دلال العكيلي
“القروض قد تترك البلد المستهدفة في بعض الأحيان فقيرة كما كانت من قبل، لكن مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراءً”، كانت تلك العبارة التي خلص إليها عالم الاقتصاد ميشيل تشوسودوفيسكي بشان تجارب الدول مع القروض، لكن رغم كلّ تجارب إفقار الدول بالديون، تصرّ دول نامية على خوض غمار نفس التجربة التي لن تطرح نتائج جديدة في النهاية، سوى مزيد من الإفقار لعموم الشعب، ووحل اقتصادي للأجيال القادمة.
الكثير يتسائل عن سبب وجود ديون كبيرة على دولة غنية واقتصادها كبير مثل اليابان او امريكا؟ ويصف البعض ما تقوم به الصين باللعبة الخطرة التي تمارسها مع الدول المديونة لها، على مدار العقد الماضي، حرصت الصين على إغراء دول تعاني من أزمات اقتصادية أو تتصف بكثافة سكانية عالية، وفي سبيل ذلك، عملت على إبرام اتفاقيات تجارية عبر بحر الصين الجنوبي وآسيا الوسطى، سعياً لبسط نفوذها في إفريقيا والشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا، لكن بوسيلة أخرى استطاعت بكين أن تنفذ إلى قلب الدول الأكثر احتياجًا، عن طريق إثقال كاهلها بالديون، متفوقةً في ذلك على المؤسسات الدولية المانحة للقروض، وفي هذا السياق أشار مركز “AIDDATA” العالمي للبيانات الاقتصادية إلى أن القروض المالية التي قدمتها الصين للدول الأخرى بين عامي 2014 و2017 فاقت بكثير القروض الأمريكية في نفس الفترة.
ما سر فخ الديون الصينية؟
إن أكثر ما تفوَّق فيه قادةُ الصين على أنفسهم هو استخدام الأدوات الاقتصادية لتعزيز المصالح الجيوستراتيجية لبلادهم، فمن خلال مبادرة “حزامٌ واحدٌ- طريقٌ واحدٌ” التي تكلفت تريليون دولار، تدعم الصين مشاريع البنية التحتية في الدول النامية ذات الموقع الإستراتيجي، وذلك غالبًا عن طريق تقديم قروضٍ ضخمةٍ إلى حكومات تلك الدول، وبالتالي تقع تلك الدول في فخ الديون مما يجعلها عُرضة للوقوع تحت نفوذ الصين، ومما لا شك فيه أن تقديم القروض من أجل مشاريع البنية التحتية ليس بالأمر السيئ في حد ذاته، ولكن المشاريع التي تدعمها الصين لا تهدُف عادةً إلى دعم الاقتصاد المحلي، وإنما تستهدف تيسير وصول الصين إلى الموارد الطبيعية أو فتح الأسواق لإستقبال البضائع الصينية رديئة الصنع منخفضة التكلفة بل في كثيرٍ من الأحوال، تُرسل الصين عمال البناء من أبنائها مما يقلل من عدد فرص العمل المحلية التي يخلقها المشروع.
وتستنزف حاليًا العديد من المشاريع التي أُنجزَت المال؛ فعلى سبيل المثال وُصِف مطار متالا راجابسكا الدولي بسريلانكا –الذي افتُتح عام 2013 بالقرب من هامبنتوتا- بأنه أكثر المطارات فراغًا من الركاب على مستوى العالم، وعلى نحوٍ مماثلٍ تعد حركة ميناء ماهيندا راجابسكا بهامبنتوتا ضعيفة إلى حدٍ كبيرٍ كما هو الحال مع ميناء جوادر الذي تكلف مليارات الدولارات في باكستان، ورغم ذلك، تعمل تلك المشاريع بما يتوافق تمامًا مع مصالح الصين؛ حيث رست الغواصات الهجومية الصينية في موانئ سريلانكا مرتين، كما دفعت الصين بسفينتين حربيتين مؤخرا لتأمين ميناء جوادر الباكستاني.
