منذ بداية طوفان الأقصي في غلاف غزة في 7 أكتوبر2023 حملت الولايات المتحدة علي كاهلها كما جرت عادة السياسة والعسكرية الأمريكية منذ الإعلان عن قيام دولة الكيان الصهيوني علي أرض فــلـــســطـــيــن في 15 مايو1948عبء الحـماية التلقائية للكيان الصهيوني وهو عبء لم تحمله الإدارات الأمريكية جمهورية كانت أو ديموقراطية كرهـــاً بل حمله الساسة الأمريكيين المنتمين لهذين الحزبين طـــمـــعـــاً وإبتغاء مــرضاة جماعة الضغط اليهودية IPAC والكنائس المجيئية في الولايات المتحدة , وفي إعتقادي أن ولاء السياسي و الإقتصادي وقادة الرأي في الولايات المتحدة المزدوج لدولتهم ولأقلية دينية محدودة العدد عظيمة التأثير تحاصر المجتمع الأمريكي أصبحت وبوضوح نقطة ضعف أصابت المجتمع الأمريكي وعقله وضميره الجمعي ونقطة الضعف هذه أثرت بالسلب علي مصالح الولايات المتحدة العُليا وأستغلها خصومها ومنافيسها وأعداءها علي السواء كل وفقاً لحاجته علي نحو ما سنري لاحـــقــاً .
الإخفـــاقـــات الأخـــــيرة للولايـــات الـــمـــتحــــدة في أفـــريــقيـــا :
الإخفاقات الأمريكية الأخيرة في أفريقيا خاصة في الفترة التي تبدأ بتاريخ إنطلاق طوفان الأقصي في 7 أكتوبر2023 حتي يومنا هذا متعددة ومتنوعة وهي إخفاقات في دول وفي موضوعات علي نحو سواء والمُثير أن هذه الإخفاقات ليست بسبب محدودية الإمكانات المالية / المادية الأمريكية أو بسبب قصور في توزيع هذه الإمكانات المادية وإنما تتعلق هذه الإخفاقات بسبب رئيسي أعتقد أن الجدل أو الإختلاف بشأنه يكاد أن يكون معدوماً فهي إخـفـاقـات سـبـبهـا الرئيسي ســـلم الأولويات الإستراتيجية الأمريكية ذلك أن أمن الكيان الصهيوني أولويته مطلقة علي سلم الأولويات الإستراتيجية الأمريكية وأولويته تعلو بل تسمو علي ماعداه ولو كان مثلاً مواجهة الخطرين الصيني أو الروسي وهما خطرين تجاوزا حد التنافس المحتدم وأستقرا ليشكلاً خياراً مُفضلاً آمـــنــاً لكثير من الدول الأفريقية عند تنفيذ سياستها الخارجية وعقد تحالفات إستراتيجية ومع أن مواجهة الخطرين الصيني والروسي يُعتبراً ألــزم لمـصـلـحـة الأمن القومي الأمريكي إلا أن متخذ وصانع القرار الأمريكي كما هو معهود فيه عينه علي الإنتخابات الرئــاسية والحزبية الأمريكية أي أن الولايات المتحدة علي المستويين التنفيذي الرئـاسي والتشريعي منكبة لمدة 4 سنوات وكذا بصفة سنوية علي هذين النوعين من الإنتخابات التي لجماعة الضغط lobby الصهيونية The American Israel Public Affairs Committee وإختصاراً IPAC في داخل الولايات المتحدة القدح المعلي في تحديد وتحقيق نتائجها ولا تقتصر قوة جماعة الضغط الصهيونية IPAC في التأثير علي صانعي ومتخذ القرار الأمريكي في صنع وإتخاذ القرار الأمريكي المتعلق بالقضية الفلسطينية أو الصراع في الشرق الأوسط بل وعلي الحكام العرب كذلك وهؤلاء لا حساب لهم فيمكن لجماعة الضغط الصهيونية IPAC توجيه الأوامر والتوجيهات لهم عن بعد بل وبالإشارة أحياناً وهم راغبون بل ومتشوقين لأن يصدعوا لأي نوعية من الأوامر تُوجه لهم فهؤلاء ليسوا بـحكـام بأي معني بل هم خفراء أو حراس sentinelle لا أكثر ولا أقل .
الخضوع الأمريكي للكيان الصهيوني علي مستوي صانعي ومتخذ القرار وقادة المؤسسات بمختلف الأنشطة في الداخل الأمريكي دافعه مصلحي لدي هؤلاء ويدخل في تكوين وتراكم القوة الذاتية لجماعة الضغط الصهيونية IPAC الكنيسة الأمريكية التي تعتقد معظمها بخرافة توراتية / مسيحية تعتنقها الكنيسة Adventist المجيئية ومفادها أن المسيح سوف يعود / يجيئ للأرض بين ربيع عام 1843وربيع عام 1844 ورغم أن هذه النبوءة لم تتحقق إلا أن خرافة مجيئ المسيح ظلت خرافة باقية وعالقة في الوعي واللاوعي المـــســـيــحي يصدقها المسيحي الورع وغير الورع سواء بسواء مع خرافة أخري مرتبطة بها وهي خرافة نقاء وقدسية إسرائـــيل وهي الخرافة الأسطورية المشتقة من كتاب مُـحـرف وُصف بأنه مُــقــدس والتي بسببها وبسببهم مازالت جماهييرالعرب والفلسطينيون خاصة منهم يتجرعون العلقم بسببها . وليس حكامهم السادرين في غيبوبة لأجل غير مــُسمي .
إن الإنقياد الإعمي والخضوع الأمريكي المهين للصهاينة في نظر بعض العرب ومعظم الرأي العام العالمي أدي بالسياسة والعسكرية الأمريكية للتمترس بقوة شابها العــند بجانب جيش “الدفاع” الصهيوني الذي تعري وتحطم تماماً بداية من 7أكتوبر2023في عملية طوفان الأقصي التي أنطلقت في 7 أكتوبر2023 التي نهضت بها المقاومة الإسلامية في غـزة بقيادة حـمـاس وساندتها المقاومة الإسلامية في كل من لـبـنـان والـــيـمـن والـعـراق , هذا الإنقياد وذلك الخضوع الأمريكي كان منشأه الأولوية الإستراتيجية المُطلقة التي يوليها متخذ وصانعي القرار الأمريكي لأمن الكيان الصهيوني المنزوي في ركن صغير غير آمـــن بالشرق الأوسط , وتـزامـن مع هذا الإنخراط الأمريكي في صراع مسلح فتك فيه مقاومي حماس وحزب الله وأنصار الله بجيش الدفاع الصهيوني وأزلوا الغلاف السميك الذي صنعته دعايتهم وكذباتهم المتقنة التي آمنت بها جيوش الخفراء السذج العرب وتسببت في هزامئهم من كيان صنعته الخرافة الدينية والدعايات السياسية , تزامن مع هذا حركة إستراتيجية سياسية للروس والصينيون في أفريقيا التي شــهدت خلال عامي 2023 و2024حدثين رئيسيين هما الإنسحابين الفرنسي والأمريكي المُذلين من منطقتي الساحل والصحراء بقلب أفريقيا وإنهاء مهمة مجموعة الساحل الخماسيةG5 Sahel تلك المجموعةالعسكرية التي عملت العسكرية والدبلوماسية الفرنسية علي إنشأءها لتستر وجودها العسكري الكثيف في منطقتي الساحل والصحراء وهي قوة مكونة من 5000 فرد تم إطلاقها في16 فبراير 2014 ومُؤلفة من 5 دول ساحلية هي مالي وموريتانيا وتشاد وبوركينافاسو والنيجر وبدأت عملية تصفية هذه القوة بإنسحاب مالي منها في مايو 2022 وتوالي إنسحاب الدول الأربع الأخري منها فيما بعد أما بالنسبة للولايات المتحدة ففي 16 مارس2024 أعلن العقيد أمادو عبد الرحمن المتحدث باسم المجلس الوطني لحماية الوطن CNSP على التلفزيون الوطني أن المجلس العسكري الذي يحكم النيجر منذ (انقلاب) 26 يوليو 2023 قد أنهى إتفاقاً عسكرياً مع الولايات المتحدة الأمريكية يُعرف بـإتفاق وضعية القوات أو Status of Forcec Agreement وهو إتفاق وُقع عام 2012 بأثر فوري”مُوضحاً قوله بأن“الوجود الأمريكي على أراضي جمهورية النيجر غير قانوني وينتهك جميع القواعد الدستورية والديمقراطية التي تتطلب استشارة الشعب ذو السيادة .
لم يكن الإنسحاب الأمريكي من النيجر التي سحب الجيش الأمريكي كامل أفراده منها وتحديدا من القاعدة الجوية 101 في النيجر قرب المطار في العاصمة نيامي قبل الانسحاب من قاعدة رئيسية تكلف إنشاءؤها حوالي 400 مليون دولاروهي مخصصة للتصنت وللطائرات المسيرة قرب مدينة أجاديز الصحراوية التي تقرر إنهاء عملية الإنسحاب منها في سبتمبر2024 لم يكن هذا الإنسحاب التراجع الوحيد للعسكرية وللسياسة الأمريكية في أفريقيا فقد سبقة وتلاه إنسحابات وتراجعات أمريكية أخري كما سيلي بيانه .
هناك إستراتيجية روسية (وصينية) لإختراق أفريقيا وتحقيق الأهداف العسكرية والإقتصادية والسياسية لهاتين القوتين وفي هذا السياق استضافت روسيا القمة الوزارية الروسية الأفريقية الأولى في سوتشي يومي 9 و 10 نوفمبر2024 وأفاد المسؤولون الروس أن 54 دولة أرسلت وفودًا للقمة وقدأستكملت هذه القمة ما توصلت إليه الدبلوماسية الروسية في قمة روسيا وأفريقيا التي عقدت في صيف 2023والتي ضمت رؤساء دول أفريقية وقد تناول فيهما المسؤولون الروس والأفارقة مجموعة واسعة من التعاون الثنائي بما في ذلك الزراعة والدفاع والتعليم والطاقة والاستثمار والطب والتعدين والتعاون السياسي في الهيئات الدولية والعلوم والتجارة وقد واصلت روسيا في هاتين القمتين تعزيز رؤيتها لروسيا باعتبارها زعيمة كتلة معادية للغرب تسعى إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب وتسليط الضوء على الرواية القائلة بأن روسيا ليست معزولة دوليًا بسبب حربها في أوكرانيا وقد تضمن البيان المشترك المعتمد في نهاية قمة سوتشي عدة نقاط من خطة فلاديمير بوتن لـ “نظام عالمي جديد” يعتمد على الروايات الروسية التي تستهدف الغرب فيرى بوتن نفسه “صوت” “الأغلبية العالمية” التي تشكل هذا النظام الجديد , علي حين أكد البيان الصادر في نهايةالقمةعلى أهمية احترام السيادة مشيرًا إلى حقيقة شائعة في أجزاء من إفريقيا وروسيا مفادها أن الغرب ينتهك السيادة من خلال السياسات الأبوية والعقوبات القسرية كما أشار البيان يشير البيان إلى المساواة والشمول والنظام الدولي العادل مما يعزز ضمناً رواية الحاجة إلى نظام أكثر تعددًا للأقطاب وأوضح البيان المشترك صراحة الخطوات اللازمة للحفاظ على الذاكرة التاريخية للعصر الاستعماري ودان الممارسات الاستعمارية الجديدة وسلط الضوء بشكل غير مباشر على مكانة روسيا كبديل غير استعماري يغذي المشاعر المعادية للغرب وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن إحدى النقاط التي تم التركيز عليها طوال القمة كانت الحاجة إلى تنمية التعاون الثنائي لتقليل الاعتماد على الآليات العالمية التي يقودها الغرب والتقدم نحو عالم أكثر تعددًا للأقطاب كما قالت مبادرة أفريقيا التابعة لفيلق أفريقيا الروسي إن القمة أظهرت أن روسيا ليست معزولة وأن “الجنوب العالمي” يدعم روسيا وليس “الغرب الجماعي” فيما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن المؤتمر “حطم الآمال القذرة” في عزل روسيا .
ساعد التركيز الروسي على التعاون النووي والفضائي في توسيع نفوذها في القارة الأفريقية فقد وضعت روسيا نفسها كقائد عالمي في سوق الطاقة النووية بما في ذلك في أفريقيا ووقعت روسيا عشرات الاتفاقيات بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية بما في ذلك الصفقات الأخيرة لبناء محطات الطاقة النووية في بوركينا فاسو ومالي كما دخلت في شراكة مع مصر وأنجولا وتونس لإطلاق أقمارها الصناعية الأولى في عام 2014 و2017 و2021 على التوالي فقد وقعت شركة جلافكوسموس وهي شركة تابعة لوكالة الفضاء الروسية روسكوزموس عدة صفقات مع بوركينا فاسو ومالي والنيجر منذ عام 2023 لتزويدهم بتكنولوجيا الأقمار الصناعية وبالطبع تؤدي هذه الصفقات إلي إيجاد فرص متعددة للإيرادات وأسواق تصدير للكرملين ويتيح التعاون النووي لروسيا تصدير تكنولوجيا الطاقة النووية وتأمين مشاريع بناء محطات الطاقة وبيع الوقود الذي تحتاجه محطات الطاقة للعمل وبالمثل توفر تكنولوجيا الأقمار الصناعية فرصًا لكيانات مثل روسكوسموس وإينيرجيا فالمشاريع النووية الروسية في القارة الأفريقية تأتي على حساب المصالح الاقتصادية والسياسية الغربية وتعزز نفوذ الكرملين في أفريقيا على المدى الطويل فسوف تعتمد محطات الطاقة النووية بأفريقياعلى الخبراء الروس لتشغيل وصيانة المحطات أو على التدريب الروسي لمجموعة أولية من الخبراء المحليين .
