فشل ممتد.. عواقب انهيار الحكومة الفرنسية مجددًا

ضربت الفوضى السياسية فرنسا من جديد عقب حجب الثقة عن حكومة الأقلية التي شكّلها الرئيس إيمانويل ماكرون برئاسة “ميشيل بارنييه” على يد نواب البرلمان المعارضين في 4 ديسمبر 2024، بعد أن حاول رئيس الوزراء تمرير موازنة عام 2025، ليتم رفضها بعد اتحاد التيارين اليميني واليساري، ويصبح بذلك أقصر رئيس وزراء في الجمهورية الخامسة لفرنسا، وتصبح فرنسا غارقة في أزمة سياسية عميقة تهز أركانها في الداخل، وتلقي بظلالها على الوضع الفرنسي داخل الاتحاد الأوروبي، ويصبح “ماكرون” تحت ضغط كبير لإنقاذ بلاده من الأزمة التي صنعها بنفسه.

تسببت دعوة “ماكرون” إلى انتخابات مبكرة في يوليو الماضي، في أعقاب الهزيمة التي تعرض لها حزبه في انتخابات البرلمان الأوروبي، إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي في فرنسا، لينتهي الأمر بعد تقلبات عدة وطرق مسدودة إلى حكومة أقلية برئاسة “ميشيل بارنييه” في سبتمبر 2024، بالرغم من فوز “حزب الجبهة الوطنية الفرنسية”، الائتلاف المكون من الأحزاب ذات الميول اليسارية، بالمركز الأول ورغبته في تسمية رئيس الحكومة الجديدة وهو ما رفضه “ماكرون”.

وكان عدد المشرعين الموالين لحكومة “بارنييه” في الجمعية الوطنية أقل بكثير من عدد مشرعي الائتلاف اليساري الذي يهيمن عليه “جان لوك ميلينشون”، والائتلاف اليميني بقيادة “مارين لوبان” وحزبها التجمع الوطني الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد لحزب واحد في البرلمان. ومنذ اليوم الأول للحكومة الجديدة، اتحدت المعارضة من اليمين واليسار على مهاجمة مقترحات حكومة “بارنييه” حول “الميزانية المالية لعام 2025″، والتي كانت بمثابة الاختبار الأول للحكومة لإنقاذ البلاد من كارثة اقتصادية محققة؛ إذ تعد فرنسا واحدة من أعلى نسب عجز الموازنة في منطقة اليورو، بعجز متصاعد يُتوقع وصوله إلى 6.1% على الأقل من الناتج المحلي هذا العام و7% العام القادم، وهو ما أثار انتقادات عدة من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد حاول “بارنييه” معالجة الأمر عبر خفض الموازنة بمقدار 60 مليار يورو باستخدام مزيج من تخفيضات الإنفاق العام لتوفير 40 مليار يورو وزيادة الضرائب لتوفير 20 مليار يورو، وكلاهما غير مرغوب فيه للغاية في فرنسا باعتبارهما إجراءات تقشفية تهمل احتياجات المواطنين. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة “Ifop-Fiducial بشأن وجهة نظر الفرنسيين حول موازنة 2025، حيث عارض 67% منهم الموازنة، وكانت الفئات الأكثر مقاومة لمبدأ مشروع قانون المالية هي الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا بين السكان، وأراد 53% من الفرنسيين توجيه اللوم ضد حكومة “بارنييه” والإطاحة بها.

وما زاد الأمر تعقيدًا هو محاولات رئيس الوزراء استخدام صلاحياته الخاصة لفرضمشروع قانون إنفاق الضمان الاجتماعي، عبر الاعتماد على المادة 49.3 من الدستور الفرنسي، كما فعل الرئيس “ماكرون” من قبل لتمرير مشروع سن التقاعد دون موافقة البرلمان، ما جعل 331 نائبًا من أصل 577 في الجمعية الوطنية الفرنسية يصوتون على سحب الثقة من “بارنييه” وحكومته بعد أقل من ثلاثة أشهر من تعيينها وبالتالي إجباره على الاستقالة، وهو الأمر الذي تسبب في جعله أول رئيس وزراء فرنسي يتم الإطاحة به منذ عام 1962، وتكون فترة ولايته هي الأقصر في تاريخ فرنسا الحديث، ولكنه سيبقى قائمًا بأعمال رئيس الوزراء حتى تسمية بديل له، ومن المرجح أن تقترح الإدارة المنتهية ولايتها تشريعات طارئة للسماح للدولة بتحصيل الضرائب وإجراء الحد الأدنى من الإنفاق لتجنب الإغلاق.

  • عاصفة اقتصادية

يترك انهيار الحكومة ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي في حالة من عدم اليقين، حيث بات مصير الموازنة المالية للعام الجديد مجهولًا، وهو الأمر الذي يلقي بتبعاته السلبية على الأسواق المالية، كما يؤدي إلى تأخير الإجراءات اللازمة لمعالجة ديون فرنسا البالغة أكثر من 3.2 تريليونات دولار، أو أكثر من 112% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى في أوروبا بعد اليونان وإيطاليا، هذا بجانب العجز المتزايد في موازنتها والمقرر أن يصل إلى 6.1% هذا العام بدلًا من 5.5% في العام الماضي، وإلى نحو 7% وفقًا لتقديرات وزارة الخزانة الفرنسية.

وقد أدت تكاليف الطاقة المرتفعة جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وأسعار الفائدة، وتباطؤ الصناعة المحلية، وانخفاض ثقة المستهلك، وتباطؤ الاستثمار التجاري؛ إلى ركود النمو إلى حد كبير خلال العامين الماضيين، هذا بجانب عدم الاستقرار السياسي منذ قرار “ماكرون” بإجراء انتخابات مبكرة، والذي أدى إلى تفاقم الانقسام في الهيئة التشريعية، وبالتالي المزيد من التوقف عن الاستثمار والتوظيف.

ومن قبل الانتخابات، وتحديدًا في فبراير 2024، سارعت الحكومة إلى سد الفجوة بالإعلان عن تخفيضات في الإنفاق الحكومي بقيمة 10 مليارات يورو، تلاها خطة ادخار ثانية في أغسطس من نفس العام، في حين تقلصت عائدات الضرائب في فرنسا أكثر من المتوقع بسبب التنازلات التي دفع بها “ماكرون” للشركات والأثرياء، حيث خفض معدل الضريبة الرسمية على الشركات من 33% إلى 25%، كما خفض الضرائب المفروضة على الشركات المصنعة، كما قدم ضريبة ثابتة بنسبة 30% على دخل الاستثمار، وهو الأمر الذي رأى منتقدون أنه أدى إلى  توسيع فجوة التفاوت الاقتصادي، في حين استنزفت عائدات الضرائب الخزائن الوطنية بمقدار 15 مليار يورو في شكل دخل مفقود، وفقًا لدراسة أجراها معهد مونتين“، وهو مركز أبحاث فرنسي مستقل.

وكان جزء من موازنة “بارنييه” لعام 2025 يقتضي فرض ضريبة “مؤقتة” على الشركات والأثرياء، وهو الأمر الذي كان يعارض رغبة “ماكرون”، لكن “بارنييه” لم يكن يمتلك العديد من الخيارات لتوفير 110 مليارات يورو في خلال السنوات المقبلة لإعادة الديون والعجز المتضخم للتوافق مع قواعد الاتحاد الأوروبي، وذلك عبر زيادة الضريبة الثابتة إلى ما يصل إلى 35%، وفرض ضريبة مؤقتة على “الأرباح الضخمة” التي تحققها الشركات.

