد أن الجرافات قامت بعمل نوعى، عبر تدمير عدة طرق بالمخيم، لكشف المناطق التى أشارت المعلومات الاستخباراتية  إلى احتمالية وجود عبوات ناسفة فيها، حتى لا تتكرر حادثة انفجار عبوة ناسفة ضخمة استهدفت مركبة عسكرية الشهر الماضى، ليتراجع تنفيذ الاقتحام. لكن التفسير بأن هناك إخفاقا استخباراتيا وعملياتيا ملموسا يظل ماثلا أمام الجيش الإسرائيلى، بالنظر إلى عدم اقتصار المشهد على قدرة المطلوبين الفلسطينيين بالفرار، بل يبدو أنهم تمكنوا أيضا من تهريب الرصيد الأهم من الأسلحة والذخائر، الذى جرى استخدامه خلال الأشهر المنصرمة من هذا العام فقط فى تنفيد ما يزيد على (50 عملية). فى نفس تلك البيانات حددت قوات الجيش بأنها لم تستبق على ذمة التحقيقات، سوى (30) فلسطينيا من سكان المخيم من أصل 350 جرى القبض عليهم، وهذه دلالة إضافية على الإخفاق الكبير رغم صخب «الترويج الإعلامي» المتعمد من جانب السلطات الإسرائيلية. التساؤلات المثارة حول الإنهاء المفاجئ للعملية الإسرائيلية بعد ثلاثة أيام من بدئها، أو أقل بحساب الساعات، أظن يفسرها ما لاقاه الجيش الإسرائيلى بداخل المخيم الذى كان هناك فيه بالكاد من يحمل السلاح الفلسطينى، ربما فقط من أجل تأمين العائلات المغادرة التى تضررت منازلها جراء القصف، وليس بغرض الاشتباك أو القتال الذى لم يحدث. فى رسالة توجيه عملياتى من البريجادير جنرال آفى بلوت قائد الجيش فى الضفة الغربية إلى القوات قبل بدء العملية، ذكر بأن الهدف هو «تغيير الوضع» فى مدينة جنين لاسيما مخيم جنين الذى بات بحسب وصفه «معقلا للإرهابيين»، ويقوم بتصدير الإرهاب إلى الضفة الغربية بأكملها وإلى الداخل الإسرائيلى. أمام وسائل الإعلام تكرر حديثه حول المهمة التى تتمثل فى إنشاء سيطرة عملياتية، وإحباط واعتقال الإرهابيين، وتدمير البنية التحتية للعدو، ومصادرة الأسلحة، وصولا إلى الحرية الكاملة لعمل الجيش الإسرائيلى فى جميع أنحاء الضفة الغربية. فهل حققت عملية (المنزل والحديقة) تلك المستهدفات المعلنة، وهل مثلت عملية الدهس والطعن التى جرت فى يوم العملية الثالث بمدينة تل أبيب وتسببت فى إصابة 7 إسرائيليين، سببا فى اتخاذ قرار الإنهاء المفاجئ لها، والادعاء بأنها حققت أهدافها وستليها لاحقا جولات اقتحام مماثلة، جميع الشواهد تقدم إجابة بالنفى على السؤال الأول وبالإيجاب عن الثانى الخاص بعملية تل أبيب الفلسطينية.

ما قام به وزير الأمن القومى «إتمار بن غفير» أخيرا مع قائد شرطة تل أبيب «عميحاى إيشد»، ما دفعه لتقديم استقالته، بعد يوم واحد من عملية جنين، يعكس حالة الفوضى العنيفة التى يمر بها الداخل الإسرائيلى، ويؤكد أن إسرائيل لم تفز فى تلك الجولة بل اقتصر إطلاق نيرانها على أقدامها وحدها، بل وبخصم فادح فى قوة الردع الذى خرج الجيش من أجل تحقيقها.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/35037/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M