واصل الكرملين تسليط الضوء على دوره كمزود للأمن في القارة وتعزيز جهوده لتوسيع نفوذه العسكري وتصوره كقوة عظمى وسلطت القيادة الروسية الضوء على “تصدير الأمن” كموضوع للمؤتمر وأكدت تصريحات بوتن الافتتاحية والبيان المشترك الذي تم تبنيه في نهاية المؤتمر بشدة على أهمية التعاون في مكافحة الإرهاب بالمفهوم الروسي طبعا وأعلن البيان المشترك الختامي عن خطط لإنشاء آلية حوار لتنسيق الجهود بشأن قضايا متعددة تتعلق بالأمن وأجرى المسؤولون الروس مناقشات ثنائية مع بعض الشركاء الأمنيين فمثلا أكد نائب وزير الخارجية السوداني أن السودان لا يزال مهتمًا بالمتابعة في اتفاقه لبناء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر السوداني في بورتسودان وبهذا الشأن التقى ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الخاص للرئيس الروسي في إفريقيا والشرق الأوسط بمسؤولي القوات المسلحة السودانية في أبريل 2024 لإحياء اتفاقية عام 2017 المتوقفة بشأن القاعدة البحرية مقابل “مساعدة عسكرية نوعية غير مقيدة” لكن القوات المسلحة السودانية لم تصدق على الاتفاقية وتنفذها بعد كما التقى المسؤولون الروس بشكل منفصل بنظرائهم من الجزائر وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتوجو لمناقشة القضايا الأمنية خلال القمة فهذه البلدان يعتبرها الروس مفتاح البصمة الدفاعية الروسية في غرب إفريقيا حيث يدعم آلاف من قوات فيلق إفريقيا الروسي حكومات الساحل في مركز التمرد “السلفي الجهادي” وهي نفس الرؤية الغربية في المنطقة ولقد زادت روسيا من تعاونها مع توجو في السنوات الأخيرة في مواجهة امتداد التمرد في حين أدت عملياتها المشتركة مع القوات المالية بالقرب من الحدود الجزائرية المالية إلى توتر علاقاتها القوية تاريخياً مع الجزائر .
إن الرؤية الروسية لأمن الدول الأفريقية ليس رؤية موضوعية نزيهة فهي مزيج غير متوازن أيضاً مؤسس علي ذهنية تجارية إنتهازية وروح تنافسية مع الغرب لا أكثر ووفق هذا لا يعبء متخذ القرار الروسي شأنه شأن نظيره الصيني بطبيعة حــكم النخبة التي تحكم في أي من الدول الأفريقية فالمهم أنها زبون قادم لموسكو لأن تعامله مع الغرب لم يرق له فهذه هي المسألة فموسكو كواشنطن وباقي العواصم الأوروبية الحليفة لواشنطن وعلي أي حال فقد عززت روسيا علاقاتها العسكرية مع الدول الأفريقية ونشرت بالفعل مستشارين وقوات قتالية في جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق ومالي والنيجر وبوركينا فاسو .
لكن لُوحظ في أنه في الفترة التي بدأت بإنطلاق طوفان الأقصي في غلاف غــزة والتاي أعقبها بأيام زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بيلينكن للكيان الصهيوني لإعلان دعمه ودعم الولايات المتحدة المطلق لأمن الكيان الصهيوني بإعتباره يهودي ووزير خارجية الولايات المتحدة في آن واحد , لُوحظ أن الولايات المتحدة ممثلة في إدارة الرئيس بايدن الديموقراطية وضعت ثقلها السياسي والدبلوماسي والعسكري والإقتصادي لدعم أمن الكيان الصهيوني ووضعه كأولوية متقدمة عن دعم أوكرانيا التي إستنفذت الجهدين الأمريكي والأوروبي إقتصادياً وتسليحياً ومع هذا ناضل متخذ القرار الأمريكي للوفاء بمتطلبات أمن الكيان الصهيوني لدرجة صرفت إهتمامه عن متابعة تحرك روسي كان يعمل بكفاءة وإنضباط في أرجاء القارة الأفريقية لإكتساب قوة ناتجة عن الحركة الأفريقية لروسيا لتعويض كلي أو جزئي أيهما أمكن تحقيقة لتعويض الــهـــيـــبة والإقتصاد الروسي عن ما ألــــحـــقــتـه العقوبات الإقتصادية الأمريكية / الأوروربية بالإقتصاد والسياسة الروسية منذ بدء الحرب الروسية / الأوكرانــيـــة في 22 فبراير2022, وفيما يلي بيان لأهم ما أحرزته روسيا في أفريقيا من مكاسب نتيجة إنشغال وتورط الإدارة والسياسة والعسكرية الأمريكية لدعم الصهاينة في الفترة البادئة من 7 أكتوبر2023 تاريخ إنطلاق طوفان الأقصي وبداية حرب الصهاينة في غـــزة وحتي يومنا هذا : –
(1) في غــيـنـيـا الإستــوائـــيـة :
غينيا الإستوائية دولة أفريقية صغيرة يبلغ عدد سكانها 1.7 مليون نسمة ورئيسها تيودورو أوبيانج نجيما مباسوجو يُعد أطول رئيس في العالم فترة رئآسته خدمة فقد ظل في السلطة منذ عام 1979 وابنه تيودورو أوبيانج مانجو معروف بأسلوب حياته الباذخ يشغل منصب نائب رئيس البلاد وتنتج غينيا الاستوائية حاليا حوالي 80 ألف برميل من النفط الخام يوميا وهو انخفاض عن ذروتها التي تجاوزت 300 ألف برميل قبل عقدين من الزمن .
في أعقاب المفاوضات التي جرت في مالابو في السابع من يونيو2024 نجح نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف(هو المسؤول عن المجموعات الأفريقية الرئيسية في الاتحاد الروسي وخاصة ليبيا والنيجر وبوركينا فاسو) في إجتماع مع الجانب الغيني الإستوائي بحضور شخصيات عسكرية روسية بارزة بما في ذلك الأدميرال إيجور كوستيوكوف رئيس المديرية الرئيسية لهيئة الأركان العامة في تأمين اتفاق مع المسؤولين الغينيين الاستوائييين لنشر قوة روسية محدودة من الفيلق الروسي الأفريقي وهذه الوحدة الروسية تتألف من مرتزقة ومتطوعين مختارين جري نشرها في مدرسة “إيميجو” العسكرية في إيكوكو -بمدينة باتا بغينيا الاستوائية ويقال إن المجموعة تعمل تحت إشراف مباشر من القوات المسلحة الروسية .
قام رئيس غينيا الإستوائية تيودورو أوبيانج نجويما مباسوجو بزيارة عمل لروسيا في 26 سبتمبر2024 وألتقي بالرئيس فلاديمير بوتين وأجري معه محادثات في الكرملين وركزت المباحثات على مواصلة تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات فضلاً عن القضايا الدولية والإقليمية الراهنة وقبل الاجتماع بين الرئيسين ألقى كل من الرئيسين فلاديمير بوتن وتيودوروأوبيانج كلمة في الجلسة العامة للمنتدى الدولي لـ “أسبوع الطاقة الروسي” ومن أهم ما ورد في كلمة الرئيس الغيني أوبيانج : ” … ينبغي للدول الصديقة أن تحافظ على التعاون في مجال الطاقة وتوسعه ونأمل أن تأتي الشركات الروسية إلى غينيا الاستوائية وتساهم في تطوير القطاعات الاقتصادية التي ترغب في العمل فيها ونحن ندعوها إلى ذلك ونتطلع إلى المزيد من التعاون النشط وأود أن أعرب عن امتناني لصديقي فلاديمير بوتن لإرساله مدربين للمساعدة في تعزيز أمننا الوطني وقدراتنا الدفاعية وهو أمر حيوي لبلدنا بالنظر إلى التحديات التي نواجهها ومع ذلك فقد نجونا ونعيش بفضل دعم مجتمعنا ولقد رحب مجتمعنا بوصول الخبراء الروس , إن التدريب الذي سيتلقاه مواطنونا منهم سيساعدنا في تعزيز دفاعاتنا الوطنية , إن غينيا الاستوائية هي الدولة الوحيدة تقريبا في المنطقة التي لا تعاني من مشاكل مثل الجماعات المسلحة ولكننا نعاني من عواقب القرصنة والوجود الروسي يشكل أهمية كبيرة بالنسبة لنا في هذا الصدد وأرى أيضاً أن علاقاتنا الاقتصادية والتجارية جيدة وتزداد قوة ونأمل أن تتمكن روسيا من فتح بنك في غينيا الاستوائية وهو ما من شأنه أن يبسط المعاملات التجارية ونحن نود أيضا أن تدعم روسيا مساعي غينيا الاستوائية للانضمام إلى مجموعة البريكس ونأمل أن تفعل ذلك” .
من المهم الإشارة إلي أن زيارة الرئيس الغيني الإستوائي لموسكو سبقها تصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أشار فيه إلي أن الولايات المتحدة تشجع جميع الدول بما في ذلك غينيا الاستوائية على تجنب المعاملات مع وكلاء الدفاع الروس أو المدعومين من الكرملين لأن ذلك قد يؤدي إلى “عواقب وخيمة بموجب القانون الأميركي”.
التحرك الروسي نحو غينيا الإستوائية مؤسس علي رؤية جيوإستراتيجية سياسية وإقتصادية ففي 27 سبتمبر2024 ذكرت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء أن البلدين ناقشا شروط دخول الشركات الروسية إلى قطاع النفط والغاز في غينيا الاستوائية بالإضافة إلي أن تواجد ال200 فرد روسي من الفيلق الأفريقي الروسي واجبهم الرئيس حماية نظام الرئيس أوبيانج وعائلته مقابل أتعاب مُحددة وهي في النهاية تعتبر دخلاً ذا قيمة للخزانة الروسية المنهكة بسبب العقوبات الأمريكية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا في 22 فبراير2022 , وفي الواقع أن المردود الجيوسياسي لروسيا أعلي من القيم المادية الناتجة عن تواجدها الإقتصادي المتوقع في غينيا الإستوائية وتدرك الولايات المتحدة ذلك جيداً فالوجود الروسي المتزايد في غينيا الاستوائية ليس مجرد مسألة سياسة محلية بل له آثار جيوسياسية أوسع نطاقًا وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة والدول الغربية وحتى الصين وتراقب الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون تطورالتحركات الروسية في أفريقيا والتي تعد العقوبات الإقتصادية الأمريكية / الغربية أكبر محرض لها .
يُذكر أنه قبل زيارة رئيس غينيا الإستوائية لموسكو ورغم الهزيمة التي مــُني بها الفيلق الأفريقي الروسي في مـــالي تــعــمــل مــوســكـو علي توسيع وجودها في غرب أفريقيا ولذلك قررت أرسال ما يصل إلى 200 جندي إلى غينيا الاستوائية لحماية الرئاسة (نجا أوبيانج من عدة محاولات انقلاب وأشهرها في عام 2004 عندما حاول مرتزقة مدعومون من رجال أعمال أجانب الإطاحة به وفي الماضي عزز أوبيانج حرسه الرئاسي بعناصر من المغاربة والإسرائيليين) ووفقاً لتقارير إعلامية متواترة منذ أغسطس 2024 أشارت إلي أن الروس سيدربون حراس النخبة الغينية الإستوائية في المدينتين الرئيسيتين في البلاد – العاصمة مالابو وباتا الواقعة على البر الرئيسي للبلاد بين الكاميرون والجابون .
إن حالة غينيا الإستوائية لا تشذ عن حالة بلدان أفريقية أخري فقد أرسلت روسيا التي تسعى إلى اكتساب المزيد من النفوذ في أفريقيا في السنوات الأخيرة آلاف المرتزقة إلى غرب ووسط أفريقيا لحماية الأنظمة الإستبدادية التي لها علاقات جيدة مع قوي دولية أخري كالولايات المتحدة والصين وغيرهما وذلك لمساعدتها في محاربة المتمردين عليها ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصادر قولها إن ما بين 100 و200 روسي وصلوا في الشهرين الماضيين وقالت إن بعضهم من المرجح أن يكونوا جزءًا من فيلق أفريقيا وهي قوة شبه عسكرية كانت تُعرف سابقًا باسم فاجــنــر قبل إعادة تسميتها وخضوعها رسميًا للسيطرة العسكرية الروسية وقد تم دمجها في البنية العسكرية الروسية وأشار مصدران آخرين لوكالة رويترز إلي أن العسكريين الــ200 ربما يكونون من بيلاروسيا حليفة روسيا في حين حددت رويترز أحدهم على أنه ينتمي إلى وحدة مظلات روسية نخبوية وقال مصدران إن الرجال من المرجح أن يكونوا جزءا من فيلق أفريقيا وهي قوة شبه عسكرية يسيطر عليها الكرملين .
يأتي نشر القوات الروسية بعد ظهور إعلانات للعمل في غينيا الاستوائية في يونيو 2024 على قنوات تيليجرام المؤيدة للجيش الروسي والتي تستهدف شركات الأمن الخاصة وعرض المجندون عقودًا مدتها ستة أشهر براتب شهري يتراوح بين 3000 و5000 دولار يتم دفعها نقدًا أو بالعملة المشفرة وقد تم حذف الإعلانات الأصلية منذ ذلك الحين علي حين نشرت صحيفة دياريو رومبي وهي مؤسسة إخبارية مقرها إسبانيا ومقربة من المعارضة في غينيا الاستوائية عدة صور تظهر رجالاً بيضاً يرتدون الزي العسكري وهم يلتقطون صوراً مع قوات محلية وكان ثلاثة منهم يرتدون الزي العسكري وهم يحملون أعلاماً روسية وباستخدام برنامج التعرف على الوجه تمكنت رويترز من تحديد هوية أحد الرجال باعتباره جنديا مظليا من النخبة خدم في وحدات بجنوب روسيا وقالت المصادر إن الهدف الرئيسي للروس كان حماية ابن أوبيانج الثري تيودورو نجيما أوبيانج مانجوي المعروف باسم تيودورين نائب الرئيس المليونير والخليفة المفترض وكان موضوع تحقيقات واتهامات جنائية وعقوبات ومصادرة أصول في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة بتهمة اختلاس وغسيل الأموال وكانت غينيا الإستوائية في القبضة الأمريكية إذ استثمرت شركات الطاقة الأميركية بما في ذلك إكسون موبيل وماراثون مليارات الدولارات في غينيا الاستوائية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما كان خليج غينيا يُنظر إليه على أنه حيوي لتلبية الطلب الأميركي على الطاقة لكن الاهتمام الأميركي تضاءل مع تزايد الإنتاج في الداخل الأمريكي .
وفقًا لتقرير حكومي أمريكي تواجه غينيا الاستوائية انتقادات بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان بما في ذلك القتل التعسفي والتعذيب ووربما لهذا السبب وغيره تحاول غينيا الإستوائية التوسط في صفقات عسكرية وكذلك اتفاقيات استكشاف الغاز والمعادن مع روسيا وبيلاروسيا كما أبرمت صفقات مماثلة مع الصين ولهذا صرح توتو أليكانتي وهو ناشط غيني إستوائي في مجال حقوق الإنسان ومدير منظمة EG Justice وهي منظمة حقوق إنسان مقرها ولاية كارولينا الشمالية ومقيم في الولايات المتحدة وقال لهيئة الإذاعة الرسمية الأمريكية VOA : “أن الوجود العسكري الروسي المزعوم في غينيا الإستوائية يمكن أن يقوض المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة وأوضح أن روسيا تستعرض عضلاتها العسكرية والاقتصادية على الأرض بالتأكيد من خلال الوجود المادي لقواتها في البلاد .
أعلن كبير علماء الجيولوجيا كريس (شركة النفط والغاز الكندية أفريقيا أويل كورب) في 13 نوفمبر2024 إن الحقلEG 18 – الواقع في حوض هيدروكربوني مثبت – قبالة سواحل غينيا الإستوائية يظهر إمكانات خزان قوية مُوضحاً أنه “يبدو أن احتمالاتنا الرئيسية في جاسبر تتمتع بقدر كبير من الإمكانات الواعدة مع وجود مؤشرات تشير إلى وجود النفط”وتركز حملة الاستكشاف هذه التي تقوم بها الشركة على احتمالات وجود مراوح أرضية في حوض العصر الطباشيري وهي هياكل مماثلة لتلك التي تم استكشافها بنجاح في ناميبيا وجنوب أفريقيا ونتيجة لهذا قد يتطور حوض EG-18 إلى مركز هيدروكربوني مهم يضاهي حوض أورانج وقال جونستون: “من خلال بياناتنا حددنا شذوذًا زلزاليًا واستجابات السعة مقابل الإزاحة التي تزيد من ثقتنا في نظام الهيدروكربون العامل ,إن الارتباط ببيانات بئر L2 القريبة ومؤشرات الهيدروكربون المباشرة يدعم اعتقادنا بإمكانات المنطقة”وفي الوقت نفسه حددت شركة أفريقيا أويل كورب في القطاع EG-31 احتمالات وجود الغاز مثل احتمالات المياه الضحلة في منطقة ويسلر بالقرب من حقل ألبا الحالي وقد أكدت الدراسات بما في ذلك تحليلات فيزياء الصخور إمكانية وجود احتياطيات من الغاز في هذه المنطقة .
بالطبع فالروس أصبحوا قريبين من ثروات غينيا الإستوائية من النفط ولذلك فقد نُشر علي موقعInterfax بتاريخ 7 أكتوبر2024 شركة روس جيو الشركة القابضة الجيولوجية الروسية أعلنت من موسكوأنها مستعدة للقيام بأعمال الاستكشاف الجيولوجي الكاملة في منطقة العبور بالجرف القاري لغينيا الاستوائية بالإضافة إلى أعمال الاستكشاف البرية للمعادن الصلبة في المواقع الواعدة التي تم تحديدها سابقًا في منطقة ريو موني في البلاد وأشارالبيان الصادر عن الشركة أن “المدير العام لشركة روس جيو سيرجي رادكوف طرح هذه المقترحات خلال اجتماع عمل مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ووزير المناجم والهيدروكربونات في غينيا الاستوائية أنطونيو أوبورو أوندو على هامش منتدى أسبوع الطاقة الروسي ومن بين المواضيع التي نوقشت في الاجتماع شروط مشاركة شركات النفط والغاز الروسية في مشاريع استكشاف واستخراج الهيدروكربونات في غينيا الاستوائية”وقداقترحت شركة RosGeo إجراء أبحاث جيولوجية بحرية كاملة النطاق في مناطق العبور البرية والبحرية بما في ذلك المسح الجاذبي والزلزالي ثنائي وثلاثي الأبعاد وإعادة معالجة البيانات الزلزالية الأرشيفية إلى غينيا الاستوائية حيث تم اكتشاف العشرات من حقول النفط والغاز على الجرف القاري كما اقترحت شركة RosGeo إجراء أعمال استكشاف سطحية لرسم الخرائط الجيولوجية بمقياس 1: 50000 وتقترح إجراء العمل في المواقع الواعدة المحددة لإنشاء قاعدة حديثة وغنية بالمعلومات لأعمال استكشاف المعادن الصلبة ووفقاً لبيان الشركة فقد أكملت الشركتان التابعتان لشركة روس جيو زاروبيججيولوجيا ويوزمورجيولوجيا المرحلة الأولى للمسح الزلزالي في منطقة العبور ورسم الخرائط في منطقة ريو موني والتي تعتبر الأكثر وعداً لاستكشاف المعادن في غينيا الاستوائية .
المحـــاولة الـــصـــيــنـيــة لـلـتــمـركـز في غـيـنـيـا الإســــتوائـــيـــة :
بعد أسبوع من قمة منتدي الصين / أفريقيا FOCAC الذي عُقد بداكار عاصمة السنغال في الفترة من 29-30 نوفمبر2021 تداولت المواقع الإخبارية بدءاً من 6 ديسمبر 2021 موضوع محاولة الصين الشعبية إقامة قاعدة بحرية لها في ميناءBata الواقع علي المحيط الأطلنطي وهوأكبر مدينة بالجزء الرئيسي من غينيا الاستوائية(إستقلت عن أسبانيا عام 1968وعدد سكانها1,4 مليون نسمة) ويبعد بنحو 200 كم جنوب شرق العاصمة Malabo يينما تقع العاصمة Malabo في جزيرة Bioko وجاءت الإشارة لهذا الموضوع في تقرير نُشر بصحيفة Wall Street Journal الأمريكية لكن John Kirby الناطق باسم Pentágon رفض في مؤتمر صحفي عُقد في 6 ديسمبر 2021تأكيد محتوى هذا المقال الذي أحالت الصحيفة مضمونه علي تقارير استخباراتية أمريكية سرية (بدأت وكالات المخابرات الأمريكية في التقاط مؤشرات على النوايا العسكرية الصينية في غينيا الاستوائية عام 2019وفي هذا الحين حاولت إدارة الرئيس Trump ثني الرئيس Obiang عن الإستجابة للرغبة الصينية) كما أشار Kirbyإلى أن الصين تسعى لإقامة قاعدة عسكرية في غينيا الاستوائية لكنه من جهة أخري أوضح أن :”هناك مخاوف تتعلق بالأمن القومي (الأمريكي) لقد رأينا الصين تحاول إقامة مواقع ولا أقول إن إرسال عسكريون لأجزاء أخرى من العالم لمحاولة كسب النفوذ , كما أن الصين لديها سلوك قسري مع العديد من الدول الأفريقية وهي تحاول الترهيب والتأثير بإجراءات اقتصادية سعيا لتحقيق أهدافها الأمنية الوطنية” , لكن تصريح الناطق باسم Pentagon لا يعني عدم علم الإدارة الأمريكية بنوايا الصين تجاه غينيا الإستوائية فقد ورد في التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية لعام 2020 إلى الكونجرس توقع Pentagon بأن الصين ستضيف منشآت عسكرية على طول الساحل المحيط الهندي لأفريقيا في دول مثل كينيا وسيشيل وتنزانيا وساحل الأطلسي لأنجولا علي مدي السنوات الـ 15 نظرًا للكمية الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي المسال المصدرة من غرب ووسط إفريقيا مما يجعل المنطقة ذات أولوية قصوى بالنسبة للصين , كذلك حذر مسؤولو دفاع أمريكيون منذ منتصف عام 2021 من أن الصين تدرس إقامة قاعدة بحرية في غينيا الاستوائية , وتوضيحاً لماهية هذه القاعدة المُحتملة قالPaul Nantulya وهو باحث مشارك في Africa Center for Strategic Studiesالمُمول من قبل الـ Pentagon : ” إن الصين لا تبني فقط قاعدتها العسكرية علي المنوال الأمريكي , فالنموذج الصيني مختلف جدًا جدًا فهي تجمع بين عناصر مدنية وأمنية” , كذلك أشار مقال Wall Street Journal ومسئوليين أمريكيين معنيين إلي أن الرئيس الصيني Xi Jinping يأمل في إقناع Teodoro Obiang Nguema Mbasogo رئيس غينيا الإستوائية (تولي الحكم بإنقلاب عسكري عام 1979علي عمه Francisco Macias) بالسماح بإقامة توسعات في هذا الميناء تمكن الصين من إقامة قاعدة عسكرية به , ويري مسئولون أمريكيون في هذه القاعدة خطراً مباشراً علي الأمن القومي الأمريكي (للولايات المتحدة 800 قاعدة عسكرية بأكثر من 70 دولة ومنطقة و138000 جندي يتمركزون في الخارج) , إذ إنه لو إستطاعت العسكرية الصينية التموضع في نقطة إرتكاز ثابتة دائمة علي المحيط الأطلنطي ولتكن مثلاً ميناء Bata الواقع علي الساحل الأفريقي المُقابل للساحل الشرقي للولايات والذي تتوفر به طرق سريعة تربطه بالجابون ووسط أفريقيا , فسيمكن والحالة هذه للسفن الحربية الصينية الوصول بأقل تكلفة ومسافة وإستهداف المدن الأمريكية الكبرى مثل واشنطن العاصمة ونيويورك وبوسطن وغيرهم , وتنبغي الإشارة إلي أن الأمريكيين يتابعون عن كثب هذا التحرك الصيني العسكري في أفريقيا(قدمت الصين100 مليون دولار مساعدة عسكرية للاتحاد الأفريقي لدعم إنشاء قوة أفريقية جاهزة والقدرة الأفريقية الاستجابة الفورية للأزمات) , وإزاء هذا التحرك الصيني قام النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي الأمريكي Jon Finerبزيارة غينيا الاستوائية في أكتوبر 2021 لمحاولة لإقناع رئيس غينيا الاستوائية Teodoro Obiang Nguema Mbasog (79 عاماً) وابنه وولي عهده نائب الرئيس Teodorin” Nguema Obiang Mangueبإبعاد البلادعن عن الصين في هذا الشأن ” , كذلك قال مسؤول كبير في إدارة الرئيس Joe Biden: “كجزء من دبلوماسيتنا لمعالجة قضايا الأمن البحري أوضحنا لغينيا الاستوائية أن بعض الخطوات المحتملة التي تنطوي على نشاط (صيني) هناك ثمة مخاوف تتعلق بالأمن القومي “, وبدوره صرح قائدالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM الجنرالStephen Townsend في أبريل 2021قائلاً :”إن التهديد الأكثر أهمية من الصين سيكون إقامة منشأة بحرية مفيدة عسكريًا على ساحل المحيط الأطلسي لإفريقيا … إني أتحدث عن ميناء حيث يمكنهم إعادة تسليحهم بالذخائر وإصلاح السفن البحرية ” , وأكد ذلك بتصريح آخر في مايو 2021 قال فيه :”إن الصين تتطلع إلى دول على طول الساحل الغربي الأفريقي بأكمله تقريبًا حتى شمال موريتانيا وجنوباً مثل ناميبيا في محاولة للعثور على قاعدة في المحيط الأطلسي” , والجدير بالذكر أن غينيا الإستوائية داخلة