- مايكل هيرتسوغ
- غيث العمري
منذ اندلاع أزمة “كوفيد-19″، اتخذت “السلطة الفلسطينية” خطوات عديدة لاحتواء الفيروس وتأمين المساعدة من الخارج. كما سلّطت الجائحة الضوء على علاقة التبعية المتبادلة مع إسرائيل، حيث يقوم الجانبان بتطبيق إجراءات عملية مشتركة لإبقاء الوضع تحت السيطرة في الداخل وفي الجوار. ويبحث هذا المرصد السياسي المكوَّن من جزأين الكيفية التي تتقدم بها هذه الجهود والفرص التي تنطوي عليها لتشجيع قيام تعاون أوسع. ويركز الجزء الأول على الوضع في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وسيناقش الجزء الثاني قطاع غزة.
“السلطة الفلسطينية”
حتى قبل انتشار الوباء، كانت حكومة “السلطة الفلسطينية” في الضفة الغربية تعاني من ضعف مزمن وتعتمد إلى حدّ كبير على إسرائيل في الواردات/الصادرات، والمساعدة الطبية، والأهم من ذلك، في الوظائف. وفي ظل الظروف العادية، يعمل حوالي 140.000 عامل فلسطيني بشكل قانوني في إسرائيل ومستوطناتها في الضفة الغربية، مما يوفر مصدر دخل بالغ الأهمية للاقتصاد الفلسطيني المتردي.
كما أن اعتماد إسرائيل على “السلطة الفلسطينية” كبير أيضاً، وليس فقط من حيث الفوائد الاقتصادية التي يوفرها العمال الفلسطينيون في قطاعي البناء والزراعة. وإذا أدت أزمة غير قابلة للسيطرة إلى تقويض استقرار “السلطة الفلسطينية”، فستشعر السلطات الإسرائيلية بقلق عميق من أن يؤدي ذلك إلى إثارة تحديات أمنية خطيرة في الضفة الغربية يمكنها أن تمتد إلى إسرائيل نفسها.
واعتباراً من 27 نيسان/أبريل، أبلغ مسؤولو “السلطة الفلسطينية” عن تسجيل 325 حالة إصابة بفيروس كورونا في الضفة الغربية، وحالتي وفاة. وعموماً، استجابوا بسرعة وفعالية إزاء المرض، وأعلنوا حالة الطوارئ، وأغلقوا المدارس والمساجد، وقيّدوا الحركة بشدة إلى الضفة الغربية وفي داخلها. وفي معظم المناطق، نفذت أجهزة الأمن التابعة لـ “السلطة الفلسطينية” إرشادات الحكومة. وفي المواقع التي لا يُسمح فيها لهذه القوات بالعمل بحرية (مثل القدس الشرقية والقرى في “المنطقة ج”)، تولّت “لجان طوارئ” محلية شكّلتها حركة «فتح» الحاكمة هذه المسؤولية. غير أن أنشطتها في الأحياء التي تسيطر عليها إسرائيل في القدس الشرقية أثارت [بعض] التوترات.
وعلى الصعيد الدولي، وصلت مطالب “السلطة الفلسطينية” إلى مسامع الصين التي أرسلت إليها عدداً كبيراً من الاختبارات، ولكن بخلاف ذلك لم تحظَ سوى بدعم متواضع – سواءً طبياً من “منظمة الصحة العالمية” والمانحين الآخرين، أو مالياً من “الاتحاد الأوروبي” (71 مليون دولار) وقطر والكويت و”البنك الدولي” (ما يصل إلى 10 ملايين دولار لكل منهما). وطُرحت فكرة استئناف الدعم الإنساني من الولايات المتحدة ولكنها لم تتبلور بعد، لأسباب سياسية في الغالب. وفي غضون ذلك، خصّصت واشنطن 5 ملايين دولار كمساعدات للاحتياجات العاجلة للمستشفيات والأسر الفلسطينية، لكن هذه لفتة رمزية إلى حد كبير تُقدَّم كجزء من حزمة إنسانية أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط.
وعلى الصعيد السياسي، عزّز تعامل “السلطة الفلسطينية” مع الوضع بشكل كبير تقييمات التأييد لها التي كانت متدنية. وقد خضع الرئيس محمود عباس البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً ذو الحالة الصحية الهشة لعزل ذاتي إلى حد كبير، لذا فإن المستفيد الرئيسي هو رئيس الوزراء محمد أشتية، الذي يبدو أنه سيطر على الوضع. وحيث إنه مسؤول محنّك في حركة «فتح»، فيعود سبب اختياره لهذا المنصب جزئياً إلى اعتباره تكنوقراطياً لا يشكّل أي تهديد، لكن قيادته لجهود الاستجابة للوباء تُبرِز مكانته كخليفة محتملة لعباس. وإدراكاً منه للتداعيات السلبية لما يبدو أنه تعاوناً مفرطاً مع إسرائيل، فقد أصدر خطاباً شديد اللهجة ضد الدولة وفوّض التواصل المباشر مع مسؤوليها للآخرين. ومع ذلك، فإن ارتقاءه إلى الصدارة السياسية سيضطره في نهاية المطاف إلى الصمود في وجه التحديات الاقتصادية والمنافسات ما بعد الجائحة مع الطامحين الآخرين لمنصب الرئاسة.
فضلاً عن ذلك، لا يمكن للأداء الحالي لـ “السلطة الفلسطينية” أن يتغلب على نقاط ضعفها الأساسية والاعتماد على الدعم الخارجي، الذي سيتقلّص من دون شكّ في الفترة المقبلة. ومنذ انتشار الوباء، خسرت “السلطة الفلسطينية” أكثر من 50 في المائة من إيراداتها، مما دفعها إلى الاقتراض بشكل كبير من المصارف الفلسطينية ومناشدة إسرائيل للحصول على الدعم. ولن تتمكن “السلطة” قريباً من دفع رواتب كاملة لموظفي القطاع العام. وإذا استمرت الضفة الغربية مغلقة لعدة أشهر أخرى، فمن المرجح أن ينكمش “الناتج المحلي الإجمالي” الفلسطيني بمبالغ لم يسبق لها مثيل.
تعاون إسرائيلي – فلسطيني محفوف بالتوترات
في المراحل الأولى من الأزمة، أنشأت إسرائيل و”السلطة الفلسطينية” غرفة عمليات افتراضية مشتركة لتنسيق استجابتهما للفيروس. وتم تعزيز الإطار الحالي للتنسيق المدني – “المنسق الإسرائيلي للأنشطة الحكومية في المناطق الفلسطينية” و “وزارة الشؤون المدنية” الفلسطينية – مع ممثلين عن “وزارة الصحة” من كل جانب ومؤسسات أخرى. ووصف مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف التعاون الذي أعقب ذلك بأنه “ممتاز”، وقد دعمه الشعب الفلسطيني على نطاق واسع.
وفي الأسابيع الأخيرة، نقلت إسرائيل عدة آلاف من الاختبارات وعشرات الآلاف من الكمامات وغيرها من أجهزة الوقاية إلى “السلطة الفلسطينية”، معظمها من “منظمة الصحة العالمية” وبعضها من خزائنها الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، نظم [مكتب] “المنسق الإسرائيلي للأنشطة الحكومية في المناطق الفلسطينية” دورات تدريبية مشتركة للكوادر الصحية الإسرائيلية والفلسطينية ونشر المعلومات ذات الصلة للجمهور الفلسطيني حول كيفية التعامل مع الفيروس.
وفي أواخر آذار/مارس، أفرجت إسرائيل عن 33.5 مليون دولار إضافي إلى جانب التحويلات الشهرية المنتظمة لأموال الضرائب الفلسطينية غير المباشرة التي تجمعها لـ “السلطة الفلسطينية” – ووافقت على تضييق هوة بعض الخلافات في حساب التصاريح السابقة. بالإضافة إلى ذلك، قبلت طلب “السلطة الفلسطينية” بتحويل إيرادات التخليص بما لا يقل عن 137 مليون دولار شهرياً للأشهر القليلة المقبلة. وسابقاً، اتخذت إسرائيل قراراً غير عادي، بالتنسيق مع “السلطة الفلسطينية”، تمثّل بالسماح للموظفين الفلسطينيين في “القطاعات الأساسية” بمواصلة العمل داخل البلاد في ظل ظروف معينة. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، فضّل حوالي 50،000 عامل فلسطيني هذا الخيار.
إلا أن “السلطة الفلسطينية” دعت هؤلاء العمال في 24 آذار/مارس إلى العودة من إسرائيل ودخول الحجر الصحي، مدّعية أن البلاد هي المصدر الرئيسي للعدوى في المناطق الفلسطينية. وامتثل عدد كبير من العمال إلى هذه الدعوة، ومن غير الواضح متى سيعودون إلى إسرائيل، خاصة مع بدء شهر رمضان.
وفي الواقع، لم يترجم التعاون العملي بين الجانبين إلى رسالة عامة أو دبلوماسية إيجابية. فقد ادّعى أشتية وكبار المسؤولين الآخرين، بإشارتهم إلى حوادث منفصلة، أن جنوداً إسرائيليين نشروا الفيروس عمداً في الضفة الغربية، وأن إسرائيل تعرقل جهود “السلطة الفلسطينية” لمحاربة الوباء؛ وتم دمج هذه الادعاءات وغيرها في حملة دبلوماسية دولية. ورفضت إسرائيل بشدة جميع المزاعم واتهمت الفلسطينيين بالتحريض، وحذرت من أن ممارسة المزيد من الاستفزازات قد تجبرها على إعادة النظر في مستوى تعاونها.
وما يُعتبر واعداً على نحو أكبر، هو أنّ مؤسسة الدفاع الإسرائيلية سجّلت انخفاضاً ملحوظاً في عدد الهجمات ضدّ الإسرائيليين في الضفة الغربية خلال فترة الوباء، واستمر التنسيق الأمني الثنائي دون انقطاع. ومع ذلك، بإمكان أزمة اقتصادية متصاعدة أن تعكس هذا الاتجاه.
القدس الشرقية
تبرز القدس الشرقية، التي تضمّ نحو 350 ألف فلسطيني، كمنطقة غير محصنة بشكل خاص. فلطالما كانت مستشفياتها مقرّ نظام الرعاية الصحية الفلسطيني، بتقديمها علاجات غير متوفرة في الضفة الغربية. غير أن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب أوقفت كافة التمويل الأمريكي المخصص لهذه المرافق في عام 2018 (25 مليون دولار سنوياً، أو ربع ميزانيتها). ونتيجة لذلك، تكبدت عجزاً حاداً وواجهت الأزمة الحالية وأصبحت أضعف كثيراً، حيث أن اثنين فقط من مستشفياتها الستة مجهزة لمعالجة مرضى كورونا.
ويمكن أن يؤدي العدد المتزايد للفلسطينيين المصابين في القدس الشرقية (أكثر من 140 إصابة وحالتي وفاة) إلى تحويلها مركز رئيسي لانتقال العدوى إلى كلا الجانبين. ففي 7 نيسان/أبريل، حذر رئيس بلدية القدس موشيه ليون وزارة الصحة الإسرائيلية من أن الانهيار المحتمل للمستشفيات الفلسطينية يمكن أن يؤدي إلى تأثير جماعي على النظام الصحي في المدينة بأكملها، مما يزيد من سوء وضعها كمركز رئيسي [لانتشار] الوباء في إسرائيل.
الخاتمة
في ظل أسوأ السيناريوهات، قد تؤدي الأزمة إلى تعطيل “السلطة الفلسطينية” اقتصادياً وتقويض التعاون الأمني في الضفة الغربية. لكن في الوقت نفسه، أسفرت الجائحة عن تعاون وثيق على الأرض، وهو ما يجب توسيعه وتشجيعه وتسليط الضوء عليه من خلال الدبلوماسية الدولية والرسائل العلنية.
ولمعالجة المخاطر مع تعزيز التعاون، على الولايات المتحدة وإسرائيل وأصحاب المصلحة الإقليميين/الدوليين إعداد خطة إنقاذ استباقية بشكل مشترك لمصلحة “السلطة الفلسطينية”. ويجب أن يشمل هذا الجهد مساعدة طبية كبيرة، وبرنامجاً اقتصادياً مصمماً حسب الحاجة، وعودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل – وهو عامل بالغ الأهمية لاقتصاد كل جانب. وكجزء من الخطة، ينبغي على [الجهات] الحليفة للفلسطينيين أن تحث قادة “السلطة الفلسطينية” على التوقف عن خطاباتهم الملهبة والتركيز على التعاون الملموس.
كما يجب على واشنطن أن تنظر في الاستئناف الكامل للمساعدة لمستشفيات القدس الشرقية. يجب عرض ذلك على أنه مساعدة للشعب الفلسطيني وليس للحكومة الفلسطينية. ومن شأن تجاهل المواقف البيروقراطية أو القانونية الضيقة أن يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية أيضاً.
وفي الوقت نفسه، على الإدارة الأمريكية تكييف توقعاتها حول ما يعنيه التعاون الأخير لدبلوماسية السلام. ولا تزال الديناميكيات الدبلوماسية الأساسية التي كانت سائدة قبل الجائحة قائمة، ومن غير المحتمل أن تعكس “السلطة الفلسطينية” رفضها لخطة ترامب للسلام. فضلاً عن ذلك، تسببت الأزمة بتقلبات جديدة في هذا المجال وزادت من إلحاحية الحفاظ على الاستقرار على الأرض. لذلك يجب على واشنطن التفكير في كيفية تأثير خطوة إسرائيل التي تهدف إلى تطبيق السيادة في أجزاء من الضفة الغربية على الوضع. وتأتي هذه الخطوة على رأس جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي قد تطلقها في أقرب وقت في تموز/يوليو المقبل.
وأخيراً، على الولايات المتحدة تقصي ما إذا كان بالإمكان استخدام التحديات الرهيبة للوباء لإقناع “السلطة الفلسطينية” باستئناف تعاملها السياسي مع واشنطن. وقد ينتج عن ذلك منافع عملية فورية لجميع الأطراف وقد يمهد الطريق لسياق دبلوماسي مُحسّن في المستقبل.
رابط المصدر: