فوز ترمب في الصحافة الإيرانية… التفاوض خيار أوّل

حاز فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية على تغطية واسعة في الصحافة الإيرانية كما هو متوقع بالنظر إلى التوتر التاريخي في العلاقات الإيرانية الأميركية وبالنظر أيضا إلى تاريخ ترمب مع إيران لسببين: الأول هو انسحاب الأخير من الاتفاق النووي في العام 2018 وممارسة سياسة “الضغوط القصوى” حيال طهران والثاني إصدار الرئيس الجمهوري أمرا باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في مطلع العام 2020.

ففي الوقت الذي قالت فيه المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني إن فوز ترمب بالرئاسة الأميركية “لا يعنينا حقا” وأن ذلك “لن يؤثر على معيشة الإيرانيين”، انقسم المحللون الإيرانيون بين من اعتبر أن رئاسة ترمب ستكون صعبة على إيران بالنظر إلى أنه سيشدد العقوبات عليها، وبين من رأى أن ترمب في 2024 هو غيره في 2016 وبالتالي فمن المحتمل أن يدفع باتجاه صفقة مع طهران.

ورأى السفير الإيراني السابق لدى الصين محمد كشاورز زاده في حوار مع موقع “انتخاب” الإخباري بأنه “لا ينبغي المبالغة في التشاؤم حول ترمب لأن الدبلوماسيين الإيرانيين يجب أن يظهروا إتقان فن استثمار الفرص في أسوأ الظروف وهذا ينطبق على فترة رئاسة ترمب القادمة”.

وأضاف: “تلعب الولايات المتحدة دورا بارزا في التطورات العالمية بصفتها قوة عظمى. لم تختلف سياسات الرؤساء الأميركيين كثيرا حول إيران خلال الأعوام الخمسة والأربعين الماضية. وبرزت السياسة المعادية لإيران من قبل الإدارات الأميركية خلال الأعوام الماضية بسبب التطورات ولكن إيران أثبتت للعالم أنها لن ترضخ لمنطق القوة”.

وتابع: “إن الأوروبيين هم الخاسر الأكبر بعد فوز ترمب الذي لا يؤمن بضرورة الحفاظ على التحالفات مع الغرب. ويكمن الهدف الرئيس لترمب في جعل الولايات المتحدة قوية”، مؤكدا على ضرورة استخدام الدبلوماسية من قبل إيران في فترة رئاسته.

خفض التصعيد

وأشار كشاورز زاده إلى قضية المفاوضات بين إيران وأميركا في عهد الرئيس الجمهوري المنتخب قائلا: “يجب أن نناقش الدخول في المفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة ويجب تبني الدبلوماسية مع ترمب. لقد أجرى الأخير مفاوضات مع زعيم كوريا الشمالية وكان على استعداد للقاء وزير الخارجية الإيراني آنذاك ولكن إيران لم تقبل بأن تجري مفاوضات معه بوساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لذا يجب على إيران تبني خطاب يقدمها كقوة إقليمية تسعى إلى خفض التصعيد بهدف الوصول إلى أهدافها”.

ونشر موقع “خبر أونلاين” الإيراني حوارا مع الناشط السياسي الإصلاحي علي شكوري راد، الذي قال فيه: “يتبنى ترمب سياسة (الحرب أو السلام) مع إيران فبالتالي قد يسعى إلى زيادة الضغوط بهدف الوصول إلى اتفاق سلام مع إيران”.

وردا على سؤال عما ستكون عليه سياسة ترمب حيال إيران؟ قال شكوري راد: “يختلف ترمب اليوم عما كان عليه قبل 4 أعوام غير أنه يقول إن سياساته لن تتغير حول إيران. وبناء عليه فسنشهد زيادة الضغوط على طهران. إذا كانت هذه الضغوط الهائلة تؤدي إلى ردة فعل إيران فستكون النتيجة نشوب الحرب بين الطرفين”. ورأى أن “حكومة الرئيس مسعود بزشكيان ينبغي أن تقدم اقتراح إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة”.

وأضاف: “سيشدد دونالد ترمب العقوبات على إيران مما يؤدي إلى تدهور الاقتصاد الإيراني. لقد تبنى النهج ذاته سابقا مما أدى إلى انخفاض بيع النفط الإيراني وتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد وأعتقد أنه سينتهج السياسة ذاتها غير أن الأمور ستكون أصعب بكثير هذه المرة لإيران التي تخوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل حاليا”.

ورأى شكوري راد: “قد يتبنى ترمب سياسة زيادة الضغوط على إيران بهدف إبرام اتفاق سلام معها. وهو يدرك بأن الحرب ستكلف الولايات المتحدة كثيرا وبالتالي قد يتجه إلى سياسة منع توسيع دائرتها”.

وأعرب عن اعتقاده أن الحوار والمفاوضات أفضل حل لإيران في فترة ترمب. وقال: “لقد تبنت إيران سياسة (لا مفاوضات ولا حرب) في فترة جو بايدن غير أن هذه السياسة قد تصبح مستحيلة في فترة رئاسة ترمب وبالأحرى إذا لم يتم إجراء مفاوضات بين طهران وواشنطن فسنتجه إلى الحرب. سنكون قادرين على الحفاظ على المصالح الوطنية الإيرانية من خلال المفاوضات”.

