هل التصعيد الاسرائيلى الجارى الآن سيكون له تاثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ الإجابة نعم. هل هذا التصعيد جزء من مخطط رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو للتأثير على نتائج هذه الانتخابات؟ الإجابة أيضا نعم. هل سيصب هذا التصعيد فى مصلحة كامالا هاريس أم دونالد ترامب؟ بالتأكيد ترامب. ما الذى يتوقعه نتنياهو من فوز ترامب؟ الدعم المطلق والمزيد من الهدايا المجانية كتلك التى قدمها ترامب فى فترة رئاسته السابقة مثل نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بضم إسرائيل للجولان المحتل.
فمما لا شك فيه أن قيام نتنياهو بالتصعيد من جبهة غزة إلى جبهة الضفة ولبنان وإيران يرتبط بالانتخابات الأمريكية فى بعدين. الأول إدراكه أن الإدارة الأمريكية الحالية وقبل أربعة أسابيع من موعد التصويت فى الانتخابات الرئاسية، لا يمكن أن تمارس أى ضغوط عليه. وهذا ما يحدث بالفعل. فإدارة بايدن يتسم سلوكها بالسلبية المطلقة تجاه التصعيد الإسرائيلى، بل تبدو مواقفها متناقضة تماما، وتؤدى لنتائج عكسية. فقد طلبت من إسرائيل أكثر من مرة عدم التصعيد وخاصة فى جنوب لبنان ومع إيران، ولكن إسرائيل تجاهلت تماما هذه المطالب الأمريكية، ورفضت أى مقترحات تتعلق بوقف إطلاق النار وقامت بالتصعيد، وترتب على ذلك زيادة درجة التوتر الإقليمى فى منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم قامت الولايات المتحدة بتكثيف وجودها العسكرى فى المنطقة، وأعلنت عن التزامها بالدفاع عن إسرائيل، وهو ما شجع نتنياهو على المزيد من التصعيد، طالما أن هناك تعهدا أمريكيا بحماية إسرائيل. أى أن الإدارة الأمريكية أدخلت نفسها فى حلقة مفرغة قائمة على التناقض وغير قادرة على الخروج منها. ونتنياهو هو المستفيد من ذلك.
أما البعد الانتخابى الآخر المرتبط بالتصعيد، فهو أن نتنياهو يستهدف بالتصعيد المساعدة فى فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. حيث إن موقف الإدارة الديمقراطية ومرشحتها (نائب الرئيس) كامالا هاريس يبدو مشلولا، فهى تريد الحفاظ على أصوات اليهود، وفى نفس الوقت يزايد ترامب فى مواقفه المؤيدة لإسرائيل لكسب هذه الأصوات، مثل إعلانه عن تأييده لضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية.
ولكن من ناحية أخرى فإن هاريس مهددة بفقدان أصوات قطاعات من الشباب الذى تظاهر فى الجامعات الأمريكية تأييدًا للفلسطينيين، والأمريكيون من أصول عربية وإسلامية الذين هددوا بعدم الخروج للتصويت لو استمرت الإدارة الأمريكية الحالية فى تأييدها المطلق لإسرائيل.
والواقع أن تأثير هذه القطاعات، خاصة العرب الأمريكيين، سيكون كبيرا فى هذه الدورة الانتخابية، بسبب تمركزهم فى عدد من الولايات المتأرجحة التى ستحسم نتيجة الانتخابات وخاصة ولاية ميتشجان، والتى تحتاج كامالا هاريس للفوز فيها للوصول للبيت الأبيض. وفى ظل المنافسة المحتدمة بين ترامب وهاريس فى الولايات المتأرجحة، والتى تشير استطلاعات الرأى إلى ان احتمالات فوز أى منهما بهذه الولايات تكاد تكون متساوية، وأن الفارق الطفيف لمصلحة أى منهما يدخل فى إطار ما يسمى هامش الخطأ فى نتائج استطلاعات الرأى.
ويدرك نتنياهو أن استمرار التصعيد، ورفض أى مبادرة لوقف إطلاق النار قبل التصويت فى الانتخابات الأمريكية (٥ نوفمبر القادم) واستمرار مواقف إدارة بايدن تجاه إسرائيل، سوف يصب فى مصلحة المرشح دونالد ترامب، لأنه قد يؤدى إلى جذب مزيد من أصوات اليهود له بسبب مزايداته الانتخابية لدعم إسرائيل، ونتيجة لاحتمال قيام قطاعات من الشباب الأمريكى والعرب والمسلمين الأمريكيين بعقاب هاريس، والامتناع عن التصويت فى الانتخابات.
ويثير البعض سؤالًا هو: ألا يدرك العرب الأمريكيون أنهم بذلك يساهمون فى وصول ترامب (الأكثر خطورة) للبيت الأبيض. ولكن إجابة الذين سيمتنعون عن التصويت لهاريس هى أنه مع إدراك خطورة ترامب إلا أنه من المهم أيضا تسجيل قدرة العرب الأمريكيين على التأثير فى الانتخابات الأمريكية، خاصة لمرشحى الحزب الديمقراطى، وبالتالى سيؤخذ فى الاعتبار تأثير هذه الكتلة الانتخابية فى المستقبل.
أما عن رهانات نتنياهو بشأن فوز ترامب، فهو يعلم أن وجود ممثل لليمين الأمريكى فى البيت الأبيض (ترامب) يتماشى أيديولوجيا وسياسيا مع توجهات حكومته (اليمينية)، وهو يرى أن التحولات الجيلية التى يشهدها الحزب الديمقراطى الأمريكى لن تصب مستقبليا فى مصلحة إسرائيل، فى حين أن القاعدة الإنجيلية المسيحية بالحزب الجمهورى تتماشى أفكارها مع التيار الدينى الأصولى والقومى اليهودى، والذى يمثل القاعدة الانتخابية لنتنياهو وائتلافه الحاكم.
كما أن نتنياهو يتوقع العودة لسياسات ترامب، والهدايا المجانية لإسرائيل كما حدث من قبل فى الاعتراف بضمها للجولان ونقل السفارة الأمريكية للقدس، وكذلك عودة نفوذ جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه للشرق الأوسط، والذى كتب حديثا أن يوم اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هو اليوم الأكثر أهمية فى تاريخ الشرق الأوسط منذ الاتفاقيات الإبراهيمية.
وبالرغم من رهانه على ترامب، إلا أن نتنياهو يعمل أيضا على فرض وقائع على الأرض فى غزه والضفة ولبنان، بحيث لا يكون ما من مفر أمام أى إدارة أمريكية جديدة، حتى إدارة هاريس، إلا التعامل معها.
باختصار المنطقة أمام مرحلة صعبة ترتبط بما يحدث فيها وما يحدث فى واشنطن.