وبعد انهيار الحكومة، يتوقع عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين أن يعاقب المستثمرون الأسهم والسندات الفرنسية، وبالفعل رفع المستثمرون أقساط المخاطر على الأصول الفرنسية مقارنة بنظيراتها إلى مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، الأمر الذي أدى إلى هبوط الأسهم، فقد سجل مؤشر الأسهم القياسي  أسوأ عام له مقارنة بمؤشر ستوكس 600 الأوروبي منذ عام 2010، كما حذرت وكالتا “موديز” و”ستاندرد آند بوروزللتصنيف الائتمانيمن أن سقوط الحكومة “يقلل من احتمالات تعزيز المالية العامة” ويزيد من الجمود السياسي، وقد يؤدي ذلك إلى انتشار العدوى في مناطق أخرى من الاتحاد الأوروبي وهذا بالتأكيد من شأنه التأثير على الجدارة الائتمانية لفرنسا من قبل المستثمرين.

وبهذا الجمود، ستكون هذه هي المرة الأولى منذ 45 عامًا التي تنهي فيها فرنسا العام دون ميزانية، فيما وعد “ماكرون” بإقرار قانون مالي “خاص” يضمن استمرارية الدولة خلال الأيام المقبلة، ووعد بأن الحكومة الجديدة ستعد ميزانية جديدة في بداية العام الجديد. ورغم أنه من الممكن استخدام قانون الطوارئ لتمديد ميزانية 2024 إلى 2025، لتجنب إغلاق الحكومة -عبر تصويت برلماني بالموافقة أو الرفض- على غرار ما حدث في الولايات المتحدة، إلا أن ذلك يعني عدم إمكانية تقديم تدابير جديدة تتفق مع رغبة الاتحاد الأوروبي في خفض الإنفاق، كما أن موازنة العام الحالي لا يمكن اعتمادها كموازنة للأعوام المقبلة بسبب التضخم، وعليه فلن يكون هذا الحل مناسبًا.

  • استعراض قوة اليمين

كان سقوط الحكومة بمثابة انتصار كبير لزعيمة اليمين ماري لوبان التي حاولت لسنوات عدة إظهار نفوذها المتزايد وإدخال حزبها “التجمع الوطني” إلى التيار الرئيس بالرغم من محاولات ماكرون عرقلة صعودها في مناسبات عدة، ولكن يبدو أن “لوبان” باتت صانعة القرار الفرنسي الآن، وإن لم يكن الأمر بشكل رسمي بعد.

وكانت “لوبان” أكثر المصرّين على مواصلة التصويت بحجب الثقة لضمان انهيار الحكومة، وقد رفضت من قبل التنازلات التي عرضها عليها “بارنييه” بشأن الميزانية، إذ تخلى عن الضرائب المقترحة على الكهرباء، ثم وعد بعدم خفض تعويضات الأدوية، وكلاهما مطالب نادت بها لوبان، ولكن يبدو أن هذا لم يكن كافيًا؛ إذ ترى أن الميزانية وما تتضمنه من تخفيضات في الإنفاق وزيادات ضريبية بقيمة 60 مليار دولار “غير عادلة” للفرنسيين.

ولكن في باطن الأمر، يبدو أن حكومة “بارنييه” لم تكن هدف لوبان في المقام الأول، وإنما الرئيس “ماكرون” الذي خسرت أمامه مرتين في الانتخابات الرئاسية، حيث تصاعدت الأصوات من حزب “التجمع الوطني” وحزب أقصى اليسار “فرنسا الأبية” أيضًا بتقديم استقالته، ومن قبل ذلك كانت “لوبان” تستهدف “ماكرون” بقدر استهداف الحكومة، من أجل الضغط لدفعه إلى الاستقالة وبالتالي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

ولكن مع ذلك فإن “لوبان” نفسها في ورطة سياسية قد تحرمها من الترشح للرئاسة؛ إذ إنه من المقرر أن تواجه حكمًا في قضية اختلاس جنائية واسعة النطاق في مارس 2025، بجانب اتهامها وأعضاء من حزبها بإساءة استخدام مساعديهم في البرلمان الأوروبي من خلال تكليفهم بالعمل على قضايا الحزب. وما سبق يثير تكهنات بأن “لوبان” لم يعد لديها ما تخسره لإثارة الفوضى كونها تواجه خطر خسارة كل رأس مالها السياسي بعد ثلاثة أشهر، وأنها كانت تعول على الانتخابات المبكرة للفوز بالرئاسة في أسرع وقت.

  • الاضراب عن العمل

حذرت النقابات العامة في فرنسا من اتساع نطاق اضطرابات العمال في البلاد في قطاعات عدة تتنوع بين موظفي الحكومة من: المعلمين، والأطقم الطبية، وموظفي المطارات، والسكك الحديدية، والعاملين في قطاعات حيوية كالغاز والكهرباء، وسط دعوات للاحتجاج في شوارع فرنسا والإضراب احتجاجًا على التدابير الحكومية لخفض التكاليف. وقد شهدت البلاد بالفعل موجة من المظاهرات وصلت لذروتها يوم الخميس 5 ديسمبر، حيث تظاهر ما بين 130 -200 ألف متظاهر، وفقًا لتقديرات السلطات الفرنسية والنقابات.

  • تداعيات على الاتحاد الأوروبي

من المعتاد أن يُنظر إلى فرنسا، إلى جانب ألمانيا، على أنهما “المحرك” للاتحاد الأوروبي من حيث القوة الأيديولوجية والسياسية. ويمثل سقوط الحكومة الفرنسية انشغالًا جديدًا لفرنسا بشؤونها الداخلية ما يؤدي إلى تباطؤ محتمل في اتخاذ القرارات الجماعية المهمة وتمرير التشريعات الأوروبية، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه ألمانيا كذلك من ضعف سياسي واقتصادي بسبب الانقسامات الداخلية وانهيار الحكومة الائتلافية الشهر الماضي، وبات كلاهما ينتظران تشكيل حكومة مجهولة إما قد تتفق أو تتعارض مع السياسة الأوروبية الأوسع.

وحتى ذلك الحين، قد لا تشارك كل من فرنسا وألمانيا في اتخاذ القرارات السياسية الأوروبية الجريئة بشأن عدد كبير من القضايا، مثل: دعم أوكرانيا، وتكوين جبهة موحدة ضد روسيا والصين، والتعامل مع الحرب الجارية في الشرق الأوسط، في ظل التداعيات السلبية التي تلقي بها عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للبيت الأبيض سياسيًا واقتصاديًا، والتي من شأنها أن تفرض قيودًا جديدة على العلاقات عبر الأطلسي.

تسبب انهيار الحكومة بالضغط الشديد على ماكرون؛ إذ بات صعبًا أن يدعو إلى انتخابات برلمانية مبكرة جديدة؛ كون الدستور الفرنسي يحظر عليه حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات جديدة قبل مرور عام من الانتخابات السابقة، أي عند الصيف المقبل، ما يعني استمرار لحالة الجمود بالنسبة لصناع القرار السياسي، وأصبح يتحتم عليه الآن مواجهة مهمة حاسمة تتمثل في تسمية بديل “لبارنييه” قادر على قيادة حكومة أقلية في برلمان لا يتمتع فيه أي حزب بالأغلبية، ويحوي تيارات مستقطبة منقسمة بشدة.

وبجانب ذلك، يواجه “ماكرون” تراجعًا حادًا في شعبيته؛ إذ أيد أغلبية الفرنسيين من المعارضة وحتى الأحزاب المعتدلة بنسبة 54% ونسبة 59% ونسبة 64% استقالته وتقديم موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2027 إلى العام المقبل، وذلك بحسب استطلاع للرأي أجرته مجلة” لو بوينت” و”لو فيجارو” وإذاعة “آر تي إل الفرنسية” عكست النسب السابقة على التوالي. ومع ذلك، لم تتسبب الاضطرابات الأخيرة بأي حال من الأحوال في التعجيل باستقالة “ماكرون”، حيث أكد الرئيس الفرنسي بعد يوم واحد من سقوط حكومته أنه سيبقى في منصبه حتى عام 2027 متوليًا شؤون الدفاع والشؤون الخارجية، ومحملًا تحالف اليسار واليمين مسؤولية سقوط الحكومة، مع العلم أن هذه ليست المرة الأولى التي يقاوم فيها ماكرون الدعوات إلى استقالته.

ووسط كل هذه الفوضى، بات أمام ماكرون الآن عدة سيناريوهات-عدا الاستقالة- قد يختار بينها:

إعادة تعيين “ميشيل بارنييه”: فمن الناحية الدستورية يحق للرئيس إعادة تعيين ميشيل بارنييه رئيسًا للوزراء، كونه مدعومًا من قاعدة مشتركة من أحزاب الوسط واليمين، على أن يغير مشروع قانون الموازنة لاسترضاء المعارضة وتجنب تصويت آخر بحجب الثقة، ولكن من غير المرجح أن يسلك “ماكرون” هذا المسار.

اختيار رئيس للوزراء من نفس الحكومة السابقة: كفرانسوا باروان، والذي سيسلك نفس منهج “بارنييه” دون الابتعاد كثيرًا عن أجندة ماكرون السياسية، أو المحافظ المتشدد برونو ريتيلو، الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة “بارنييه” بموقف متشدد بشأن الهجرة، وسط احتمالات كبيرة أن ينتهي هذا الاختيار بتصويت جديد بحجب الثقة.

اختيار رئيس وزراء جديد: عبر خوض جولة جديدة من المحادثات مع المشرعين من اليمين المحافظ التقليدي ويسار الوسط في نفس الوقت، وتعيين رئيس وزراء من بينهم كورقة تفاوضية، على أن يكون قادرًا على تشكيل حكومة تعكس شريحة عريضة من الأحزاب، وإقرار ميزانية طارئة لتجنب إغلاق الخدمات الأساسية للدولة. ومن أبرز الأسماء المرشحة لهذا المنصب الذين يدور الحديث حولهم في الأوساط السياسة ووسائل الإعلام الفرنسية:

  • “فرانسوا بايرو” 73 عامًا، وهو جزء من تحالف ماكرون منذ 2017، ومن المحاربين القدامى من التيار الوسطي، وشغل منصب عمدة مدينة باو في جنوب غرب فرنسا، وشغل لاحقًا منصب وزير العدل، ولكنه استقال بعد أسابيع في مزاعم احتيال وفساد، وتم تبرئته هذا العام.
  •  ” سيباستيان ليكورنو” 38 عامًا، وهو سياسي منشق عن حزب الجمهوريين من يمين الوسط، وهو حليف قوي لماكرون، وكان يشغل منصب وزير الدفاع في الحكومة السابقة، وأشرف على زيادات الإنفاق الدفاعي ودعم فرنسا للمساعدات العسكرية لأوكرانيا.
  • “برنارد كازينوف” 61 عامًا، عضو بارز في الحزب الاشتراكي قبل أن يستقيل في 2022 غضبًا من قرار الحزب تشكيل ميثاق انتخابي مع حزب فرنسا الأبية اليساري المتشدد، وشغل منصب رئيس الوزراء خلال الأشهر الأخيرة من رئاسة فرانسوا هولاند، وقبل ذلك كان وزيرًا للداخلية، وباختياره قد يتم تشجيع المشرعين الاشتراكيين على الابتعاد عن التحالف مع حزب العمال الفرنسي والخضر والشيوعيين وتوسيع المجموعة الحاكمة الوسطية.
  • “زافييه بيرتراند” 59 عامًا، سياسي من يمين الوسط يرأس منطقة هوت دو فرانس الشمالية غير الصناعية، شغل منصب وزير في عهد الرئاسات المحافظة لجاك شيراك ونيكولا ساركوزي، وشارك في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2022.
  • “فرانسوا باروان” 59 عامًا، سياسي من يمين الوسط، شغل منصب وزير المالية لفترة وجيزة، بعد فترة قضاها وزيرًا للميزانية، وذلك في ذروة أزمة الديون السيادية الأوروبية في عامي 2011 و2012، وتم تعيينه رئيسًا لبنك باركليز فرنسا في عام 2022.

وبالنظر إلى الأسماء السابقة، نجد أن خيارات “ماكرون” ستنحصر بين إما قوى الوسط التابعة له أو الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريين، ما يعني أنه سيتجنب مجددًا التعاون مع أعضاء حزب “التجمع الوطني” اليميني، وحزب “فرنسا الأبية” اليساري المتشدد، والحزب الأخضر، والحزب الشيوعي الفرنسي، تجنبًا منه للاعتراف بهزيمته في الانتخابات البرلمانية الأوروبية والفرنسية وبالتالي تفكك حزبه داخليًا، وهذا يعني أن التهديد بحجب الثقة عن أي حكومة سيقودها أي اسم أعلاه سيبقى مستمرًا.

اختيار رئيس وزراء مدعوم من اليمين: ما يعني استسلام ماكرون لمطالب حزب “التجمع الوطني” بشأن الميزانية، والتخلي عن الجهود الرامية إلى خفض عجز الميزانية. ولكن مع هذا الخيار، لا يبدو أن اليمين المتطرف مستعد لتعاون حقيقي مع “ماكرون” حتى لا تتراجع شعبيته في استطلاعات الرأي السياسية الخاصة به، كما أن ذلك قد يؤجج الغضب من جهة اليسار الفائز في الانتخابات، وقد تسقط مجموعة الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية أي حكومة لا يتولى قيادتها يساري.

تشكيل حكومة أغلبية جديدة ذات ميول يسارية: فالجبهة الشعبية الجديدة لديها أكبر عدد من النواب في الجمعية الوطنية، ولكنها لا تزال لا تملك العدد الكافي لتشكيل حكومة أغلبية، وإذا أرادت تشكيل الحكومة، فسوف يتعين عليها اختيار نواب من الوسط، وهو سيناريو غير مؤكد، ومن شأن هذا الائتلاف أن يغرق في مفاوضات دائمة بشأن مشاريع القوانين المختلفة العالقة بين أجندة ماكرون وأجندة اليسار.

استخدام “ماكرون” سلطته الدستورية لفرض موازنة عام 2025: ففي حالة رفض البرلمان الموافقة على التصويت لصالح التدبير الخاص بتمديد ميزانية عام 2024 لعام 2024 لتجنب الإغلاق، فإن “ماكرون” قادرٌ بموجب سلطته الدستورية على فرض الموازنة وتمريرها، كما فعل في مشروع قانون رفع سن التقاعد، ولكن عواقب هذه الخطوة قد تكون وخيمة، خاصة وأن الرئيس الفرنسي يواجه انتقادات كبيرة بسبب فشله في احترام رغبة الفرنسيين، وقد نشهد موجة غير مسبوقة من المظاهرات.

ختامًا، لا شك أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بات يدرك أن خطوته التي أقدم عليها بإجراء انتخابات مبكرة كانت بمثابة المسمار الذي دقه في نهاية مسيرته السياسية، ولكن مع تمسكه بالسلطة حتى عام 2027 وابتعاد فرنسا كل البعد عن انتخابات رئاسية قريبًا وانتخابات برلمانية حتى يوليو القادم، لا شك أن باريس ستواجه أشهرًا من عدم اليقين السياسي والاقتصادي واحتمالية تشكيل حكومات متعاقبة غير قادرة على الاستمرار.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M