ترجمة: ابراهيم قنبر
“بسبب الركود الاقتصادي الناجم عن الحظر الذي فُرض في العديد من البلدان، يجب على الدول أنْ تعتمد نموذج التدخل الحكومي الصيني في الشّركات، وذلك لتجنّب انهيار النشاط الاقتصادي لديها” *سيدومير نستوروفيتش أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة سنغافورة.
ولكن المفارقة، إذا ما تبنّى الجميع هذا النموذج، ستكون نهاية العولمة، التي أدّت في الواقع إلى نجاح الأسلوب الصيني.
لقد دفعت جائحة فيروس كورونا قادة الدول الغربية إلى الاستسلام لصافرات التدخل وبسرعة، وهذا لأسباب يفهمها الجميع، فقد كان الاعتماد الكبير على الخارج في تأمين المنتجات التي تُعتبر ضروريةً كالأدوية والمعدّات الطبية، والذي ظهر فور البدء بمكافحة فيروس كورونا، ما كان له أثرٌ كارثي على الدول الغربية.
كما سيؤدّي الحظر الذي لا بدّ أن ينتهي إلى حالات إفلاسٍ حتميّةٍ، الأمر الذي سيدفع الدولة إلى النظر في المساعدة التي ستقدمها إلى القطاعات المتضرّرة والتي ستصل إلى مليارات الدولارات.
في هذا المجال، قدّرت الولايات المتّحدة في الوقت الحالي المبالغ التي ستضطر الدولة إلى منحها للشركات والأموال التي ستنفقها لإنعاش الاقتصاد عند ٢.٢ تريليون دولار، في حين يجب على اليابان تخصيص مبلغ ألف مليار دولار لنفس الأغراض.
كما بلغت القروض الحكوميّة المضمونة في فرنسا ٥٠ مليار يورو في ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٠، ويُخشى أن يتمّ تجاوز هذا المبلغ بشكلٍ أكبر بعد انتهاء الحظر عند تسجيل جميع طلبات الدعم، وهذه ليست التدخلات الوحيدة التي تقرّرها الدولة، فقد تكون هناك استثماراتٌ في الأسهم في الشركات الخاصّة إذا لزم الأمر، وهنا تحديدًا نتحدّث عن النموذج الصيني في التدخل الحكومي.
نموذج اقتصاد شبه الدولة:
لقد رأت الدول الغربية في المؤسّسات الحكومية والشركات المرتبطة بالدولة الصينية مجرّد مفارقاتٍ تاريخيةٍ محكومٌ عليها بالزوال، لكن مثل هذا الرأي مضى عليه وقتٌ طويلٌ جدًّا.
وحقيقة الأمر أن ما دفع الغرب إلى مثل هذه الرؤية هو اعتقادهم بعدم فعالية التدخل الاقتصادي الحكومي على الطريقة الصينية، مع ذلك لم يمنع هذا الاعتقاد الشركات في الدول الغربية من التدافع للإنتاج في الصين نفسها.
لطالما كان هذا الانقسام – انتقاد القادة الحكوميين مقابل افتتان الشركات- في مصلحة بكين، لذلك لم تخلق الرؤية سابقة الذِّكر أي مشكلةٍ بالنسبة للصين.
ولكن الآن وبعد أن مدّت الدول الغربية يد المساعدة للشركات واستحوذت على مساهمةٍ فيها، لا بدّ أن يكون هناك بالضرورة مقابلٌ ما: إنّ التدخّلات الحكومية الصينية في الشركات الخاصّة، والتي كانت مفروضةً سابقًا، ستصبح إغراءاتٍ يصعب رفضها في الغرب، لذلك يبدو أنّ الصين قد فازت – في هذه المعركة فحسب- لأنّ اقتصاد شبه الدولة سيصبح نموذجًا لبعض الدول الغربية.
من هنا انتصرت الصين في معركتها هذه، ولكن ما يمكن أن تجعلها تخسر الحرب بمجملها هو أنّ الدول الغربية ستذهب حتى النهاية، وستتبع المثال الصيني في حماية المصالح الوطنية، ولكن ماذا يعني ذلك؟
ما سيحصل في الواقع هو أنّه ستتم إعادة تحديد مؤشرات أداء الشركات التي حصلت فيها الدولة على حصص، ولن تكون منهجيتها البحث عن الربح فقط، بل ستسود المصالح الوطنية أي اعتبارٍ آخر، هذا يعني أن الدول الغربية لن تعتمد بأي حالٍ من الأحوال على دولةٍ – مثل الصين – يمكنها لأسبابٍ سياسيةٍ أو لأي أسبابٍ أخرى أن تقرر عدم الاستمرار في تزويد دولٍ أخرى.
لذلك من الضروري الاعتماد على الإنتاج في الداخل، وهذا الاتجاه الانطوائي الذي بدأته الولايات المتحدة منذ انتخابات ترامب في عام 2016 لن يتوقف، بصرف النظر عن قاطن البيت الأبيض.
في نفس الفكرة، فقد حَذَت آسيا حَذوَ الغرب، في حين تردّدت أستراليا ونيوزيلندا في الاختيار بين الصين – أكبر شريك تجاري لهما- والولايات المتحدة- حليفهما الاستراتيجي والعسكري، ثمّ ما لبثت أن أظهرت الأيام القليلة الماضية تحولهما نحو الولايات المتحدة، كما اتّحد الْجاران في المطالبة بإجراء تحقيقٍ مستقلٍّ في الصّين حول أصل فيروس كورونا وطريقة إدارته، على الرغم من التهديد المبطّن بالمقاطعة من الصين.
من جهتها فقد شدّدت الهند شروط الاستحواذ على الشركات الهندية من قِبل الدول المجاورة، المقصود بــ “من قِبل الدولة المجاورة” الصين بوضوح، بينما أنفقت اليابان للتو مبلغ 2 مليار دولار لتشجيع الشركات اليابانية العاملة خارج الصين.
كذلك لا تزال مجموعة دول جنوب شرقي (آسيان) تحسب التأثيرات المحتملة حتى الآن، ولكن إذا ما استمرت الصين في دفع بيادقها في بحر الصين الجنوبي، لن يتأخر الحسم كثيرًا.
وبالتالي، فقد فازت الصين بفرض نموذج الدولة الذي أثبت أنه أكثر فعاليةً في ظروفٍ استثنائية مثل الوباء، ولكنه انتصار باهظُ الثمن لأنه إذا تبنى الجميع نفس النموذج، فلن يكون هناك عولمة، ولا نمو للصين.
هذا هو السبب في أن الصين أبعد ما تكون عن التحدث عن “النصر”، فهي تريد أكثر من أي شيء آخر أن تستمر العولمة كما كانت في السابق، وهو أمر غير مؤكّدٍ في ظل الظروف الحالية.
رابط المصدر: