فهم الحوكمة الجهادية: التعامل مع مجموعة متنوعة من المشاكل

يناقش ثلاثة خبراء النتائج التي توصل إليها فريق من معهد واشنطن المعني بجمع المعلومات حول الحوكمة الجهادية، ويسلطون الضوء على العديد من الدراسات الإفرادية والنقاط الأساسية التي تم استكشافها في البحث.

“في 18 أيلول/سبتمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع ثلاثة مساهمين في مختاراته الحديثة حول “الحوكمة الجهادية وفن الحكم“. ديفورا مارغولين هي “زميلة أقدم في زمالة بلومنشتاين-روزنبلوم” في المعهد وأستاذة مساعدة في “جامعة جورجتاون”. ماثيو بامبر-زريد هو “مستشار حول الجماعات المسلحة” في “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”. هارون واي. زيلين هو “زميل ليفي” في المعهد ومنشئ “خريطة النشاط التفاعلية لتنظيم «الدولة الإسلامية» في جميع أنحاء العالم. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.

ديفورا مارغولين

إن تحدي الحكم الجهادي اليوم هو أكثر تعقيداً وتنوعاً مما كان عليه بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر. وتأتي الجماعات التي تشكل هذا التحدي من خلفيات سياسية ودينية متنوعة وتعمل وفقاً لتفسيرات أيديولوجية وجداول زمنية مختلفة. لذلك، يجب على صانعي السياسات صياغة استراتيجيات فعّالة تتجاوز الأدوات العسكرية والمالية، وتتعامل مع البيروقراطيات الحكومية، والاقتصادات المحلية، والديناميات بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والعالمية لإنتاج سياسة أكثر شمولاً.
وأسفرت جلسة الاستراتيجية التي عقدها معهد واشنطن في كانون الثاني/يناير 2024 والمجلد المحرر اللاحق حول الحكم الجهادي عن سبعة استنتاجات رئيسية:
1.    لا يوجد نوع موحد من الحكم الجهادي. فالتنوع في السياق المحلي، والتنافس، والتفسير – والتي هي العوامل الرئيسية الثلاثة التي تؤثر على اتخاذ القرار – تؤدي ببعض الجماعات إلى العمل داخل المؤسسات القائمة بينما تقوم أخرى بإنشاء مؤسساتها الخاصة.
2.    تسعى جميع الجماعات الجهادية تقريباً التي تشارك في الحكم إلى السيطرة على السكان، وتطبيق أيديولوجيتها، واستخلاص الموارد اللازمة لإقامة السلطة والاستقرار والمرونة. وتستخدم الجماعات المختلفة سياسة العصا والجزرة أو كليهما. ومع ذلك، يرتبط نجاح الجماعات عموماً بقدر أكبر من الدعم من السكان المحليين، مما يعني أن هذه الجماعات تخضع بدرجة معينة للمساءلة أمام مجتمعاتها.
3.    إن طريق الانتقال من الجهة الفاعلة الإرهابية إلى الكيان الحاكم ليس مساراً مستقيماً، ولا هو في اتجاه واحد. ورغم أن بعض الجماعات تترك العنف من أجل الحكم، إلّا أن جماعات أخرى لا تتخلى عنه بالكامل. وقد تؤدي الحوكمة ذاتها إلى انقسام الجماعة بين عناصر أكثر اعتدالاً وأخرى متطرفة.
4.    إن السياقات المحلية والمؤسسية تؤثر على قرارات الجهاديين، حيث تعمل الجماعات بشكل مختلف بناءً على التنافسات المحلية، والصلات الإقليمية، والتوجهات العابرة للحدود. فهي ليست معزولة – بل هي نتاج بيئتها المؤسسية، وتتأثر بالجهات الفاعلة الخارجية وتتعلم منها.
5.    يمكن للسياق التاريخي أن يساعد في تحديد مدى براغماتية الجماعة حالما تصبح جهة حاكمة.
6.    عادةً ما تتجسد الحوكمة الجهادية في المناطق التي تعاني من نقص في الحكم أو الحكم البديل، حيث تظهر الجماعات لملء الفراغات في السلطة.
7.    من المستحيل فصل العنف الذي تتبناه جماعة ما في إطار تبرير وجودها عن حكمها اليومي ومشاريع بناء الدولة.
وتُركز الفصول في هذا المجلد على جماعات مختلفة جداً، ولكل منها سياقاتها وتنافساتها وتفسيراتها الخاصة. ويهدف هذا الترتيب إلى معالجة أوجه التشابه والاختلاف بينها من أجل تعزيز حلول سياسية أفضل تعالج بشكل كامل مشاكل الحوكمة الجهادية (الحكم الجهادي)، بدلاً من تطبيق نهج “مقاس واحد يناسب الجميع”

ماثيو بامبر-زريد

إن أحد التحديات العديدة التي تفرضها الحوكمة الجهادية هو ضمان وصول المشاركة الإنسانية الأساسية إلى الأشخاص المحتاجين. ويعيش حوالي 40 مليون شخص في مناطق تحت سيطرة كاملة أو متنازع عليها من قبل جماعات جهادية تُعرّف نفسها بذلك؛ وبعبارة أخرى، تمثل المنظمات الجهادية ما يقرب من 15 في المائة من جميع “الجماعات المسلحة ذات الاهتمام الإنساني” في جميع أنحاء العالم.

وتأتي الجماعات الجهادية مع تحدياتها الخاصة، لكن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” تتعامل معها بالالتزامات القانونية نفسها التي تفرضها على الجماعات المسلحة الأخرى. إن التعامل (معها) صعب، لكنه ليس مستحيلاً؛ ففي عام 2024، تعاملت هذه “اللجنة” مع حوالي 60 في المائة من الجماعات الجهادية في جميع أنحاء العالم. إن معظم الجماعات المسلحة مستعدة للتحدث مع “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، لكن ما يقرب من نصف الجماعات الجهادية مترددة في الانخراط. علاوة على ذلك، يختلف مستوى الحوار بين الجماعات، وحتى الفروع التابعة لنفس المنظمة قد تكون لديها مستويات مختلفة من الانخراط. وتلعب زيادة توجه هذه الجماعات نحو السياقات المحلية – بما في ذلك تفضيلها الديناميكيات المحلية على القرارات المفروضة           مركزياً – دوراً كبيراً في تحديد ما إذا كانت ستختار الانخراط وكيفية القيام بذلك.

ولا تزال العديد من الجماعات الجهادية نشطة في النزاعات المسلحة، مما يؤدي إلى تحوّل الخطوط وحدوث تغييرات متكررة في القيادة، الأمر الذي يجعل الانخراط المستمر تحدياً استثنائياً. وقد حققت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” نجاحاً أكبر في العمل مع الجماعات التي تقيم سيطرة إقليمية مستقرة على منطقة وتنفذ درجة معينة من أنشطة الحكم.

وتطرح الدول عقبات إضافية عندما تحاول “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” التعامل مع الجماعات الجهادية. وبصرف النظر عن التزاماتها الدولية والقانونية، يمكن للدول أن تمنع “اللجنة” من تنفيذ مهامها والتعامل مع السكان المحليين. وعلى وجه الخصوص فإن الزيادة الأخيرة في التشريعات المحلية والدولية لمكافحة الإرهاب تُعقّد جهود “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” للوصول إلى السكان المعرضين للخطر. وينبغي أن تشمل هذه التشريعات استثناءات إنسانية. وبالمثل، يجب توسيع المساحة الإنسانية لكي تتمكن المنظمات مثل “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” من العمل بأمان وأمن.

كما تتعامل “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” مع الدوائر الدينية الإسلامية عند مواجهة الجماعات الجهادية. ويساعد هذا النهج في بناء جسور بين الشريعة الإسلامية والقانون الإنساني الدولي، مما يدل على تكامل هذين التقليدين. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يسمح “للجنة” بالوصول إلى شخصيات مؤثرة داخل المنظمات الجهادية بشكل أكثر فعالية من خلال مقاربة “التواصل والتوعية”، والتي قد لا يتم استقبالها بنفس القدر من الترحاب.

هارون زيلين

بينما ساعد القتال حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان، إلّا أن الدبلوماسية مكّنتها من أن تصبح أكثر قبولاً كجهة فاعلة دولية. ولم يعترف أي بلد رسمياً بالحكومة الجديدة في البلاد، لكن طالبان أقل عزلة اليوم مما كانت عليه عندما حكمت أفغانستان للمرة الأولى قبل عقدين من الزمن. ومن الجدير بالذكر أن الحركة استخدمت التواصل الدبلوماسي لإضفاء الشرعية على حكمها الاستبدادي والديني دون تغيير جذري في أيديولوجيتها.

وقد يقارن البعض بين وضع طالبان ووضع “حماس”، لكن الحالتين تختلفان في جوانب رئيسية. على سبيل المثال، تعاملت طالبان مع ما يقرب من مائة دولة، في حين تعاملت “حماس” مع خمس وعشرين دولة فقط. علاوة على ذلك، يُنظر إلى طالبان على أنها القائد الفعلي لأفغانستان بأكملها، بينما تحكم “حماس” قطاع غزة فقط وليست القائد المعترف به داخلياً لفلسطين.

وعلى وجه التحديد، أعلنت طالبان علناً أنها عقدت 1,988 اجتماعاً دبلوماسياً مع 92 دولة حتى التاسع من أيلول/سبتمبر. وعلى الرغم من أن ممثلين من بعض الدول والجهات الفاعلة الغربية قد التقوا (بأعضاء) الحركة مباشرة في أفغانستان (على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، والنرويج)، إلّا أن معظمهم كانوا يتواصلون من قطر. وفي الواقع، عززت الدوحة سعي طالبان إلى اكتساب الشرعية من خلال توفيرها مساحة يمكن للدول الغربية من خلالها التعامل مع الحركة دون منحها نفس القدر من المصداقية التي تمنحها زيارة إلى أفغانستان. كما ساعدت الوساطة القطرية في تطبيع “الإمارة الإسلامية” لطالبان بين المجتمع الدولي الأوسع نطاقاً .

ومن أبرز نتائج الدبلوماسية الأخيرة لطالبان كان الافتتاح الذي طال انتظاره لخط أنابيب الغاز الطبيعي بين “تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند” (“تابي”)، والذي تأخر منذ منتصف التسعينيات. بالإضافة إلى ذلك، يتم افتتاح المزيد من السفارات في كابول، كما أن المزيد من الدول بدأت في اعتماد سفراء طالبان، بما في ذلك الصين، والإمارات العربية المتحدة، وأوزبكستان وفقاً لبعض التقارير.

ويبدو أن الخلاف مع أيديولوجية الحركة لم يردع هذه الحكومات. فبعض الدول تتعامل مع “الإمارة الإسلامية” لتحقيق التوازن في مواجهة الخصوم الآخرين أو، على الأرجح، من أجل الحصول على حوافز اقتصادية. ويقبل الكثيرون استيلاء طالبان على أفغانستان كأمر واقع وينظرون إلى الوضع باعتباره فرصة لاستخلاص الموارد.

وفيما يتعلق بمشاركة حلفاء الولايات المتحدة، فإن بريطانيا تشهد حالياً نقاشاً سياسياً حول زيادة الحوار مع طالبان. وإذا قررت لندن توسيع العلاقة بشكل رسمي، فسوف يمثل ذلك أول تحوّل كبير عن الموقف الغربي التقليدي تجاه طالبان، وقد يدفع بلداناً أخرى إلى تغيير نهجها أيضاً.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M