تشهد الساحة الأمريكية سباقًا رئاسيًا يجري على صفيح ساخن يقوم فيه كلا المعسكرين بتوظيف كل الأدوات التي تعزز من فرص وصول مرشحه إلى البيت الأبيض. وهي المسألة التي تمتد أيضًا إلى الدين حيث يعمد المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” وحملته إلى ضمان أصوات المتدينين، وفي مقدمتهم الإيفانجيليكيون (الإنجيليون الأصوليون)، الذين اقترن دعمهم بالحزب الجمهوري منذ السبعينيات. وعلى هذا فقد اتجه “ترامب” منذ حملته في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 إلى تعزيز تقاربه مع الإيفانجيليكيين، بالاستناد إلى كونهم قاعدة شعبية جمهورية مضمونة يمكن التعويل عليها في سبيل الحصول على مزيد من الأصوات، ولا سيما في السباق الرئاسي المحموم مع منافسته “كامالا هاريس”. وهي المسألة التي تثير التساؤلات بشأن حدود دعم الإيفانجيليكيين لـ”ترامب”، ولا سيما في ضوء تغير موقفه من قضية الإجهاض، بالإضافة إلى قيام حملة “هاريس” بجهود لكسب بعض الأصوات الإيفانجيليكية، وكذا تزايد الدعوات المتعلقة بالتوقف عن الزج بالدين في خضم المعارك السياسية.
تعزيز التقارب مع الإيفانجيلكيين
يمكن القول بشكل عام إن “ترامب” استهدف دفع الزخم من جديد لما يمكن وصفه بالتزاوج بين الأصوليين الدينيين والحزب الجمهوري الناجم عن ميل الطرفين لاتّباع خط محافظ، وهو التقارب الذي بقي مدفوعًا بسبب رغبة الحزب الجمهوري في الحصول على المزيد من الأصوات، ورغبة الأصوليين في الوصول للمكتب البيضاوي والكونجرس من أجل وضع سياستهم موضع التنفيذ. هذا وقد مثلت الانتخابات الرئاسية لعام 1980 الانتصار الأول للأجندة الأصولية، حيث تبنى الحزب الجمهوري ومرشحه “رونالد ريجان” ما يمكن اعتباره “أجندة أصولية”، وجرى استبعاد العناصر ذات الميول الليبرالية من الحزب أبرزهم الرئيسة المساعدة للحزب “ماري كريسب”.
واستنادًا إلى ذلك، يصور “ترامب” نفسه –منذ حملته الانتخابية الأولى في 2016- كحامٍ للمسيحية في الولايات المتحدة، في مقابل النموذج الليبرالي الذي قدمه الرئيس “باراك أوباما”. وعلى الرغم من مسيرة “ترامب” المتناقضة مع التعاليم الأصولية (ثلاث زيجات، اتهامات التحرش، فضيحة “ستورمي دانيالز”)، لكنه تمكن من تجاوز ذلك عبر بناء تحالفات سياسية راسخة مع قادة الإيفانجيليكيين، وتبني مطالبهم ورؤاهم. وبعد وصوله للمكتب البيضاوي، قام بالعديد من التحركات التي تضمن له استمرار التحالف معهم، أبرزها اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل في 2017، استنادًا إلى ضرورة تحقق نبوءة “إعادة بناء أورشليم قبل عودة المسيح”، ناهيك عن الإعلان الخاص باعتبار حائط البراق إسرائيليًا. ولأن القضاء كان على رأس الشواغل التي تهم الإيفانجيليكيين، فقد قام “ترامب” بتعيين قضاة من اليمين المحافظ.
وفي إطار حملته لانتخابات عام 2020، أعلن “ترامب” في نوفمبر 2019، تعيين القسيسة الإيفانجيليكية “باولا وايت”، راعية “مركز القدر الجديد” في أورلاندو بفلوريدا، في منصب المستشارة الروحية، بعدما شغلت منصب رئيسة للمجلس الاستشاري الإيفانجيليكي لـــــ”ترامب” منذ عام 2017. سهلت “وايت” العديد من اللقاءات بين القساوسة المحافظين ومسئولي البيت الأبيض لطمأنتهم بأن الرئيس مستمر في التجاوب مع اهتماماتهم وقضاياهم. كما اتجه “ترامب” إلى إطلاق تحالف “الإيفانجيليكيين من أجل ترامب”، بكنيسة “الملك يسوع” الدولية، وهي كنيسة كبيرة لاتينية في ميامي بقيادة القس الإيفانجيليكي “جييرمو مالدونادو”.
وفيما يتعلق بالسباق الرئاسي المحتدم لعام 2024، يتضح أن هناك تركيزًا كبيرًا من قبل “ترامب” وحملته لتجييش الإيفانجيليكيين خلفه بما يعزز فرص فوزه في صناديق الاقتراع. إذ أضحت سلسلة الأحداث ذات الطابع الديني بمثابة محور لـ”ترامب” في هذه الانتخابات المحمومة؛ حيث انخرط في لقاءات مع قادة إيفانجيليكيين، وتصدر عناوين الأخبار لترويجه وبيعه أناجيل تحمل عنوان “يبارك الرب الولايات المتحدة” بجانب شعار “يجب أن نجعل أمريكا تصلي مرة أخرى”.
بعد محاولة الاغتيال الفاشلة في يوليو الماضي، قال الإيفانجيليكون إن “ترامب” نجا بفضل “التدخل الإلهي”، مستشهدين بآية “ارتدي سلاح الله الكامل، حتى تتمكن من الوقوف ضد مخططات الشيطان”. هذا، وقد قاد “ترامب” مع مجموعة من القساوسة حشدًا متحمسًا بولاية نورث كارولينا مشددًا على أنه اكتسب معنى جديدًا بعد نجاته من محاولة الاغتيال، وأخبرهم أنه يعتقد أن “الله أنقذه لغرض ما”. وتبعه القس “فرانكلين جراهام”، نجل الإيفانجيليكي الشهير “بيلي جراهام”، الذي قاد صلاة ناشد فيها الرب القدير تأمين فوز “ترامب”.
وفي السياق ذاته، وعد “ترامب” بإنشاء فريق عمل فيدرالي لمحاربة “التحيز المناهض للمسيحية”، والسماح لآباء التعليم المنزلي بإنفاق 10000 دولار سنويًا معفاة من الضرائب على التكاليف المرتبطة بتعليم أطفالهم، ومنع المدارس من “الترويج لنظرية العرق النقدية أو تحول النوع الاجتماعي”. وأشاد “رالف ريد”، رئيس تحالف الإيمان والحرية، الذي يتباهى بجهوده الميدانية القوية في الولايات المتأرجحة، بخطاب “ترامب” في ولاية نورث كارولينا، موضحًا أن تحالف الإيمان والحرية طرق بالفعل 7236000 باب في الولايات المتأرجحة، ويخطط كذلك للمتابعة برسائل نصية ومكالمات هاتفية، مع التركيز على “الناخبين العاديين ومنخفضي الميل الذين صوتوا بشكل أقل في الماضي”.
ومن جهته، أوضح متحدث باسم حملة “ترامب” إلى أن برنامج “المؤمنون والأوراق الانتخابية”، الذي تم إطلاقه خلال الصيف، يهدف إلى زيادة الإقبال المسيحي المحافظ بين الكنائس من خلال زيادة التصويت بالبريد وتسجيلات بطاقات الاقتراع الغيابية بالإضافة إلى التصويت الشخصي. كما تقوم المبادرة بتجنيد “قادة الكنيسة” للمساعدة في تنظيم دعوات الصلاة وتعبئة جماعتهم. وخلال اجتماع لهم في كنيسة في زيبولون، أصر “ترامب” على أن المسيحيين “يُضطهدون” من قبل الديمقراطيين، ومن ثم حثهم على التصويت.
الدعم الإيفانجيليكي الضخم لـ”ترامب”
وفقًا لمعهد أبحاث الدين العام، يشكل الإيفانجيليكيون البيض أقل من (15%) من السكان، لكنهم يشكلون حوالي (25%) من الأشخاص الذين يدلون بأصواتهم بالفعل. وفي آخر انتخابين، صوت حوالي (80%) من هؤلاء الإيفانجيليكيين البيض لصالح “ترامب”. وعلى هذا، فقد أظهر أحدث استطلاع أجراه “مركز بيو للأبحاث”، في الفترة من 26 أغسطس إلى 2 سبتمبر 2024، أن أغلبية الناخبين المسجلين في ثلاث مجموعات دينية رئيسية يقولون إنهم سيصوتون لصالح “ترامب” أو يميلون إلى القيام بذلك. وجاءت النسب على النحو التالي: (82%) من البروتستانت الإيفانجيليكيين البيض، و(61%) من الكاثوليك البيض، و(58%) من البروتستانت البيض غير الإيفانجيليكيين.
في حين تحظى “هاريس” بدعم ما يقرب من ثلثي الناخبين المسجلين أو أكثر في مجموعات دينية أخرى، وهي: (86%) من البروتستانت السود، و(85%) من الملحدين، و(65%) من الكاثوليك ذوي الأصول اللاتينية، و(65%) من الناخبين اليهود. ومن ثم تحوز “هاريس” على دعم أكبر من البروتستانت السود والكاثوليك من أصل لاتيني مقارنة بـ”بايدن” في أبريل 2024، عندما أيده (77%) من البروتستانت السود و(49%) من الكاثوليك من أصل لاتيني.
واتصالًا بذلك، تتجه بعض التحليلات إلى التأكيد على أن “ترامب” لا يستطيع الفوز دون دعم (80٪) من الإيفانجيليكيين البيض على الصعيد الوطني، وهي المسألة التي تبقى غير مؤكدة حتى الآن. فعلى الرغم مما كشفه استطلاع “مركز بيو للأبحاث” عن أن دعم الإيفانجيلكيين لـ”ترامب” يصل إلى (82%)، إلا أن الاستطلاع الذي أجرته صحيفة (واشنطن بوست / مدرسة شار)، في أكتوبر 2024، للناخبين في الولايات المتأرجحة وجد رقمًا أقل قليلًا؛ إذ قال (78%) من الإيفانجيليكيين البيض إنهم يخططون لدعم “ترامب”. كما أظهر استطلاع أجرته قناة “فوكس نيوز”، في أغسطس 2024، أن الرئيس السابق حصل على (75%) من الإيفانجيليكيين البيض، وهو أقل من الدعم الذي حصل عليه في عام 2020.
وفي السياق ذاته، كشفت دراسة أجرتها Lifeway Research في الفترة من 8 أغسطس إلى 3 سبتمبر 2024، أن الغالبية العظمى من القساوسة البروتستانت في الولايات المتحدة (حوالي 97%) يخططون للتصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ومن بين أولئك الذين يخططون للتصويت، يقول (50%) إن “ترامب” هو اختيارهم، بينما يدعم ربعهم (24%) “هاريس”، في حين يظل (23%) غير حاسمين، ولم يحصل أي مرشح من حزب ثالث على أكثر من (1%) من الدعم. بالإضافة إلى ذلك، كشفت “فاينانشيال تايمز” عن استطلاع حديث للقساوسة البروتستانت وجد أن ما يقرب من ربعهم مترددون في الكشف عمن سيصوتون له في السباق الرئاسي الجاري، وهي نسبة مرتفعة للغاية مقارنة بنحو (4%) فقط في عام 2020.
وعلى المنوال ذاته، خلص بحث حديث أطلقته جامعة أريزونا المسيحية، في أكتوبر 2024، إلى أن الحماس بين المؤمنين “أقل بكثير مما كان عليه في عام 2020″، وتوقع أن من بين أكثر من 80 مليون من رواد الكنيسة المنتظمين في الولايات المتحدة، سيبقى ما يصل إلى 32 مليونًا في منازلهم ولن يشاركوا في التصويت. ومن جهته، أوضح القس “جيم بول”، الذي نظم حملة “بايدن” في عام 2020، أن التزايد الذي حدث في دعم الإيفانجيلكيين البيض للديمقراطيين من عام 2016 إلى عام 2020 قد ساهم في فشل “ترامب” في الحصول على ولاية جديدة، مشددًا على أن تزايد هذا الدعم خلال السباق الحالي بنقطتين مئويتين قد يساهم في فوز “هاريس”.
وفي مقابل ذلك، عندما سُئل المتحدث باسم حملة “ترامب” عن التآكل المحتمل بين الإيفانجيليكيين، بلور الدور الذي يقوم به تحالفه “المؤمنون من أجل ترامب”، مستشهدًا بتأييد 1000 قس و2000 من قادة الكنائس الذين يقومون بحث زملائهم وأتباعهم على الذهاب إلى صناديق الاقتراع. علاوة على ذلك، فقد أوضح القس “توني سواريز”، نائب رئيس مؤتمر القيادة المسيحية الوطنية اللاتينية، أن الزيادة في الدعم الذي يقدمه الناخبون من أصول لاتينية لـ”ترامب” يرجع في جانب كبير منه إلى تحولهم نحو الإيفانجيليكية، وهو ما قد يزيد من الدعم الذي يحظى به “ترامب” خلال السباق الرئاسي الجاري. لافتًا إلى أنه على الرغم من الدعم الكبير الذي حظي به “جورج دبليو بوش” بين الناخبين من أصول لاتينية، إلا أنه يعتقد أن هذا سيكون “أعلى إقبال من الناخبين من أصول لاتينية”.
