عندما تتحدث البنادق: تطورات الصراع العسكري في السودان وآفاق الحل السلمي

في الوقت الذي تدور فيه معركة حاسمة للسيطرة على مدن العاصمة السودانية الثلاث، تَمدَّد الصراع العسكري بحدة إلى غرب البلاد، ووصلت جهود الوساطة الدولية والإقليمية إلى أفق مسدود بما كرّس وضعاً جديداً تحاول الورقة استشراف آفاقه.

 

اتجاهات الصراع العسكري 

يمكن القول في ضوء التطورات العسكرية الأخيرة، التي تظل خاضعة لعوامل التغيُّر والتحوُّل، أن موازين الحرب في السودان تسير في الاتجاهات الآتية:

 

  • تحقيق مكاسب متزايدة على الأرض لصالح قوات الدعم السريع في الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري. فعلى الرغم من التفوق الجوي لقوات الجيش السوداني، لوحظ تنامي سيطرة وحدات الدعم السريع على المراكز الحيوية في العاصمة الثلاثية. وهكذا أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها على المواقع العسكرية والاستراتيجية، مثل القصر الرئاسي، والمقرات الوزارية الأساسية، ومقر القيادة العامة للجيش. وبحسب المعلومات المتداولة، تتركز الآن المواجهة المسلحة في جنوب الخرطوم وشمال أم درمان، وتستهدف مراكز الجيش وقوات الاحتياط المركزي والمناطق الصناعية. ووفق تقديرات بعض المراقبين، لا يبدو أن الجيش قادر على تحقيق انتصار نوعي في المعركة، نتيجة لتحكم قوات الدعم السريع في المنافذ والمواقع الحيوية في العاصمة الثلاثية وابتعادها عن ثكناته التقليدية، في حين لا يمكن للتفوق الجوي أن يكون فعالاً في مواجهة تدور في الشوارع وداخل المدن. وقد عكس نداء الجيش من أجل تطوع الشباب السوداني في المعركة إحساسَه بصعوبة الموقف في مواجهة مكاسب قوات الدعم السريع.

 

  • تجري حالياً معارك حاسمة للسيطرة على غرب السودان (أقاليم دارفور وكردفان) الذي هو القاعدة المكينة لقوات الدعم السريع، ومحور الصراع حول الثروة المعدنية التي تستقطب اهتماماً دولياً كبيراً. وهكذا سيطرت قوات الدعم السريع على عدد من المواقع ذات القيمة العسكرية والأمنية في الولايات الخمس لإقليم دارفور، وغدت تتحكم في مقار رئاسة الشرطة والجمارك والاحتياطي المركزي في وسط دارفور وجنوبه وغربه، وركزت حضورها في مدينتي نيالا (عاصمة ولاية جنوب دارفور) والجنينة (عاصمة ولاية غرب دارفور). وإذا تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة الأُبيّض في ولاية شمال كردفان، وهي محور التقاء ولايات كردفان ودارفور تكون حسمت معركة الغرب لصالحها. ومع أن قوات الدعم السريع اصطدمت مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا (حركة تحرير السودان جناح مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، وتجمع قوى تحرير السودان…)، إلا أنها استطاعت بالفعل الحصول على تأييد طيف واسع من المجموعات المحلية، مثل قبائل جنوب غربي السودان، وبصفة خاصة القبائل العربية كالرزيقات والهبانية والتعايشة والمسيرية، بالإضافة إلى الفلاتية. وفي حال أحكمت هذه القوات قبضتها على مناطق الغرب الغنية بالثروات المعدنية، تكون ضَمنت لنفسها التحكم الفعلي في أهم محاور الصدام العسكري في مسرح الحرب الراهنة.

 

  • مع أن قوات الجيش لا تزال تسيطر إلى حد بعيد على المحور الشرقي الذي هو شريان الاقتصاد السوداني والمنفذ الأساسي على الخارج، إلا أن قوات الدعم السريع بدأت اختراق ولاية البحر الأحمر وأصبح لها بعض الحضور في مدينة بورتسودان الاستراتيجية.

 

آفاق الحل السياسي والوساطات الدولية 

لا شك في أن أهم تطور في المحور الدبلوماسي الدولي هو تبني مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي مبادرة دول “الإيغاد”. تقوم هذه المبادرة في نسختها المطوَّرة على جعل الخرطوم منطقة منزوعة السلاح بخروج القوات العسكرية كلياً إلى مسافة 50 كيلومتراً من العاصمة، ونشر قوات أفريقية في المراكز الحيوية والاستراتيجية في الخرطوم مع تحميل قوات الشرطة السودانية مسؤولية حراسة المرافق العمومية، والبدء في عملية تسوية سياسية شاملة في السودان على أساس الاتفاق الإطاري السابق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. وقد رفضت حكومة البرهان رسمياً هذه المبادرة واعتبرتها “مبادرة احتلال”، كما اعترضت على الدور الكيني في الوساطة، مُتهمةً الرئيس وليام روتو بالانحياز لقوات الدعم السريع.

 

وبالنظر إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الاتحاد الأوروبي المبادرة الأفريقية، فضلاً عن قطاع واسع من القوى السياسية السودانية، فإن مشروع الحل السياسي المطروح هو الأفق الوحيد المتاح حالياً لتسوية الصراع الداخلي السوداني. وقد علّقت الولايات المتحدة مبادرتها للتسوية في السودان، فيما يبدو ضغطاً على الأطراف المتصارعة للدخول في عملية تفاوضية جدية للمصالحة الشاملة.

 

مستقبل الصراع السوداني 

باستحضار المعطيات السابقة، المتمثلة باتساع دائرة المواجهة المسلحة، وازدياد مكاسب قوات الدعم السريع في العاصمة الثلاثية ومناطق الغرب مع اختراق المحور الشرقي، وتعثُّر مبادرات الوساطة والحل السلمي وفي مقدمتها مبادرة “الإيغاد” التي تبناها الاتحاد الأفريقي، يمكن استكشاف ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الصراع السوداني:

 

1. سيناريو استمرار الصراع وتحوله إلى حالة تفكيك وتقسيم للكيان السوداني، من خلال سيطرة قوات الدعم السريع وحلفائها المحليين على الأقاليم الغربية (دارفور وكردفان)، وتحكُّم الجيش في منطقة البحر الأحمر، واستمرار التنازع في المراكز الحيوية في العاصمة، مع انبثاق دعوات انفصالية في النيل الأزرق، وانخراط الحركات المسلحة المختلفة في الحرب.

 

2. سيناريو الحسم العسكري الذي قد يتحقق من خلال سيطرة قوات الدعم السريع على المحاور الحيوية في العاصمة والغرب مع انتزاع التوازن في المحور الشرقي، بما يؤدي إلى كسر شوكة الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ويفتح الباب أمام إعادة تشكل المؤسسة العسكرية ودخولها في مفاوضات جديدة مع القوى السياسية والمدنية لاستئناف مسار التحول الديمقراطي المعطل.

 

3. سيناريو التهدئة ووقف إطلاق النار بشكل دائم تحت الضغوط الخارجية، وبدعم القوى الدولية المؤثرة للمبادرة الأفريقية، بالتكامل مع المبادرات الداخلية للحل التفاوضي السلمي التي قدمتها قوى الحرية والتغيير والأحزاب السياسية القومية الكبرى.

 

ويبدو في ضوء المعطيات الحالية أن السيناريو الأول هو الأرجح، وقد يتناغم جزئياً مع المسار السياسي التفاوضي في إطار السياسات والمواقف الخارجية، وإنْ كان من غير المتوقع التوصل في المدى القريب إلى صيغة شاملة ونهائية للتسوية السلمية للنزاع العسكري السوداني.

 

استنتاجات

مع توسُّع الصراع العسكري في العاصمة الثلاثية السودانية وامتداده إلى مناطق الغرب في دارفور وكردفان، يبدو من الواضح أن قوات الدعم السريع حققت بعض المكاسب المتزايدة على الأرض، في الوقت الذي رفضت فيه حكومة البرهان مبادرة “الإيغاد” التي تبناها الاتحاد الأفريقي. ويبدو من تحليل الوضع العسكري والسياسي، أن الأمور تتجه إلى استمرار الصراع العسكري مع تزايد وتيرة تفكك وتقسيم الكيان السوداني من دون أن يتمكن طرف بعينه من كسب المعركة، وإنْ كانت الضغوط الداخلية والخارجية ستتصاعد من أجل انتشال الساحة السودانية من مخاطر الانهيار الكلي.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/scenario/eindama-tatahadath-albanadiq-tatawurat-alsirae-alaskari-fi-alsuwdan-wafaq-alhal-alsilmi

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M