حامد عبد الحسين الجبوري
مرَ العراق سابقاً ويمُر في الوقت الحاضر بالتحول ذو الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكنتيجة لغياب إدارة هذا التحول ظل غياب الاستقرار العام وتفاقم الخسائر هما السمة الملازمة في مسيرته من السابق ولحد الآن.
ما المقصود من إدارة التحول؟
المقصود من إدارة التحول، هو عدم ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام الانتقال من نظام لآخر، أياً كان نوع هذا النظام، سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً أم غيرها، دون إن يكون هناك إطار عام لإدارة هذا التحول بشكل مدروس بعيداً عن عشوائية التحول، من أجل ضمان عدم انفلات ذلك الانتقال بشكل مطلق وتحقيق التحول السليم في النهاية بعيداً الآثار السلبية المتمثلة بغياب الاستقرار العام وتفاقم الخسائر.
شهدَ العراق تحولات عديدة وفي أوقات مختلفة على مدى التأريخ ولكن لم يُكتب لها النجاح، وذلك لغياب التحول الثقافي من جانب وغياب أولوية التحول من جانب ثانٍ وغياب أسلوب التحول المناسب من جانب ثالث، هذه الجوانب كانت نتيجة لغياب الإطار العام لإدارة التحول بشكل عام والتحولات القطاعية-ثقافية، سياسية، اقتصادية-بشكل خاص.
غياب الإطار العام لإدارة التحول
فلو كان الإطار العام لإدارة التحول موجوداً وفعّالاً منُذُ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، لما حصل ما حصل من غياب استقرار وتفاقم الخسائر أو على أقل تقدير، كان الاستقرار العام أفضل والخسائر أقل، منذ التأسيس ولحد الوقت الحاضر ولكن بسبب غياب الإطار العام لإدارة التحول، كانت مسيرة العراق حافلة بالأزمات الداخلية والخارجية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
غياب التحول الثقافي
حيث لم يتم العمل على إعادة إنتاج المجتمع العراقي ثقافياً، بعد تأسيس الدولة عام 1921 وبعد انتهاء الانتداب البريطاني 1932 والاستبداد الداخلي عام 2003، من خلال تحرير المجتمع من ثقافة العبودية، التي خلفها الاحتلال الأجنبي، الذي دام أكثر من أربعة قرون، والاستبداد الداخلي الذي استمر أكثر من أربعة عقود، وإحلال محلها ثقافة الحرية، مما يعني استمرار ثقافة العبودية في القاعدة، حتى لو تم انقشاع الاحتلال الأجنبي والاستبداد الداخلي، لسبب وآخر، من رأس الهرم!
إذ إن دور الاستبداد الداخلي جاء مكملاً لدور الاحتلال الأجنبي، ليكون دوراً واحداً ألا وهو تجهيل المجتمع ولمدة زمنية طويلة مما أدى لتكريس ثقافة العبودية في القاعدة، أجيال وأجيال، بحيث أصبح المجتمع لا يعرف معناً للحرية والاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية لتقرير المصير الذي يُريد، فانقضاء الاحتلال الأجنبي والاستبداد الداخلي لا يعني انتهاء ثقافة العبودية ما دامت إنها متجذّرة في المجتمع، ولذا لم يُكتب النجاح للحكم الديمقراطي بعد عام 1921و1932 وبعد عام 2003.
غياب أولوية التحول
بمعنى عدم وجود رؤية واضحة من أين يبدأ التحول وإلى أين ينتهي، وما هي القطاعات التي ينبغي أن تحتل المرتبة الأولى ثم الأخرى فالأخرى، ففي الوقت الذي ينبغي أن يتم التركيز على التحول الثقافي الذي تمت الإشارة إليه أعلاه، راح جُل الاهتمام يتركز على التحول السياسي والاقتصادي، بعد عام 1921 وبعد عام 2003 وبشكل عشوائي دون وجود أي خطة واضحة لهذا التحول، فكانت النتيجة تعثر التحول السياسي والاقتصادي.
حيث أسهم غياب أولوية التحول، في جعل الفوضى هي سيدة الموقف سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وجعل المجتمع في وادٍ والحكومة في وادٍ آخر، منُذُ التأسيس ولحد الآن، فلم تعمل الحكومات العراقية وفقاً لما يستحقه المجتمع مقارنة بالثروات التي يمتلكها، بل كانت تتمتع بتلك الثروات وتتصرف بها وفقاً لأهوائها ورغباتها، بعيداً عن خدمة المجتمع ورفاهيته، وهذه نتيجة طبيعية منسجمة مع ثقافة العبودية لدى المجتمع.
غياب أسلوب التحول المناسب
رافق غياب التحول الثقافي وأولوية التحول، غياب أسلوب التحول المناسب الذي يستطيع أن يتلافى الافرازات السلبية، حيث تم اعتماد أسلوب الصدمة خصوصاً بعد عام 2003 وبشكل مزدوج، سياسياً، من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، واقتصادياً، من الاشتراكية إلى الرأسمالية، بعيداً عن التدرج في التحول.
ولّد أسلوب الصدمة المزدوجة الكثير من المشاكل، ابتداءً من الاحتلال الأمريكي وانهيار مؤسسات الدولة ومروراً بالصراعات الطائفية والانفلات الأمني وانتهاءً بالأزمة المزدوجة، داعش والنفط، عام 2014، والأزمة الثلاثية سياسياً، عدم الاتفاق على رئيس وزراء يقود العراق إلى بر الأمان، وصحياً، حيث انتشر فيروس كورنا الذي لا تزال إصاباته بالارتفاع، ومالياً، كنتيجة لانخفاض أسعار النفط إلى ما دون 30 دولار للبرميل الواحد في عام 2020.
أفرزت هذه المشاكل الكثير من الآثار السلبية، كسوء بيئة الأعمال وتفاقم الفساد وزيادة البطالة والفقر والانتحار والطلاق والعنوسة وارتفاع حجم الفئات الهشة وانتشار المخدرات بين صفوف الشباب وازدياد الهجرة نحو الخارج وغيرها من المشاكل التي ستستمر ما لم توضع خطة عامة لتدارك الأمر.
استنتاج ومقترح
إن تلك المشاكل والآثار السلبية، ما هي إلا دليل على غياب الاستقرار العام، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتفاقم الخسائر المادية والبشرية والطبيعية، وما غياب الاستقرار العام وتفاقم الخسائر إلا دليل على غياب الإطار العام لإدارة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل هناك عشوائية واضحة في التحولات التاريخية والحالية، لأسباب تتعلق بالتحول الثقافي وأولوية التحول وأسلوب التحول.
ومن أجل تصحيح المسار ووضع الخطى بالاتجاه الصحيح وإنهاء عشوائية التحول، لا بُد من العمل على وضع إطار عام لإدارة التحول في العراق، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويكون التحول الثقافي من خلال تحرير المجتمع من ثقافة العبودية وإحلال محلها ثقافة الحرية، في مقدمة تلك التحولات لضمان تحقيق التحولات الأخرى بشكل سلس بعيداً عن التعقيد لاكتساب الوقت ولتلافي المشاكل والخسائر وتحقيق الاستقرار العام أخيراً.
رابط المصدر: