في أرمينيا، يتعين على الصحفيين، بحكم القانون، أن يضعوا المعلومات الصادرة عن الحكومة في قصصهم الصحفية وتغطيتهم الإخبارية لمرض كوفيد-19 الذي يتسبب فيه فيروس كورونا المستجد. وفي الفلبين، قال رئيس البلاد لقوات الأمن إنهم ينبغي عليهم” إطلاق الرصاص وقتل“من ينتهكون إجراءات العزل العام. وفي المجر، أصبح بإمكان رئيس الوزراء أن يحكم بالمراسيم إلى أجل غير مسمى. بحسب رويترز.
في أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا والأمريكتين، فرضت الحكومات حالة الطوارئ لوقف انتشار الفيروس، لتضع بعضا من أشد القيود صرامة على الحريات المدنية منذ هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001، حسبما قال محامون ونشطاء حقوقيون.
وفي الوقت الذي يتفق فيه مثل هؤلاء الخبراء على الحاجة لاتخاذ إجراءات استثنائية للتصدي للجائحة التي فاق عدد ضحاياها أي جائحة أخرى خلال قرن، يشعر البعض بالقلق من خطر تردي أوضاع الحقوق الأساسية وعدم انحسار الإجراءات الاستثنائية بعد انتهاء الأزمة، وقال كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش ”من جوانب كثيرة، يثير الفيروس خطر تكرار رد الفعل على أحداث 11 سبتمبر“ في إشارة إلى الكم الهائل من التشريعات الأمنية والرقابية بجميع أنحاء العالم بعد هجمات تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة والتي قتل فيها قرابة 3000 شخص.
وأضاف لرويترز ”كان الناس يشعرون بالخوف وطلبوا من الحكومات حمايتهم. استغلت حكومات كثيرة ذلك لتقويض الحقوق بشكل تجاوز كثيرا حدود التهديد الإرهابي“، كان روث يتحدث عن تشريعات في دول بينها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي التي كثفت جمع بيانات التأشيرات والهجرة ووسعت صلاحيات مكافحة الإرهاب.
ومن الممكن أن تكتسب بعض التدابير المفروضة كرد فعل على أزمة من الأزمات صفة الإجراء الطبيعي على غرار طوابير الواقفين للفحص الأمني في المطارات في مقابل الشعور بمزيد من الأمان أثناء السفر. وفي أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد، يقول بعض المعلقين السياسيين والاجتماعيين إن المقايضات المماثلة قد تصبح مقبولة على نطاق واسع في مسائل مثل المراقبة، ويضيفون أن استخدام كوريا الجنوبية للهواتف المحمولة وغيرها من البيانات لتتبع حاملي الفيروس المحتملين وفرض الحجر الصحي كان استراتيجية ناجحة ونموذجا يمكن تكراره في جميع أنحاء العالم للحماية من الأوبئة.
وقال المستشار السياسي برونو مكاييس، وهو وزير برتغالي سابق، إن هواجس الناس بشأن الخصوصية جعلت من الصعب محاربة التهديدات مثل الأوبئة، التي يمكن أن تكون لتكنولوجيا التتبع فوائد في مكافحتها، وأضاف ”تزداد قناعتي بأن أعظم معركة في عصرنا هي المعركة ضد ’تقديس الخصوصية‘. إنه يمكن أن يقتلنا جميعا“.
أزمة فوق العادة
ومع انتشار الفيروس من الصين إلى أنحاء العالم، وبعد إصابة أكثر من 1.4 مليون إنسان ووفاة 82000، أقرت الحكومات قوانين وأصدرت أوامر واجبة النفاذ، وتتصدر تدابير حماية الصحة العامة والحد من انتشار المرض قائمة الأولويات.
وقال كلايف ستافورد سميث، وهو محام بارز في مجال الحقوق المدنية ”إنها أزمة فوق العادة تماما، ولا أرى مشكلة في الواقع في اتخاذ الحكومات إجراءات معقولة ولو كانت فوق العادة لحماية الناس“.
وأنشأ المركز الدولي للقانون غير الهادف للربح ومقره في الولايات المتحدة قاعدة بيانات لتتبع التشريعات وطريقة تأثيرها على الحريات المدنية وحقوق الإنسان، وبحسب إحصاءاته، فقد أصدرت 68 دولة حتى الآن إعلانات طوارئ، في حين أقرت تسع دول تدابير تؤثر على حرية التعبير، وشددت 11 دولة إجراءات المراقبة، وفرضت 72 دولة قيودا على التجمعات.
صلاحيات استثنائية
في المجر، على سبيل المثال، مُنح رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذي يهيمن حزبه على البرلمان، حق الحكم بالمراسيم لمكافحة الوباء، دون وضع حدود زمنية لهذه الصلاحيات، وإمكانية سجن الناس لمدد تصل إلى خمس سنوات إذا نشروا معلومات كاذبة أو عرقلوا جهود القضاء على الفيروس.
وقالت الحكومة المجرية إن القانون لم يخولها سوى اتخاذ الإجراءات المطلوبة ”للوقاية من فيروس كورونا والسيطرة والقضاء عليه“. وقال المتحدث زولان كوفاكس إنه لا أحد يعرف إلى متى سيستمر الوباء، لكن بإمكان البرلمان إلغاء الصلاحيات الإضافية.
وعلى صعيد آخر، وضعت صياغة لقانون للطوارئ في كمبوديا تمنح سلطات إضافية لرئيس الوزراء هون سين الذي يحكم البلاد منذ 35 عاما وتندد الدول الغربية بقمعه للمعارضين وجماعات الحقوق المدنية ووسائل الإعلام. ومدة القانون ثلاثة أشهر ويمكن تمديده إذا لزم الأمر، ولم ترد الحكومة الكمبودية على طلب للتعليق. ودافع هون سين عن القانون في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع، قائلاً إنه ضروري لكي يتمكن من إعلان حالة الطوارئ، إذا لزم الأمر، لمنع انتشار الفيروس وإنقاذ الاقتصاد.
وفي مكان آخر بجنوب شرق آسيا، استدعى رئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان أوتشا، وهو زعيم انقلاب سابق احتفظ بالسلطة بعد انتخابات متنازع عليها العام الماضي، صلاحيات الطوارئ التي تسمح له باللجوء إلى الحكم بالمراسيم. وتستمر هذه الصلاحيات حتى نهاية الشهر، لكن يمكن تمديد أجلها أيضا.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة التايلاندية نارومون بينيوسينوات ”إن الحكومة تستخدم سلطات الطوارئ فحسب عند الضرورة لاحتواء انتشار فيروس كورونا“، وفي الفلبين، قال قائد الشرطة إن أوامر الرئيس رودريجو دوتيرتي بإطلاق النار على منتهكي إجراءات العزل العام هي دليل على جديته وليست إشارة بإطلاق النار على الناس، ولم يرد المتحدث باسم الرئاسة ولا أمين مجلس الوزراء على طلب للتعليق.
الصحة العامة
يرى روث وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان، أن المخاطر لا تقتصر على الحريات الأساسية فحسب، بل على الصحة العامة أيضا. ويقولون إن القيود المفروضة على وسائل الإعلام يمكن أن تحد على سبيل المثال من نشر المعلومات التي تساعد على وقف انتشار الفيروس.
واتهم معارضون رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بمحاولة تكميم الأفواه من خلال مطالبة الصحفيين بالحصول على تصريح من الحكومة قبل نشر أخبار عن الفيروس وهو طلب رفضته المحكمة العليا في الهند. وتتهم وسائل الإعلام مودي بعدم الاستعداد لمواجهة الفيروس بما في ذلك عدم كفاية معدات الحماية للعاملين في قطاع الصحة.
ولم ترد الحكومة الهندية على طلب التعليق في حين قالت حكومة أرمينيا إنها ليس لديها تعليق على الفور. وتشير كلتا الحكومتين إلى أنهما تريدان منع انتشار معلومات مضللة يمكن أن تعطل جهود السيطرة على الفيروس.
وحذر كارل دولان، من معهد السياسة الأوروبية للمجتمع المفتوح من اتجاه بعض الحكومات إلى استبقاء سلطات استثنائية في قوانينها بعد زمن طويل من اختفاء التهديد الذي صدرت أصلا للتصدي له، واقترح دولان إجراء مراجعة إلزامية لمثل هذه التدابير كل ستة أشهر على الأقل محذرا من خطر ”الإنزلاق التدريجي نحو الاستبداد“.
حقوق الإنسان على المحك في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
اعتقالات وسجن ومراقبة إلكترونية… في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث يساء غالبا الى حقوق الإنسان، يخشى كثيرون أن تؤدي الإجراءات الهادفة الى الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد الى مزيد من الانتهاكات. بحسب فرانس برس.
في مواجهة تفشي الوباء، بات ما يقرب من نصف البشرية يعيش في عزلة، ويتعرض هؤلاء لمراقبة مشددة. وتدعم غالبية الرأي العام التدابير التي تتخذها الحكومات، لكن أصواتا بدأت أيضا ترتفع للتحذير من تداعيات ذلك على حقوق الإنسان.
وينطبق هذا القلق بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي غالبًا ما تصنف على أنها مثال سيء في هذا المجال، في ظل وجود أنظمة تعمل على تعزيز أجهزتها الأمنية دون أي ضوابط.
وأظهرت صور في عدد من البلدان العربية شوارع مهجورة تسير فيها سيارات عسكرية ومدرعات تعمل على فرض الحجر الصحي المنزلي وحظر التجول، في مشهد يتناقض مع ما شهدته تلك الشوارع من احتجاجات شعبية أدت في عام 2019 إلى سقوط حكومات ورؤساء في الجزائر والعراق ولبنان والسودان.
وسجلت أكثر من 32 ألف إصابة بفيروس كوفيد-19 و2100 حالة وفاة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حتى الآن، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، في الأردن، وقع الملك عبد الله الثاني على “قانون الدفاع” الذي يفعل فقط في حالات الطوارئ ويمنح سلطات استثنائية للحكومة، وأغلق الجيش العاصمة عمان وجميع محافظات المملكة ومنع التنقل في ما بينها، فيما تم اعتقال مئات الاشخاص لعدم امتثالهم لأوامر حظر التجول.
ورغم أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع عمر الرزاز تعهد بتطبيقه “في أضيق الحدود”، مؤكدا أنه لن يمس الحقوق السياسية أو حرية التعبير أو الملكيات الخاصة، حضت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان الأردن على الالتزام بعدم الانتقاص من الحقوق الأساسية للمواطنين.
في المغرب، ظهرت دوريات مدرعة أيضًا في الرباط لضمان امتثال المواطنين “لحالة الطوارئ الصحية”. لكن في المملكة المعروفة بسياساتها الأمنية، لا تثير الاعتقالات التي تطال أشخاصا يخاطرون بفرض غرامات باهظة عليهم وصولا الى دخول السجن، الكثير من الاحتجاجات، لا بل تتمّ أحيانًا الإشادة بها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال صحافي مغربي فضل عدم الكشف عن هويته “الناس يطالبون بمزيد من النظام (…). نحن نشهد عملية تراجع سياسية كبيرة يسهلها الإجماع الواسع حول دور الدولة في زمن فيروس كورونا المستجد”.
في الوقت نفسه، تعهدت الرباط بمعركة بلا هوادة ضد “الأخبار المزيفة” عن الفيروس. لكن اعتمادها لقانون ينظم عمل مواقع التواصل الاجتماعي أثار مخاوف الجمعيات الحقوقية.
تسريع القمع
في إسرائيل، قام جدل حاد بعد قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو السماح لجهاز الأمن الداخلي” شين بيت” الذي يركز عادة على “أنشطة مكافحة الإرهاب”، بجمع البيانات عن المواطنين في إطار حملة لمكافحة فيروس كورونا المستجد، لا سيما أنه جاء على خلفية أزمة سياسية في البلاد.
وقال عالم الأنتروبولوجيا الإسرائيلي يوفال نوح هراري في افتتاحية نشرتها صحيفة “فايننشال تايمز” إن “الوباء يمكن أن يمثل نقطة تحول”، لأن “استخدام أدوات المراقبة الضخمة” يعرض المواطنين لمزيد من السيطرة التدخلية.
في الجزائر، وبعد أكثر من عام على الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة، أدى ظهور الوباء إلى وضع حد – ولو بشكل مؤقت – للتظاهرات الأسبوعية ضد النظام، في حين عبرت منظمات غير حكومية عن استيائها لاستمرار نشاط الجهاز القضائي.
وأعلنت منظمة “مراسلون بلا حدود” توقيف الصحافي الجزائري المستقل خالد درارني مساء الجمعة.ونددت بـ”الاستخدام المخجل من جانب النظام الجزائري لكوفيد-19 لتصفية حساباته مع الصحافة الحرة والمستقلة”.
وقال نائب مدير “مراسلون بلا حدود” لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إريك غولدشتاين في تغريدة على “تويتر”، “الحراك علّق تعبئته في مواجهة فيروس كورونا المستجد، لكن الحكومة لم تعلّق قمعها”، وقضت محكمة الاستئناف بالجزائر الثلاثاء بالسجن سنة مع النفاذ بحق المعارض كريم طابو، أحد رموز الحراك الشعبي ضد النظام المتوصل منذ أكثر من سنة.
في تونس حيث الديمقراطية شابة لكن هشة، لم يتم إصلاح نظام الشرطة السابق الذي اعتاد عناصره الممارسات الأمنية بشكل كامل، وطلبت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان إيضاحات بشأن تدابير الحجر الصحي المنزلي بعد تنديد على الإنترنت بتدخلات تعسفية للشرطة ضد أشخاص خرجوا من منازلهم للتسوق، وثارت شكوك بأن أشخاصا آخرين بلغوا عنهم، في لبنان، ورغم انحسار التظاهرات التي انطلقت في 17 تشرين الاول/أكتوبر ضد الطبقة السياسية الحاكمة المتهمة بالفساد وعدم الكفاءة، قامت الشرطة ليل الجمعة وصباح السبت بتفكيك خيم المعتصمين في ساحة الشهداء في وسط بيروت في عز تدابير “حالة التعبئة الصحية” و”حظر التجول الذاتي” التي أعلنها رئيس الحكومة حسان دياب.
سجناء الرأي
في مصر، استهدفت الحكومة وسائل إعلامية شككت بالحصيلة الرسمية المتدنية لعدد المصابين بفيروس كورونا المستجد. وأفادت صحيفة “غارديان” البريطانية أن مراسلتها في مصر أُرغمت على مغادرة البلاد بعد مقال اعتبرت السلطات أنه يحمل “سوء نية”.
ومع ارتفاع عدد الإصابات، اتخذت السلطات تدابير احترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد مع عقوبات للمخالفين تبدأ بغرامة مالية وتنتهي بالحبس، ودقت عائلات سجناء الرأي في مصر ناقوس الخطر، محذرة من كارثة قد تنجم عن تفشي فيروس كورونا المستجد في سجون مصر المكتظة والرديئة.
وبحسب المنظمات غير الحكومية، يوجد في مصر حوالى 60 ألف سجين سياسي. ودعت منظمة العفو الدولية إلى الإفراج “الفوري وغير المشروط” عن سجناء الرأي، لكن السلطات أفرجت فقط عن 15 سجينا سياسيا.
في تونس، دعا الرئيس قيس سعيد بنفسه إلى إطلاق سراح المعتقلين، بينما في دول الخليج دعت منظمات غير حكومية إلى إطلاق سراح المدافعين عن حقوق الإنسان مثل أحمد منصور في الإمارات ونبيل رجب في البحرين.
وبحسب الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش” هبة زيادين، تتسم سجون دول الخليج بالاكتظاظ والظروف غير الصحية ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية، وتساءل الناشط الكويتي أنور الرشيد على “تويتر” قائلا “في مواجهة هذا الوباء ، ألم يحن الوقت لإطلاق سراح سجناء الرأي؟”.