د. محمد كمال
بعد مرور سبعة أشهر على بدء الحرب فى أوكرانيا، قد يكون من المهم تحليل المشهد السياسى والعسكرى لمعرفة إلى أين تسير هذه الأزمة، التى امتدت تداعياتها إلى الكثير من دول العالم، ومنها مصر. ويمكن تلخيص المشهد الأوكرانى فى النقاط التالية: أولًا: بالرغم من بعض النجاحات العسكرية الأخيرة لأوكرانيا فى ساحة القتال، ونجاحها فى تحرير عدد من المدن التى احتلتها القوات الروسية، فإن روسيا لا تزال تسيطر على ما يقرب من ٢٠٪ أو خمس مساحة أوكرانيا، بما فى ذلك ٧٪ التى سيطرت عليها بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤. كما أن روسيا لديها القدرة على ضرب أهداف بعيدة خارج…
بعد مرور سبعة أشهر على بدء الحرب فى أوكرانيا، قد يكون من المهم تحليل المشهد السياسى والعسكرى لمعرفة إلى أين تسير هذه الأزمة، التى امتدت تداعياتها إلى الكثير من دول العالم، ومنها مصر. ويمكن تلخيص المشهد الأوكرانى فى النقاط التالية:
أولًا: بالرغم من بعض النجاحات العسكرية الأخيرة لأوكرانيا فى ساحة القتال، ونجاحها فى تحرير عدد من المدن التى احتلتها القوات الروسية، فإن روسيا لا تزال تسيطر على ما يقرب من ٢٠٪ أو خمس مساحة أوكرانيا، بما فى ذلك ٧٪ التى سيطرت عليها بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤. كما أن روسيا لديها القدرة على ضرب أهداف بعيدة خارج المساحة التى تسيطر عليها من خلال الصواريخ طويلة المدى، التى استخدمتها فى ضرب مدن وبنية تحتية فى أنحاء مختلفة من أوكرانيا.
ثانيًا: أن الولايات المتحدة لم تكسب الحرب الاقتصادية ضد روسيا، فالعقوبات لم تحقق أهدافها، ورغم انخفاض حجم الصادرات الروسية من الطاقة، فإن العائد النقدى فى الخزانة الروسية كان أكبر، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة فى الأسواق العالمية. كما لم تستطع الولايات المتحدة إقناع حلفائها بتبنى سقف لسعر ما تستورده من الطاقة من روسيا لصعوبة تطبيق هذه الفكرة فى أرض الواقع، وخوف الغرب من قيام روسيا بقطع إمداداتها بالكامل عمّن يطبق هذا النظام. وفى نهاية الأمر لا تزال روسيا تراهن على أسواق الصين والهند لاستيعاب التخفيض فى صادراتها من الطاقة لأوروبا، وفى ظل انتهاز الهند والصين هذه الفرصة للحصول على النفط الروسى بأسعار تفضيلية.
ثالثًا: المشهد السياسى يبدو ملتبسًا، فمن ناحية يبدو أن العديد من الشعوب الأوروبية بدأت تفقد قدرتها على تحمل الثمن الاقتصادى الضخم للأزمة الأوكرانية، المتمثل فى ارتفاع التضخم بشكل كبير، وخاصة فى فواتير الطاقة، التى ستزداد مع قدوم فصل الشتاء. وقد أدى ذلك إلى تصويت الناخب الأوروبى لقوى اليمين المتطرف، التى وصلت إلى مقاعد الحكم فى الانتخابات السويدية الأخيرة والانتخابات الإيطالية، التى جرت بالأمس (الأحد)، وهى قوى تؤمن بمنطق المصلحة الوطنية وعلى حساب موقف أوروبى موحد تجاه الأزمة الأوكرانية.
من ناحية أخرى هناك تشققات فى الموقف الصينى المتعاطف مع روسيا، والذى ظهر فى الاجتماع الأخير بين الرئيسين «بوتين» و«شى شينبنج» بقمة منظمة شنغهاى، والذى ذكر فيه الرئيس الروسى لنظيره الصينى: «نحن نتفهم أسئلتك ومخاوفك» بخصوص الأزمة الأوكرانية، وهناك تحفظ كبير من الشركات الصينية فى أن تحل محل الشركات الغربية التى انسحبت من روسيا.
رابعًا: من الواضح أن الولايات المتحدة تعول على الساحة العسكرية كى تقوم بكسر شوكة ومكانة روسيا الدولية، فوفقًا لتحقيق نشره الصحفى الأمريكى «ياروسلاف تروفيموف»، فإن العديد من الدوائر الأمريكية تنظر لروسيا على أنها دولة ذات تأثير اقتصادى محدود (حجم ناتجها المحلى يوازى إيطاليا)، كما أن قدراتها العلمية والتكنولوجية ضعيفة، وكذلك قوتها الناعمة. ولكن روسيا لا تزال قوة عسكرية تقليدية ونووية كبيرة، وثانى أكبر مصدر للسلاح فى العالم، وتعتمد على قدراتها العسكرية كحجة للاعتراف بها كقوة كبرى، كما أن موسكو استخدمت جيشها بنجاح لتحقيق الانتصارات فى جورجيا عام ٢٠٠٨، فى شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام ٢٠١٤، وفى سوريا.
ووفقًا للتحقيق الصحفى، فإن روسيا دافعت دائمًا عن سمعة عتادها العسكرى، وذكرت أن تدميره فى حرب الخليج كان نتيجة لضعف التدريب والتنظيم للقوات العراقية، ولكن الآن أصبحت أوكرانيا ساحة لإضعاف مصداقية القوة العسكرية الروسية، ويذكر التقرير أن المُعَدات التى يتم تدميرها فى أوكرانيا يتم تشغيلها بواسطة الروس أنفسهم، وانهارت دفعاتهم بعد هجوم سريع للقوات الأوكرانية هذا الشهر، ويضيف التقرير أن الشرعية الداخلية للرئيس بوتين ترتبط أيضًا بالقوة العسكرية الروسية، فى ظل تصاعد التحديات التى يشهدها الاقتصاد الروسى.
وبالتالى يبدو أن أحد أهداف الولايات المتحدة هو استمرار الدعم العسكرى لأوكرانيا والحفاظ على اشتعال ساحة القتال لإضعاف المكانة الدولية لروسيا وتقليص الشرعية الداخلية للرئيس بوتين.
خامسًا: نتيجة لما سبق، فإن روسيا تدرك تمامًا عواقب الهزيمة العسكرية فى أوكرانيا، ومن هنا كان قرار تعبئة أكثر من ربع مليون جندى لتعزيز قدراتها على الأرض والحفاظ على مكسبها فى شرق وجنوب أوكرانيا. ويبدو أن روسيا تؤمن بأنها قد تخسر بعض المعارك العسكرية فى الساحة الأوكرانية، ولكنها لم تخسر الحرب، ولن تسمح بذلك، وبالتالى فإن تلويحها باستخدام الكارت النووى، حتى لو تم ذلك بشكل محدود أو تكتيكى، يجب أن يؤخذ بجدية.
باختصار، الأزمة الأوكرانية مستمرة معنا لشهور طويلة، وحتى لو تجمدت ساحة القتال خلال شهور الشتاء القارسة، فإنها ستعود مرة أخرى إلى الاشتعال، وستستمر تداعياتها السلبية خارج ميدان المعركة العسكرية.
نقلا عن جريدة المصري اليوم الإثنين 26-09-2022.
.
رابط المصدر: