في خِضمّ التوترات الجيوسياسية العالمية الراهنة، وما نجم عنها من ظروف دولية غاية في الصعوبة والتعقيد وحالة عدم الاستقرار التي قادت لتفاقم أزمات التضخم وأسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيراتها على سلاسل التوريد العالمية، وتباطؤ وتقلبات النمو الاقتصادي على الصعيد العالمي، تنعقد قمة مجموعة دول “بريكس” لعام 2023 في مدينة “جوهانسبرج” بجنوب أفريقيا خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، أملًا في إعادة تشكيل العلاقات الدولية والتحول لنظام دولي مُتعدد الأقطاب، والقضاء على هيمنة الدولار على المعاملات التجارية، ومحاولة طرح عُملة بديلة، أو التعامل بالعملات الوطنية، فضلًا عن رغبة دول التكتل في ضم المزيد من الأعضاء من الدول النامية.
أهمية تكتل البريكس
تُعد مجموعة دول “بريكس” نموذجًا حيًا للدبلوماسية مُتعددة الأطراف، والتي تشكلت وفقًا لواقع القرن الحادي والعشرين، وتعمل في إطار من المساواة والاحترام المتبادل. ومنذ تأسيسها في عام 2009 تسعى مجموعة دول بريكس للتحول إلى قوة اقتصادية عالمية على غرار دول مجموعة السبع الصناعية، وقد وقفت عقبات كثيرة في وجه تحقيق هذا الحلم، لكن دول المجموعة قطعت أشواطًا لا بأس بها لفرض نفسها كقوة عالمية.
تأسّس التكتل بداية تحت اسم “بريك”، وهي الأحرف الأولى من الدول المؤسسة (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين)، ثم انضمت إليهم جنوب أفريقيا في 2010 ليصبح اسم التكتل “بريكس”. وتكمن أهمية التكتل في أنً أعضاءه يُمثلون أكثر من 42% من سكان العالم، وقرابة 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و18% من التجارة العالمية، كما تجمع بين اقتصاديات لدول ذات تأثير إقليمي ودولي متزايد.
انضمام اعضاء جُدد للتكتل
يأتي التوسع في عضوية المجموعة على رأس جدول الأعمال لقمة هذا العام، بعد أن تم تجاهل هذا البند في القمم السابقة، وهناك حاليًا 23 دولة تسعى للانضمام لتكتل “بريكس”، وباتت العديد من الدول تُبدي اهتمامًا كبيرًا بالانضمام، ومن هذه الدول: أفغانستان، الجزائر، الأرجنتين، البحرين، بنجلاديش، بيلاروسيا، مصر، إندونيسيا، إيران، كازاخستان، المكسيك، نيجيريا، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة.، تايلاند، تركيا، أوروغواي، فنزويلا.
على صعيد اخر، ترغب دول المجموعة في ضم المزيد من الأعضاء، حيث أشار وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” في هذا الإطار بشأن نية الدول الخمس في تحويل المجموعة إلى منظمة تضم ما يقرب من 15 أو 17 عضوًا، كما رأى أن منظمة مثل البريكس من شأنها أن تصبح بديلًا عن المنظمات التي تهيمن عليها الدول الغربية، في ظل الضعف الراهن للاتحاد الأوروبي وتخبط سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا من شأنه أن يُعزز الرابطة بشكل كبير ويزيد من ثقلها في الشئون العالمية.
كما دعمت دول البريكس فكرة التوسع لضم أعضاء جُدد، حيث أعلن رئيس جنوب أفريقيا “سيريل رامافوزا” ووزارة الخارجية الصينية دعمهما لتوسيع التكتل. فقد أعلنت جنوب أفريقيا دعمها لتوسيع عضوية البريكس، وأنّ توسيع المجموعة يعني أن مجموعة متنوعة من البلدان ذات أنظمة سياسية مُختلفة ستشترك في الرغبة في نظام عالمي أكثر توازنًا. كما أكد “رامافوزا” موقف بلاده فيما يتعلق بتوسيع المجموعة، داعيًا اقتصادات العالم إلى الاستفادة من إمكانات أفريقيا، وأن جنوب أفريقيا ملتزمة بـ”توسيع وتعميق” البريكس، وأن الكتلة يجب أن تكون “منفتحة وشاملة”.
كما أيدت وزارة الخارجية الصينية توسيع المجموعة، وأنها تُرحب بضم المزيد من الشركاء. ووفقًا للرئيس الصيني فإن دول البريكس وأكثر من 50 دولة في العالم لا تسعى إلى تشكيل أي معسكر منافس للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها ترغب في إنشاء نموذج واسع للتنمية السلمية. وأن انضمام الدول النامية للتكتل سيساعد على تعزيز أصوات تلك الدول.
وقال الرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا” خلال اليوم الأول للقمة، إن بلاده تدعم توسيع مجموعة البريكس. وطالب بضم الأرجنتين والمملكة العربية السعودية إلى التكتل. بينما أعلنت الهند أنها لا تعارض فكرة التوسع، بل إنها تتعامل مع الموقف بعقل منفتح وموقف إيجابي.
كما أن توسيع مجموعة “البريكس” من شأنه أن يُلبي رغبة روسيا والصين في دعم النظام الدولي مُتعدد الاقطاب، وسعيهما لإنهاء الهيمنة الأمريكية. خاصة وأن انضمام الدول النامية للمجموعة يصب في مصلحة دعم النمو الاقتصادي لتلك الدول.
ومن بين الدول التي ترغب في الانضمام للبريكس:
- الجزائر: حيث أعلن الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون” في أغسطس 2022 أن الجزائر مُستعدة للانضمام إلى “بريكس” وأن كل الشروط تقريبًا متوفرة لذلك.
- الأرجنتين: تم ترشيح الأرجنتين كعضو محتمل نظرًا لحجم اقتصادها وموقعها الجغرافي.
- إندونيسيا: تعتبر إندونيسيا أكبر اقتصاد في منطقة جنوب شرق آسيا ولها علاقات تجارية قوية مع دول البريكس.
- تركيا: تتمتع تركيا بموقع استراتيجي بين أوروبا وآسيا، ولكن عضويتها في الاتحاد الأوروبي قد تمثل عائقًا.
- إيران: يتم النظر إلى إيران كعضو محتمل نظرًا لحجم اقتصادها ومواردها الطبيعية، لكن هناك قضايا سياسية حول برنامجها النووي.
- مصر: نظرًا لموقعها الاستراتيجي وحجم سكانها، تم طرح فكرة انضمام مصر إلى البريكس.
- فيتنام: تعتبر فيتنام أحد أسرع الاقتصادات نموًا في آسيا ولها علاقات تجارية متنامية مع البريكس.
- بنجلاديش: يمكن اعتبار بنجلاديش عضوًا محتملًا بسبب حجم سكانها الكبير وانخفاض تكاليف العمالة.
- نيجيريا: أكبر اقتصاد في أفريقيا ولها احتياطيات كبيرة من الموارد الطبيعية.
- المملكة العربية السعودية: هناك بعض العوامل التي قد تجعل السعودية دولة محتملة للانضمام، تعتبر السعودية أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بفضل احتياطياتها الضخمة من النفط، كما تمتلك علاقات اقتصادية وتجارية قوية بالفعل مع بعض دول البريكس مثل الصين والهند، فضلًا عن موقعها الاستراتيجي، كما تسعى لزيادة تنويع مصادر دخلها غير النفطية وفتح أسواق جديدة للتجارة والاستثمار.
وعلى الرغم من تقديم عدد من الدول طلبات رسمية للانضمام، فإنه من غير المرجح أن تتم دعوة جميعهم على الفور إلى الانضمام. بل من المتوقع أن يتم تحديد معايير الدخول. في هذا السياق، أوضحت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا “ناليدي باندور”، أنّ رؤساء دول تكتل “بريكس” سيضعون معايير صارمة لمن يُسمح له بالانضمام إلى التكتل. ومن المتوقع أن تستمر المناقشات حول احتمالية إضافة أعضاء جدد، وستعتمد القرارات على عوامل سياسية واقتصادية. على سبيل المثال، تريد البرازيل وضع معايير أكثر وضوحًا للانضمام. وقد يكون من بينها شرط الانضمام إلى بنك التنمية الجديد (الذي أنشأته مجموعة البريكس، لتمويل مشاريع البنية التحتية ومشاريع التنمية المستدامة).
فوائد محتملة
أما فيما يتعلق بالأسباب الكامنة وراء سعي ورغبة الدول النامية في الانضمام إلى مجموعة البريكس فإنه يعود إلى نهج تلك الدول، والذي يتمثل في رفض الانحياز لمعسكر على حساب الآخر، والسعي إلى إقامة علاقات وثيقة مع القوى الكبرى كافة.
أيضًا هناك العديد من الفوائد التي ستعود على الدول التي ستنضم للتكتل مثل: الوصول إلى أسواق واسعة تضم حوالي 40% من سكان العالم. وزيادة فرص التبادل التجاري والاستثمار مع دول تمثل نحو 25% من الإنتاج العالمي، وتنويع مصادر التمويل والاستثمار وطرق التصدير، فضلًا عن فرص نقل التكنولوجيا والخبرات الفنية من دول متقدمة أعضاء في البريكس، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والزراعة والبنى التحتية، وتحسين القدرة التنافسية من خلال تبادل المعلومات والخبرات، والوصول إلى مصادر تمويل بديلة للتنمية غير التقليدية، وزيادة الوزن السياسي الاقتصادي للدولة على المستوى الإقليمي والدولي.
جدير بالذكر أنه في ظل تراجع قدرة الدول الأوروبية على اتخاذ قرارات مُستقلة بعيدًا عن “واشنطن”، سيجعل انضمام الدول النامية إلى مجموعة “البريكس” مسارًا بديلًا عن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، حيث إن عضوية “البريكس” لا تتطلب الكثير من الشروط.
وأصبحت غالبية الدول في الشرق الأوسط تفضل هذا النهج في علاقاتها مع القوى الكبرى، ولا سيَّما مصر، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، والكويت، وقطر، وتركيا، حيث أصبحوا شركاء حوار حاليين أو مُحتملين لدى “منظمة شنغهاي للتعاون”، والتي يُنظر لها كمنافس لحلف شمال الأطلسي، علاوة على ذلك، تتطلع بعض هذه الدول إلى الانضمام إلى تكتل “بريكس”.
أخيرًا، مع إعراب ما يزيد على 40 دولة نامية رغبتها في الانضمام إلى تكتل “بريكس”، فمن المتوقع أن تُصبح المجموعة لاعبًا عالميًا، ولا سيَّما في ظل تنوع إمكانات الدول التي تسعى إلى الانضمام، سواء فيما يتعلق بامتلاك إمكانات اقتصادية ضخمة، أو إمكانات ديموجرافية هائلة، أو امتلاك الخبرة والتميُّز في صناعات مُعينة. كما أثبتت الحقبة الأخيرة أن الدول الصغيرة والمتوسطة باتت تتجنب الانحياز لمعسكر واحد فقط، وإنما أصبحت تفضل نهج المواءمة الشاملة عبر المشاركة في المؤسسات مُتعددة الأطراف. لكنّ ذلك سيعتمد على معايير قبول الأعضاء الجدد، التي ستُحددها مجموعة البريكس، حتى يعرف المرشحون المحتملون في المستقبل ما هي القضايا ذات الأولوية، ومن المتوقع أن تناقش القمة الحالية معايير قبول الأعضاء الجدد.
.
رابط المصدر: