فلسطين وإسرائيل: كورونا ستار لمزيد من القمع والاستيطان

عبد الامير رويح

 

مع انشغال جميع دول العالم بالتصدي لفيروس كورونا، سعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الى توسيع دائرة الاعتداءات والجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني الاعزل، فقد اكدت بعض التقارير تصاعد وتيرة عمليات المداهمة والاعتقال التي تقوم بها قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة، يضاف الى ذلك الاستمرار في سياسة هدم وتجريف منازل وممتلكات الفلسطينيين، وهو ما يعد بحسب بعض المصادر، انتهاكاً صارخاً لكافة أحكام القانون الدولي لاسيما المادة “33” من اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 والتي نصت على عدم جواز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً، وحظرت العقوبات الجماعية و جميع تدابير التهديد أو الإرهاب، كما ويمثل سلوك سلطات الاحتلال جريمة حرب وفقاً لأحكام المادة ” 8″ من نظام روما.

وأظهرت بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين تضاعف تسع مرات منذ عام 1948 ليصل في نهاية 2019 إلى حوالي 13.4 مليون نسمة. وقال الجهاز في بيان إنه تم ”تشريد ما يربو على 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية“. وجاء في البيان ”سيطر الاحتلال الإسرائيلي خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، حيث تم تدمير 531 منها بالكامل وما تبقى تم اخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه“.

وأضاف ”رافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني“. واستعرض البيان ايضاً واقع اللاجئين الفلسطينيين موضحا أن عددهم حوالي 5.6 مليون لاجئ. وذكر أن حوالي 28.4 في المئة منهم يعيشون في 58 مخيما رسميا تابعا لوكالة الغوث الدولية. وقال جهاز الإحصاء في بيانه ”بلغ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام 2018 في الضفة الغربية 448 موقعا“. وترفض إسرائيل عودة اللاجئين الفلسطينيين كما ترفض الانسحاب الكامل من الضفة وتخطط لفرض سيادتها على المستوطنات المقامة فيها.

قتل الابرياء

وفي هذا الشأن أطلقت الشرطة الإسرائيلية النار وقتلت في البلدة القديمة في مدينة القدس فلسطينياً قالت إنها اشتبهت بأنه يحمل سلاحا، قبل أن يتبين أنه أعزل، ما أثار حالة من الغضب والاستنكار بين الفلسطينيين. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية ووكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن القتيل يدعى إياد خيري الحلاق، وهو فلسطيني في الثلاثين من عمره من منطقة وادي الجوز في القدس الشرقية المحتلة، ومن ذوي “الاحتياجات الخاصة”، وهي عبارة تشير على الأرجح إلى أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية.

وقالت وكالة “وفا” إن الحلاق كان “من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويدرس في مؤسسة البكرية الوين للتعليم الخاص في القدس المحتلة”. وقع إطلاق النار بالقرب من باب الأسباط أحد مداخل البلدة القديمة في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل وضمتها عام 1967. وفي بيان قالت الشرطة الإسرائيلية إن عناصرها شاهدوا الرجل “ومعه غرض مشبوه يشبه المسدس. طلبوا منه التوقف وبدأوا بملاحقته سيرا. وخلال ذلك، فتحوا النار على المشتبه به وتمت السيطرة عليه”. وتابع البيان أنه “لم يتم العثور على أي سلاح في المكان”.

واستنكرت حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ما حدث ووصفته بأنه “جريمة حرب”، محملة الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتانياهو “شخصياً المسؤولية كاملة لإعدام المواطن المقدسي من ذوي الاحتياجات الخاصة، الشهيد اياد الحلاق في البلدة القديمة من القدس”. وقالت الحركة في بيان “إن عملية إعدام الشاب الحلاق، جريمة حرب من الطراز الأول، ومن ارتكبها يجب أن يقدم للعدالة في محكمة الجنايات الدولية”.

وبدوره، دان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات على تويتر “جريمة اغتيال الشهيد اياد الحلاق”. وقال عريقات في بيان إنه “يقع على عاتق المجتمع الدولي رفع الحصانة عن اسرائيل وجرائمها المنظمة فورا ومحاسبتها ووقف التعامل معها كدولة فوق القانون”. كما دعا عريقات “المحكمة الجنائية الدولية، إلى فتح التحقيق الجنائي، بدون تأخير قبل اغراق فلسطين بجرائم لا حصر لها”. وغرد مرة أخرى مستخدماً وسم “#ICantBreath #PalestineWillBeFree”، في إشارة إلى الوسم المتداول في الولايات المتحدة منذ وفاة جورج فلويد الأميركي الأسود ا بعد اعتقاله عل يد شرطي في مينيابوليس.

كما نددت حركة حماس الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة بقتل الحلاق، وقال المتحدث باسمها حازم قاسم في بيان “إن إعدام جيش الاحتلال لمواطن فلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة في القدس المحتلة، يؤكد إجرام وسادية قادة الاحتلال”. وأضاف أن “هذه الجرائم ستكون دائماً وقوداً لثورة شعبنا المقاتل التي لن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل أرضنا الفلسطينية … ورد شعبنا عليها سيكون في كل مرة فعلًا مقاوماً جديداً وانتفاضة متواصلة”. ويأتي مقتل الشاب الفلسطيني على خلفية تجدد الهجمات أو محاولة شن هجمات على القوات الإسرائيلية.

