عدنان أبوزيد
تبصم تظاهرات الاحتجاج، على كتاب العصر العراقي الجديد، الذي بدأ العام 2003، كفعالية مجتمعية عدمها المواطن طيلة عقود قبل ذلك التأريخ، لتكشف عن حرية في الرأي، وحراك معارض، يغيب عن الكثير من الدول الإقليمية المجاورة.
وليست مسيرات تشرين أول/أكتوبر، الاحتجاجية بمستحدثة، اذ انطلقت قبلها المئات من التظاهرات في جنوب البلاد وشمالها، وغربها وشرقها، حتى قيل ان العراقيين أدمنوا الاحتجاج الذي يعرّفه قاموس أوكسفورد الإنجليزي، بانه فِعل أو إعلان عن اعتراض على سياسة، أو مسار عمل، أو إدارة سلطة.
المعارضات العصرية التي تستعرض في الشارع، تطورت في دول العالم الى مفاهيم ونظريات، وهيئات جديدة خلال العقدين أو الثلاثة عقود الماضية، ذلك ان الاحتجاج من قلب لندن الى باريس، الى واشنطن ونيويورك، و شوارع البرازيل التي احتضنت الشعب ضد الحكومة، بات يعتمد على الكتل البشرية الهائلة، لا الطلائع والقيادات التي توجّه الدلالات والشعارات، وقد تجلّى ذلك بنسخة واضحة في ثورات ما يسمى “الربيع العربي” حيث المعارضون يعوّلون على الهيجان والثوران العفوي، وعلى استمرارية وثبات زخم الاحتجاج، كما لم يعد التظاهر مؤدلجا، يحتكره حزب أو رهط معين في المسمى والتصنيف والتبويب، وصار البعض يلمح في الحشود الهائلة، تعبيرا بالضرورة عن الرأي الجمعي، حتى وإنْ لم يشارك جميع الشعب فيها.
فضلا عن كل ذلك، فانّ اغلب التظاهرات تبدأ ارتجالية، تلقائية، لدوافع مختلفة، فيما مأزقها في النهاية، وفي اغلب الاحتمالات، يكمن في محاولة جهات توظيفها نحو غايات ومصالح، وتحويلها الى وسيلة للانتصار على الخصم، بل واستقطابها إعلاميا من دول، ومن ذلك ان جريدة الغارديان البريطانية، اختارت المتظاهر العربي، شخصية العام 2011.
تظاهر العراقيون في العهد الملكي، سياسيا، بشعارات انقلابية، وفي حقبة النظام السابق، كان الحزب الحاكم هو الذي يسدي مشروعية التظاهرات، التي ما كانت لتخرج لولا الشعارات المؤيدة له، اما المعارضون فيعبّرون عن آرائهم بالصمت والخوف، فيما الحاضر يشهد مسيرات، اغلبها مطلبية في تحسين الخدمات وتوفير فرص العمل، حتى كشفت تظاهرات أكتوبر، عن محيا سياسي، يسعى الى التغيير الجذري في طريقة إدارة البلاد.
يسود الرأي القائل، بان على التظاهرات العراقية، ان تبتعد عن التخريب، والتعطيل للحياة، وان تعزل نفسها عن دعوات العصيان المدني، ذلك ان سَحَرة الفرص يسعون الى منفذ لتحقيق شروط فوضى لا خلاّقة، تتقصّد الدولة بالكامل، وذلك بتوظيف الشكاوى التراكمية، وتحويلها الى إشكالية مركبة، بين المتظاهرين والحكومة، يصعب فك عُقدها، وهو ما حصل في فنزويلا وكرواتيا، حين تلاشت إرادة التظاهر في صراع الدول.
لكي تتجاوز الحالة الاحتجاجية، التوظيف المقصود لأهداف وغايات دول ومشاريع ومراكز قوى، فان الحاجة ماسة الى التنظيم الذاتي للاحتجاجات، وان تستتب على حالة من الثقة، وان تتصرّف في سن الرشد، وليس المراهقة السياسية، والحماسة الثورية، الطارئة.
يتّفق الكثير، على ان العراق يشهد تحولا تاريخيا في نوعية التظاهر واشكاله، وقد نجح في تسويق شخصية احتجاجية الى دول العالم، متصدرا قائمة تاريخ الاحتجاجات العظيمة، وزعماؤها من إميلين بانكهورست في الذود عن حقوق المرأة في التصويت مع حق الاقتراع، الى غاندي زعيم حركة الاستقلال في الهند، الى مارتن لوثر كينغ، وهو يقود مسيرة واشنطن في العام 1963، الى نيلسون مانديلا في الانتصار على الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وبعيدا عن رموز الاحتجاج الفردية، المشكوك في شرعيتها مثل حالة إدوارد سنودن، الذي احتج على سياسات بلاده بتسريب تفاصيل برنامج التجسس إلى الصحافة، في فعل يضرّ بالدولة.
رابط المصدر: