فهم لغز مقتل قادة “حزب الله”

أثار اغتيال إسرائيل للمسؤول في “حزب الله” فؤاد شكر، المعروف أيضا باسم “الحاج محسن” أو “السيد محسن”، في حي يضم مجلس شورى “الحزب” بالضاحية الجنوبية لبيروت، تساؤلات حول هويته ودوره في التنظيم. فحتى يوم اغتياله، لم يكن اسم “شكر” يتردد كثيرا في المجال العام، رغم أنه كان مدرجا على قائمة الإرهابيين المحظورين لدى الولايات المتحدة منذ 2015.

وألقت إسرائيل اللوم على شكر في الهجوم الذي استهدف مجدل شمس في مرتفعات الجولان، والذي أودى بحياة أطفال وعدد من المدنيين الآخرين من أبناء الطائفة الدرزية في المنطقة السورية المحتلة من قبل إسرائيل. وعلى الرغم من نفي “حزب الله” أي صلة له بالهجوم، أعادت إسرائيل التأكيد على تورط شكر، حيث عرضت بقايا صاروخ “فلق-1” الإيراني الصنع، الذي يُستخدم عادة من قبل “حزب الله” والذي عُثر عليه في موقع الهجوم.

كما دعمت إسرائيل مزاعمها بتحليل عسكري أظهر أن الصاروخ أُطلق من منطقة على الحدود السورية-اللبنانية، حيث يمتلك “حزب الله” وجودا عسكريا. يهدف اغتيال شكر من قبل إسرائيل إلى ثني “الحزب” عن تصعيد أي تحركات عسكرية مستقبلية. كما أنه يحرج الحزب الذي يحاول الموازنة بين صورة بطولية يسعى لترسيخها وبين المخاوف الأمنية.

ووفق الكثير من التقارير الإعلامية، كان فؤاد شكر القائد العسكري الأعلى رتبة في “حزب الله”. ومع أن هيكل القيادة داخل “الحزب” شديد التعقيد في الحقيقة، إلا أن الثابت أن شكر كان بالفعل قائدا رفيع المستوى في المجلس الجهادي التابع لـ”حزب الله”، حيث كان مسؤولا عن إحدى الوحدات العسكرية المتخصصة في الصواريخ والمدفعية. ووفقا لموقع الحكومة الأميركية المخصص لتقديم مكافآت مقابل معلومات عن الإرهابيين المدرجين على القوائم، جرى تصنيف شكر على أنه “شريك مقرب من القائد الراحل لـ(حزب الله)، عماد مغنية”. وكانت وحدة الصواريخ التي يرأسها شكر تحت القيادة المباشرة لعماد مغنية، المعروف أيضا باسم “الحاج رضوان”، حتى اغتيال الأخير في دمشق عام 2008. وبعد مقتل مغنية، سُلم دوره كمستشار عسكري للأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، إلى مصطفى بدر الدين.

وبعد مقتل بدر الدين في 2016، لم يُعهد دور المستشار العسكري لشخص بعينه. وبدلا من ذلك، تشكل المجلس الجهادي لـ”حزب الله” من عدد من الأفراد البارزين، من بينهم فؤاد شكر. الجدير بالذكر أن “حزب الله” استخدم وصفا حصريا في بياناته المتعلقة بوفاة عماد مغنية في 2008، ومصطفى بدر الدين في 2016، وفؤاد شكر في 2024، حيث أشار إلى كل منهم بوصف “القائد الجهادي الكبير”. هذا التوصيف لم يُستخدم للإشارة إلى أي من القادة الآخرين الذين قُتلوا، مما يوحي بأن الثلاثة المشار إليهم كانوا جميعا يتمتعون بنفس الرتبة العالية.

 

بعد مقتل بدر الدين في 2016، لم يُعهد دور المستشار العسكري لشخص بعينه. وبدلا من ذلك، تشكل المجلس الجهادي لـ”حزب الله” من عدد من الأفراد البارزين

 

 

وعلى عكس مغنية وبدر الدين، لم يكن اسم فؤاد شكر معروفا جيدا لدى الجمهور. رغم أن متابعي الشؤون العسكرية لـ”حزب الله” كانوا يعرفون دوره، إلا أن “الحزب” لم يسعَ لتسليط الضوء عليه كشخصية فردية بارزة.

في المقابل، كان اسم عماد مغنية معروفا في المجال العام خلال حياته، خاصة بعد عام 2000، عندما اتهمته إسرائيل بالتورط في تهريب الصواريخ إلى غزة. ومع ذلك، لم يسع “حزب الله” إلى بناء صورة عامة قوية لمغنية إلا بعد اغتياله في عام 2008، حيث مُنح لقب “قائد الانتصارين” في إشارة إلى أدواره المفترضة في تحقيق انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 والانتصار على إسرائيل، الذي أعلن عنه “حزب الله” في حرب 2006. وذهب “الحزب” إلى حد إعادة تسمية وحدة العمليات الخاصة التابعة له باسم مغنية المستعار، حيث أصبحت تُعرف باسم “وحدة الحاج رضوان” بعد وفاته.

 

 رويترز رويترز

اعلام لبنان وفلسطين و”حزب الله” قرب المبنى الذي قتل فيه المسؤول العسكري في الحزب، فؤاد شكر في قصف اسرائيلي 

ورغم أن مصطفى بدر الدين حل بديلا عن عماد مغنية بعد اغتيال الأخير، فإن “حزب الله” لم يسعَ إلى خلق شخصية عامة مماثلة له، سواء خلال حياته أو بعد وفاته. وأصبح اسم بدر الدين معروفا على نطاق واسع، خاصة بعد أن وجهت المحكمة الخاصة بلبنان اتهاما له في عام 2011 باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وفي وقت لاحق بسبب دوره في التدخل العسكري لـ”حزب الله” في سوريا. ومع ذلك، وعلى عكس سيناريوهات عامي 2000 و2006، التي نجح “حزب الله” في تأطيرها على أنها “انتصارات” فإن أنشطة بدر الدين التي باتت معروفة للعامة، جلبت لـ”الحزب” اهتماما من النوع الخطأ.

حاول “الحزب” إبقاء الاهتمام العام منصبا على عماد مغنية، مُستشهدا بتضحياته وإنجازاته في المناسبات السنوية والفعاليات الخاصة. كما سعى “الحزب” إلى الحفاظ على الاهتمام العام بشخصية أمينه العام حسن نصر الله. ومع ذلك، أدى تدخل “حزب الله” في سوريا تدريجيا إلى تآكل صورة نصر الله كزعيم عربي كاريزماتي، حيث بدأت خطاباته المؤثرة تفقد جاذبيتها مع مرور الوقت. وبعد الأزمة المالية التي عصفت بلبنان في عام 2019 والأزمة السياسية التي تلتها، بدأت هالة نصر الله تتلاشى. ولم يعد الناس من مختلف الطوائف في لبنان يترددون في توجيه الانتقادات العلنية لـ”حزب الله”، من ضمن انتقاداتهم العلنية لقادة البلاد، محملين إياهم المسؤولية عن الأزمات المتنوعة. وتعزز هذا الأمر بشكل أكبر بعد انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، حيث رأى الكثيرون في لبنان أن “حزب الله” يتحمل جزءا من المسؤولية بسبب ارتباطه بنترات الأمونيوم المتفجرة التي كانت مخزنة بشكل غير آمن في المرفأ والذي انفجر في الرابع من أغسطس/آب 2020.

وبعد سلسلة من الأحداث، أصبح “حزب الله” حذرا بشأن تسليط الضوء على القادة الأفراد، حتى بعد رحيلهم. والحق أن إسرائيل هي التي كانت تكشف للجمهور، خلال الصراع المستمر في غزة، عن مئات من ضباط “حزب الله” الذين قضت عليهم من خلال عمليات القتل المستهدفة في لبنان وسوريا، مما كان يضطر “حزب الله” عندها إلى الاعتراف بهم كشهداء بعد وفاتهم. وكان فؤاد شكر هو القائد الأعلى رتبة بين القتلى، لكن شخصيات رئيسة أخرى بقيت، بما في ذلك طلال حمية، الذي يشرف على جهاز الأمن التابع لـ”حزب الله” و”الوحدة 910″. هذه الوحدة، التي كان يقودها في السابق عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، تتعامل مع العمليات الخارجية والأنشطة المحلية في لبنان.

ورغم أن دور طلال حمية يختلف عن دور مصطفى بدر الدين، الذي كان يعمل في السابق كمستشار عسكري وحيد لحسن نصر الله، فقد برز حمية باعتباره القائد العسكري الأبرز داخل “حزب الله”. وقد اكتسب هذا التميز بفضل قيادته للعمليات العسكرية والأمنية. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة صنفت حمية كإرهابي، وعرضت مكافأة قدرها 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه. وبصفته قائد “الوحدة 910″، يشرف حمية على عمليات “حزب الله” في سوريا، بما في ذلك الأنشطة العسكرية على طول الحدود السورية الإسرائيلية.

من نقاط قوة “حزب الله” كمنظمة مسلحة قدرته على الجمع بين عناصر الميليشيات والجيوش التقليدية. فعلى سبيل المثال، لا يوجد فصل ميداني بين أجهزة “حزب الله” الأمنية والعسكرية، حيث يخضع كلاهما للمجلس الجهادي، ويشارك قادة رفيعو المستوى في الأنشطة العسكرية والأمنية معا. فعلى سبيل المثال، تعمل “قوة الرضوان” بشكل متكامل مع وحدات عسكرية متعددة داخل “الحزب”، بدلا من العمل كوحدة مستقلة. كما أن انتشار “حزب الله” في ميادين القتال لا يتبع نمط انتشار الجيوش التقليدية بشكل صارم، بل يندمج مع تكتيكات الميليشيات في الحروب غير المتكافئة. ومع ذلك، فإن الاغتيالات الإسرائيلية المنهجية لضباط وقادة “الحزب” تحد مما يمكن لـ”الحزب” أن يفعله بترسانته العسكرية الضخمة وخبرته القتالية المتراكمة.

 

أدى تدخل “حزب الله” في سوريا تدريجيا إلى تآكل صورة نصر الله كزعيم عربي كاريزماتي، حيث بدأت خطاباته المؤثرة تفقد جاذبيتها مع مرور الوقت. وبعد الأزمة المالية التي عصفت بلبنان في عام 2019

 

 

يوفر الهيكل التنظيمي لـ”حزب الله” درجة كبيرة من المرونة تمكنه من الاستمرار بعد فقدان قادته. ولا يكمن التحدي الرئيس الذي يواجهه “الحزب” في ظل الاغتيالات الإسرائيلية المنهجية لقادته في خطر انهيار المجموعة بحد ذاته، بل في كشف هذه الاغتيالات لضعف “الحزب” أمام الاستخبارات الإسرائيلية. ومع تأكيد إسرائيل على أنها تمتلك اليد العليا في المجال الأمني، فإن خيارات “حزب الله” العسكرية تجد نفسها محدودة ومقيدة بشكل متزايد.

 

المص2در : https://www.majalla.com/node/321772/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%81%D9%87%D9%85-%D9%84%D8%BA%D8%B2-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M