 

قد يستأنف ترمب العلاقات مع طهران مثل لقائه بزعيم كوريا الشمالية، ولكن استراتيجيات الجمهورية الإسلامية لا تسمح بعقد لقاءات معه

 

 

وحول مدى استعداد النظام الإيراني إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة يعتقد شكوري راد: “يفكر النظام الإيراني في مصالحه والمصالح الوطنية في النهاية. ونشهد عصرا جديدا في الولايات المتحدة فمن الطبيعي أن تتخذ السلطة الحاكمة قرارات جديدة بناء على الظروف”.
ونشر موقع “قدس أونلاين” تقريرا حول فوز ترمب في الانتخابات قائلا: “لقد أثارت سياسات ترمب السابقة ووعوده الانتخابية بشأن متابعة اتفاقيات إبراهيم قلق الجمهورية الإسلامية. في الوقت الذي يبدو فيه أن بعض التصريحات التي أدلى بها في حملته الانتخابية على غرار دعم إسرائيل في شن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية كان لأغراض انتخابية وكسب صوت اليهود المتطرفين غير أن هذه التصريحات تشير إلى نهج الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترمب حول القضايا المتعلقة بإيران وحجم تأثره بالتيارات الصهيونية المتطرفة”.
ويرى الخبير في شؤون أميركا علي بيغدلي في حوار مع “قدس أونلاين” أنه “ليس لدى الإيرانيين تصور جيد حول ترمب بسبب فترة رئاسته السابقة التي أصدر فيها أمرا باغتيال الجنرال (قاسم) سليماني والانسحاب من الاتفاق النووي. وسيجعل فوز ترمب الأمور أصعب بالنسبة لإيران في تعاملها مع الغرب”.

 

أ ف ب أ ف ب

سيارة مشتعلة نتيجة ضربة أميركية في 3 يناير 2020 على طريق مطار بغداد الدولي، والتي قتل فيها الجنرال الإيراني قاسم سليماني 

وأضاف بيغدلي: “من جهة أخرى يجب أن ننتظر سياسة برغماتية لرجل أعمال مثل ترمب، الذي قد يستأنف العلاقات مع طهران مثل لقائه بزعيم كوريا الشمالية. ولكن استراتيجيات الجمهورية الإسلامية لا تسمح بعقد لقاءات مع ترمب”.
واعتبر أنه كان بإمكان إيران حلحلة القضايا الشائكة ومنها الملف النووي في فترة بايدن الرئاسية و”لكنها لم تفعل. لقد أصبحت الأمور أصعب بعد فوز ترمب الذي سيصعد من العقوبات الاقتصادية. لذا علينا أن نقوم بتغيير استراتيجيتنا متوسطة الأمد وبعيدة الأمد في المنطقة والعالم لأنه إذا لم نفعل ذلك فإيران ستصبح في عزلة سياسية”.
ويرى السياسي الإصلاحي محمد علي أبطحي، في حوار مع صحيفة “اعتماد”، أن “هناك اتجاهين في إيران حول العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. الاتجاه الأول يدعو إلى إقامة علاقات بين طهران وواشنطن لتتمكن إيران من نقل مطالبها ومواقفها مباشرة إلى الطرف الأميركي بهدف الحد من التهديد الذي تمثله الولايات المتحدة للأمن القومي. والاتجاه الثاني الذي يتبناه المرشد الإيراني هو أن العلاقات بين إيران وأميركا لا تحمل أية نقاط إيجابية بل تؤدي إلى زيادة الضغوط الأميركية والإسرائيلية والغربية على البلاد”.

 

إيران وأوروبا دخلتا في علاقة صعبة بسبب الحرب في أوكرانيا وبالتالي تولت دول عربية الوساطة بين إيران والولايات المتحدة

 

 

وأضاف أبطحي: “لن تؤدي هذه الانتخابات الأميركية إلى تحول جذري في العلاقات بين البلدين غير أن إيران ستضطر إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع أميركا في المستقبل حول قضايا المنطقة وغيرها وهذا لا يعني بالضرورة إقامة علاقات دبلوماسية وتحولا ملحوظا في مسار العلاقة بين البلدين”.
ويرى أبطحي أن “العلاقة مع الولايات المتحدة تستلزم تحولا استراتيجيا للعقيدة الدبلوماسية الإيرانية ولا نرى بعد مؤشرات تدل على هذا التحول”.
ويرى إحسان إسقايي، في مقال بصحيفة “آرمان ملي” أن “مطلب إيران منطقي وهو رفع العقوبات. لقد أجرت إيران مفاوضات غير مباشرة مع الأميركيين بعد خروج ترمب من الاتفاق النووي برعاية الأوروبيين غير أن إيران وأوروبا دخلتا في علاقة صعبة بسبب الحرب في أوكرانيا وبالتالي تولت دول عربية الوساطة بين إيران والولايات المتحدة”.

 

أ ف ب أ ف ب

الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، البيت الأبيض في 8 مايو 2018 

وأضاف: “لقد أجرى المسؤولون الإيرانيون والأميركيون على المستويات الأمنية والوفود السياسية مفاوضات غير مباشرة خلال العام الماضي أدت إلى اتفاق غير مكتوب عنوانه خفض التصعيد. وجرى الاتفاق باستمرار المفاوضات غير المباشرة على المستويات الفنية بين ممثلي إيران وأميركا غير أن المفاوضات توقفت لسببين: الأول الحرب في غزة والتي توسعت لتشمل العراق وسوريا ولبنان وحتى إيران مع إسرائيل. والثاني: الانتخابات الرئاسية الأميركية”.
وتابع: “الحقيقة أن المفاوضات توقفت بشكل كامل في الوقت الراهن وأن استئنافها أمر بعيد للغاية بسبب نتيجة الانتخابات الأميركية والتصعيد بين إيران وأميركا في حرب إسرائيل”، معتبرا أن “مستقبل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة مرهون بهذين العاملين”.
وأضاف: “لقد حاول ترمب سابقا أن يوقف البرنامج النووي الإيراني. كما يتوقع أن الحرب في أوكرانيا ستنتهي في عهد ترمب، الأمر الذي يؤدي بشكل غير مباشر إلى خفض الضغوط الأوروبية على إيران”.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M