في نطاق عمل AFRICOM , ففي هذا الإطار قام حرس السواحل الأمريكي عام 2013 بزيارات للرأس الأخضر وغينيا الإستوائية التي يقوم عناصر البحرية الأمريكية بحماية منشآت بترول تابعة للشركات الأمريكية ( Chevron و Exxon) بها من خلال حرس خاص غير مُسلح والتعاون علي منع وإخضاع كافة أشكال الجريمة البحرية والأنشطة غير المشروعة , كذلك شاركت غينيا الإستوائية في تدريبات بحرية جرت في الفترة من 19 إلي 27 مارس 2015 تحت مُسمي OBANGAME EXPRESSأمتد مسرحها ليشمل 12 دولة أفريقية هي أنجولا والكاميرون وساحل العاج والكونجو الديموقراطية وغينيا الإستوائية والجابون وغانا ونيجيريا وجمهورية الكونجو وبنين وساوتومي وبرنسيب وتوجو , بالإضافة إلي مشاركة بلجيكا والبرازيل والنرويج وألمانيا والبرتغال والدنمرك وتركيا وفرنسا وأسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وذلك في مسرح قتالي يقع ما بين شواطئ ساحل العاج حتي شواطئ أنجولا علي المحيط الأطلسي , وتأتي هذه التدريبات إنطلاقاً من توقيع 22 دولة بغرب ووسط أفريقيا علي Yaoundé Code of Conduct وهي وثيقة تلتزم بموجبها الدول المُوقعة عليها بالعمل والتعاون علي منع وإخضاع كافة أشكال الجريمة البحرية والأنشطة غير المشروعة للمحاكمة , وتحاول الولايات المتحدة إبعاد غينيا الإستوائية – التي تعتمد إلي حد كبير على شركات النفط الأمريكية – عن الصين , لذلك عملت الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات مع غينيا الاستوائية في العام الماضي 2021 فعرضت مثلاً في مارس 2021 مساعدتها بعد انفجار مخزن ذخيرة في إحدى القواعد العسكرية بها أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص , وفي أغسطس 2021 رست سفينة حربية أمريكية قبالة ميناء Bata ودعت المسؤولين المحليين وأفراد البحرية لمراقبة التدريب على مكافحة الحرائق على متن السفينة , كما رفعت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرًا ترتيب غينيا الاستوائية في تقييمها السنوي لكيفية مكافحة البلدان للاتجار بالبشر وقد يؤدي هذا التحسين لمركز غينيا الإستوائية التصنيف الإيجابي إلي تلقيها المساعدة الأمنية من البحرية الأمريكية مما يُعززالعلاقات الثنائية , ولو أني لا أعتقد أن هذه الأعمال الأمريكية ستفي وحدها بغرض إقناع الديكتاتور Teodoro Obiang في الإبتعاد عن الصين (التي تساعد في تدريب وتسليح شرطة غينيا الاستوائية بينما تعتمد غينيا الاستوائية على التكنولوجيا الأمريكية لإستغلال احتياطياتها النفطية الكبيرة) , لكن تظل الصين الشريك التنموي الأساسي للبلاد , ففي عام 2006 وقع بنك China Exim وحكومة غينيا الاستوائية اتفاقية تسهيل ائتمان للمشتري المدعوم بالنفط بقيمة 2 مليار دولار لتطوير ميناء Bata حتي يكون مرفق حديث وميناء عميق , كما أكملت شركة تشييد الاتصالات الصينية أعمال البناء لتوسيع هذا الميناء في ديسمبر 2014 , وفي العام التالي وقع البنك الصناعي والتجاري الصيني صفقة تمويل مماثلة بمبلغ 2 مليار دولار لدعم تطوير البنية التحتية والأنشطة المحلية للشركات الصينية والحكومة نفسها كما قدم بنك التصدير والاستيراد الصيني للحكومة خط ائتمان قدره نصف مليار دولار , وفي نهاية المطاف تم افتتاح ميناء Bata عام 2019 وبه حالياً رصيفين تجاريين طويلين (530 مترًا و 550 مترًا) ، مما يُوفر التعامل مع أي سفن قتالية تابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي (PLAN) , بالإضافة لتوفر محطة بحوار الميناء للتزود بالوقود , كما أن هذا الميناء به منطقة تخزين واسعة وساحة متعددة الوسائط مفيدة لعمليات إعادة التوريد .
المُحصلة أنه وبحلول عام 2021بلغت نسبة ديون غينيا الاستوائية للصين من مجمل الناتج المحلي الإجمالي ما يقدر بـ 49.7٪ (وهي حالة دول أفريقية أخري مع الصين) , وعلى الرغم من تواصل الولايات المتحدة في توقيت مُتاخر مع غينيا الاستوائية بزيارة قام بها – كما أسلفت – النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي للولايات المتحدة لمناقشة الأمن البحري إلا أنه يبدو أن نظام الرئيس Obiang ماض قدمًا في خطته لاستضافة قاعدة بحرية صينية فالولايات المتحدة إكتفت بثقل أهمية شركاتها البترولية في غينيا الإستوائية وإحتياج النظام هناك لأموال البترول وهو أمر لم يعد كافياً لهذه النظم الغاشمة المُتهالكة الشرهة فالصين تعلم أن نظام Obiang كغيره من النظم القائمة علي الفساد جشع لا يشبع ومع ذلك ففي سبيل تحقيق إستراتيجية تمددها الإقتصادي والعسكري بالعالم لا تتدخل مُطلقاً في الشئون الداخلية لأي من الدول التي تتحرك بإتجاهها ومن ثم فلا يعنيها في شيء ملف إنتهاك هذه الدولة أو تلك لحقوق الإنسان , إذ أن هذه الإنتهاكات تقترفها الصين نفسها خلافاً لما تفعله الولايات المتحدة التي اتهمت حكومة Obiang بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القضاء وحالات اختفاء قسري وتعذيب وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان (بالرغم من ثروة غينيا الإستوائية الناتجة عن صادرات البترول إلا أن 75% من الشعب يعيش على أقل من دولارين في اليوم) , والمُؤسف أيضاً أن الولايات المتحدة تفعل ما تفعله الصين بدعمها لديكتاتوريات مختلفة في الشرق الأوسط وخارجه فعلي سبيل المثال نجد أن شركتي Chevron و Exxon الأمريكتين ، كانتا الدعامة الاقتصادية لدكتاتورية عائلة Obiangالفاسدة لأكثر من عقدين, بل إن شركة Chevron تفاخرت مؤخرًا بأن شركتها الفرعية Noble Energy تنتج أكثر من 60 % من النفط والغاز بغينيا الإستوائية كما أن Chevron وقعت مُؤخراً اتفاقية جديدة مع نظام Obiang حتى بعد أن أصبحت التقارير المتعلقة بالتوسع العسكري الصيني المحتمل بغينيا الإستوائية علنية , ومن المعقول جداً أن يضع نشاط تناقض شركتي Chevron و Exxon الداعم لنظام Obiang إدارة الرئيس Bidenإدارة في تناقض حاد مع نفسها ومع الغير ويجعل من مخاوفها المتواضعة بالفعل بشأن إنتهاك نظام Obiang حقوق الإنسان في غينيا الاستوائية لا مبرر حقيقي لها ويتضاعف هذا التناقض مع العلم بأن الإدارة الأمريكية تعتمد علي Teodorín Obiang وريث أبيه Obiang في منع بناء التثبيت البحري الصيني ببلاده , ومع كل هذا نجد أن وزارة العدل الأمريكية صعدت مواجهتها ضد الديكتاتور Obiangفرفعت سلسلة من القضايا المدنية ضد الرئيسTeodoro Obiang بزعم إستيلاءه علي أموال من خزانة البلاد لتحقيق منافع شخصية في تسوية عام 2014 , وقد رضخ Obiang فسلم بعض أصوله لوزارة العدل , وفي الواقع فإن الإدارة الأمريكية الديموقراطية برئاسة الرئيس Biden تواجه مأزقاً في تناول الإقتراب الوشيك للصين من إقامة قاعدة بحرية عسكرية لها في هذه الدولة التي يقبع علي سدة الحكم بها ديكتاتور من غير الممكن مسائلته في بلاده فهو مُستمر في حكم فاسد منذ 41 عاماً وسمعته هو وأبنه غاية في السوء إذ أن الأب وأبنه يمارسان بلا إكتراث بسوء العاقبة انتهاكات مُتصلة لحقوق الإنسان وتُوجه إليهما والعائلة اتهامات بالاختلاس , ولهذا صُنفت غينيا الإستوائية وفقاً للمؤشر السنوي لمنظمة الشفافية الدولية في المرتبة الرابعة بين أكثر الدول فسادًا في العالم وقد أُدين نجل الرئيس وخليفته المحتمل نائب الرئيس “Teodorin” Nguema Obiang Manguمؤخرًا بتهمة الاختلاس في فرنسا وجمدت الحكومة البريطانية أصوله بل ومنعته من دخول المملكة المتحدة .
قام الرئيس أوبيانج بزيارة الصين في مايو2024 وهي زيارته الحادية عشرة للصين أربع منها كانت زيارات دولة (2006 //2012 2018/ والآن 2024). وأقام الرئيس شي جين بينج حفل استقبال وأجرى رئيسا الدولتين محادثات وحضرا معًا حفل توقيع وثائق التعاون كما التقى رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ وتشاو لي جي رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب بأوبيانج وكانت النقطة الأبرز في هذه الزيارة هي الإعلان عن الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى “شراكة تعاون استراتيجية شاملة” وانضمت مالابو الآن إلى قائمة تضم أكثر من اثنتي عشرة دولة أفريقية تتمتع بهذا المستوى من العلاقات الثنائية مع الصين ورغم أن غينيا الاستوائية تعتبرغنية نسبيًا داخل القارة إلا أنها تواجه تحديات تنموية كبيرة وعلى مر السنين استفادت مالابو من الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات اقتصادية رئيسية مثل الطاقة لدفع التنمية الوطنية وفي الفترة من عام 2000 إلى عام 2012 تلقت غينيا الاستوائية 50 مليار دولار من رأس المال من شركات النفط والغاز التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها ومع ذلك فإن احتياطيات النفط في مالابو آخذة في النضوب منذ عام 2012 ومن المتوقع أن تنفد بحلول عام 2035 .
تسعى غينيا الاستوائية الآن إلى تنويع اقتصادها كمسألة ملحة ومن بين الطرق التي تسعى إلى تحقيق ذلك الاستفادة من موقعها والبنية الأساسية القائمة لتصبح مركزًا لوجستيًا وبوابة إلى وسط أفريقيا فعلى سبيل المثال أكثر من 80 % من طرق البلاد ممهدة وهي واحدة من أعلى المعدلات في أفريقيا وفي نوفمبر2023 وافق بنك التنمية الأفريقي على مشروع بقيمة 73 مليون يورو لبناء جسر يربط بين الكاميرون وغينيا الاستوائية كما قامت الصين بتمويل وبناء العديد من مشاريع البنية التحتية الكبرى في غينيا الاستوائية وبالتالي ترى مالابو أن بكين شريك حاسم للمضي قدمًا ووفقًا لوزارة التجارة الصينية ومرصد التعقيد الاقتصادي (OEC)، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 1.75 مليار دولار في عام 2022، حيث بلغت صادرات الصين 231 مليون دولار وبلغت الواردات 1.52 مليار دولارالمنتج الرئيسي لصادرات غينيا الاستوائية إلى الصين هو النفط الخام يليه غاز البترول والخشب الخام في حين أن صادرات الصين إلى غينيا الاستوائية أكثر تنوعًا وتعد السفن ذات الأغراض الخاصة والتوربينات الغازية والطوب الخزفي من أهم المنتجات من بينها وبحلول نهاية عام 2022 بلغ مخزون استثمارات الشركات الصينية في غينيا الاستوائية 240 مليون دولار – وهو متوسط إلى حد ما بالنسبة للدول الأفريقية – مع التركيز بشكل كبير على صناعة الاستخراج وعلى جانب الإقراض تشير الأبحاث التي أجراها مركز سياسة التنمية العالمية بجامعة بوسطن إلى أن القروض الصينية لغينيا الاستوائية بلغت 3.1 مليار دولار في الفترة من 2000 إلى 2022وقد دعمت معظم القروض البنية التحتية في قطاع الطاقة مع مشاريع بارزة بما في ذلك مشروع دجيبلو للطاقة الكهرومائية (257 مليون دولار) في عام 2006 بالإضافة إلى المرحلة الأولى من شبكة كهرباء مدينة باتا (300 مليون دولار) في عام 2010 والمرحلة الثانية (290.3 مليون دولار) في عام 2016 وكان أحدث مشروع كبير للبنية التحتية هو مشروع إمدادات المياه في مدينة مالابو (420 مليون دولار) والذي التزمت به الصين في عام 2019.
من منظور صيني لم تكن العلاقات الاقتصادية الثنائية السبب الرئيسي لرفع مستوى الشراكة فبالنسبة للصين لا تشكل غينيا الاستوائية شريكاً اقتصادياً بالغ الأهمية على الرغم من إدراك الصين أن التنوع يشكل أهمية بالغة لسلاسل التوريد المرنة فبالنسبة لبكين فإن العلاقة أكثر أهمية من وجهة نظر استراتيجية ففي 5 ديسمبر 2021 أفادت صحيفة وول ستريت جورنال استنادًا إلى نتائج استخباراتية أمريكية سرية عن نية الصين إنشاء أول وجود عسكري دائم لها على المحيط الأطلسي في غينيا الاستوائية في عام 2022 – كما أشرت – وأرسلت إدارة بايدن دبلوماسيين رفيعي المستوى إلى غينيا الاستوائية في حملة لإبعاد مالابو عن الصين فوجهة نظر واشنطن هي أن القاعدة البحرية الصينية في غينيا الاستوائية يمكن أن تهدد الأمن القومي الأمريكي من خلال تزويد الصين بقاعدة لوجستية ونقطة انطلاق في المحيط الأطلسي .
بعد أن أقامت الصين فعلاً قاعدتها العسكرية الأولي في جيبوتي وأفتتحتها في الأول من أغسطس2017 يثور السؤال الرئيسي فيما يتعلق بالقاعدة البحرية العسكرية الصينية المُحتملة في غينيا الإستوائية(هناك معلومات عن جهد صيني لإقامة قاعدة عسكرية في الجابون) وهو : هل لو تمادي نظام Teodoro Obiang وفعلها أي لو وقع إتفاقاً مع الصينيين لإقامة هذه القاعدة , أفسيعني ذلك إصدار الإدارة الأمريكية أوامرها لشركتي Chevron و Exxonلإنهاء نشاطهما أو إيقافه في غينيا الإستوائية ؟ إجابتي أنه أمر ممكن فقد سبق للإدارة الأمريكية أن ضغطت علي شركة Chevronفأنسحبت من جنوب السودان إبان الحرب الأهلية بين شمال السدان ومُتمردي الجنوب .
أصدرت وزارة الدفاع الأميركية عام2023تقريرها السنوي عن القوة العسكرية الصينية والذي يُشير إلي إن جمهورية الصين الشعبية ربما فكرت أيضاً في إضافة مرافق لوجستية عسكرية في 19 دولة حول العالم (بالإضافة إلى جيبوتي): كمبوديا وبورما وتايلاند وإندونيسيا وباكستان وسريلانكا والإمارات العربية المتحدة وكينيا وغينيا الاستوائية وسيشل وتنزانيا وأنجولا ونيجيريا وناميبيا وموزامبيق وبنجلاديش وبابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان وطاجيكستان ولتوسيع بصمتها العالمية فسوف يحتاج جيش التحرير الشعبي الصيني إلى تنمية علاقات جيدة مع الدول المضيفة المحتملة .
(2) في النـــيـــجـــر :
في 22 ديسمبر2023أعلن جيش النبجرالإنسحاب العسكري الفرنسي من النيجر وأكتمل هذا الإنسحاب في 22 ديسمبر 2023بعد وجود عسكري فرنسي امتد لنحوعشرة أعوام هذا الوجود غير المسبوق في تاريخ النيجر السياسي منذ إستقلال هذا البلد عام 1960 أتـاحـه الرئيس الأسبق Mamadou Issoffou الموالي تماماً لفرنسا وكان الغرض المزعوم من هذا التواجد العسكري مكافحة الجهاديين فيما الغرض الحقيقي هو حماية المصالح الفرنسية في النيجر وأهمها إستغلال وشراء اليورانيوم النيجري بأسعار بخسة وكانت النيجر أحد آخر حلفاء فرنسا قبل الانقلاب العسكري بها في يوليو 2023الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم تلميذ Mamadou Issoffou النجيب واليساري السابق وقد أعقب أزمة الإنسحاب العسكري الفرنسي من النيجر التي كانت أهانة أمام العالم والأفارقة الكارهين لفرنسا وهو إنسحاب إتخذته دول أفريقية أخري أسوة لتتأسي بها أعقب هذا الإنسحاب إنسحاب عسكري آخر للأمريكيين من قاعدتين بالنيجر إحدهما بنيامي والأخري في شمال البلاد بمدينة أجاديز الصحراوية بداته الولايات المتحدة في مارس2023 حين قررت النيجر إلغاء اتفاقية تعاون عسكري موقعة عام 2012 مع الولايات المتحدة معتبرة أن واشنطن “فرضتها أحاديا” ثم إستكملت الولايات المتحدة هذا الإنسحاب في سبتمبر2024 .
من الطبيعي بل من المنطقي أن تتقدم روسيا لتشغل الحيز الكبير الذي شغلته الولايات المتحدة وفرنسا في النيجر وهذا ما يتم بصفة تدريجية الآن إذ أن هيئة الإذاعة والتلفزيون النيجرية أعلنت في نوفمبر2024أن روسيا سلمت القوات النيجرية معدات عسكرية تتضمن أنظمة حديثة من الدفاع الجوي كما كشفت بعض التقارير عن بداية انتشار “فيلق إفريقيا” في النيجر، بالتزامن مع إعلان عدد من المسؤولين الأمريكيين في 19 إبريل 2024 أن واشنطن وافقت على سحب قواتها من النيجر بناءً على طلب المجلس العسكري الحاكم في البلاد منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته نيامي في يوليو 2023.
ترجع البداية الحقيقية للتواجد العسكري الأمريكي في النيجر إلي شهر يناير 2013 حين وقعت الولايات المتحدة مع حكومة الرئيس المُنتخب Issoufou إتفاقاً بشأن “وضعية القوات ” أو Status of Forces أتاح للأولي زيادة إنخراطها العسكري في عموم أراضي النيجر وأرتبط ذلك بالطبع بتطوير محطة الطائرات التي بلا طيار أو Drones من طراز Predator بمدينة Agadez بشمال النيجر وكذلك بدعم أمريكي إنطلاقاً من النيجر لمهام العسكرية الفرنسية في شمال مالي التي تخوضها فرنسا هناك تحت ستار قيم مُزيفة كالتي تعلنها مراراً العسكرية الأمريكية وتستخدمها لتسويغ “الحرب علي الإرهاب” , ثم وفي فبراير 2013 أعلن البيت الأبيض أن الرئيس Obama أمر بإرسال 100 من الأفراد العسكريين للعمل بالنيجر في مهمة إستخباراتية Intelligence collection وهي المهمة التي أشارت صحيفة The Guardian البريطانية أن رئيس النيجر Issoufou هو من طلبها , ومن الغريب في هذا الصدد أن يشير Atlantic Council في تقرير للدكتور Peter Pham عن هذا الشأن بقوله ” أن النيجر بالطبع كانت خياراً طبيعياً ليس فقط بسبب موقعها الوسطي جغرافياً , بل لإن حكومتها المُنتخبة ديموقراطياً نجت من الإضطرابات الإقليمية وأثبتت أنها حيلف يُعتمد عليه في الجهود المبذولة لإحتواء وهزيمة التشدد العنيف” ونسي أو تناسي الدكتور Pham أن حكومة النيجر وغيرها وهي تثبت أنها حليف يُعتمد عليه تضحي بالسيادة وبإستقلال مفاهيمها عن ما هو تشدد أو إرهاب لمجرد تلقي عون عسكري ما ودعم نظامها السياسي كلما تماهي مع الإستراتيجيات العسكرية الغربية , علي كل حال ففي عام 2013 أيضاً والذي يمثل أكثف تحرك عسكري أمريكي مع النيجر منحت الولايات المتحدة سلاح الجو بالنيجر طائرتان نقل صغيرتان من طراز Caravan Cessna 208 Grand وعدد من سيارت نقل Toyota كل ذلك بقيمة تتجاوز 10 مليون دولار , وفي فبراير 2014 إستضافت النيجر علي أراضيها أكثر من 1,000 جندي من 18 دولة أفريقية وأخري غربية منها الولايات المتحدة التي تكفلت بتكاليف هذه التدريبات التي نظمتها ونسقتها قيادة العمليات الخاصة الأمريكية وكانت تدريبات معنية بمجال مكافحة “الإرهاب” , ثم وفي 23 يوليو 2015 قام وزير دفاع النيجر Karidjo Mahamadou بزيارة للولايات المتحدة ليلتقي بنائب وزير الدفاع الأمريكي Bob Work ليبحث معه مجالات تعاون تقع في نطاق عريض منها المجال الأمني وتم خلال هذا اللقاء تبادل للأفكار بشأن جماعة Boko Haram وأمن الحدود علي نطاق شمال غرب أفريقيا , كما جري حديث بينهما عن الأولويات المشتركة للبلدين من أجل الشراكة وتوسيع التعاون في مجال الدفاع , بعد ذلك وفي أكتوبر 2015 أهدت واشنطن طائرتان أخريان من نفس الطراز للعمل في مجال الإستخبارات والإستطلاع مع 40 مركبة و250 ألبسة عسكرية وأجهزة إستقبال ومعدات حماية ثم سلمت طائرة أخري من نفس الطراز عام 2016 , وكل ذلك كان يعني من وجهة نظري محاولة نجحت من العسكرية الامريكية لجعل العلاقات العسكرية والأمنية مع النيجر ترقي إلي مرتبة التحالف كحالة تشاد , وبموجب علاقة التحالف تلك إستصدرت القيادة العسكرية الأأمريكية لأفريقيا موافقة من الرئيس Issoufou تتيح لعناصر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية القيام بعمليات قتالية كتلك التي أعتقد أن هجوم 4 أكتوبر كان إحداها , وفي الواقع فإن الموقع الجغرافي للنيجر إضطردت أهميته بسبب تعدد التظيمات الجهادية عن يمين وشمال النيجر بإعتبارها نقطة وسيطة بين خطرين يُشاع أنهما خارج النطاق الجغرافي للنيجر وهم الإسلاميين الجهاديين في مربضهم بشمال مالي وجماعة BOKO HARAM المتناثرة حول محيط بحيرة تشاد التي تطل عليها النيجر من جهة محافظة Diffa وبالإضافة لذلك فلدي النيجر ثروة هائلة من خام اليورانيوم تبررلفرنسا والولايات المتحدة التواجد أمنياً وعسكرياً لتتبع عمليات تهريب مُسخلص اليورانيوم أي الكعكة الصفراء Yellow Cake .
تجدر الإشارة إلي أن التواجد العسكري الأمريكي والفرنسي في النيجر يستفز قطاع عريض من شعبها فالحقيقة أن هناك تيار إسلامي بالنيجر كامن ولكنه قوي لدي قطاع عريض من السكان الذين هم خليط من قبائل الجيرما والهوسا والفولاني و99,5% منهم مسلمين علي المذهب المالكي , ومن مؤشرات وجود نمو هذا التيار أنه في أعقاب إنقلاب 18 فبراير 2010 وفي المرحلة الإنتقالية التي تولي فيها المجلس العسكري السلطة وإبان وضع المجلس الإستشاري لمشروع الدستور الجديد حظرت السلطات العسكرية مظاهرة شعبية كبيرة تطالب بتضمين هذا الدستور لمادة تنص علي أن الإسلام هو دين الدولة ولكن الإنقلابيين والنخبة الموالية بالمجلس الإستشاري أبقيا علي مبدأ علمانية الدولة وهو رفض شاذ إذ أن الدستور الأسباني مثلاً ينص علي كاثوليكية الدولة , فما هو الفرق وما هو الخطر من ذلك ؟ .
في الواقع أن الوجود العسكري الأمريكي والفرنسي المُستفزين في النيجر أتخذ القرار بشأنها رئيس النيجر Mamadou Issoffouالموالي تماما لفرنسا وبالطبع للولايات المتحدة والذي لم يدخر وسعاً في مد يد العمالة لهاتين القوتين الدوليتين لإنتهاك سيادة النيجر وأعتقد أن الإنقلاب العسكري علي الرئيس بازوم الموالي لفرنسا أيضاً تأخر إذ كان لابد أن تطيح المؤسسة العسكرية بالنيجر بالرئيس Mamadou Issoffou الذي تنافس مع رئيس ديبي في العمالة لفرنسا والولايات المتحدة وأعتقد أن هذا الرئيس سيُحاكم بتهمة الخيانة العظمي يوما ً ما في النيجر فهو أول من جعل النيجر مُستباحة بشكل غير مسبوق عايشته كسفير لمصر لدي النيجر وهذا الرجل لا يمكن أن يقارن برئيس النيجر الأسبق MAMADOU TANDJA فقد كان رئيساً مُخلصاً أميناً علي بلاده النيجر ولهذا تآمرت عليه الولايات المتحدة وفرنسلا وأطاحا به بواسطة مرتزقة Black Water بإنقلاب عسكري قاده ضابط صغير تافه يدعي Saliou في 18 فبراير2010 ومن أسباب الإطاحة به إتصالات النيجر مع إيران لتسويق يورانيوم النيجر لها .
من المنطقي بعد تمام الإنسحاب العسكري الأمريكي من القاعدتين الأمريكيتين بنيامي وأجاديز أن تبدأ روسيا (مؤسستها العسكرية) في الإستعداد للتواجد بالنيجر بموقعها الحاكم في قلب الصحراء الكبري .
لم يقتصر الأمر علي ذلك فقد أعلنت النيجر في13نوفمبر2024 أنها دعت الشركات الروسية إلى الاستثمار المباشر في إنتاج اليورانيوم وغيره من الموارد الطبيعية في أراضيها بعد أن قررت سلطات النيجر طرد شركة أورانو النووية الفرنسية العملاقة من البلاد ففي 8 نوفمبر2024 أعلن وزير التعدين عثمان أبارشي أن النيجر تسعى بنشاط إلى جذب الاستثمارات الروسية في اليورانيوم وغيره من الموارد الطبيعية وقال أرباشي في مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي الروسية للأنباء : “التقينا بالفعل بشركات روسية مهتمة بالقدوم لاستكشاف واستغلال الموارد الطبيعية في النيجر… وليس اليورانيوم فقط” وأضاف “فيما يتعلق بالشركات الفرنسية فإن الحكومة الفرنسية – عن طريق رئيس دولتها – قالت إنها لا تعترف بالسلطات النيجرية أفهل يبدو من الممكن في هذه الحالة أن نقبل نحن دولة النيجر أن تستمر الشركات الفرنسية في استغلال مواردنا الطبيعية؟” .
(3) روســــــيــا وســـاو تـــومي وبــرنـــســـيــب
ساوتومي وبرنسيب دولة جزرية تقع في قلب خليج غينيا وبه سبع دول أفريقية مُطلة عليه منتجة للبترول منهم غينيا الإستوائية .
أُعلن في 6 مايو2024 عن توصل حكومتا روسيا وجمهورية ساو تومي وبرينسيب الديمقراطية إلى اتفاق بشأن التعاون العسكري ووقع الطرفان على هذا الاتفاق في سانت بطرسبرج في 24 أبريل 2024 وجاء في البيان الصادر في هذا الشأن أنه”تم إبرام الاتفاق لمدة غير محددة” ووفقاً لهذا البيان فقد اتفقت روسيا وساو تومي وبرينسيب على التعاون في مجالات مثل التدريب المشترك للموظفين وتدريب القوات المسلحة واستخدام الأسلحة والمعدات العسكرية من قبل الأفراد والدعم المادي واللوجستي وتبادل الخبرات والمعلومات في مكافحة التطرف والإرهاب الدولي(لازمة درجوا عليها في الإتفاقيات ذات الطبيعة الأمنية) وتدريب القادة العسكريين وتضمنت الاتفاقية أيضًا المشاركة في التدريبات العسكرية ومراقبتها وزيارات الطائرات العسكرية وزيارات السفن والقطع البحرية الحربية وأكدت الإتفاقية علي أن التعاون العسكري بين البلدين “يعزز السلام والاستقرار الدولي”.
إن خطورة الإتفاق بين روسيا وساوتومي ليس فقط بسبب موقعها الحاكم في خليج غينيا حيث 7 دول أفريقية منتجة للبترول وإنما أيضاً لأن روسيا أو تحديداً البحرية الروسية تتطلع وتطمح من واقع أتفاق تعاونها العسكري مع ساو تومي وبرينسيبي وغينيا بيساو ودول أخرى في المنطقةعلى الوصول الاستراتيجي إلى المحيط الأطلسي “فهو أمر مهم للغاية من الناحية الجيوسياسية والعسكرية” , كما أن إتفاق التعاون العسكري بين ساوتومي وروسيا في إعتقادي يُظهِر عدم فعالية الدبلوماسية البرتغالية وهو أمر من شأنه أن يضعف العلاقات بين البرتغال وساو تومي وسوف تستفيد روسيا من هذا وقد لا يتوقف التمدد الروسي مع ساوتومي تحديداًعند هذا الحد فموقع ساوتومي خطير جداً من الوجهة الجيوإستراتيجية بالنسبة لدول خليج غينيا فقد يؤدي هذا الاتفاق مستقبلاً إلى تفاقم الوضع في منطقة خليج غينيا لأنه يعني مشاركة ساوتومي في مناورات مع الجيش الروسي وقبول معدات عسكرية روسية وبالنسبة للولايات المتحدة التي تدرك خطورة حيازة روسيا والصين ( وفقاً لــ Africa news في 13 أغسطس2024 أشارت إلي أن موسكو تفوقت على بكين في عام 2022باعتبارها المورد الرئيسي للأسلحة إلى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى) نقاط إرتكاز علي المحيط الأطلنطي في مواجهتها .
صرح السفير الروسي لدي أنجولا وغير المقيم لدي ساوتومي فلاديمير تاراروف في 8 أغسطس2024 أن اتفاقيتين للتعاون العسكري والتقني العسكري أبرمتهما روسيا وساو تومي وبرينسيب تهدفان إلى تعزيز القوات المسلحة في الدولة الأفريقية حتى تتمكن من ضمان الدفاع عن جزرها إذا لزم الأمر .
إتصالا بذلك وفي 24 سبتمبر2024 أعلنت القوات المسلحة في الاتحاد الروسي أنه سيتم السماح للسفن الروسية قريبًا بدخول موانئ ساو تومي وبرينسيب في أفريقيا للراحة والتزود بالوقود كجزء من اتفاقية التعاون العسكري بين موسكو والدولة الجزيرة , وقال النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما أليكسي تشيبا إن الاتفاق سيُعرض على مجلس الدوما (الغرفة السفلى) للجمعية الفيدرالية الروسية وفي حال إقراره فإن مشروع القانون سيفتح المجال أمام السفن الروسية للوصول إلى موانئ جديدة في أفريقيا و”سيسهل إلى حد كبير أنشطة” الأسطول الروسي في المحيط الأطلسي وأضاف تشيبا أن “عددا كبيرا من الموانئ التي كان من الممكن للسفن الروسية أن تدخلها للتزود بالوقود أصبحت اليوم مغلقة” مؤكدا أن الوصول إلى الموانئ الصديقة سيساعد الأسطول الروسي في المنطقة على تحسين قدراته اللوجستية .
تعليقاً علي إتفاق التعاون العسكري مع روسيا قال رئيس وزراء حكومة ساوتومي وبرنسيب باتريس تروفوادا في 17 مايو2024 لصحيفة أفريقيا ريبورت في مقابلة حصرية على هامش منتدى الرؤساء التنفيذيين لأفريقيا في كيجالي برواندا : إن دولة جزيرة ساو تومي وبرينسيب مستعدة للتعاون مع جميع اللاعبين بما في ذلك روسيا وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة رافضًا مخاوف البرتغال وغيرها من الدول بشأن النفوذ الروسي المتزايد في المنطقة فمن وجهة نظره أن الاتفاق العسكري الذي تم توقيعه في أبريل بين روسيا ودولة ساو تومي وبرينسيب الدولة الأفريقية يتعامل مع التدريب العسكري والمتفجرات القديمة المخزنة من الحقبة السوفييتية والتي يجب التخلص منها وقال تروفوادا لصحيفة أفريقيا ريبورت: ” نريد التدريب ونريد أيضًا أن نرى كيف يمكننا تجديد معداتنا ” وأضاف قوله : “هذا تعاون عسكري لكنه ليس خاصاً فلدينا التزامات عسكرية أكثر بكثير مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مقارنة بروسيا” رافضاً الاعتراضات من البرتغال وغيرها .
من جهة أخري أشار زعيم المعارضة خورخي بوم جيسوس في ساو تومي إلى أنه ” ستكون هناك عواقب” على العلاقة بين ساو تومي وبرينسيب وبعض الشركاء الدوليين خاصة البرتغال والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع الأخذ في الاعتبار “السياق” و”الصدع” القائم بين هذه الأطراف وروسيا وندد زعيم المعارضة بالسرية المحيطة بالاتفاق وقال إنه ما كان ينبغي تنفيذه دون علم البرلمان .
تجدر الإشارة إلي أنه في عام 2009خدم 300 عسكري في القوات المسلحة لساو تومي وبرينسيب .
كان رد فعل البرتغال عضو حلف الأطلنطي والقوة الإستعمارية التي إستعمرت ساوتومي التي إستقلت عنها عام1975 علي الإتفاق العسكري بين ساوتومي وبرنسيب وروسيا سريعاً إذ قالت أنها تشعر “بقلق بالغ” إزاء التقارير التي تفيد بأن مستعمرتها السابقة ساو تومي وبرينسيب وقعت اتفاقا للتعاون العسكري مع روسيا “لفترة غير محددة” كذلك يُذكر أن ست دول من الثماني دول المتحدثة بالبرتغالية والأعضاء في تجمع CPLPقد وقعت اتفاقيات عسكرية مع روسيا كذلك كانت بين هذه الدول وروسيا السوفيتية اتصالات خلال الحقبة السوفييتية عندما تلقت المنظمات التحررية في الدول الناطقة بالبرتغالية التي حاربت النظام الاستعماري البرتغالي الدعم السياسي والعسكري من موسكو وبعد نهاية الاتحاد السوفييتي استمرت العلاقات مع روسيا وفي السنوات الأخيرة حاولت موسكو إستعادة وتكثيف هذه العلاقات ويشتعل منذبداية الحرب الروسية الأوكرانية في 22 فبراير2022 نزاع خفي ولكنه مكثف في جماعة البلدان الناطقة باللغة البرتغالية ــ وهي كتلة من ثماني دول في مختلف أنحاء العالم حيث اللغة البرتغالية هي اللغة الرسمية بها ــ بشأن موقفها من حرب روسيا في أوكرانيا فهناك ست من الدول الأعضاء في تجمع CPLP وهي أنجولا والرأس الأخضر وغينيا بيساو وموزامبيق وساو تومي وبرينسيب وغينيا الاستوائية (تتحدث الأسبانية لكنها عضومراقب في تجمع الدول المتحدثة بالبرتغالية CPLP ) في القارة الأفريقية منهم اثنتان فقط منها هما الرأس الأخضر وساو تومي وبرينسيب أدانتا حرب العدوان الروسية في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما أدانت أنجولا وغينيا بيساو في عام 2022 ما يسمى بالاستفتاءات الروسية بشأن ضم الأراضي الأوكرانية الشرقية باعتبارها غير قانونية وبخلاف ذلك فإن الصورة في مجموعة البلدان الناطقة بالبرتغالية مختلطة للغاية فقد انضمت البرتغال والبرازيل وتيمور الشرقية والرأس الأخضر إلى كل القرارات الستة التي أصدرتها الدورة الاستثنائية الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة والمخصصة للصراع أما البلدان الأفريقية الناطقة بالبرتغالية الأخرى فقد امتنعت في الغالب عن التصويت أو لم تشارك حتى في عملية التصويت وتعليقاً علي هذا قال الصحفي البرتغالي من أصل ساوتومي جواو كارلوس الذي يقدم تقاريره إلى DW من لشبونة: “لقد حاولت جماعة البلدان الناطقة بالبرتغالية التي تسعى دائماً إلى تحقيق التوازن لفترة طويلة التغطية على هذا الخلاف الذي يمر عبر المنظمة ولكن الآن ــ مع هذا الاتفاق بين موسكو وساو تومي أصبح الصراع واضحاً للعيان”.
المـحـاولـة الـصـيـنـيـة للـتموضـع في ســاوتــومـــي وبــرنـــســيــب :
بغض النظر عن تأكيد أو نفي إقامة الصين لقاعدة في غينيا الإستوائية فإن الموضوع برمته يفتح ملف التحرك البحري العسكري الصيني في كل المُسطحات البحرية لعالمنا , كما أن خطورة إقامة الصين قاعدة بحرية بغينيا الإستوائية من هذه الزاوية ليست فقط في كونها في مُواجهة أو قبالة ساحل الولايات المتحدة الشرقي الذي به جانب مهم من توطن الصناعات ورأس المال الأمريكي والذي أصبح سهل المنال Attainableعسكرياً أوعلي الأقل مُعرضاً Vulnerable إضافة إلي أن به أيضاً معظم مصافي البترول الأمريكية أيضاً , كما أنه بفرض نجاح مسعي الصين لإقامة هذه القاعدة بغينيا الإستوائية فإنها تكون بذلك قريبة جداً من تحقيق هدفين مهمين جداً : (1) الإقتراب والإتصال والترويج لعسكريتها ونظم تسليحها في دول لجنة خليج غينيا التي تضم في عضويتها 8 دول أفريقية مُنتجة للبترول منهم غينيا الإستوائية و(2) الإقتراب أكثر فأكثرمن تحقيق هدف عسكري آخر بإقامة قاعدة بحرية أكثر أهمية في ساوتومي وبرنسيب (عضوبلجنة خليج غينيا) خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد تلقت ما يمكن وصفه بالضربة المُؤلمة في أفريقيا من الصين الشعبية عندما أصدرت جمهورية ساوتومي وبرنسيب (دولة أفريقية مكونة من جزيرتين مساحتهما 1000كم مربع تعداد سكانهما 200,000 نسمة تقعان في قلب خليج غينيا بالمحيط الأطلنطي وتبعدان عن ساحل الجابون بنحو 300 كم) بيان في 20 ديسمبر 2016 تضمن قرارها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع جمهورية الصين الوطنية (تايوان) التي تأسست منذ 19 عاماً (عام 1997) علي أنقاض علاقة دبلوماسية سابقة كانت قوية مع الصين الشعبية أي أنها إستعادت علاقاتها مع الصين الشعبية , وأشار البيان الذي وقعه وزيرا خارجية الصين وساوتومي إلي الإعتراف بمبدأ وجود صين واحدة , وقد بررت ساوتومي قرارها بأنه يأتي دفاعاً عن مصالحها الوطنية وإتساقاً مع الظرف الدولي في وقت تبحث فيه البلاد عن تنويع شركاؤها لمواجهة الموقف الصعب الذي أحد مظاهره الأزمة المالية , وأشار هذا البيان إلي أن مجلس وزراء ساوتومي وجه وزير الخارجية لإتخاذ الإجراءات المناسبة دون إبطاء , فيما أشار وزير خارجية ساوتومي للصحافة بالصين عقب التوقيع علي إتفاق إستعادة العلاقات أنه إجري مباحثات مع نظيره الصيني في 26 ديسمبر 2016 وأوضح له أن بلاده ستعوض “الأخطاء السابقة ” الناجمة عن قطع الصين الشعبية لعلاقاتها الدبلوماسية مع ساوتومي في مايو من عام 1997 بسبب تأسيس ساوتومي لعلاقات دبلوماسية مع تايوان , وأن هذا القرار سيفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية , وفي تصريح أدلي بهEvaristo Carvalho رئيس ساوتومي في 31 ديسمبر 2016 مُعلقاً علي إستعادة العلاقات مع الصين الشعبية قال”إنه أحد أهم القرارات السياسية لساوتومي” مُضيفاً ومبرراً ذلك بأنه “لا يرجع فقط للدور الحاسم والمُتنامي للصين في السياسة الدولية , بل كذلك للتسهيلات التي تقدمها الصين للبلاد النامية ” .