وقتل ايضا فلسطيني برصاص الجيش الاسرائيلي الذي قال إنه أطلق عليه النار بعد أن حاول دهس جنود بسيارته شمال مدينة رام الله. وأفادت الشرطة الإسرائيلية أن فلسطينيا حاول طعن شرطي إسرائيلي في القدس الشرقية أصيب بجروح خطيرة. بحسب فرانس برس.

و تستعد الحكومة الإسرائيلية الجديدة لإعلان موقفها اعتباراً من الأول من تموز/يوليو بشأن تنفيذ الخطة الأميركية التي تقوم على ضم إسرائيل غَور الأردن والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، وهو مشروع يستنكره الفلسطينيون. وحذر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية مؤخراً من “صيف حار جداً” إذا مضت الدولة العبرية قدما في خطة الضم. ويعد الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة غير قانوني في نظر القانون الدولي.

اعتقالات مستمرة

قالت مؤسسات حقوقية فلسطينية إن إسرائيل اعتقلت 357 فلسطينيا منهم 48 طفلا وأربع نساء في وقت سابق. وأضافت مؤسسات نادي الأسير الفلسطيني، والضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، وهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين في بيان مشترك ”واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات الاعتقال بحق الفلسطينيين رغم التخوفات الكبيرة من انتشار فيروس كورونا“.

وأوضح البيان أن الاعتقالات توزعت على كافة محافظات الضفة الغربية بما فيها القدس التي سجلت أعلى معدل حيث بلغ عدد المعتقلين فيها 192 مواطنا. وقال البيان ”وبذلك بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، قرابة 5000 أسير“. وأضاف ”منهم 41 أسيرة و180 طفلا، ووصل عدد المعتقلين الإداريين لما يقارب 430“ معتقلا. وجاء في البيان أن عدد أوامر الاعتقال الإداري الصادرة بلغت 92 أمرا إداريا، بين جديد وتجديد لأسرى سبق أن صدر بحقهم أوامر اعتقال إداري.

وتستخدم إسرائيل قانونا بريطانيا قديما يتيح الاعتقال دون محاكمة لفترات تترواح بين شهر وستة أشهر قابلة للتجديد بدعوى وجود ملف سري للمعتقل. واتخذت إسرائيل مجموعة من الإجراءات منها وقف زيارة أهالي المعتقلين لأبنائهم في السجون وكذلك وقف زيارة المحامين بسبب فيروس كورونا. وقال البيان الصادر عن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية ”تتفاقم التخوفات الحاصلة على مصير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مع انتشار فيروس كوفيد-19 المُستجد (كورونا)“.

وأضاف البيان ”يرافق ذلك مماطلة متعمدة من إدارة السجون في توفير الإجراءات الوقائية اللازمة داخل أقسام الأسرى“. وأشار إلى ”الاكتظاظ الموجود في سجون الاحتلال، والذي بدوره يخلق بيئة مثالية لانتشار الفيروس، مما قد يؤدي لإصابة أعداد هائلة من الأسرى خاصة مع إعلان إدارة سجون الاحتلال عن إصابة سجانين، وحجر آخرين“. وجددت المؤسسات في بيانها ”مطالباتها بالتدخل العاجل للإفراج عن أسرى في سجون الاحتلال لا سيما المرضى وكبار السن والأطفال والمعتقلين الإداريين“. بحسب رويترز.

ودعت إلى ”ضرورة وجود لجنة دولية محايدة تُشارك في معاينة الأسرى وطمأنة عائلاتهم“ ووجهت ”دعوة أخرى للصليب الأحمر بالقيام بدور أكثر فعالية في التواصل مع الأسرى، وعائلاتهم“. وطالبت ”بالضغط على إدارة سجون الاحتلال بتوفير الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع انتشار الفيروس بين الأسرى، وتوفير وسيلة اتصال بين الأسرى وعائلاتهم في ظل وقف زيارات العائلات والمحامين“.

جرائم حرب

الى جانب ذلك قالت رئيسة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا إنها ستفتح تحقيقا كاملا في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية فور تحديد نطاق السلطة القضائية للمحكمة في هذا الشأن. ويفتح الإعلان الباب لاحتمال توجيه اتهامات لإسرائيليين أو لفلسطينيين. ورحب الفلسطينيون بالقرار لكن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قال إن المحكمة غير مختصة بالعمل في الأراضي الفلسطينية.

وقالت بنسودا إن الفحص الأولي لجرائم الحرب المزعومة والذي فٌتح في عام 2015 أسفر عن معلومات كافية تفي بجميع متطلبات فتح التحقيق. وأضافت في بيان ”لدي قناعة بأن… جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية وفي قطاع غزة“. وقالت إنها قدمت طلبا لقضاة المحكمة لإصدار حكم بشأن ولايتها القضائية في هذه القضية بسبب التنازع على الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية.