الإمبريالية الصينية
قررت الصين إقراض أفريقيا 60 مليار دولار، وذلك فى منتدى التعاون الصينى الأفريقى الذى عقد فى بيكين، حيث اجتمع الرئيس شى جين بينج مع العشرات من قادة القارة الأفريقية، ولكن القضية الكبرى التى كانت الصحافة الغربية قد تناولتها لم تكن التنمية الاقتصادية ولا مؤشرات الفقر ولا مشكلة الإرهاب، كان السؤال الذى طرحته هو: هل تحاول الصين تطويق أفريقيا من خلال تقديم قروض ضخمة لها قد لا تتمكن من سدادها؟ وهل تفعل ذلك من أجل المقايضة على توسيع قوتها العسكرية فى مقابل التسامح أمام تلك الديون؟ أو لكى تفرض سيطرتها على موارد هذه القارة؟
وقبل الإجابة على تلك الأسئلة سيكون من الأفضل صياغتها بشكل آخر: لماذا أخذ موضوع فخ الديون هذه الضجة بشكل كبير إعلاميًا؟ فقد تم تخصيص أحد الموانئ فى سريلانكا لإحدى الشركات الصينية بعقد امتياز لمدة تصل إلى 99 عامًا، وذلك فى مقابل تخفيض ديونها، وعلى الجانب الآخر هناك عودة الديكتاتور السابق مهاتير محمد إلى السلطة، وتعد حالة ميناء سريلانكا “هامبانتونا” المثال الرئيس لانتقاد السياسة الخارجية الاقتصادية للصين تجاه الدول النامية، فقد قام رئيس الحكومة السابق ماهيندا راجاباكشا بالحصول على عدة قروض من الصين لبناء البنية التحتية، لتتعثر بعد ذلك فى تسديد الحد الأدنى من الفائدة، وقد تغيرت الحكومة السريلانكية عقب إجراء انتخابات، وحاولت الحكومة الجديدة التفاوض بشأن الديون الضخمة التى ورثتها عن سابقتها وفى النهاية تمكنت من تقليلها من خلال منحه للشركة الصينية.
إن حالتى سريلانكا وماليزيا ماهى إلا خطاب جديد ضد الاستثمارات والقروض الصينية التى تمنحها للدول النامية، وكأنها طاغوت اقتصادى يلتهم ضحاياه، وعلى الرغم من أن بعض المحللين كانوا قد أشاروا إلى أن الدول الصغيرة عادة ما تكون مدركة جيدًا لكيفية استخدام الجغرافيا السياسية والقوى العظمى لصالحها، وهناك شىء واضح لا يتم ذكره كثيرًا: وهو أن كل هذه الدول هى دول ذات سيادة، وقد اختارت بحرية تامة قنوات التمويل الخاصة بها، سواء كان ذلك مع الصين أو مع صندوق النقد الدولى أو مع الدول الغربية، وذلك بدءًا من آسيا الوسطى مرورًا بدول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا والعديد من الدول الأخرى المستقبلة للأموال الصينية، والتى تنظر إليها بكين على أنها خطوة مهمة فى خطة الهيمنة العسكرية والسياسية، فالضعف الاقتصادى والسياسى يعد مكسبًا لها، حيث يمكنها من فرض السيطرة على تلك الدول.
والمشكلة هى أنه إذا تصرف العملاق الآسيوى بهذا الشكل، فإن هذا سيكون ضد مصالحها، فهناك العديد من الحالات التى يظهر فيها ضعف الدول الدائنة للصين، وهو الأمر الذى يعرضها للمخاطر: وأكبر مثال على ذلك هو فنزويلا، حيث أن هناك استثمارات صينية ضخمة فى بلد يعد من أكبر الدول المنتجة للنفط، لكنه أصبح الآن معرضًا للخطر بسبب الأزمة الوطنية التى تشهدها البلاد، فالصين لم تستفد من الوضع، ولكن العكس هو الصحيح، والاستراتيجية التى أشار إليها المحللون باعتبارها المسئول الرئيسى عن توسيع النفوذ من خلال مصيدة الديون، ليست إلا “طريق الحرير الجديد” الذى يعتبر خطة لإنشاء بنية تحتية وشبكة اتصالات تجارية تعمل على ربط الصين مع بقية دول أوراسيا، والكثير من الدول المشاركة فى هذا المشروع الاقتصادى لديها مشكلات فى الديون بشكل كبير مع العملاق الآسيوى، فهناك 68 دولة منهم ثمانى دول فقط لديها مديونية عالية، والمثير للاهتمام هو أن سريلانكا وماليزيا ليست من ضمنهم وبشكل عام أشارت إحدى الدراسات إلى أن الاستراتيجية التى تتبعها الصين لا تخلق مشكلة فى الديون الإقليمية، فهى تتعامل بانضباط وترابط فى مشروعاتها.
هجوم الصين الناعم على إفريقيا
ظلّت القارة الإفريقية منذ العقود التي تلت الاستقلال تعاني من ضعف البنية التحتية وعدم الاستقرار السياسي وانخفاض الدخل، رغم ما يتوفر في القارة من موارد مثل النفط والغاز والأحجار الكريمة والمعادن الأرضية النادرة، وفي حين حولت البرازيل والهند والصين وغيرها من “الأسواق الناشئة” اقتصاداتها في الأعوام الماضية، بقيت موارد إفريقيا تشدّها إلى الأسفل، وتستأثر إفريقيا بحوالي 30 في المائة من احتياطيات العالم من الهيدروكربونات والمعادن، ويمثل سكانها 14% من سكان العالم، إلا أنّ نصيبها من التصنيع العالمي يسجّل أرقاماً ضيئلة للغاية.
هذا ما جعل إفريقيا على قمة أجندة بكين الاقتصادية التي توصف بالطموحة، فقد أرسل القادة الصينيون وفوداً تجارية إلى كل العواصم الإفريقية سنة تلو الأخرى وقام هؤلاء المندوبون بالاستحواذ على مشاريع البنية التحتية والصفقات التجارية المختلفة، في محاولة توصف بأنها ترمي إلى تحويل إفريقيا إلى “قارة صينية” أخرى، وفي عام 2015 بلغت التجارة بين الصين وإفريقيا ما يقرب من 300 مليار دولار، في حين بلغت الشركات الصينية في إفريقيا عام 2017 أكثر من 10000 شركة مملوكة للصين تعمل في أنحاء القارة، حسب تقرير لشركة McKinsey & Compan.
وفي عام 2009، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وذلك باستيراد الشركات الصينية المزيد من السلع الإفريقية وفي الوقت نفسه، تُشَكِّل السلع المصنعة في الصين أكثر من 80 في المئة من صادرات الصين إلى إفريقيا ولكن مع تباطؤ الطلب على هذه السلع، اتسع عجز إفريقيا التجاري مع الصين بل كان هذا العجز في عام 2016 يعادل عجز أفريقيا التجاري مع بقية العالم.
في اجتماع المنتدى الأخير العام 2018، تعهَّد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” بتقديم 60 مليار دولار من المِنَح والقروض لإفريقيا، كما أعاد الرئيس الصيني شي جي بينغ التأكيد للقادة الأفارقة بالتزام بلاده بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول القارة، وهو ما يقابله الزعماء الأفارقة في العادة بتصفيق حارّ من قارة عانت كثيراً من الاستعمار الغربي ومن قروض البنك الدولي المشروطة، وتروج الصين بشكل روتيني ودائم لاستثماراتها وعلاقتها التجارية مع إفريقيا باعتبارها حالة “مربحة لكلا الجانبين”، على النقيض من السياسات الغربية الاستغلالية لكن تتزايد رغبة الحكومات والشركات الأفريقية، المتلهفة للصناديق الصينية، في قمع أو مراقبة وجهات النظر التي لا تحبها بكين، ويتزايد النفوذ الصيني في وسائل الإعلام والأكاديميات والدبلوماسية الإفريقية.
مخاوف من الاستثمار الصيني
يرى البعض أنّ الشركات الصينية تحاول تحويل إفريقيا إلى قارة صينية أخرى هذا هو رأي العديد من السياسيين الأفارقة كان السياسي الزامبي مايكل ساتا واحداً منهم على الأقل قبل انتخابه رئيساً لزامبيا في عام 2011 وكتب ورقة نشرتها جامعة هارفارد في عام 2007 قال فيها “الاستغلال الأوروبي الاستعماري بالمقارنة بالاستغلال الصيني الحالي يبدو على نفس القدر من السوء، هَدَفَ الاستعمار الأوروبي للاستفادة من بناء خدمات البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية بموارد إفريقية، ويركز الاستثمار الصيني من جانبه على تعصير الموارد الأولية عن إفريقيا والاِغْتِنَاءِ منها، دون أي اعتبار لرفاهية السكان المحليين”.
تبذل بكين جهوداً حثيثة لاختراق وسائل الإعلام الإفريقية لقد جلبت في الأعوام الماضية المئات من الصحفيين الأفارقة إلى الصين من أجل “جولات دراسية” مدفوعة التكاليف بالكامل والتي يتم فيها نشر وجهات نظر الحكومة وأطلقت في عام 2015 برنامجاً لتوفير “التدريب” لـ 1000 من الإعلاميين الأفارقة سنوياً وبدأت في تزويد آلاف القرى الإفريقية بخدمات تلفزيونية فضائية مملوكة للصينيين، وتضم مجموعة من القنوات الإخبارية والترفيهية الصينية.
وأنفقت الصين مئات الملايين من الدولارات لإنشاء فروع إفريقية للقنوات التلفزيونية المملوكة للدولة والصحف الصينية كما استثمرت الصين مباشرة في شركات الإعلام الإفريقية ففي عام 2013، على سبيل المثال، اشترت وكالات الدولة الصينية 20 في المائة من شركةIndependent Media ، وهي أكبر سلسلة صحف في جنوب إفريقيا، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصحف في هذه السلسلة تتبنى موقفاً موالياً لبكين على نحو متزايد في مقالاتها حول الرأي وغدت أقل تسامحاً مع فكرة انتقاد الصين.
ديون امريكا المستحقة للصين تبلغ تريليون دولار
الولايات المتحدة مدينة للصين بأكثر من تريليون دولار، ويمكن لـ”شي” أن يوجه ضربة قاسية للاقتصاد الأمريكي عن طريق بيع الحيازات الصينية من سندات الخزانة الأمريكية، لكن المشكلة مع الخيار النووي هو أنه لا يعني فعلياً استعماله، لأنه إذا استخدم لا يوجد فائزون، فالصين بالتأكيد يمكنها أن تسبب أضراراً هائلة للولايات المتحدة، ولكن ذلك سيتم فقط من خلال تدميرها لنفسها، في الواقع العلاقات الأمريكية الصينية ينطبق عليها المثال الكلاسيكي الشهير القائل: إذا كنت مدينا للبنك بألف دولار، فلديك مشكلة، وإن كنت مدينا بتريليون دولار، فالبنك هو من لديه مشكلة.
يقول “براين ديفيدسون” من شركة الاستشارات الأمريكية ” Fathom consultancy ” إن القيادة الصينية حريصة على تجنب الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي من المؤكد أن تصاحب حربها التجارية مع الولايات المتحدة، يُظهِر إصرار بكين على تمويل الاستثمار في مشاريع غير مربحة حرصها الشديد على تجنب الارتفاع الحاد في معدل البطالة، الصين تعتمد على الولايات المتحدة بطريقة لا تعتمد بها الأخيرة عليها، حيث إن ما يقرب 4% من الناتج المحلي الإجمالي للصين يعتمد على صادراتها المباشرة إلى الولايات المتحدة، في حين أن نفس البند لا تتجاوز نسبته 1% بالنسبة للولايات المتحدة.
هناك العديد من الدول التي يمكن أن تزود الولايات المتحدة بالسلع المصنعة التي تحصل عليها من الصين، بيد أن بكين سوف تواجه مشكلة حقيقية أثناء محاولتها العثور على سوق بديل عن الولايات المتحدة تصدر إليه منتجاتها، عبر “ترامب” أكثر من مرة وفي كثير من الأحيان بشكل عدواني عن عدم رضاه عن الطريقة التي تدير بها الصين تجارتها الخارجية، ووفقاً لـ” ديفيدسون” فإن الرئيس الأمريكي ربما يكون معه بعض الحق في ذلك.
الموقف الأمريكي في المفاوضات التجارية مع الصين يعززه القانون التجاري الدولي وانتهاك الصين المنتظم لقواعد منظمة التجارة العالمية، لذلك قد يوجد أمام واشنطن مجال لرفع دعاوى ضد بكين والفوز بها، يأمل “شي” أن يتراجع “ترامب” عن موقفه الحاد تجاه بكين والذي اعتمده خلال حملته الانتخابية، وفي سعيه إلى إقناعه بذلك وصل إلى منتجع “مار إيه لاجو” حاملاً وعودا غامضة بشأن الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة.
لكن ذلك لن يكون كافياً بالنسبة لـ”ترامب” الذي اتخذ مؤخراً عدة إجراءات بشأن العجز التجاري بين بلاده والصين البالغة قيمته 350 مليار دولار سنوياً، في الوقت الذي كانت فيه العلاقات التجاية مع بكين العمود الرئيسي لحملته الانتخابية، بكين تدرس منذ فترة خياراتها لمنع “ترامب” من فرض تعريفة جمركية على صادراتها إلى السوق الأمريكي تصل نسبتها إلى 45%، وربما يقوم “شي” بإزالة الحواجز التي تجعل من الصعب على الشركات التكنولوجية الأمريكية التصدير إلى الصين.
لكن حتى إذا قامت الصين بذلك، لا يزال يوجد هناك احتمال غير ضئيل أن تعتمد الولايات المتحدة بعض السياسات الحمائية في قطاعات – مثل الصلب – التي تمثل أهمية سياسية بالنسبة لبكينن كل هذا يعني ببساطة أن الرجل المقيم حالياً في 1600 شارع بنسلفانيا (البيت الأبيض) تعلم من أحد أسلافه، وتحديداً “تيدي روزفلت” أن يتكلم بهدوء ويحمل في يده عصا كبيرة.
كشف تقرير لصندوق البنك الدولي بأن الصين تمنح قروضًا مالية للدول الأخرى خصوصًا النامية تفوق كثيرًا ما تقدمه أمريكا في هذا المجال، إذ وصل مجموع القروض التي قدمتها الصين لدول أخرى بين عامي 2014 و2017 إلى أكثر من 394.6 مليار دولار في حين وصل مجموع القروض الأمريكية خلال نفس المدة إلى 354.3 مليار دولار.
مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية علقت بأن الصين مستمرة في إقراضها الدول النامية، الأمر الذي دفع محللين إلى التحذير من مصائر الدول الصغيرة التي تقترض أكثر ما تستطيع تسديده، والفرص الإستراتيجية التي تنفتح أمام الصين نتيجة لذلك، ويرجع تفوق الصين إلى حصولها على فوائد مالية من تسديد هذه القروض تتراوح بين 10 و15% خلال خمس سنوات، بينما تصل الفوائد التي تفرضها أمريكا على قروضها إلى الدول الأخرى أكثر من 25%، وهذا الأمر بحد ذاته شجع الدول المختلفة للتوجه نحو الاقتراض من الصين بدلاً من أمريكا في السنوات الأربعة الأخيرة.
الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي
في تقرير حديث، اعتبر كبير الاقتصاديين في وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، مارك زاندي، أن ديون الشركات في الصين تمثل “الخطر الأكبر” على الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة وخاصة خلال عام 2020.
وقال إن ديون الشركات الصينية أكبر خطر أمام الاقتصاد العالمي حالياً، مع حقيقة أنها تنمو بسرعة كبيرة. مشيراً إلى أن العديد من الشركات الصينية تعاني للتعامل مع التباطؤ الاقتصادي في البلاد، بفعل أزمات التجارة وعوامل أخرى.
وخلال الأسبوع الماضي، ذكر تقرير لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، أن الشركات الخاصة في الصين تعثرت في سداد ديونها بوتيرة قياسية هذا العام. مشيراً إلى أن 4.9% من الشركات الخاصة الصينية تعثرت في سداد ديونها المقومة بالعملة المحلية (اليوان) في أول 11 شهراً من العام الحالي وهو مستوى قياسي مرتفع، مقارنة بنحو 0.6% خلال عام 2014.
وخلال العام الحالي، شهدت الصين أدنى معدل نمو اقتصادي في أكثر من 27 عاماً، وسط الخلاف التجاري مع الولايات المتحدة وتراجع الطلب العالمي مع تباطؤ النمو في عدد من الاقتصادات الكبرى والنامية.
إلى أي حد قفزت الديون الخارجية للصين؟
البيانات والأرقام الرسمية، تشير إلى أن إجمالي ديون الصين قفزت إلى 310% من ناتجها المحلي الإجمالي حتى منتصف يوليو (تموز) الماضي، أو ما يعادل 15% من إجمالي الديون العالمية بالمقارنة مع أكثر من 303% مع نهاية الربع الأول من هذا العام، ارتفاعا من حوالى 297% من ناتجها المحلي الإجمالي في نهاية الربع الأول من العام الماضي.
وأشارت بيانات معهد التمويل الدولي، إلى ارتفاع إجمالي ديون الصين إلى أكثر من 40 تريليون دولار، بما يشكل نحو 15% من الديون العالمية. وزادت ديون حكومة الصين من 47.4% خلال الربع الأول من العام 2018 إلى 51% من ناتجها المحلي الإجمالي الربع الأول من العام الحالي.
وأشارت البيانات إلى ارتفاع ديون الأسر في الصين من 49.7% إلى 54% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة نفسها. وزادت إصدارات السندات داخل الصين مما أدى إلى زيادة كبيرة في اقتراض الحكومات والبنوك المحلية هذا العام.
في الوقت نفسه، تباطأ نمو اقتصاد الصين إلى 6.2% خلال الربع الثاني من العام الحالي في أضعف وتيرة منذ ما لا يقل عن 27 عاما. ويرجع هذا الانخفاض إلى فتور الطلب في الداخل والخارج في مواجهة تزايد الضغوط التجارية الأميركية التي رفعت الرسوم الجمركية.
ومع استمرار اعتماد الحكومة الصينية على إصدار سندات حكومية في إطار محاولاتها لسد العجز الضخم، ليبلغ إجمالي صافي إصدارات سندات الحكومات المحلية نحو 2.1765 تريليون يوان (316.5 مليار دولار) في منتصف شهر يوليو الماضي، وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من استمرار ارتفاعها، لكن الحكومة الصينية ترى أن مخاطر الديون قابلة للسيطرة بصفة عامة.
خسائر عنيفة بسبب الحرب مع الولايات المتحدة
حتى الآن ومع استمرار الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، فإن الأرقام الرسمية تشير إلى أن خسائر الصين كبيرة مقارنة بالخسائر التي تتكبدها الولايات المتحدة الأميركية جراء الحرب الدائرة بينهما، حيث أشار البيانات إلى تراجع الأرقام الخاصة بالتجارة الخارجية للصين خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي.
وتراجعت صادرات الصين بنسبة 1.3% خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي مقارنة بالأرقام المحققة في نفس الفترة من العام الماضي، وهو ما يرجع إلى فرض رسوم جمركية جديدة على منتجات صينية تصدر إلى الولايات المتحدة. وخلال الفترة نفسها، واصلت الواردات انخفاضها بنسبة 7.3% على مدى عام.
وفي مذكرة بحثية سابقة، اعتبرت وكالة “كابيتال ايكونوميكس” للدراسات، أن “انكماش الصادرات نحو الولايات المتحدة تصاعد الشهر الماضي” نتيجة الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة. وفي ظل تصاعد التوتر التجاري مع بكين قررت واشنطن في مايو (أيار) زيادة الرسوم الجمركية من 10 إلى 25% على واردات بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار سنويا.
وردت الصين في الأول من يونيو الماضي بفرض رسوم جمركية مشددة على أكثر من 5 آلاف سلعة أميركية. وتمثّل الصادرات أحد أعمدة اقتصاد العملاق الصيني، الذي واجه في يونيو الماضي هبوطاً في الطلب الداخلي.
الوكالة حذرت من أن “تباطؤاً جديداً في الطلب الداخلي سيؤثر على حجم الواردات لبقية العام”، مشيرة إلى أن المخاطر تحيط بالاقتصاد الصيني طالما استمرت الحرب التجارية مع واشنطن التي تصر على تمرير اتفاق تجاري مع بكين ولكن بما يخدم مصالحها وصادراتها الخارجية.
رابط المصدر: