ونحن نستذكر رحيل نبي الإنسانية، نرى من الجدير تسليط الضوء على أهم زاوية في حياته الشريفة، وهي؛ المرأة، كونها شكلت بالنسبة له –وماتزال- ركناً أساس في بناء المجتمع الإسلامي، وعندما نطالع الصورة المشرقة للمرأة في حياة النبي الأكرم، نفهم الحديث المروي عنه، بأن “ما بُني بناء في الإسلام أعظم من الزواج”.
“اتقوا الله في الضعيفين؛ اليتيم والمرأة، فان خيركم خيركم لأهله”.
رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم
عندما كنت اقلب صفحات حياة المرأة في عهد رسول الله، انتابني شعور عارم بالارتياح والفخر لما وجدت للمرأة من منزلة وكرامة وحقوق في الإسلام، من أول حياتها وهي بنت صغيرة، وعندما تكون أختاً، ثم زوجة، ثم أم.
واذا نلاحظ في أحكام الإسلام ونظامه مفردات خاصة تبين شخصية المرأة، لاسيما الحديث الذي صدّرنا به المقال، فهو من أجل أن نكون دقيقين في التعامل معها بما يضمن لها حقّها ويحفظ كرامتها، فالآية القرآنية التي تتكلم عن قيمومة الرجل على المرأة –مثلاً-، فهي إنما تحدد دور الرجل كما تحدد دور المرأة وفق القدرات والمهام الممنوحة لهما من قبل الله –تعالى-، وليس في الأمر أي تقليل لشأن هذا لحساب ذاك، وهو ما أكده الرسول الأكرم، وأهل بيته الكرام في سيرة حياتهم، وحاشا لله –تعالى- أن يخلق انساناً ناقصاً وهو القائل -عزّ وجل- {ولقد كرّمْنا بني آدم} فالمرأة المكرّمة لا يهمها ان تكون غنية ومحملة بالمجوهرات، أو ان تكون عالمة تحفها الشهادات الاكاديمية، او يكون لها ظهور في الاعلام وفي الأروقة السياسية وتزاحم الرجال في المناصب الحكومية.
ونحن نستذكر رحيل نبي الإنسانية، محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، نرى من الجدير تسليط الضوء على أهم زاوية في حياته الشريفة، وهي؛ المرأة، كونها شكلت بالنسبة له –وماتزال- ركناً أساس في بناء المجتمع الإسلامي الذي طالما بذل الجهود المضنية لأن يكون نموذجياً للبشرية جمعاء، فعندما نطالع الصورة المشرقة للمرأة في حياة النبي الأكرم، نفهم الحديث المروي عنه، بأن “ما بُني بناء في الإسلام أعظم من الزواج”، فلو لم تكن المرأة عظيمة عند النبي لما كانت دعامة في أعظم بناء في الإسلام.
مع البنت والأخت والزوجة
قبل ان نقتطف من الروضة النبوية أمثلة غاية في الجمال من التعامل مع المرأة، أجدني ملزماً بالتذكير أن الكلام حول تكريم المرأة وحقوقها يتم التداول فيه بين مقروء او مسموع، ونكتب عنه ونقرأ ونحدث الناس فيه دونما ممارة فيه ولا شك، فضلاً عن ان ثمة من يزايد في أمر الحقوق والكرامة للمرأة بما يؤدي به الى انتهاك هذه الحقوق، دون شعور منه! إنما المهم لها التطبيقات العملية المواكبة دائماً مع تطورات الزمن، وليس الشعارات والتنظيرات فقط.
فكم نحن بحاجة الى مشاهد تكريم البنت الصغيرة كالتي كانت تحظى بها فاطمة من قبل أبيها رسول الله، إن أفعال النبي الأكرم تمثل لنا نظاماً وأحكاماً ملزمة علينا ان نطبقها في حياتنا، فقد كان يقوم لها وهي مقبلة عليه، ويقبل يديها وبين عينيها، ويكرمها ويلاطفها، ثم يمنحها الوسام الأعظم بأن “فاطمة أمّ أبيها”، فهي ليست البنت الصغيرة في الأسرة يسهل تجاوز وجودها وإهانتها واستصغارها لأن “خير أولادكم البنات”، يقول رسول الله، وفي وصية أخرى لنا بأن “اذا جاء أحدكم بشيء لأولاده فليبدأ بالاناث قبل الذكور”، وقال ايضاً: “من فرّح ابنته فكأنما اعتق رقبة من ولد إسماعيل”.
ومن الجيد ان نعرف أن النبي الأكرم كان في سن الستين من العمر، بينما ابنته فاطمة كانت في سن الخامسة عشر عندما قال أنها “أم أبيها”، ليدحض مشاعر الكِبر عند البعض أمام اطفالهم، ولاسيما البنات، ربما يولون الأهمية للذكور لاعتقادهم حاجته الى العزّ والثقة بالنفس والكبرياء في الوسط الاجتماعي، بينما النبي الأكرم يؤكد أن البنت لا تقل حاجة عن الولد في كل هذا وأكثر لأنها ستكون الزوجة والأم في المستقبل، مما يستوجب النظرة المستقبلية في أمر تربية البنات.
أما الحالة الاخرى للبنت في الأسرة فهي الأخت، فقد أعطانا رسول الله صورة رائعة الجمال في علاقته بأخت له بالرضاعة، وهي شيماء السعدية، فقد جاء في السيرة النبوية أن النبي الأكرم كان جالساً ذات يوم مع اصحابه في المسجد “إذ دخلت فتاة بدوية يظهر أنها من صحراء الحجاز، فقام لها رسول الله احتراماً وفرش لها عباءته وأجلسها في جانب من المسجد وأخذ يكلمها ويبتسم في وجهها باحترام وأكرمها ثم لبّى حاجتها، وعندما سُئل عنها قال: إنها شيماء، أخته من الرضاعة”. (المرأة المسلمة أدوارها الدينية والاجتماعية- المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي).
ولا أجدني بحاجة لتكرار ما كتبنا عن علاقة النبي بزوجته المثالية العظيمة؛ السيد خديجة، سلام الله عليها، وأقل ما نستذكره من هذه العلاقة؛ بقاء ذكراها في قلبه بعد وفاتها بسنوات، ففي المدينة، وقد تزوج عدة من النساء، كان يتذكر خديجة في وفائها وإخلاصها ورقّتها وحنانها، فضلاً عن إيمانها العميق، فكان يبعث بالطعام الى نساء في المدينة لمجرد معرفته بأنهنّ كنّ يتعهدن خديجة في ولادتها لفاطمة، وفي وحدتها بعد ان هجرتها نساء مكّة، فكان يصل هذه النسوة كرامة لخديجة.
أما في الحياة الزوجية فان النبي الأكرم يُعد المؤسس والمنظم للعلاقة النموذجية الناجحة من كل الابعاد بين الزوج وزوجته من خلال ما وصاياه لأمير المؤمنين، ولابنته فاطمة، فقد حدد واجبات أمير المؤمنين خارج البيت، أما ابنته الزهراء فان واجباتها داخل البيت، وقال لأمير المؤمنين: ” ياعلي! من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف، كتب الله –تعالى- اسمه في ديوان الشهداء وكتب الله بكل يوم وليلة ثواب الف شهيد وكتب له بكل قدم ثواب الف حجة وعمرة، و اعطاه الله بكل عرق في جسمه مدينة في الجنة”.
ومن ثمّ الأم؛ وما أدرانا ما الأم؟! فقد وضع الرسول الجنة تحت أقدامها: “الجنة تحت أقدام الأمهات”، وفي مؤلفه القيّم، يؤكد سماحة الإمام الشيرازي بأن “البر للأم يتقدم على البر للأب بثلاث مراتب” مستشهداً بالرواية عن النبي الأكرم عندما سأله رجلٌ من أبرّ؟ فقال له: أمك، وكررها ثلاث مرات، وفي المرة الرابعة عندما سأله من أبرّ قال له: أباك.
التكريم يقابله العطاء
بنفس القدر الذي تحظى المرأة طوال حياتها بالتكريم والتفضيل، فانها تثبت قدرتها على العطاء والمشاركة في صنع الحياة السعيدة، ويُعد النبي الأكرم أول من أفسح المجال أمام المرأة للمشاركة في “الانتخابات” التي كانت في يوم فتح مكة على شكل بيعة لرسول الله من نساء المدينة، فدعى النبي بإناء فيه ماء ووضع يده فيه، ثم دعا النساء أن يضعن أيديهن في الماء من تريد بيعته، وقال: “إني لا أصافح النساء”.
الى جانب المشاركة السياسية، أتاح النبي الأكرم فرصة المشاركة الطبية للمرأة المسلمة في ميادين القتال فصارت مسعفة في بواكير التاريخ الاسلامي، فقد ورد في المصادر أن أم عمارة (نسيبة بنت كعب) كانت في طليعة المسعفين قبل أن تشارك المسلمين قتالهم ضد المشركين في معركة أحد لما وجدت خذلان البعض وبقاء رسول الله وحيداً في الميدان الى جانب أمير المؤمنين والقلّة القليلة الباقية، وحينما اصيب ابنها عمارة بجروح قامت بتضميده ثم دفعته للقتال مرة اخرى حتى استشهد بين يديها، فقال في حقها رسول الله: “ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة”؟
وقد ذكر سماحة الامام الشيرازي في مؤلفه (المرأة المسلمة، أدوراها الدينية والاجتماعية)، إن اربعة عشر امرأة قد جئن من المدينة للمشاركة في معركة أحد، ومنهنّ الصديقة الزهراء، عليها السلام، يحملن الطعام والشراب على ظهورهنّ، ويسقين الجرحى ويدوانيهم.
وهذا يعني أن امتهان المرأة للطب لايمثل خياراً شخصياً للفتاة الجامعية، بقدر ما يُعد مسؤولية اجتماعية “كفائية”، كونها تتطابق مع تكوين المرأة وقدراتها، لاسيما وأن النبي الأكرم صرّح بوضوح بأن “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”، فطلب العلم للمرأة فريضة قبل ان يكون استجابة لرغبات او طموحات شخصية.
وبهذه الشخصية المتكاملة للمرأة تكون جديرة بدور التربية والتعليم لأبنائها في البيت، تعطيهم ما لا يجدونه في المدارس والجامعات، إنها الأخلاق والآداب، الى جانب التجارب والعِبر، مما يجعل الابناء، لاسيما الفتيات الصغار تمتلك قاعدة رصينة تبني عليها ما تكتسبه من العلوم والمعارف فتكون عالمة عن فهم وبصيرة، وليس حاملة للعلم على شكل محفوظات قابلة للتحول الى مال وثروة.
الرسول الأكرم يريد للمرأة أن تحمل العلم والثقافة وهي مقام التربية والتعليم، وأن تحمل الأخلاق والآداب في مقام الزوجة الصالحة والطامحة لإنجاح الحياة الزوجية والحفاظ على سلامة الزوج؛ نفسياً وأخلاقياً، لتكون تلك المرأة التي تقف خلف العظماء من الرجال.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/ahlalbayt/39948