وتابعت قائلة ”طلبت على وجه التحديد تأكيدا على أن الأراضي التي يمكن فيها للمحكمة ممارسة صلاحياتها، والتي يمكنني أن أخضعها للتحقيق، تشمل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية“. وأضافت أن تحديد المناطق التي تستطيع إجراء التحقيق فيها يجب أن يتم قبل الشروع فيه بدلا من ”الاستقرار عليه لاحقا من القضاة بعد استكمال التحقيق“. ولم يتضح بعد متى سيتم اتخاذ قرار لكن بنسودا قالت إنها طلبت من المحكمة أن ”تبت على وجه السرعة“ وأن تسمح للضحايا المحتملين بالمشاركة في الإجراءات.

ورحبت وزارة الخارجية الفلسطينية بالإعلان عن التحقيق المزمع قائلة إن التحقيق ”طال انتظاره في الجرائم التي ارتكبت وترتكب في أرض دولة فلسطين المحتلة… بعد ما يقرب من خمس سنوات من بدء الدراسة الأولية في الحالة“. وقال رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني على تويتر ”نعم هذا هو يوم أسود بتاريخ إسرائيل … قرار المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية هو انتصار للعدالة و للحق الفلسطيني“.

وقال نتنياهو إن المحكمة غير مختصة بالعمل في الأراضي الفلسطينية. وأضاف في بيان ”ليس للمحكمة ولاية قضائية في هذه القضية. المحكمة الجنائية الدولية لها سلطة فقط لنظر الالتماسات التي تقدمها دول ذات سيادة. لكن لا وجود لدولة فلسطينية“. وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في بيان إن الولايات المتحدة لا تعتقد أن الفلسطينيين مؤهلون كدولة ذات سيادة. وأضاف ”نعارض بكل قوة هذا الإجراء وأي إجراء آخر يحاول استهداف إسرائيل دون وجه حق“.

ويدخل في سلطة المحكمة الجنائية الدولية نظر قضايا جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في أراضي الدول الموقعة على اتفاق قيامها وعددها 123 دولة. ولم تنضم إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية لكن السلطة الفلسطينية، وهي هيئة حكم ذاتي محدود في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، انضمت إلى المحكمة. وقال ممثلو الادعاء في الجنائية الدولية في ديسمبر كانون الأول إن التحقيق الأولي في الضفة الغربية ركز على ”ما قيل عن أنشطة متعلقة بالمستوطنات بمشاركة السلطات الإسرائيلية“.

ويعتبر الفلسطينيون والكثير من الدول المستوطنات غير قانونية بموجب معاهدة جنيف التي تحظر الاستقرار على أراض تم الاستيلاء عليها وقت الحرب. وتعارض إسرائيل ذلك وتعلل باحتياجاتها الأمنية وتستشهد بالكتاب المقدس وبأحداث تاريخية وبصلات سياسية لإثبات ما يربطها بالأرض. كما نظر مكتب الادعاء بالمحكمة في مزاعم ارتكاب إسرائيل لانتهاكات في قطاع غزة وفي أن أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية مارست التعذيب وفي أن السلطات الفلسطينية دفعت أموالا لأسر فلسطينيين شاركوا في هجمات على إسرائيليين. بحسب رويترز.

ورحبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة بالقرار. وقال فوزي برهوم المتحدث باسم الحركة ”حركة حماس تبدي استعدادها التام لتسهيل مهام أي لجان منبثقة بالخصوص والتعاون معها ورفدها بكافة الوثائق والقرائن والبراهين التي تدلل على جرائم الاحتلال وانتهاكاته بحق أبناء شعبنا“.

قيود اعلامية

على صعيد متصل قالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية إن إسرائيل مددت قرارا بمنع عمل تلفزيون (فلسطين) التابع لها ستة أشهر أخرى في مدينة القدس. وقالت في بيان إنها ”ستواصل العمل بغض النظر عن هذا القرار الاحتلالي لأنها تؤمن أن من مهتمها ومسؤولياتها نقل الحقيقة في كافة الظروف مهما كانت صعبة“. وجاء في القرار الصادر عن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان أنه قرر تمديد منع عمل تلفزيون فلسطين في نطاق دولة إسرائيل لأن ذلك مخالف للاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في عام 1994.

كانت إسرائيل قد أصدرت في نوفمبر تشرين الثاني قرارا بمنع تلفزيون فلسطين من العمل في القدس إضافة إلى مؤسسات فلسطينية أخرى. ولا يوجد مقر لتلفزيون فلسطين في القدس وإنما يبث من خلال استوديو مستأجر من إحدى الشركات العاملة في المدينة. وقالت الهيئة في بيانها إن القرار ”تعسفي وانتهاك سافر للقانون الدولي.

لأنه يمنع تلفزيون فلسطين من العمل في القدس الشرقية، وهي أرض فلسطينية محتلة، اعترفت بها أكثر من 140 دولة، عاصمة لدولة فلسطين المحتلة، وانتهاك لحرية الرأي والتعبير من جهة أخرى“. وتعتبر إسرائيل القدس عاصمة أبدية موحدة لها. ويريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M