تابعت الولايات المتحدة إهتمامها العسكري في ساوتومي إذ وجهت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM الدعوة لرئيس وزراء ساوتومي Patrice Emery Trovoada برفقة Carlos Olimpio وزير دفاع ساوتومي وصاحبهما Eric Benjaminson سفير الولايات المتحدة المقيم بالجابون والمُعتمد في ساوتومي لزيارة مقرها في Stuttgart بألمانيا ليكون أول رئيس حكومة أفريقية يزور في 24 سبتمبر 2012هذا المقر الذي رفضت كثير من الدول الافريقية رغم علاقات متبادلة بينها وبين AFRICOM إستضافة مقرها علي أراضيها , وقد أجري Trovoada مباحثات مع كبار العسكريين في القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا تناولت الشأن الأمني خاصة فيما يتعلق بمنطقة خليج غينيا والتعاون بين العسكريتين الأمريكية والسانتومية والدور الذي يلعبانه في الحفاظ علي مياه خليج غينيا آمنة , وتخلل الزيارة تقديم إيجاز له عن دور القيادة في أفريقيا وكيفية عملها مع الحكومات الأفريقية للترويج للأمن عبر القارة , وقد علق Trovoada علي ما تقدم وفقاً لما أشار إليه Scott Nielsen المُختص بالشئون العامة بالقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في 28 سبتمبر 2012 بقوله : “أغادر (مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا) بمزيد من الإرتياح لأن الولايات المتحدة ترحب بالعمل مع الأمم الأفريقية في قضايا مهمة جداً وذات فائدة لكلانا ” وقال “إني أؤمن بأن بأننا كأفارقة نعرف أن الولايات المتحدة تواجه قدراً كبيراً من التهديدات , وأن هؤلاء الذين يريدون مهاجمة أمريكا والمصالح الأمريكية إنما يهاجمون القيم التي نتشارك فيها والتي نريد أن ندافع عنها وختم تصريحه قائلاً : “نريد أن نشجع أعضاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا الذين يقومون بدور عظيم ونقول لهم أنكم مُرحب بكم عندما تأتون إلي أفريقيا ” , ثم ردعليه قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا الجنرال Carter F. Ham (الذي سبق وقام بزيارة ساوتومي في مايو 2012 في إطار جولة بدول خليج غينيا) بقوله :”إن ساوتومي شريك مهم في المساهمة في الأمن الإقليمي والإستقرار في خليج غينيا وإننا نتطلع للتعاون مُستقبلاً بين بلدينا .” .
هناك ثمة وجه للتشابه والأهمية اللوجيستية الإستراتيجية بين موقعي جيبوتي وساوتومي فجيبوتي تقع في مدخل مضيق باب المندب وهو الممر المُؤدي للبحر الأحمر فقناة السويس التي يمر منها جزء هام مُؤثر من التجارة الدولية بما فيها تجارة البترول , كما أن ساوتومي تقع في القلب من خليج غينيا ويُوفر لها هذا الموقع إمكانية التحكم في وتأمين وتصريف ونقل إنتاج الدول الثماني المنتجة للبترول الأفريقي للصين ولغيرها , لذلك فالصين لابد وأن تضع المكون العسكري في الإعتبار مع تطور علاقتها المُستقبلية مع ساوتومي وهو ما أصبح ممكناً بعد إستعادة ساوتومي لعلاقاتها الدبلوماسية مع الصين الشعبية وقطعها مع تايوان بمعني أنه ترتيباً علي هذا الإعتراف الدبلوماسي يمكن عقد أي إتفاق إستثنائي بين الصين وساوتومي كإستئجار موقع لقاعدة عسكرية صينية (أو روسية) في ساوتومي كحالة إستئجارالولايات المتحدة من بريطلنيا لجزيرة Diego Garcia , ويُذكر أنه مازالت هناك 13 دولة والفاتيكان يعترفون بتايوان كدولة ذات سيادة (تحتل المرتبة 22 في العالم من حيث الاقتصاد بناء علي مجمل ناتجها المحلي) , وقد دعا الرئيس Biden اثنين من المسؤولين التايوانيين للانضمام إلى “قمة الديمقراطية” الافتراضية في التي جرت بواشنطن في ديسمبر 2021 , والتي يفسر البعض عقدها علي أنها على الأرجح مقدمة لإنشاء رابطة غير عملية للدول التي ستستخدمها الولايات المتحدة لقيادة حملتها الأيديولوجية في الصراع الجيوسياسي / الإقتصادي المتصاعد مع الصين وروسيا .
(4) روســيا وغــيــنيا بـــيـــساو :
بمناسبة يوم 9 مايو 2024يوم احتفالات بالنصر علي النازيإبان الحرب العالمية الثانية تواجد في موسكو رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو في موسكو حيث سيلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن سيناقش الاجتماع التعاون بين روسيا وغينيا بيساو وخاصة في مجال التعدين والهيدروكربونات وتأتي الزيارة في إطار احتفالات يوم النصر اليوم في موسكو وكان إمبالو وبوتين قد تفاوضا بالفعل على إلغاء نحو 26.7 مليون دولار من ديون غينيا بيساو لروسيا في مارس2023وفي المقابل تلتزم الحكومة الغينية البيساوية باختيار الشركات الروسية للمشاركة في المناقصات العامة بشروط مواتية مثل الشركات المحلية ومن المعلوم أن هناك بالفعل اتفاقية للتعاون العسكري بين روسيا وغينيا بيساو تم توقيعها في عام 2019 عندما كان إمبالو رئيسًا للوزراء ومع إظهار غينيا الاستوائية “استعدادها للتعاون مع روسيا” يبدو أن هناك أيضاً ثلاث دول من ما يسمى بمجموعة البلدان الناطقة بالبرتغالية (CPLP) تسير طوعاً نحو المجال الروسي .
(5) روســـــيــا وتـــشــــاد :
قرر الرئيس التشادي محمد أدريس ديبي التعليق الفوري للأنشطة العسكرية الأمريكية في قاعدة “أدجي كوسي” الجوية المتاخمة للعاصمة التشادية نجامينا وسبق هذا القرار الهام قرار آخر للمجلس الانتقالي في النيجر قضي بإلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع واشنطن في 25 من أبريل 2024 وبعد حوالي شهرمن هذا القرار أعلن ثلاثة مسؤولين أمريكيين باسم وزارة الدفاع الأمريكية عن سحب القوات الأمريكية بشكل مؤقت من تشاد وجاء هذا القرار موازيًا مع الوضع الأمني المضطرب لسياسة واشنطن في منطقة الساحل الإفريقي ومحاولات دول إفريقية مجاورة إعادة تشكيل أوسع نطاقًا للوجود الغربي على أراضيها وقد عُدّ القرار ثاني ضربة كبيرة خلال أسبوع واحد لسياسة واشنطن الأمنية في مكافحة ما يزعمون أنه إرهاب في غرب ووسط إفريقيا ويتمركز في تشاد نحو أقل من 100جندي نشرتهم الولايات المتحدة الأمريكية في إطار استراتيجيتها لمكافحة ما تراه أنه تطرف في غرب إفريقيا إذ تعمل القوات الأمريكية في قاعدة “أدجي كوسي” الجوية بتشاد في مهمة تدريب قوات تشادية خاصة لكبح ما تروج أنه وجود إرهابي في المنطقة إلى جانب وحدة خاصة من الجيش التشادي لمحاربة جماعة بوكو حرام النيجيرية وصرّح المتحدث باسم البنتاجون “باتريك رايدر” أن خطوة إعادة نشر بعض القوات الأمريكية من تشاد مؤقتة باعتبارها جزءًا من المراجعة المستمرة للتعاون الأمني بين البلدين التي سيتم استئنافها بعد الانتخابات الرئاسية التشادية المقرر انعقادها في 6 مايو 2024.
في 21 يونيو2024 أعلن البنتاجون أن سحب القوات الأمريكية من تشاد يعتبر “إجراء مؤقتا”مشيرا إلى أن واشنطن بتقوم بـ”مراجعة” تعاونها الأمني مع تشاد ويذكر أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت في وقت سابق عن مغادرة معظم قواتها لأراضي تشاد بطلب من سلطات البلاد وكان عدد القوات الأمريكية في تشاد يبلغ 100عسكري إن انسحاب القوات الأميركية من تشاد المجاورة يشكل شهادة أخرى على التوترات الجيوسياسية المتنامية .
لتشاد أهمية عسكرية كبيرة للعسكرية الأمريكية في الصحراء الكبري فهي بوابة الوصول الأمريكي للصحراء الغربية في مصر(العوينات) والجنوب الليبي(الكفرة والسودان (دارفور) ولذلك يُشار تأكيداً لهذه الأهمية أن الولايات المتحدة فاتحت كل من النيجر وتشاد وموريتانيا في أكتوبر من عام 2002 في شأن مبادرة عموم الساحل أو Pan Sahel Initiative التي دخلت حيز العمل في نوفمبر 2002 ثم تطورت لاحقاً لتكون Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership إلا أن الولايات المتحدة أوقفت لفترة قصيرة تعاونها العسكري مع النيجر إبان عهد الرئيس Tandja إحتجاجاً علي رغبته في التمديد لفترة رئاسية ثالثة (مع أن رؤساء عرب وأفارقة كثر نفذوا هذه الرغبة وبرضي أمريكي بل أحياناً بدفع أمريكي) فيما عُرف هناك بالأزمة الدستورية والسياسية في النيجر 2009 حتي أُطيه به بإنقلاب عسكري في 18 فبراير 2010.
جاء الموقف الأخير من قبل السلطات التشادية بشكل مُفاجئ حتى بالنسبة للولايات المتحدة التي عبّر بعض مسؤوليها عن مفاجأتهم بقرار المجلس العسكري الحاكم في نجامينا ولاسيما وأن الأخيرة لطالما كانت شريكاً رئيسياً للغرب في منطقة الساحل الإفريقي وهو ما يُفسر تعدد التفسيرات التي عمدت إلى محاولة تحليل أسباب القرار الأخير من قبل نجامينا ومن أهم تفسيرات القرار التشادي تنامي النفوذ الروسي في منطقة الساحل فقد ذهبت بعض التقديرات إلى إرجاع الموقف المفاجئ من قبل السلطات التشادية إلى النفوذ الروسي المتنامي في منطقة الساحل الإفريقي إذ ألمح رئيس القيادة الأمريكية في إفريقيا الجنرال مايكل لانجلي إلى أن روسيا تحاول السيطرة على منطقتيْ وسط إفريقيا والساحل بوتيرة متسارعة وذلك خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في مارس 2024.
توجه الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي إتنو إلى موسكو في 23 يناير2024 برفقته وزير الخارجية محمد صالح النظيف وغيره من المسؤولين وذلك استجابة لدعوة من الرئيس بوتن وتعد هذه الزيارة الرمزية خطوة استراتيجية بعيدًا عن العلاقات مع فرنسا .