مثبطات الدعم الإيفانجيليكي لـترامب”
بالنظر إلى كون الإيفانجيليكيين بشكل عام، والإيفانجيليكيين البيض على وجه الخصوص، من القواعد الشعبية الرئيسية التي يعتمد عليها “ترامب”، فإن تفكيك التفاعلات المحيطة بهذه المجموعة يبقى مهمًا في تحليل المشهد الانتخابي الأمريكي المحموم. ففي ضوء رغبة “ترامب” وحملته في الاحتفاظ بكامل دعم الإيفانجيليكيين، يتضح أن هناك تعمدًا واضحًا في تصوير الانتخابات على أنها معركة دينية وليست مجرد معركة سياسية، من أجل تحفيز أكبر عدد من الإيفانجيليكيين المصوتين له. وهو ما يمكن الاستدلال عليه في تعليقه الذي قال فيه إن منافسته الديمقراطية “مدمرة للغاية للدين”، و”إنها مدمرة للغاية للمسيحية، ومدمرة للغاية للإيفانجيليكيين، وللكنيسة الكاثوليكية”.
بالإضافة إلى الدعوات التي تضرع بها “راميرو بينيا”، الذي يشرف على كنيسة المسيح الملك المعمدانية في وايكو بولاية تكساس، التي قال فيها: “اليوم، يا رب، نرفع الرجل الذي نعتقد أنك وضعت يدك عليه للمساعدة في استعادة أمريكا وإعادتها إلى المكان الذي يكرمك، إلى المكان الذي لن نُطرد فيه لقولنا إن المسيح الملك، أو يسوع هو الرب”، كما واصل “بينيا” دعواته بأن يستمر “ترامب” في الاستماع إلى الله و”جعل أمريكا تقية مرة أخرى”. ومن جانبها، قالت “كارولين ليفات” المتحدثة باسم “ترامب” “نحن على ثقة من أنه عندما يواجه الإيفانجيليكيون الذين يحبون الله والأسرة والوطن خيارًا ثنائيًا للتصويت للرئيس ترامب الذي وقف بقوة من أجل الحرية الدينية والحياة في ولايته الأولى مقابل المتطرفة هاريس التي تعد ليبرالية خطيرة وتدعم الإجهاض بعد الولادة. نحن على ثقة من أن هؤلاء الناخبين سيخرجون بأعداد تاريخية للرئيس ترامب”.
إلا أنه على الرغم من ذلك، فإن هناك مجموعة من العوامل والتحركات التي قد تحمل بعض التأثيرات على حجم الدعم الذي تقدمه هذه الفئة لـ”ترامب” خلال السباق الحالي، أبرزها:
- تذبذب موقف “ترامب” من الإجهاض:
يمكن القول بشكل عام إن قضية الإجهاض ساهمت في حشد الإيفانجيليكيين البيض للانخراط في السياسة خلال السبعينيات، لذا فقد أثار تخفيف التعهدات المؤيدة للحياة في برنامج اللجنة الوطنية الجمهورية، والتي تحتوي على إشارة إلى أن سلطة حظر الإجهاض “أُعطيت للولايات”، خيبة أمل بين بعض الرموز الإيفانجيليكية. ومن ثم فقد اعتبر كل من “توني بيركنز”، رئيس مجلس أبحاث الأسرة، والإيفانجيليكي البارز “ألبرت موهلر”، رئيس المدرسة اللاهوتية المعمدانية الجنوبية، أن “ترامب” يحتاج لأن يكون محددًا بشأن الإجراءات التي سيتخذها كرئيس بشأن الإجهاض، بما فيها تعيين القضاة المحافظين والتعيينات الوزارية، وضمان عدم دفع أي تمويل فيدرالي لعمليات الإجهاض، وإلا فإنه يخاطر بنزيف الأصوات الإيفانجيليكية.
وتعليقًا على ذلك، قال “مايكل إيمرسون”، الخبير في الدين والسياسة العامة في جامعة رايس، إن التراجع النسبي للحماس الذي يبديه المتدنيون لدعم “ترامب” يرجع إلى حقيقة مفادها أنه يتراجع في القضايا الأخلاقية التي يهتم بها الإيفانجيليكيون، وفي مقدمتها الإجهاض. كما أوضح القس “جيم بول” أن إحجام “ترامب” عن تأييد حظر الإجهاض الوطني صراحةً “أعطانا فرصة لنقول لزملائنا الإيفانجيليكيين، إنه لا يوجد مرشح مناهض للإجهاض في هذا السباق”.
وفي المقابل، تؤكد بعض الرموز الإيفانيجيليكية أن التذبذب في موقف “ترامب” تجاه قضية الإجهاض لن يؤثر بالضرورة على أصوات هذه الفئة في صناديق الاقتراع؛ إذ يصرون على أن “ترامب” لن يحتفظ بدعمه الطويل الأمد بين مجموعتهم فحسب، بل سيفاجئ الديمقراطيين أيضًا من خلال تحقيق مكاسب بين الإيفانجيليكيين من أصول لاتينية. فقد أوضح القس الإيفانجيليكي “توني سواريز”، أن بعض الإيفانجيليكيين كانوا قلقين بشأن جهود “ترامب” لإبعاد نفسه عن السياسات المتشددة لمناهضة الإجهاض، لكن موقفه لا يزال أكثر يمينية بشكل واضح من موقف “هاريس”. علاوة على ذلك، فخلال حدث “المؤمنون من أجل ترامب” الذي عُقد في كنيسة أتلانتا، قال “رالف ريد”، زعيم تحالف الإيمان والحرية، يجب على الجمهور أن يتذكر أن “ترامب” أوفى بوعده بتعيين ثلاثة قضاة “مؤيدين للحياة” في المحكمة العليا.
- جهود حملة “هاريس” لكسب الأصوات الإيفانجيليكية:
على الرغم من كون الإيفانجيليكيين، ولا سيما البيض، ضمن أبرز القواعد التي تصوت للجمهوريين وتدعم “ترامب”، إلا أن حملة “هاريس” سعت للقيام بمجموعة من الجهود التي تمكنها من الحصول على بعض أصوات هذه القاعدة بما يسمح لها بتعويض التراجع الذي تحظى به مقارنة بـ”بايدن” بين مجموعات أخرى، وخاصة الرجال السود والرجال اللاتينيين. ومن ثم تم تشكيل مجموعة تسمى “الإيفانجيليكيين من أجل هاريس”. وتكشف بعض وسائل الإعلام عن قيام هذه المجموعة بإنفاق ما يقرب من مليون دولار شهريًا لنشر رسالة مفادها أن الناخبين المسيحيين يجب أن يهتموا بمعاملة الآخرين بالحب والاحترام وأن “هاريس” هي المرشحة التي تفعل ذلك.
واتصالًا بذلك، فقد بدأت المعركة في أغسطس، عندما وضعت هذه المجموعة خطبة للقس الإيفانجيليكي “بيلي جراهام” الداعم لـ”ترامب” تعود لعام 1988، مع مقارنتها بفيديو للمرشح الجمهوري؛ إذ أوضح “جراهام في الخطبة أن الصفات التي سوف تظهر في الأيام الأخيرة الغادرة هي “الجشع، والكبرياء، والعنف، والتهور، والسعي وراء المتعة”، مشيرًا إلى وجود من هم يحافظون على واجهة الدين فقط، بينما أوضح فيديو “ترامب” الذي تم ربطه بالخطبة أنه يتصف بكل هذه الصفات السلبية. وفي هذا السياق، فقد أيدت “جيروشا دوفورد”، حفيدة “جراهام”، المرشحة الديمقراطية “هاريس” مما سلط الضوء على الانقسام المستمر في داخل هذه الأسرة الإيفانجيليكية البارزة. كما كتبت “دوفورد” في مجلة “نيوزويك” تعليقًا على ذلك إنه “بالنظر إلى إرث جدي، من الواضح أن قيمه كانت متمركزة بقوة في الوحدة والعدالة والرحمة”.
علاوة على ذلك، فقد دشنت حملة “هاريس” مبادرة “أرواح إلى صناديق الاقتراع” لتعزيز الدعم بين المسيحيين غير البيض. وفي إطار فاعليات هذه المبادرة، فقد شاركت في كنيستين سوداوين، وبعد تصريحاتها، نقلت الحافلات المصلين إلى أكشاك التصويت المبكر. ومن جهته، قال “جيمس تالاريكو”، ممثل ولاية تكساس الذي يعمل مع مجموعة “إيفانجيليكيين من أجل هاريس”، إنه على الرغم من عدم حماسهم العلني مثل نظرائهم السود، فإن “الأغلبية الصامتة” المتزايدة من الإيفانجيليكيين البيض أكثر تعاطفًا مع الديمقراطيين ومع “هاريس”، لكنه ظل “واقعيًا” بشأن عدم حدوث تحول كبير للإيفانجيليكيين البيض بعيدًا عن “ترامب”، موضحًا أن مجرد جلب عدد قليل منهم إلى جانب الديمقراطيين “يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا”.
- الخوف من الانقسام ودعوات تحييد الدين:
في ضوء العمل على توظيف وتسييس الدين من جانب كلا المعسكرين، وحالة الاستقطاب والانقسام السياسي الكبيرة، ظهرت بعض التيارات والدعوات التي ترفض دخول الدين في المعارك الانتخابية والسياسية. فقد أظهر بحث أجرته جامعة أريزونا المسيحية أن “أعدادًا كبيرة من الكنائس المسيحية نأت بنفسها عن الانتخابات، ورفضت تشجيع المصلين على التصويت وتجنبت التدريس المتعلق بالعديد من القضايا الاجتماعية الرئيسية التي ستحدد المرشحين الذين سيدعمهم الناس”.
وعلى هذا النحو، فقد أنشأ تحالف القيم الأمريكية، الذي بدأ نشاطه في عام 2021، “أكاديمية إصلاح الفرقة”، في نهاية عام 2023، والتي استهدفت جهودها عام الانتخابات بشكل خاص، من أجل مساعدة القساوسة الذين تمزقت كنائسهم بسبب انتخابات عام 2020 والانقسامات جراء وباء (كوفيد -19). هذا بجانب عدد من الحركات الوطنية الأخرى التي يستهدف بعضها فصل الدين عن السياسة، بينما يهدف البعض الآخر لفك الترابط التاريخ بين الإيفانجيليكيين والجمهوريين.
واتساقًا بذلك، قال “ناب نازورث”، عالم السياسة الإيفانجيليكي الذي يقود إحدى المجموعات الجديدة التي تعمل على مكافحة التطرف الديني، إنه “نظرًا لأن [ترامب] فتح علبة الديدان هذه، فإن مهمتنا ستظل ضرورية بغض النظر عمن سيفوز في نوفمبر”، مشيرًا إلى أنه يعتقد أن التركيز على “ترامب” حاليًا ستكون له نتائج عكسية. كما قال عالم الأخلاق المسيحي “ديفيد جوشي”، الذي يطلق على نفسه “ما بعد الإيفانجيليكي” ومؤلف كتاب “الدفاع عن الديمقراطية من أعدائها المسيحيين”، إن الدافع وراء حالة الاحتقان هذه هي “التكتيكات المناهضة للديمقراطية” التي استخدمها “ترامب” للاحتفاظ بالسلطة بعد خسارته، وفي مقدمتها تمرد الكابيتول الأمريكي في 6 يناير 2021. واعتبر “جوشي” أن أزمة الديمقراطية في الولايات المتحدة هي في جانب كبير نتيجة لردود الفعل الشرسة للإيفانجيليكيين التقليديين وغيرهم من المسيحيين تجاه تصور التغيير الثقافي وفقدان السلطة.
مجمل القول، يمثل الإيفانجيليكيون قاعدة شعبية جمهورية مضمونة، سوف تتوجه أغلب أصواتها لـ”دونالد ترامب” خلال السباق الجاري، وربما تكون عاملًا مؤثرًا في حسم الانتخابات لصالحه في وجه منافسته “كامالا هاريس”. وعلى الرغم مما تؤكده بعض التحليلات بشأن خسارة “ترامب” لجانب من الأصوات الإيفانجيليكية بسبب تذبذب موقفه من قضية الإجهاض، لكن تظل حدود هذه الخسارة ضيقة، ليس فقط بسبب الارتباط التاريخي بين الإيفانجيليكيين والجمهوريين، وإنما بسبب تواضع قدرة النموذج الذي تقدمه “هاريس” على كسب ثقة هذه القاعدة.