بانتهاء دورة الألعاب الأوليمبية بباريس، تنتهى أيضا «الهدنة الأوليمبية والسياسية» التى دعا لها الرئيس الفرنسى للخروج، ولو لوقت قصير، من المأزق السياسى الكبير الذى أثاره بحله الجمعية الوطنية.
بدافع عدم التشويش على الألعاب الأوليمبية، التى تحتضنها فرنسا لأول مرة منذ 100 عام، حث ماكرون الفرنسيين على وضع خلافاتهم جانبا، الى حين إسدال الستار عليها. ربما كان ماكرون يبحث عن المزيد من الوقت، او كان يأمل ان يُنسى نجاح الدورة، ونتائج فرنسا الجيدة فيها، الفرنسيين نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها، التى اعتبرها العديد مقامرة سياسية وقرارا هو الأسوأ خلال الولايتين الرئاسيتين لماكرون. او يمكن ان ينسيهم أن حكومة بلادهم مستقيلة منذ أسابيع بعد خسارة معسكر الرئاسة (168 نائبا)، وتصدر الأغلبية للجبهة الشعبية الجديدة (الحزب الاشتراكى والشيوعى وحزب فرنسا الأبية والخضر) بمجموع 193 نائبا.
بعد توقف دام أزيد من أسبوعين، تستعد الأوساط السياسية فى فرنسا لاستئناف معركة اختيار رئيس الوزراء ومفاوضات تشكيل حكومة جديدة، فى وقت لا تتفق فيه الأحزاب المختلفة على ملف سياسى واحد. ومن المرتقب أن يجد الرئيس الفرنسى نفسه تحت الضغط لدفعه لتنفيذ وعده بتعيين رئيس الوزراء، بحلول منتصف أغسطس. هذه المرة لن يجد حجة حقيقية لتفسير تأخره، خاصة أن فرنسا على بعد أيام من إقرار الموازنة.
لم ينتظر حلف اليسار والخضر نهاية الهدنة الأوليمبية لفتح النار على ماكرون، معتبرين ان رئيس فرنسا لا يأخذ بعين الاعتبار قواعد اللعبة الديمقراطية والتغير الذى جرى فى موازين القوى السياسية فى البلاد بعد الانتخابات الأخيرة. وان الأمور بقيت على حالها بغض النظر عن النتائج، إذ، وفق الواقع الحالى ماكرون فى قصر الإليزيه، وغبريال أتال، رئيس الحكومة المستقيل، لايزال فى قصر ماتينيون، والوزراء المستقيلون لا يزالون فى وزاراتهم، بينما اعيد انتخاب رئيسة مجلس النواب لولاية جديدة بفضل التحالف بين معسكر ماكرون واليمين التقليدي. للخروج من حالة الجمود، كشفت الجبهة الشعبية النقاب، أخيرا، عن مرشحتها لرئاسة الحكومة الفرنسية. هى لوسى كاتستس، 37 عاما، مثلية، وتشغل منصب المديرة المالية لبلدية باريس. وقد بدأت بالفعل فى التعريف بنفسها وبقدراتها لنيل منصب رئيسة الوزراء، فى وقت يرى بعض المعارضين لترشحها ان سيرتها الذاتية جيدة من حيث الشهادات العالية لكن مشوارها المهنى يعتبر عاديا جدا ووزنها السياسى غير مؤثر. ويرى ماكرون، الذى يملك السلطة دستوريا لتعيين رئيس الحكومة، أن الجمعية الوطنية لن تتأخر فى الإطاحة بحكومة كاتستس، خاصة ان اليمين المتطرف، الحاصل على 143 مقعدا، سيشكل تهديدا لأى حكومة إذا تم إخضاعها لتصويت حجب الثقة. واذا ما حدث ذلك فعلا، فسيكون الامر سابقة واختبارا سياسيا صعبا للجمهورية الخامسة التى تأسست عام 1958.
كسيناريو بديل، هناك حديث عن تشكيل تحالف بين القوى السياسية الممثلة داخل الجمعية الوطنية وترشيح اسم رئيس وزراء ضمن هذا التحالف. فى هذه الحالة، يراهن ماكرون على قيام تحالف بين معسكره وبين نواب حزب اليمين الجمهورى، فيما رهانه السابق كان يقوم على أساس التوصل إلى حكومة تضم كل مكونات ما يسمى «القوس الجمهوري»، بدءا باليسار الاشتراكى وحتى اليمين التقليدى.
يضم المعسكر الرئاسى 168 نائبا، واليمين لديه 60 نائبا. اذا تم التحالف بينهما فسيصل عدد النواب الى 230 نائبا وسيصبحون بذلك الأغلبية. فى وقت سابق، اتفق الحزبان على مجموعة من المشاريع منذ إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون فى عام 2022، مما سمح بتمرير قوانين رغم الأغلبية النسبية للمعسكر الرئاسي. الآن، أيضا، يبدو أن الائتلاف بينهما وارد، خاصة بفضل وجود شخصية ادوارد فيليب، رئيس الوزراء السابق، القادر على صنع جسر من التوافق بين المعسكر الرئاسى واليمين. إذا تم الوصول الى هذا التحالف، فمن الممكن ان يتم تعيين رئيس الوزراء من معسكر ماكرون. وسيضع الجمهوريون كشرط للائتلاف تعيين رئيس وزراء قادر على الوصول الى توافقات وضمان نوع من التعايش داخل التحالف الحكومي. فى هذه الحالة سيشعر الفرنسيون بخيبة الامل فى التغيير، وبين ما عبرت عنه إرادتهم فى نتائج الصندوق وما قررته التحالفات اللاحقة.
سيناريو آخر مطروح للخروج من الانسداد السياسى، وهو تعيين حكومة تقنية، تتكون من كبار المسئولين والتكنوقراط، القادرين على ضمان إدارة الدولة، فى انتظار حل جديد للبرلمان فى عام 2025. بهذا الخصوص، هناك العديد من الأسماء المطروحة لإدارة هذه الحكومة منها بيير موسكوفيتشى، الرئيس الأول الحالى لمحكمة المدققين ووزير الاقتصاد السابق فى عهد فرانسوا هولاند. الى ان يعلن ماكرون، خلال أيام او أسابيع قليلة، عن اسم رئيس وزراء فرنسا، تبقى كل الاحتمالات واردة وتبقى معها فرنسا على صفيح سياسى ساخن.
المصدر : https://ecss.com.eg/47468/