(6) روســـــيا والـــكــــونـــجــو بـرازافـــيــل :
أكد وزير الخارجية الروسي لابروف في تصريح له في 4 أكتوبر2024 وزير الخارجية الروسي مواصلة روسيا تطوير تعاونها العسكري التقني مع جمهورية الكونجو بهدف تعزيز القدرة الدفاعية لها , وتصريح وزير الخارجية الروسي هذا تزيد أهميته إن وضعناه داخل إطار تصريح سابق لرئيس الكونجو ساسو نجيسوأدلي به في 19 مايو2019 في مقابلة حصرية أجراها معه النائب الأول لمدير عام وكالة “تاس” الإخبارية الروسية ميخائيل جوسمان قال فيه أن روسيا قد تلعب دورا في بناء هياكل أمن جديدة في القارة الإفريقية موضحا “أن روسيا بلد مهم وشريك استراتيجي يمكن أن يلعب دوره في المرحلة التي تبحث فيها إفريقيا عن تعاون في بناء عالم جديد وبنى تحتية جديدة واقتصادات ومنظومة أمن جديدة في المنطقة والشعب الإفريقي يتطلع اليوم إلى تطوير اقتصاده وإثبات نفسه في العالم وقد تحتل روسيا موقعا استراتيجيا في هذه العملية”.
أعلن في أكتوبر 16 أكتوبر2024 أن جمهورية الكونجو برازافيل وهي دولة غنية بالنفط تدرس جدوى إنشاء مصفاة للنفط فهذه المبادرةالتعاونية بين بين برازافيل وروسيا تأتي في إطار الخطة المشتركة لكلا البلدين لإنشاء خط أنابيب نفطي داخل الدولة الكونجولية ويتضمن التعاون أيضًا خططًا لإقامة خط أنابيب نفطي داخل الدولة الكونجولية وفي هذا السياق أكد وزير الهيدروكربونات الكونجولي على إمكانات البلاد في قطاع الغاز وتوليد الطاقة الكهرومائية والطاقة المتجددة حيث وتوجد مؤشرات على وجود شراكة أوسع بين الكونجو وروسيا من المحتمل أن تمتد إلى مجالي الزراعة والسياحة .
تُعد برازافيل واحدة من أقوى حلفاء موسكو في أفريقيا وتحافظ الشركات الروسية على وجودها في قطاع النفط والتعدين والقطاع العسكري في البلاد .
أسباب التراجع الأمريكي :
إن الأسباب المتداولة للتراجع الأمريكي في أفريقيا خاصة علي المدي الزمني البالغ علي الأقل 3عقود كاملة تتمحور في : ثقل الدين العام الأمريكي والتفاوت الاقتصادي والفساد والإنفاق الكثيف على التوسع العسكري (العراق / سوريا / المواجهة مع إيران / أفغانستان / والتمدد العسكري الأمريكي في ربوع العالم كله من خلال إقامة الولايات المتحدة 6 قيادات عسكرية علي أساس جغرافي كان آخرهم القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقياAFRICOM المعلنة في 6 فبراير2007 إضافة إلي 3 قيادات عسكرية أخري وظيفية وكل هذه الأسباب محل نقاش مكثف في أميركا .
تسعى أغلب المناقشات في الولايات المتحدةإلى إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي تعاني منها الولايات المتحدة ويبدو أن هناك عودة إلى استنتاج أولي واحد فأيا ما كانت الطبيعة السياسية للحكومة الأميركية جمهورية أو ديموقراطية فإنها لن تتمكن إلا من إدارة التدهور والتخفيف من آثاره لأن الأسباب أصبحت ضخمة إلى درجة أنه لا يوجد حل في الأفق ويبدو أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو الدين القومي الذي يبلغ 34 تريليون دولار ولأن اقتصاد البلاد يمثل 27.8 تريليون دولار فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي سوف تبلغ 122.30% ثم ترتفع إلى 150% بحلول عام 2028 وفي عام 2000 كانت النسبة 56% وفي عام 1980 بلغت 36% ويبدو أنه لا يمكن توقع حل حقيقي لهذه المشكلة التي تتسم بأبعاد غير قابلة للقياس وعلى هذا فإن تراجع الهيمنة العالمية للولايات المتحدة مُرشح للإستمرار وربما يتوقف قليلاً خلال عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب في عهدته الثانية إذا كان منهجه لتحقيق إنسحاب عسكري أمريكي من بعض نقاط التوتر صحيحاً , خاصة إذا ما أضيف لهذا الإنسحاب إنهاء الحرب وفي أوكرانيا ومساندة الولايات المتحدة البالغة لكييف مُضافاً إلي ذلك تخفيف آخـــر للدعم والمساندة الأمريكية العسكرية المباشرة للكيان الصهيوني في غـزة وجنوب لبــنــان والتي لم تؤت أُكلها بعد .
الـــــنـــــيــــــجـــــــة :
في العامين المنصرمين وبسبب تركيز الإدارة الأمريكية علي حربها الإيدولوجية مع روسيا بعد غزوها لأوكرانيـا في 22 فبراير2022 ثم بسسب حرب غــزة التي إنطلقت في 7 أكتوبر2023خسرت الولايات المتحدة أو كادت نطاقين جغرافيين في منتهي الأهمية : النطاق الأول هو الشرق الأوسط بمفهومه العريض وهو نطاق جغرافي فيه جزء هام من الكتلة السكانية المُسلمة وهذا النطاق الجغرافي فيه جزء هام من الثروة البترولية العالمية ومسارات التجارة العالمية وأهمها مضيق هرمز ومضيق باب المندب ومضيق جبل طارق عريض يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر ويقع جنوب الصحراء الكبرى ويمتد من الشرق إلى الغرب عبر القارة الأفريقية والنطاق الثاني هو منطقة الساحل الأفريقي التي يبلغ عرضها 3860 كيلومترًا وهي منطقة انتقالية بيئية تحدها الصحراء الكبرى من الشمال وبداية السافانا السودانية من الجنوب وفي تعريفها الأساسي تشمل مالي وتشاد وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشمل بعض التعريفات أيضًا شمال شرق نيجيريا والسودان وجامبيا والنيجر والسنغال وهذه المنطقة محط اهتمام أوروبي أيضاً وفي الآونة الأخير ومنذ عام 2020شهدت هذه المنطقة أربعة انقلابات ناجحة وثلاثة انقلابات فاشلة وقد أدى غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022 وتداعياته السياسية والإقتصادية خاصة فرض الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين عقوبات إقتصادية علي روسيا إلى زيادة اهتمام روسيا بمنطقة الساحل لأنها حريصة على الحفاظ على حلفائها في أفريقيا وتعويض الأثر الإقتصادي والسياسي السلبي علي الإقتصاد والموقف السياسي الروسي في العالم وقد دعمت روسيا علانية الأنظمة العسكرية في مالي وبوركينا فاسو ( وهو عين ما يفعله الغرب ولكن بصفة مُستترة مع دول العالم الثالث وخاصة في أفريقيا) وحذرت روسيا من أي تدخل عسكري في النيجرعندما استولى الجيش على السلطة علاوة على ذلك تتعاون مجموعة فاجــنر التي تحولت بعد إغتيال مؤسسها إلي الفيلق الأفريقي الروسي التابع للكرملين عليها روسيا ومن خلالها تدعم روسيا بعض الدول في منطقة الساحل التي مزقت إتفاقياتها مع الفرنسيين والأمريكيين والأوروبيين , وتقدمت روسيا من خلال حيازتها للفيلق الأفريقي لدعم أمن الأنظمة الأفريقية الثائرة علي الإستغلال الإقتصادي والتبعية السياسية للغرب ولا شك أن الأهداف الإقتصادية للصين ولروسيا لها أولوية متقدمة في تحركهما صوب دول القارة الأفريقية فعلى سبيل المثال تمتلك مالي أحد أكبر احتياطيات الليثيوم في العالم وقد استثمرت شركة جانفينج ليثيوم الصينية بكثافة في مالي .
إن هذه الخسائر السياسية والعسكرية والإقتصادية التي منيت بها الولايات المتحدة نالت من هيبتها ومكانتها العالمية سببها الرئيسي هو غــــلبة النزعتين الدينية والإيدولوجية علي نزعة التخطيط العلمي والإستراتيجي البحت من الإدارة الأمريكية ومؤسستي الخارجية والأمن القومي من أجل تحقيق المكانة والهيبة في نفوس الشعب الأمريكي وشعوب العالم بصفة متساوية , فـما حدث مثير للسخرية فالولايات المتحدة التي صدعت رؤوسنا بمبادئ الليبرالية الجديدة قادتها أفكار دينية بالية مــُستخرجة من أساطير إختلقها بنو البشر أياً من كانوا لتبني دعم كيان إستولي بمؤآمرة رخيصة علي أرض ووطن شعب عريق في التاريخ هو شعب فلسطين ودعمتهم ديموقراطيات شـــائـــهة لدول تدعي وقوفها مع حقوق الإنسان وصدرت إلي الشرق ليبرالية شاذة من قواعدها وضع الدين جانباً وذهبت في دعم الكيان الصهيوني بعيداً إلي حد أن وزير خارجية الولايات المتحدة يصرح علناً للصحافة العالمية في أول زيارة دعم للكيان الصهيوني بأنه أتي لإسرائيل كهيودي قبل أن يكون وزير خارجية الولايات المتحدة وتلي هذا مسلسل دعم عسكري وإقتصادي لآلة لحرب الإبادة الإنسانية الصهيونية العمياء وفي نفس الوقت وبجرأة ووقاحة مطلقة تقدم الولايات المتحدة علي قيادة مفاوضات بين كيان الصهاينة الممزق شر ممزق وبين مقاتلي حماس وحزب الله وهي مفاوضات ساذجة لا تليق بدبلوماسية دولة عريقة كالولايات المتحدة فمحورها لم يكن بصفة مُحددة إنهاء الحرب وتسوية القضية بل كان إطلاق سراح الأسري أو المختطفين كما يفضل الإعلامين العربي والعبري وصفهم وبالتالي فلم يكن من الممكن وصفها بالمفاوضات ولكنها وساطة لا أكثر ولا أقل .
هذا الدعم الأمريكي الأعمي للكيان الصهيوني لم يكن لصالح الولايات المتحدة في الواقع وإنما لصالح جماعة الضغط الصهيونية في الولايات المتحدةالامريكية The American Israel Public Affairs Committee إختصاراً IPAC مفرزة السياسيين الأمريكيين الديموقراطيين منهم و الجمهوريين وغيرهم ممن يقودوا المؤسسات والهيئات الأمريكية ومن الطبيعي أن يؤدي الدعم الأمريكي الخاضع لسلطة IPAC إلي ممارسة الجيش الصهيوني لحرب الإبادة الإنسانية التي بسببها قدمت دولة جنوب أفريقيا دعوي ضد الكيان الصهيوني لدي محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر 2023 تتهم فيها إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعيّة في قطاع غزة بعد اندلاع الحرب الفلسطينيّة الإسرائيليّة عقب طوفان الأقصي في 7 أكتوبر2023 وسقوط الآلاف من الضحايا بسبب القصف الإسرائيلي وأعمال التهجير القسري للفلسطينيين من بيوتهم ومع ذلك ظلت الدبلوماسية والبنتاجون الأمريكي علي غيه في دعم آلة الحرب الصهيونية مما أضر ضرراً بالغاً بل مُدمراً لمكانة الولايات المتحدة في العالم وأفريقيا علي نحو خاص فالأفارقة رأوا في الولايات المتحدة دولة عدوان ولا يمكن أن تكون في نفس الوقت دولة تسعي للتعاون البرئ خاصة وأن الشعوب الأفريقية كلها بدون إستثناء ذاقوا الأمرين من عدوان القدامي أعضاء نادي المستعمرين فرنسا وبريطانيا والبرتغال وإسبانيا وألمانيا وهم من ينحدر منهم أغلب الشعب الأمريكي وبالتالي فهذه الصورة القاتمة للإدارة الأمريكطية وهي تدعم العدوان والإبادة الصهيونية نفرت الدول الأفريقية من مواصلة التعاون مع الولايات المتحدة طبعاً بالإضافة لأسباب سلبية أخري مما حدا بقادة النيجر وتشاد لطرد العسكرية الأمريكية وشجع دول أخري كغينيا الإستوائية وساوتومي وبرنسيب لمد أيديهم لروسيا والصين وأعتقد أن هذا الإتجاه سيستمر وسيمتد لدول أخري عديدة بالقارة الأفريقية فلم تعد للولايات المتحدة وهي تدعم عدوان آثـــم جرمته محكمة العدل الدولية وجرمته جماهيير الشباب الأمريكي والأوروبي أصحاب المصلحة في المستقبل .
غـــاية القول أن حربي غـــزة وجـــنـــوب لـــبـــنــان ألــقـتا بالولايات المتحدة والكيان الـــصــهــيــوني مــعــاً في بحـر لــجي أمواجه مُـــتـــلاطــمــة كــالـــطــود الـعـظـيم ولن تنجو الولايات المتحدة ما لم تسبح بعيداً عن قوة الــشــر الـوحـــيدة في عـالـمـنـا : الكـيـان الـصـهـيـوني وتلــوذ بمكان آخر آمـــن وهو أمر مُستبعد في المستقبل المنظور فالإدارة الأمريكية ليست خالصة للشعب الأمريكي ومعظم مراكز العصف الذهني الأمريكية ملوثة بجراثيم الفكر الصهيوني وأدوات الولايات المتحدة للعمل والإتصال الخارجي وأهمها قانون الفرصة والنمو الأفريقي AGOA ووكالة التنمية الدولية USAID ومؤسستي بريتون وودز البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والسفارات الأمريكية مازالت تحت تأثير صهيوني أو إمبريالي بالمعني السيئ للكلمة .